6 دقائق قراءة

“سوريا المشمسة” بعيون السلطات الدنماركية تحرق استقرار اللاجئين وأمنهم

رغم أن سحب إقامات لاجئين سوريين في الدنمارك لا يعني إجبارهم على العودة إلى سوريا، إلا أن ترك هؤلاء اللاجئين منسيين في مراكز العودة هو وسيلة تحفيز لهم على العودة طواعية إلى سوريا رغم الظروف غير الآمنة


7 يوليو 2021

عمان- احتفاءً بمشاركة الدنمارك في كأس أمم أوروبا لكرة القدم (يورو 2020) ومن ثم بلوغها الدور نصف النهائي لتواجه انجلترا اليوم، يكاد لباس المنتخب الوطني الدنماركي يهيمن على الأسواق في البلاد، ويتسابق الجميع لارتدائه، مواطنون ومقيمون.

لكن وسط هذه الأجواء المبهجة، يشعر الناشط السوري يوسف بكداش، 34 عاماً، المقيم في مدينة آرهوس، “بغصة في القلب” كما قال، لأول مرة منذ وصوله إلى الدنمارك قبل ست سنوات. إذ تمنى لابنه، ذو الثلاث سنوات، مشاركة أقرانه من الأطفال هذا الحدث “بارتداء لباس المنتخب”. لكن “عدم الشعور بالانتماء لهذا المجتمع، والإحساس بعدم الترحيب، منعني من شراء بدلة [الزي الرياضي] له، لأن ذلك سيبدو غريباً ومتناقضاً مع ما نتعرض له”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، في إشارة إلى شعوره بالتهديد مع رفض دائرة الهجرة الدنماركية تجديد إقامات لاجئين سوريين آخرين من دمشق وريفها باعتبارها “منطقة آمنة” لعودتهم.

فرغم أنه من مدينة حلب شمال غرب سوريا، والتي لا تُعتبر من المناطق السورية الآمنة لعودة اللاجئين بمعايير الحكومة الدنماركية، يشعر بكداش بأنه “مهدد بالترحيل لأنني أحمل إقامة حماية وليس إقامة لجوء سياسي”، كما أوضح. بحيث قد يكون بكداش على قائمة الأشخاص المسحوبة إقاماتهم حال اعتبار مدينته آمنة، إذ لم تعترف الدنمارك، كما أوضح، “بنشاطي السياسي، ولم تأخذ بعين الاعتبار إصابتي في العام 2012 خلال ممارسة نشاطي الإغاثي”. 

وكان بكداش خسر ساقه اليمنى من فوق الركبة جراء إصابة بقصف من النظام، أودى أيضاً بحياة شقيقه. كما فقد شقيقاً آخر “جراء إعدامه ميدانياً بعد محاولته الانشقاق عن جيش النظام، الذي رفض تسليمنا جثمانه”.

كل ذلك يهدد حياة بكداش وغيره من اللاجئين السوريين المناهضين للأسد في الدنمارك، حال أجبرتهم قرارات كوبنهاغن على العودة إلى سوريا. ومن أصل 35,000 لاجئ سوري “رفضت دائرة الهجرة الدنماركية حتى أيار/ مايو الماضي تجديد 270 قضية، إذ تشمل بعض القضايا [إقامات] أكثر من فرد”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” عاصم سويد، العضو في منظمة فنجان السورية-الدنماركية. مضيفاً أن “86 قضية من أصل 270 تحولت إلى مجلس تظلم اللاجئين، حصل [أطراف] 35 منها على حق اللجوء، وأعيدت 12 منها لإعادة الدراسة، فيما حصلت 39 قضية على رفض”. 

معركة بقاء 

كان على رحاب قاسم (أم وليد) مغادرة الدنمارك قبل 25 حزيران/يونيو الماضي، هو الموعد النهائي للمهلة التي حددتها دائرة الهجرة للاجئة الفلسطينية-السورية بعد رفض تجديد إقامتها. لكن قاسم لم تمتثل لذلك التاريخ، مواصلة اعتصامها أمام ساحة البرلمان الدنماركي احتجاجاً على قرار ترحيلها، إلى أن أُبلغت بفتح ملفها، في 30 من الشهر ذاته، لإعادة النظر فيه، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

وكانت قاسم، 65 عاماً، وصلت الدنمارك في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وحصلت مطلع العام 2014 على حق اللجوء. وقد جاء اختيارها لهذا البلد، كما أوضحت، كون ابنها “حاصل على الجنسية الدنماركية منذ 25 عاماً، كما أن خمسة من أحفادي يحملون الجنسية أيضاً”.

وحتى رفض تجديد إقامتها، وصفت قاسم حياتها بالمستقرّة، كونها تعيش مع ابنتيها وابنها وسبعة أحفاد، بعد أن توفي زوجها ودفن في السويد، بحيث ولم يبق لها “أي ارتباط بسوريا”، كما قالت، لأن “البيت تهدم، وجميع أفراد العائلة غادرت سوريا”. 

