5 دقائق قراءة

سوريا: عدد الموتى بسبب الأمراض يفوق قتلى الحرب

استغرق الأمر ساعتين لتموت أم عمر، المرأة البالغة من العمر […]


18 يونيو 2016

استغرق الأمر ساعتين لتموت أم عمر، المرأة البالغة من العمر 25 عاما، أم لثلاثة أطفال، من أهالي محافظة إدلب، التي يسيطر عليها الثوار، شمال سوريا، والتي كانت تعاني من متلازمة جيلان باريه (GBS)، وهو اعتلال عصبي متعدد مكتسب متناظر، يصيب الجذور العصبية، ثم ينتقل لإصابة الأعصاب المحيطية، ويؤدى لشلل في الأجزاء المصابة، ثم يمتد لجميع أجزاء الجسم.

وقبل بضعة أشهر، كانت أم عمر تعاني من صعوبة في التنفس، وتم نقلها إلى المستشفى في مدينتها سراقب، والتي تبعد حوالي 14 كم جنوب شرق مدينة إدلب.

وكانت بحاجة جهاز تنفس صناعي، لتكون قادرة على التنفس، ويصبح لديها فرصة لتتعافى. لكن الجهاز لم يكن متوفرا في مستشفى سراقب، لذلك لم يتمكن الأطباء من فعل أي شيئ لأجلها. بينما كافحت من أجل الحصول على الهواء لعدة ساعات قبل أن تموت.

من جهته، قال طبيب أم عمر أنه لو كان المستشفى الذي تلقت فيه العلاج، مجهزا بالمعدات الطبية بشكل جيد، كأجهزة التنفس، لكان من المرجح أن تكون على قيد الحياة اليوم.

وأوضح الدكتور قصي الكنعاني، والذي يعمل في مستشفى سراقب، لسوريا على طول، أن “مثل هذه الحالات البسيطة التي من الممكن إنقاذها بسهولة، لكنها تفقد حياتها نتيجة فقرنا بالمعدات، التي تعتبر معدات أولية، بالنسبة للطب”، مضيفا “لم نتمكن من إنقاذها”.

اليوم، تم تدمير ثلثي المستشفيات العامة السورية، جزئيا أو كليا.

ووفقا لتقديرات الجمعية الطبية الامريكية السورية (SAMS)، فإن 200 ألف مدني على الأقل لقوا حتفهم بسبب الأمراض المزمنة غير المعدية، مثل السكري والسرطان، خلال الحرب المستمرة، وهذا الرقم يشكل جزءا كبيرا مما يقدر بـ470 ألف سوري، يعتقد أنهم لقوا حتفهم، حتى الآن.

 

طالب تخدير في المعهد الطبي في جامعة إدلب. تصوير: إدارة إدلب.

وخلاصة القول، بحسب الأطباء داخل سوريا، أن ما تعانيه المستشفيات من نقص في المعدات و الكوادر الطبية، نتيجة الحرب والحصار المستمر على المدن والبلدات، قتل من السوريين أكثر من قتل فعلياً في الحرب نفسها.

إلى ذلك، أكد الدكتور جواد أبو حطب، عميد كلية الطب في جامعة حلب الحرة، والرئيس الجديد للحكومة السورية المؤقتة والذي اختاره الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، أن “أعداد من يقتلون بالأمراض المختلفة يفوق عدد من يُقتلون بالقصف”.

وفي وقت سابق من هذا العام،تحدث أبو حطب مع سوريا على طول، بصفته مديرا للحكومة المؤقتة للشؤون الطبية قبل انتخابه في منتصف أيار كأول رئيس للإئتلاف الوطني داخل سوريا واستقالته لاحقا من المجال الطبي.    

وقال أبو حطب “لدينا مليوني شخص يعانون من أمراض الضغط في سوريا. وأجرينا دراسة ووجدنا أن 30% منهم فقط يتلقون علاج”.

وأضاف “في كل سنة يموت لدينا 8 ألاف شخص باحتشاء العضلة القلبية فقط”.

وانخفض متوسط العمر المتوقع في سوريا منذ بداية الحرب نحو عشرين عاماً، “من 70.5 سنة في عام 2010 إلى ما يقدر بـ55.4 سنة في عام 2015″، حسبما ذكر المركز السوري لبحوث السياسات، ومقره دمشق في شباط الماضي .

وقال خالد، شاب من بلدة الفوعة الموالية للنظام والتي يحاصرها الثوار، لسوريا على طول، الشهر الماضي أنه “لا توجد جرعات لمعالجة مرضى السرطان وحتى لو توفرت لا يوجد من يشرف على علاجهم”.

وبسبب نقص المازوت وانقطاع المحروقات، المشاكل التي تعاني منها الكثير من البلدات والمناطق التي تحاصرها قوات النظام أيضاً، تعني أنه ما من طريقة لتشغيل الأجهزة الطبية ولا برادات لحفظ المواد الحيوية كالأنسلين.

