5 دقائق قراءة

سكان الرقة غير قادرين على تحمل نفقات الرعاية الصحية في المستشفيات الخاصة التي تعمل “دون إشراف”

سكان الرقة يبيعون منتجاتهم بالقرب من مبنى منهار في ١٧ […]


سكان الرقة يبيعون منتجاتهم بالقرب من مبنى منهار في ١٧ أيار. تصوير: وكالة الأنباء الفرنسية.

 

في الأيام الأخيرة من معركة الرقة، اتّخذ ما تبقى من مقاتلي تنظيم الدولة ملعباً لكرة القدم وأحد المشافي في وسط المدينة مخبأ لهم.

وضربت الطائرات الحربية – معظمها أمريكية – الرقة على مدى أشهر، وبحلول حزيران ٢٠١٧، وصلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ذات الغالبية الكردية، والتي تدعمها الولايات المتحدة، إلى أطراف المدينة، ووقعت معركة دموية استمرت لشهور من أجل السيطرة على عاصمة تنظيم الدولة الفعلية.

ودُمر المشفى الوطني – آخر مشفى عام في المدينة – خلال المعركة، وحاصرت قسد مقاتلي التنظيم المختبئين في الداخل، في حين ألحقت مجموعة من الاشتباكات والغارات الجوية الضرر بالمشفى.

وأصبح المشفى “آخر ساحة معركة في الرقة”، بحسب ما قاله أسامة خلف، المتحدث باسم مجلس الرقة المدني المدعوم من قوات سوريا الديمقراطية، لسوريا على طول، مضيفا أن “التنظيم لم يرحل قبل أن يحرق كل شيء في الداخل”.

وبعد ذلك، في أواخر تشرين الأول، أنهت اتفاقية بوساطة أمريكية القتال وسمحت لما تبقى من مقاتلي التنظيم بالإجلاء إلى الصحراء السورية، تاركين الرقة – والمشفى المدمر – وراءهم.

وبعد مرور عام تقريباً، لا يزال المشفى الوطني خارج الخدمة تماماً، تاركاً سكان الرقة دون خيارات رعاية صحية أخرى فيما عدا العيادة العامة غير المجهزة، وعدد قليل من مستشفيات خاصة غير منظمة ومرتفعة التكاليف إلى حد كبير.

ويصف أكثر من نصف سكان الرقة البنية التحتية الطبية بأنها مدمرة حيث أن الإجراءات والأدوية إما غير متوفرة أو باهظة التكلفة بالنسبة لمعظم سكان المدينة.

وقال السكان أن نقص مرافق الرعاية الصحية العامة وأسعار المستشفيات الخاصة ترك الكثير من سكان الرقة دون الحصول على رعاية طبية جيدة.

وقال محمود، أحد سكان الرقة، طلب عدم نشر اسمه الكامل “عندما يمرض الناس، فإنهم يتناولون المسكنات. وهكذا، ليس عليهم أن يدفعوا تكاليف باهظة للأطباء”

وبالنسبة لسكان الرقة، فإن أقرب مشفى مجهز بالكامل يقدم خدمات طبية كاملة يوجد في تل أبيض على بعد ٨٠ كم شمال المدينة بالقرب من الحدود السورية – التركية، أما المصابون بجروح خطيرة، وكبار السن أو أولئك ممن هم في حاجة ماسة لإجراء جراحة أو غيرها من الإجراءات المنقذة للحياة، فإن الوصول إلى المشفى رحلة طويلة لا يمكنهم القيام بها.

ولا تزال هناك عيادة عامة واحدة فقط – تدعمها منظمة أطباء بلا حدود- بقيت في المدينة منذ إجلاء التنظيم، وتقع العيادة في حي المشلب شرقي المدينة، والعلاج فيها محدود ولكنه مجاني.\ 

 

Embed from Getty Images

مستشفى الرقة الوطني في تشرين الأول ٢٠١٧. تصوير: وكالة الأنباء الفرنسية.

وتفتقر عيادة المشلب إلى مركز علاج للصدمات وجناح جراحي، مما يعني أن الأشخاص الذين يعانون من إصابات خطيرة عليهم أن يسافروا خارج الرقة أو يزوروا أحد المستشفيات الخاصة الثلاثة التي فتحت في الرقة خلال الأشهر القليلة الماضية.

وقال بشار النايف، البالغ من العمر ٣٥ عاماً والمقيم في الرقة، وهو أحد المتطوعين مع منظمة أوكسجين شباب، وهي مجموعة محلية تقود مشاريع لإعادة بناء الأماكن العامة “جميع العمليات الجراحية في الرقة عالية التكلفة ولا تتوافر إلا في مشافي خاصة”.

وتواصلت سوريا على طول مع منظمة أطباء بلا حدود للتعليق بشأن المرافق الطبية في شمال سوريا، لكن المنظمة رفضت التعليق.

وبالنسبة لأولئك غير القادرين أو غير الراغبين بالذهاب إلى تل أبيض، فإن المستشفيات الخاصة هي الخيار الوحيد أمامهم، ولكن مع عدم وجود منافس لها ومع محدودية الوصول إلى المعدات والأدوية، قال العديد من سكان الرقة لسوريا على طول أن المستشفيات الخاصة يمكنها فرض التكاليف التي تريدها.

“لا يوجد إشراف”

قال نايف “يتصرف أصحاب هذه المستشفيات كما لو كانوا يمتلكون شركات. هناك طلب كبير على الخدمات العلاجية ولكن لا يوجد إشراف … ولا يوجد منافس لها تقريباً”.