إضافة إلى ذلك، فإن قرار ترحيلها إلى سوريا يشكل خطراً على حياتها كونها “مطلوبة للنظام بسبب عملي في مجال التمريض”، ومشاركتها في الاحتجاجات المناهضة لبشار الأسد، أخرها “مشاركتي في إحياء ذكرى استشهاد عبد الباسط الساروت”.

وفيما نجحت منظمات حقوقية، بدعم من محامين دنماركيين، في الضغط لأجل إعادة فتح ملف رحاب، فإن التحدي الأكبر هو “الطعن في القرار ليتم تجديد إقامتها”، بحسب عاصم سويد. متأملاً “نجاح مساعينا في منظمة فنجان بالتعاون مع محامية دنماركية في قضية أم وليد كما نجحنا سابقاً في قضيتين مشابهتين”.

في المقابل، ما يزال خطر الترحيل يلاحق لاجئين سوريين آخرين بعد حصولهم على رفض نهائي من محكمة تظلم اللاجئين، كما في حالة السيدة أسماء الناطور، 50 عاماً، الناشطة المناهضة لنظام الأسد، وزوجها الموظف السابق في وزارة الزراعة السورية والمنشق عنها.

وتنحدر الناطور من مدينة طفس في محافظة درعا جنوب سوريا. لكن إقامتها مع زوجها عمر في جنوب دمشق أوقعها في مصيدة “دمشق الآمنة”، كما تعتبرها الحكومة الدنماركية. وعليه، رفضت دائرة الهجرة تجديد إقامة الناطور وزوجها، كونهما يحملان، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”، “إقامة حماية إنسانية وليست لجوءاً سياسياً”، رغم وجود مخاطر أمنية بعودتهما، على خلفية مشاركة الناطور “في تظاهرات ضد بشار الأسد، وظهوري على وسائل إعلام دولية ومحلية معارضة”.

أيضاً “فيما اعترفت دائرة الهجرة خلال ثلاث مقابلات سابقة بالمخاطر على زوجي باعتباره موظفاً سابقاً، وتركه لوظيفته يعد خيانة بالنسبة للجهة المسؤولة عنه”، فإن الدائرة رفضت في المقابلة الأخيرة تجديد إقامتيهما نتيجة عدم اعترافها بأنه موظف [منشق]، رغم وجود إثباتات على ذلك. كما اعتبرت أنه لم يعد هناك خطر عليه في دمشق”.

وحتى إن لم يكن هناك ثمة مخاطر مباشرة على أسماء وعمر الناطور، كما استنتجت دائرة الهجرة، فإن مجرد كونهما “من عائلة معارضة يعد عامل تهديد إضافي”، كما أوضحت الناطور. يؤكد ذلك ما جاء في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وثق اعتقال “ما لا يقل عن 20.847 شخصاً بينهم 13 طفلاً و27 سيدة” لدى نظام الأسد، في الفترة بين 15 آذار/مارس 2011 و21 أيار/مايو 2021، “على خلفية صلات القربى التي تربطهم بنشطاء في الحراك الشعبي أو معارضين للنظام السوري”. 

ويشكل هؤلاء، كما ذكرت الشبكة، “قرابة 16% من حصيلة المعتقلين أو المختفين قسرياً لدى قوات النظام السوري، ومن بينهم ما لا يقل عن 137 شخصاً تجاوزت أعمارهم السبعين عاماً”.

تشتيت العائلات

كل الظروف التي عاشتها أسماء الناطور منذ اندلاع الثورة السورية ربيع 2011، لم تبعدها عن ولديها، 21 عاماً و24 عاماً. لكن العائلة اليوم مهددة بالتشتيت بفعل قرار دائرة الهجرة الدنماركية رفض تجديد إقامتها وزوجها مقابل تجديد الإقامة لولديهما “كونهما لاجئين سياسيين”، كما قالت الناطور، ولتكثّف اتصالاتها مع منظمات حقوقية ووسائل إعلام بحثاً عن “حبل نجاة يبقيني إلى جانب ولديّ”، ومن ذلك “إمكانية الطعن بقرار سحب إقامتي في محكمة تظلم اللاجئين”.

في السياق ذاته، فإنه رغم استعادة الدمشقية نيفين رحال، 34 عاماً، حقها في اللجوء إلى الدنمارك بعد أن طعنت بقرار إلغاء إقامتها الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، فإنها تتخوف من “رفض تجديد إقامة والدتي التي تنتظر قرار المحكمة هذا الشهر”. معبرة في حديثها إلى “سوريا على طول” عن شعورها “بعدم الأمان، لأن كل شيء مؤقت في هذه البلاد”.

الأمر ذاته، ينطبق على اللاجئ السوري محمد صياح سكر، 44 عاماً، من مواليد دمشق. إذ يخشى رفض إقامة زوجته وبناته “بذريعة أن دمشق آمنة”، والموافقة على تجديد إقامته فقط كونه حاصل على “لجوء سياسي”، ما يعني “حرماني العيش مع أولادي المقيمين في الدنمارك”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”. 