وذكر خالد “نعاني بشكل خاص من نقص مادة الأنسولين، وحتى لو وجدت فإنها تالفة بسبب عدم توفر التبريد”. وسجلت بعض حالات الوفاة بسبب ارتفاع السكر وحالات بتر الأطراف (قدم سكري وغرغرينا).

ومع غياب البنى الطبية التحتية الفعالة، عادت أمراض مثل شلل الأطفال والحصبة والتيفوئيد والسل إلى الظهور في سوريا، وبشكل ملحوظ في المناطق المحاصرة التي تمنع الأطراف المتحاربة فيها دخول المساعدات الطبية، بصورة روتينية.

وذكرت منظمة الصحة العالمية في خطة الاستجابة الإنسانية التي تعتزمها لعام 2016 تجاه الجمهورية العربية السورية، والتي نشرت في نهاية السنة الماضية، أن واحدا من ثلاثة أطفال سوريين لا يمكن الوصول إليهم باللقاح.

“هناك نقص كبير بالتأهيل”

ومما زاد من وطأة  نقص الأدوية والمستلزمات واللقاحات، خروج آلاف الأطباء من سوريا خلال السنوات الخمسة الماضية. فما بين عامي 2011 و 2013،  غادر ما يقدر بـ15000 مهني صحي سوري من البلد، وفقا لأطباء من أجل حقوق الإنسان. وبصيغة أخرى، غادر نصف أطباء المسجلين في سوريا على مدى سنتين.

وقتل مئات آخرين، كما صرحت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، في شهر تشرين الثاني2015، عن مقتل 687 شخصا من العاملين بالمجال الطبي في سوريا، في حين تستمر الهجمات، التي تشن معظمها من قبل النظام السوري، على المرافق الطبية، وذلك يعني تزايد العدد بشكل مستمر.

إلى ذلك، قال الدكتور جواد أبو حطب، عميد كلية الطب في جامعة حلب، أن “نسبة العجز في الكوادر الطبية كبيرة جداً” في 90%  من المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة. حيث يوجد نقص في الممرضات والفنيين وأطباء التوليد  وكذلك في عدد أطباء التخدير.

ومن أجل تعويض النقص الموجود، يحاول حاليا المركز الطبي في جامعة ادلب، التابعة للحكومة المؤقتة وغير المعترف بها دوليا ولا بمناطق سيطرة النظام، تخريج مزيد من الكوادر الطبية داخل مناطق سيطرة المعارضة.

ويتابع حاليا 300 طالب، في ادلب، محاضراتهم الدراسية في اختصاص التخدير والذي مدته عامان، بينما يدرس آخرين تخصصات التوليد والطوارئ.

وقال الكناني، دكتور ومحاضر في المعهد الطبي في إدلب، أن “المتخرجين سوف يشكلون رافداً كبيراً في القطاع الطبي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وسوف يقومون بمهمة كبيرة في مشافينا مع كثرة إصابات الحرب”.

وأضاف الكناني أن مهمة قسم التخدير “هي تعويض النقص الحاصل في أعداد فنيي التخدير، والذي حدث مع بداية الأزمة نتيجة موت أو هجرة الكثير من الأطباء والكوادر”.

ومدة التدريب في سوريا للممرضات والممرضين العاملين في المجال الطبي، سنتين، في حين يدرس الأطباء لمدة خمس سنوات قبل الاختصاص. ومع ذلك، في زمن الحرب في إدلب، تلك السنتين تكون في مختبرات طبية غير مجهزة بالمعدات الكافية ولا تتضمن الخبرة على الواقع.

وبحسب سلام الأحمد، طالبة في المعهد الطبي في إدلب، فإن “الكادر التدريسي في المعهد يقوم بالتركيز على الدروس النظرية دون التركيز على الممارسة العملية وهي الاساس بالنسبة للمجال الطبي”.

وأضافت الأحمد “من المفترض إن تكون المخابر مجهزة بشكل أفضل وأوسع”.

وقبل المعهد الطبي، في الآونة الأخيرة، بالسماح للطلاب بالتدريب والعمل كمساعد تخدير “فني تخدير”.

وأكد أبو حطب أن “هناك نقصا حادا بالكوادر الطبية والمعدات وهذا سيؤثر على المرضى”.

وتابع “أصبحنا نقبل بمساعد تخدير (فني تخدير) فنحن ليس لدينا إلا هذا الحل، فلم يعد يوجد لدينا أطباء تخدير”.

وبالاشارة إلى انخفاض الدعم المادي للأطباء، في السنوات الاخيرة، أضاف أبو حطب “نحن لا ننتظر من المجتمع الدولي أي شيء”.

ووصف المجتمع الدولي أنه “يشجب فقط ويرى ويشاهد مأساتنا، لكننا سنعتمد على أنفسنا وكوادرنا فالحرب طويلة ومستمرة”.

شارك هذا المقال