4 دقائق قراءة

سكان “الركبان” يزرعون الصحراء بحثاً عمّا يسد رمقهم

عمان - على بعد أمتار من الخيمة التي يقطنها داخل مخيم الركبان، يجني أبو محمد بعضاً من ثمار الباذنجان والكوسا، لتقوم زوجته باستخدامها في تحضير وجبة الغداء.


10 يوليو 2019

عمان – على بعد أمتار من الخيمة التي يقطنها داخل مخيم الركبان، يجني أبو محمد بعضاً من ثمار الباذنجان والكوسا، لتقوم زوجته باستخدامها في تحضير وجبة الغداء.

بالنسبة لأبي محمد الذي يعيش في المخيم مع عائلته المكونة من 4 أشخاص، كانت تجربة الزراعة في الصحراء هي الأولى له هذا العام. إذ قال لـ”سوريا على طول”: “تضيق بنا الظروف أكثر فأكثر، وتقطعت بنا كل السبل، وعليّ أن أطعم عائلتي”.

وتبدو الزراعة في الصحراء القاحلة التي يتربع عليها مخيم الركبان جنوب شرق سوريا، مسألة مثيرة للدهشة، بحكم الظروف المناخية شديدة القسوة التي تجعل الزراعة أقرب إلى المستحيلة.

إلا أن أهالي المخيم بدأوا يقبلون بشكل ملحوظ، هذا العام، على زراعة مساحات قليلة من المحاصيل بما يتناسب مع إمكاناتهم المادية وحاجتهم الشخصية.

إذ يشهد “الركبان” ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بسبب ندرة المساعدات، إضافة إلى انقطاع طرق التهريب التي كانت تعد شريان الحياة بالنسبة للأهالي هناك، نتيجة إحكام قوات الحكومة السورية وحلفائها الروس الحصار على المخيم لإجبار قاطنيه على مغادرته. في حين تعتبر الحكومة الأردنية أنَّ “الركبان” مسؤولية السلطات الحكومية السورية والمنظمات الإنسانية العاملة في مناطقها بسبب وقوعه داخل الأراضي السورية.

وكانت نجاة رشدي، كبيرة مستشاري الشؤون الإنسانية لمبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، قد حذرت في مؤتمر صحفي في 16 أيار/مايو الماضي، عقب اجتماع فرقة العمل الإنسانية في جنيف، من أن “المعاناة بسبب الجوع تحدث بالفعل في مخيم الركبان للنازحين جنوب شرق سوريا، إذ لم يحصلوا على أي مساعدة إنسانية، ولم تصلهم أي قافلة منذ شباط/فبراير [2019]، وقد بدأت المجاعة بالفعل”.

وأشار أبو محمد إلى أنه “رغم تدني نسبة نجاح الزراعة، وتكاليفها المرتفعة، إلا أنها أصبحت حالياً أقل تكلفة من الخضار التي تباع في سوق المخيم، إن وجدت”. مبيناً أن “سعر كيلو الباذنجان والكوسا والبندورة 600 ليرة سورية، بينما [يباع كيلو] الفليفلة بـ1000 ليرة، والثوم ب 2000 ليرة”.

أما الناشط الإعلامي عمر الحمصي الذي قام، بدوره، بزراعة 100 دونم من الشعير هذا العام كعلف لأغنامه، فيقول لـ”سوريا على طول”: “سابقاً كان الأهالي يظنون أن الزراعة مستحيلة. لكن بعد نجاح تجربة البعض، انتشرت الزراعة كثيراً بين السكان هذه السنة”. وأضاف: “البعض فشل في زراعة بعض الثمار بسبب عدم توفر البيئة المناسبة، وعدم القدرة المادية [لتأمين] السقاية”. 

سنابل شعير في أحد الحقول العائدة لعمر الحمصي، 9 تموز/يوليو  (عمر الحمصي)

وعلى الرغم من أن الشعير يعتبر من المحاصيل المضمونة، إلى حد ما،  في تلك المنطقة، كونه بعلياً، إلا أن قلة قليلة من أهالي المخيم تفضل زراعته، لأنه “مكلف ولا يستخدم إلا علفاً للأغنام”، كما قال الحمصي. 

إذ يكافح سكان المخيم أمام الصعوبات الكثيرة وقلة الإمكانات التي تواجههم، لإبعاد شبح الجوع خصوصاً أولئك الذين ما يزالون يصرون على عدم العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية.

وأشار أبو محمد إلى أن “الحرارة المرتفعة، وملوحة التربة، وقلة المياه والمواد الزراعية من بذور وسماد، كما عدم وجود مبيدات، يجعل إمكانية الزراعة صعبة للغاية”.

وفي مواجهة هذه الصعوبات، يلجأ إلى بعض التدابير، من قبيل زراعة مساحة صغيرة تسد حاجة أسرته، واستعمال روث الأغنام سماداً للمزروعات، مع ريها يوماً بعد يوم لتقليل تكلفة المياه.

رجال يعاينون إحدى الحصادات التي جلبها قاطنو “الركبان” خلال نزوحهم، 4 تموز/يوليو (عمر الحمصي)

ويعاني سكان المخيم من شح وانقطاع متكرر للمياه التي يتم ضخها إلى المخيم عن طريق الساتر الترابي الأردني، ما يضطرهم إلى شراء مياه غير صالحة للشرب يتم الحصول عليها من بعض الآبار والمستنقعات البعيدة. 

وقال أبو محمد: “يكلفني برميل الماء 300 ليرة سورية، والمساحة التي أزرعها تحتاج 5 براميل يومياً”. مشيراً إلى أن “بعض السكان يزرعون المحاصيل البعلية التي يمكن أن تنمو على الرطوبة فقط مثل الكوسا والعجّور”.

أما الشعير الذي يوفر على الحمصي معاناة الري، فإنه يفرض عليه، في المقابل، تكاليف أخرى لا يمكن لأغلب سكان المخيم تحملها. إذ يحتاج كل دونم، كما قال “بذاراً بتكلفة 1200 ليرة سورية، وفلاحة بـ1000 ليرة، وحصاد بكلفة بين 3000 و6000 ليرة”. وأضاف: “يباع كيلو الشعير في مناطق النظام بـ100 ليرة، لذلك يزرعه فقط من يمتلك أغناماً أو يستطيع تصريفه إلى مناطق النظام”.

ويشهد “الركبان” حالياً عودة الآلاف من قاطنيه إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية نتيجة الأوضاع الإنسانية السيئة في المخيم، وإعلان الحكومة ومركز المصالحة الروسي، في شباط/ فبراير الماضي، عن فتح “ممرات إنسانية”.

وبحسب مسؤول في الإدارة المدنية لمخيم الركبان، كان قد تحدث إلى “سوريا على طول” نهاية حزيران/يونيو الماضي، لا يتجاوز العدد الحالي لقاطني المخيم 12 ألف نسمة، نزولاً من 40 ألف نسمة قبيل فتح المعابر ومنع دخول المواد الأساسية.

شارك هذا المقال