عندما تعرضت ابنة أخت الصحفي مازن خليل للاختناق بسبب حبة صغيرة ابتلعتها عن طريق الخطأ، أسرع بها والدها إلى مشفى الفرات الخاص في مدينة الرقة.

قال خليل “استغرقت العملية بأكملها دقيقتين ولم تكن هناك جراحة”، لكن الأطباء طلبوا ٤٠ ألف ليرة سورية (حوالي ٩٠ دولاراً) من العائلة.

وتابع قائلا “هذا راتب شهر كامل”.

عدد من الأدوية الطبية غير متوفرة في الرقة، وما تبقى من مخزون الصيدليات المحلية غالباً ما يكون باهظ الثمن، بحسب ما قاله المدني أبو أحمد، الذي يعمل مهندسا.

وقال أبو أحمد لسوريا على طول “لا يوجد إشراف على الصيدليات، ولم يتم تحديد الأسعار، حتى أن السعر يختلف من صيدلية إلى أخرى”.

وأصدر مجلس الرقة المدني، الكيان المدعوم من قبل قسد، والذي تشكل في نيسان ٢٠١٧، والمكلف بإدارة المدينة بعد هزيمة التنظيم، قائمة بأسعار الأدوية والإجراءات الطبية في ٨ آب في محاولة لضبط تكاليف الرعاية الصحية.

ويُلزم المرسوم مشافي الرقة الخاصة بالالتزام بالأسعار التي حددها المجلس، ومع ذلك قال السكان إن المرسوم لا يزال ذو تأثير محدود.

وقال نايف لسوريا على طول “لا يوجد أي إشراف” على المستشفيات الخاصة على الرغم من وجود المرسوم، مضيفاً أنه حتى أسعار المجلس بعيدة عن متناول معظم سكان الرقة.

وتابع نايف “ربما يساعد هذا المرسوم في تحديد الأسعار في المستقبل، لكن الأسعار المقترحة لا تزال مرتفعة. إنها بحاجة الى نظرة ثانية”.

وقال محمد الأحمد، مدير أحد مستشفيات الرقة الخاصة، أن المرافق التي يديرها القطاع الخاص تعاني أيضاً من تكاليف الرعاية المرتفعة. وأضاف أن مسألة السعر المناسب تبقى مفتوحة للنقاش.

وأوضح الأحمد لسوريا على طول أن “الأسعار الحالية طبيعية جداً، في الواقع إنها أرخص من المدن المجاورة الأخرى مثل منبج، والقامشلي والحسكة”، وطلب عدم نشر اسمه أو اسم المستشفى في هذا التقرير.

وسيطر التنظيم على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق في عامي ٢٠١٣ و ٢٠١٤ في حملة عسكرية وحشية وخاطفة شنت ضد القوات الموالية للحكومة وجماعات المعارضة والمدنيين.

وفي أوائل عام ٢٠١٤، وصلت حملة التنظيم إلى الرقة حيث تقدمت شرقاً على طول ضفاف نهر الفرات. وأصبحت المدينة معقلاً رئيسياً للتنظيم والعاصمة الفعلية لخلافة الجماعة الإسلامية.

وحكم التنظيم الرقة لمدة ثلاث سنوات، وفرض تفسيراً صارماً لأحكام الشريعة الإسلامية على السكان المحليين، وأُجبرت النساء على تغطية وجوههن في الأماكن العامة، كما أُجبرت الرجال على الصلاة في المساجد، وتم حظر معظم أشكال التواصل مع العالم الخارجي، كما أصبح ضرب العامة والإعدام شائعاً.

وتمت تسوية أجزاء كاملة من الرقة عن طريق الغارات الجوية والقتال البري مع تراجع قوات التنظيم بكاملها في المباني والشوارع. كما قام مقاتلو تنظيم الدولة بحفر أنفاق تحت الأرض أدت إلى تدمير البنية التحتية للمدينة.

وكان ثمن طرد التنظيم من الرقة غالياً جداً، فعندما أعلنت قوات التحالف وقسد المدعومة من الولايات المتحدة أنها قد سيطرت أخيراً على الرقة في أكتوبر ٢٠١٧، كانت المدينة مدمرة، وبعد مرور ما يقارب العام، غطت الألغام والمتفجرات المدينة، بينما لم تعد خدمات المياه والكهرباء إلى معظم الأحياء بعد. وتخفي أنقاض المباني المنهارة جثثاً لم تنتشلها السلطات المحلية حتى الآن.

ولا يزال المشفى الوطني- إحدى ساحات المعارك النهائية- مدمراً، بحسب ما قاله مدير المستشفى الخاص أحمد لسوريا على طول، ويحتاج “ملايين” الدولارات لإصلاحه.

وعلى الرغم من أن النقص في خدمات الرعاية الصحية الكافية هو مجرد واحد من التحديات العديدة التي تواجه سكان الرقة منذ سقوط التنظيم، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة وتزايد تعاطي المخدرات في المدينة، قال الأحمد أن سكان الرقة سوف يتعايشون ببساطة مع ما هو متاح.

وختم الأحمد “عندما يصاب شخص ما بالمرض، يجب عليه زيارة الطبيب. إذاً، سيقبل الناس الذهاب إلى المشافي الخاصة”.

“يجب أن يقوموا بذلك”

 

ترجمة: سما محمد

شارك هذا المقال