6 دقائق قراءة

سكان دمشق يعدّون الساعات والدقائق للنجاة من جحيم الحياة والأسد يستضيف مؤتمر “عودة اللاجئين” بضغط روسي

"قبل أن تفكر الحكومة بعودة اللاجئين، حريّ بها تقديم خدمات جيدة لمن تبقى في البلد، أو أن تجد لنا مخرجاً لنرحل من هنا"، هكذا ردت عبير الحسين على انعقاد مؤتمر عودة اللاجئين السوريين في دمشق.


17 نوفمبر 2020

عمان- مع انعقاد مؤتمر عودة اللاجئين السوريين في دمشق، يوم الأربعاء 11 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، تلقّت عبير الحسين (اسم مستعار)، 27 عاماً، المقيمة في دمشق، اتصالاً من زوجها المقيم في ألمانيا، يستشيرها ممازحاً “أن يعود إلى البلد بدلاً من استكمال إجراءات لمّ الشمل لي ولطفلتي لنلتحق به”.

كان ردّها ، كما قالت لـ”سوريا على طول”، “قبل أن تفكر الحكومة بعودة اللاجئين، حريّ بها تقديم خدمات جيدة لمن تبقى في البلد، أو أن تجد لنا مخرجاً لنرحل من هنا”، متذمرة من “الوضع الخدمي السيء جداً. فالتيار الكهربائي يصل 4 ساعات خلال 24 ساعة، والمياه ملوثة، وشحّ في الغاز والوقود”.

لكن زوجها سعيد الحمد (اسم مستعار)، 30 عاماً، يرى أن عودة اللاجئين لا تتوقف على تحسين الخدمات فقط، معتبراً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن “مشكلتنا أكبر من توفير الخدمات الأساسية وتحسينها، المشكلة في أن يأمن الإنسان على نفسه، وأن لا يكون عرضة للاعتقال أو القتل”. لذلك كما قال، “عودتنا مشروطة بتغيير جذري في نظام الحكم، وإطلاق سراح معتقلي الرأي، وعدم احتكار السلطة لصالح عائلة واحدة وحزب واحد [حزب البعث العربي الاشتراكي]”.

الحمد غادر ضواحي دمشق إلى محافظة إدلب شمال غرب سوريا، في آذار/مارس 2018، على متن حافلات التهجير، بعد توقيع اتفاق تسوية بين النظام السوري وفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، ليجتاز تالياً الحدود عبر مهربين إلى تركيا، ومنها إلى ألمانيا حيث بدأ يشعر بالاستقرار منذ أشهر قليلة، ويتطلع إلى استقدام زوجته وطفلته ذات الأربع سنوات.

أيضاً، مهند الحلبي (اسم مستعار)، 21 عاماً، وهو لاجئ سوري من محافظة حلب شمال سوريا يعيش في الأردن، يرفض العودة إلى بلده “لقد دمّر منزلي، واختفى أصدقائي وتشتت أسرتي” كما عبّر لـ”سوريا على طول”. قصة الحلبي هذه تعكس مشاعر نحو 5.6 مليون لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في دول الجوار وشمال إفريقيا.

بلد غير مؤهل لاستقبال مواطنيه

تناولت صفحات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي مؤتمر عودة اللاجئين باستهزاء وسخرية، خصوصاً أولئك المقيمين في مناطق سيطرة دمشق، “وهي الطريقة التي يستخدمها السوريون خلال الفترة الأخيرة مع الكوارث والمصائب التي تتوالى على رؤوسهم باعتبارها – أي السخرية – آخر وسائل الدفاع التي يشهرها الناس في حالات اليأس الشديد” كما قال رامي عيسى، مراسل “سوريا على طول” في دمشق.

وبحسب عيسى “الكثير من السوريين الذين رصدنا مواقفهم هنا تحدثوا عن المفارقة الغريبة بأنْ يتحدث النظام وروسيا عن عودة اللاجئين، فيما الناس هنا تعدّ الساعات والدقائق للنجاة من الجحيم” لافتاً إلى أن “الفقر أطبق على الجميع والحصول على أساسيات الحياة بات غاية لا تدركها معظم العائلات”.