ويرجح سكر أن سياسة تشتيت العائلات السورية في الدنمارك “مقصودة”، خاصة وأن “دائرة الهجرة تعرف بأنه لا يمكن لأحد الاستغناء عن أحد أفراد أسرته، لذلك يوقفون تجديد إقامة بعض أفراد العائلة ويمددون للبعض”، وهذا الإجراء من شأنه أن يدفع العائلة إلى “مغادرة الدنمارك والبحث عن دولة أخرى تستقبلها”.

من جانبها، أوضحت دائرة الهجرة الدنماركية (The Danish Immigration Service)، في ردها على استفسارات “سوريا على طول” عبر البريد الإلكتروني، بأن الدائرة “تقيّم حالة الوالدين والأبناء البالغين بشكل منفصل، وتصدر قراراً فردياً لكل منهم بناء على أوضاعهم”. أما في حالة وجود أطفال قصّر، فإنه “يتم تقييم الأسرة بشكل جماعي، إذ تأخذ دائرة الهجرة بعين الاعتبار حاجة الوالدين والأطفال للحماية”.

ورغم أن سحب إقامات لاجئين سوريين في الدنمارك لا يعني إجبارهم على العودة إلى سوريا، نظراً “لعدم وجود علاقات دبلوماسية بين السلطات السورية والدنماركية فيما يتعلق بالإعادة القسرية”، كما أوضحت الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، شارلوت سينتي، لـ”سوريا على طول”، إلا أن ترك هؤلاء اللاجئين “منسيين في مراكز العودة هو وسيلة تحفيز لهم على العودة طواعية إلى سوريا على الرغم من الظروف غير الآمنة، وهو ما يتعارض مع مبادئ الحماية الأساسية”.

مستقبل غامض

يبدو تناقضاً أن يُطلب من يوسف بكداش، في آخر اجتماع حضره مع كادر روضة الأطفال التي ترتادها ابنته وابنه، “وضع خطة مستقبلية لأطفالي” في بلاد لا يضمن استقراره فيها. فهذه الطلبات “طبيعية لأشخاص ينتمون للمجتمع، لكنها ليست كذلك بالنسبة لنا”، كما قال.

الأسوأ من ذلك أن “يتعلم أطفال اللاجئين السوريين اللغة الدنماركية، المحكية من 5 ملايين شخص فقط، ويرتادوا دور الحضانة منذ بلوغهم 11 شهراً”، في المقابل لا يملكون قرار “استقرارهم في هذه البلاد أو الرحيل عنها”، بحسب بكداش، معتبراً أن ذلك “يجعلنا نعيش حالة من الضياع وعدم الاستقرار”.

وكانت منظمة “مرحبا باللاجئين” الدنماركية غير الحكومية اعتبرت في تقرير لها في حزيران/ يونيو الماضي، أن فكرة “الإقامة المؤقتة مدمرة للاجئين أنفسهم وكذلك للاندماج”. مشددة على ضرورة أن “يتمتع الأطفال والشباب الذين نشأوا في الدنمارك بسهولة الوصول إلى الجنسية”.

والأصل، كما رأت المنظمة، البحث عن حلول دائمة وإعادة توطين للاجئين، وليس إعادة الأشخاص إذا حدثت [في بلدانهم الأصلية] تحسينات خفيفة وغير مستقرة.

من جهتها، حذرت الأمين العام لمجلس اللاجئين الدنماركي، شارلوت سينتي، من “اجتثاث الناس مرة أخرى وتركهم في مواجهة اليأس وانعدام الأمان”، لافتة إلى أن “السوريين الذين تم إلغاء إقامتهم بصدد الاندماج في الدنمارك، وقد يكون لديهم وظائف أو في طور الحصول على تعليم”.

ويظل الأشد خطورة هو أن يواجه الأطفال السوريون صدمة جديدة، كونهم “لن يتمكنوا من مواصلة الحياة في مراكز العودة كما كانت خارجها”، بحسب سينتي، بعد أن أتيحت لهم “الفرصة لطفولة طبيعية في الدنمارك، وصاروا يتحدثون الدنماركية ويذهبون إلى المدارس”.

وهذا ما ينطبق فعلاً على طفليّ يوسف بكداش. إذ “ولدا في الدنمارك، ولا يعرفان بلداً ثانياً”، لدرجة أنهما “لا يعرفان بلدهما الأصلي سوريا، ومهما عرّفتهما عنه لن يدركوا لصغر سنّيهما”، بحسب والدهما. 

وفي ظل تخوف لاجئين سوريين وناشطين من إدراج محافظات سورية أخرى على قائمة المناطق الآمنة في سوريا، من قبيل حمص والحسكة وحلب، نفت دائرة الهجرة “أي تغيير في تقييمها للأوضاع في سوريا”. مع ذلك، فإن مجرد تفكير بكداش بأن استقرار طفليه مهدد في الدنمارك، يشعره “بالقلق والعجز عن فعل أي شيء”.

شارك هذا المقال