تأكيداً على ذلك، بثت قناة روسيا اليوم خلال تغطية فعاليات اليوم الأول – بخطأ تقني – نقاشاً ساخراً من المؤتمر، بلهجة سورية، منسوب لمترجمين كما تداول ناشطون. إذ علق أحدهم على اسم المؤتمر “بالعكس تماما اللي موجودين بالبلد لو يصح لهم بيطلعوا كلهم” (في الدقيقة 09:08:26).

ومع ذلك، فقد حان وقت العودة بالنسبة لموسكو ودمشق، وبناء على ذلك عقد المؤتمر المثير للجدل يومي 11 و12 تشرين الثاني/نوفمبر الماضيين، وسط رفض دولي، وحضور خجول لدول لم تستقبل بلادها لاجئين أصلاً، من قبيل روسيا والصين والإمارات العربية المتحدة، فيما كانت لبنان استثناءً.

جانب من الحضور في مؤتمر “عودة اللاجئين” الذي عقد في دمشق بضغط من موسكو، 11/ 11/ 2020 (سانا

ودعت الولايات المتحدة إلى مقاطعة المؤتمر محذرة من أن سوريا ليست مستعدة لعودة اللاجئين “على نطاق واسع”، كما من غير المناسب أن تشرف موسكو التي تدعم بشار الأسد على عودة اللاجئين، بحسب ما جاء على لسان نائب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة خلال اجتماع لمجلس الأمن في 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

كذلك، رفض الاتحاد الأوروبي المشاركة في المؤتمر، معتبراً أن محادثات العودة على نطاق واسع سابقة لأوانها، إذ صّرح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، بأن “الظروف داخل سوريا لا تصلح في الوقت الحالي لتشجيع العودة الطوعية على نطاق واسع”.

من جانبه، وفيما ألقى بشار الأسد باللوم على العقوبات الدولية في عرقلة عودة اللاجئين ومفاقمة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، فإنه لم يتخذ أي خطوات للترحيب باللاجئين وتشجيع عودتهم، بل على العكس”أصدر مجموعة قوانين تمنع العودة، من قبيل القانون رقم 10 لعام 2018، الذي يصادر أملاك اللاجئين والمهجرين” كما قال لـ”سوريا على طول” د.رضوان زيادة، مدير المكتب التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بالعاصمة الأميركية واشنطن.

ورغم أن الأرقام الرسمية الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تشير إلى زيادة مطردة في عدد العائدين طوعاً، إذ بلغ عدد العائدين حتى تموز/يوليو 2020 نحو 234.817، منهم 94,971 عادوا في العام 2019، مقابل 28,212 عادوا في العام 2016، لكن ما يزال العدد ضعيفاً مقارنة بإجمالي عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية، والذي يقدر عددهم بنحو 5.6 مليون لاجئ في دول الجوار وشمال إفريقيا.

أجندة روسية

فيما يعتمد نحو 13.1 مليون مواطن سوري داخل سوريا على المساعدات الإنسانية، بينهم 6.6 مليون نازح داخلي، فإن العودة على نطاق واسع ستزيد من هذه الاحتياجات، والتي قد تكون أحد أهداف روسيا من المؤتمر، كما حذّر المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، ومقره واشنطن، محمد العبد الله، في حديثه إلى “سوريا على طول” من أنه “إذا نجحت روسيا في دفع الدول الأوروبية لإعادة اللاجئين السوريين، فإنها ستطلب في الخطوة التالية تمويلاً لأن العائدين بحاجة إلى تأهيل البنية التحتية”، معتبراً أن موسكو ودمشق “أول المستفيدين من أي أموال لإعادة الإعمار”.

من جانبه، اعتبر د.رضوان زيادة أن “مؤتمر عودة اللاجئين السوريين هو فكرة روسية، ترى فيه موسكو فائدة بالنسبة لعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وربما من أجل الحصول على أموال إعادة الإعمار، لذلك أجبرت الأسد على عقده”.

ومع أن المبادرة الروسية لا تعدو أكثر من “إثبات منها على بذل بعض الجهود” بحسب الباحث غير المقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسي، كبرييل سيمينوف، فإنها تحمل “دوافع اقتصادية”، معتبراً أن “مشاركة الإمارات العربية المتحدة في المؤتمر مهمة، ومن المحتمل أن تحاول روسيا جذب استثمارات من الإمارات لتمويل نظام الأسد، لأن موضوع اللاجئين قد يسمح لها بتجاوز قانون قيصر”.

الأمن والحل السياسي شرطان أساسيان للعودة

بالنسبة للسيدة نهلة (اسم مستعار)، وهي سيدة مسيحية من ريف حمص تعيش في الأردن، “لا يثق الشعب السوري بوعود روسيا في عودة اللاجئين، باعتبارها شريكة إلى جانب دمشق في تدمير جزء كبير من البلاد، ولم تقف على الحياد منذ اندلاع أحداث سوريا”.

ولأنها تقف على مسافة واحدة من النظام والمعارضة “كونهما ارتكبا أخطاء كبيرة”، كما قالت، فإنها ترى “العودة غير ممكنة في هذه الظروف. فالنظام يعتبرني مع المعارضة وقد أتعرض للقتل والاعتقال في مناطق نفوذه، وكذلك في مناطق المعارضة”. إضافة إلى أن النظام السوري سهّل دخول العديد من الميليشيات الأجنبية إلى البلاد لدرجة أنه “لم يعد قادراً على ضبطها أو ضمان أي شيء لشعبه” بحسب قولها.

وكانت الجمعية السورية لكرامة المواطن، أصدرت بياناً قبيل انعقاد مؤتمر عودة اللاجئين، نفت فيه وجود  “أي رغبة حقيقية في تأمين عودة آمنة وطوعية وكريمة لما يقارب 13 مليون سوري مهجر”، مشددة على أن “ملف اللاجئين لا يمكن أن يتم حله بطريقة أحادية الجانب تديرها روسيا والنظام السوري ولا يوجد احتمال أن تتم أي عودة منظمة تحت رعاية جهتين شاركتا في هجمات ممنهجة وعشوائية ضد المدنيين السوريين بهدف التهجير القسري”.

وفي دراسة استقصائية نشرتها الجمعية السورية لكرامة المواطن، في تموز/يوليو الماضي، شملت 1100 نازح سوري حول دوافع الهجرة والحد الأدنى لشروط العودة، خلصت الدراسة إلى أن 73% من المهجرين الذين أجريت عليهم الدراسة يرغبون في العودة إلى ديارهم إذا كانت الظروف مناسبة، وقد أصرّ 80% على أن الوضع الأمني يجب أن يتغير. 

وبحسب الدراسة، فإن ثلاثة أرباع المهجرين السوريين يريدون رؤية حل سياسي شامل يضمن حقوقهم كشرط لبناء شعور لديهم بالأمان فيما يتعلق بالعودة، إذ إن المخاوف الأمنية هي أكبر عائق أمام العودة، فنحو 90% من المشاركين في الدراسة أشاروا إلى أن شعورهم بعدم الأمان كان أحد أبرز أسباب الهجرة.

وكان معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، ومقره العاصمة الأميركية واشنطن، قد نشر في آب/أغسطس 2019، بحثاً جاء فيه أن الحكومة السورية اعتقلت بين تموز/يوليو وتشرين الثاني/نوفمبر 2018 نحو 700 مواطن سوري عائد إلى مناطق سيطرتها، كذلك اعتقلت 50 طفلاً على خلفية ارتباطاتهم الثورية. كما أفاد مسح أجري في حزيران/يونيو 2107 وشمل 350 عائداً أن 75% منهم تعرضوا للاعتقال والمضايقات والتجنيد الإجباري رغم وجود وعود بالإعفاء.

لذلك فإن الشباب السوري، من مثل مهند الحلبي، اللاجئ في الأردن، يواجهون احتمالية التجنيد الإجباري وإرسالهم إلى الخطوط الأمامية ما قد يهدد حياتهم، إضافة إلى إمكانية اعتقالهم أو قتلهم رغم خضوعهم للتسوية. أما في حالة السيدة المسيحية نهلة فإنها تصرّ على عدم العودة إلى أن “يتغير النظام وتتوفر ظروف العيش الكريمة”.

شارك هذا المقال