5 دقائق قراءة

سورية عالقة على الحدود التركية: أعيش أياما طويلة ووقتا قاتلا يمر وكأنه آلاف السنين

لم يكن بمقدور ليلى رؤية قناصة الجيش التركي عبر الظلام، […]


11 مارس 2017

لم يكن بمقدور ليلى رؤية قناصة الجيش التركي عبر الظلام، في وقت متأخر ليلة الأحد، لكنها سمعت صوت إطلاق النار في الهواء، فعرفت أن الوقت قد حان لتهرب. أمسكت طفليها، اللذان يبلغان من العمر أربعة وستة أعوام، وركضت عائدة مرة أخرى إلى سوريا، خوفا من أن يطالهم “الرصاص الحي”.

كانت تلك المحاولة الثالثة لليلى، خلال شهرين فقط، من أجل الدخول إلى تركيا، برفقة عائلتها، من محافظة إدلب غربي سوريا، على أمل اللحاق بزوجها في ألمانيا؛ ففي حال تمكنت من دخول تركيا، ستتمكن بعد ذلك من الوصول إلى أقرب قنصلية أو سفارة ألمانية، والبدء في إجراءات الحصول على تأشيرة لم الشمل.

وتقول ليلى، ذات الـ34 عاما، لمراسلة سوريا على طول، نورا الحوراني، من قرية خربة الجوز الحدودية في ريف إدلب، حيث تقيم في منزل صديق زوجها منذ أن غادرت مدينتها، اللاذقية، في كانون الثاني ” كل مرة أذهب ومعي أمل بأني سأنجح في العبور (…) والشوق لزوجي الذي حرمت أنا وأولادي من رؤيته لوقت طويل يعطيني أملاً جديدا بالمحاولة”.

ولتجنب الالتحاق بالخدمة الإلزامية في الجيش السوري، في مدينة اللاذقية الخاضعة لسيطرة النظام، كان زوج ليلى واحدا من آلاف السوريين الذين خاطروا بحياتهم وسافروا عبر البحر الأبيض المتوسط ​​من تركيا إلى اليونان، حيث انتهى به المطاف في ألمانيا في عام 2015. ويعيش زوج ليلى الآن حياة آمنة في المدينة البافارية، ريغنسبورغ، بانتظار منح زوجته وطفليه فيزا لم الشمل، التي تعطى لأزواج وأطفال طالبي اللجوء في ألمانيا.

لكن الطريق للحصول على الفيزا، بمثابة كابوس، وفقا لما تقوله ليلى.

السوريون ينتظرون في خربة الجوز لعبور الحدود إلى تركيا، أيلول 2016. تصوير: كلنا شركاء.

وأغلقت ألمانيا سفارتها في دمشق في عام 2012. وأقرب قنصلية ألمانية إلى ليلى هي في مدينة أضنة، في تركيا. وإذا تمكنت هي وعائلتها من الوصول إلى هناك، ستجري مقابلة الحصول على التأشيرة. ولكن عليها أولا السفر عبر الحدود السورية التركية، والتي تخضع لحراسة مشددة من قبل قناصة الجيش التركي.

وعادة ما يطلق القناصة الرصاص على طالبي اللجوء السوريين الذين يسعون لدخول تركيا، بحسب تقرير للهيومن رايتس ووتش، عام 2016. وخلص التقرير إلى أن حرس الحدود التركية قتلوا خمسة على الأقل، من بينهم أطفال، كما أصيب أكثر من اثني عشر شخصا برصاصم خلال شهر واحد فقط في عام 2016.

ومع شعورها بالاكتئاب والتوتر والانكسار، تقول ليلى أنها متعبة، جسديا ونفسيا. وتضيف “أعيش أياما طويلة، ووقتا قاتلا يمر، وكأنه آلاف السنين”.

غادرتِ منزلك في اللاذقية في العاشر من كانون الثاني، أي منذ شهرين. منذ ذلك الحين، كم مرة حاولت عبور الحدود إلى تركيا؟ هل يمكنك وصف عملية عبور الحدود؟

حاولت ثلاث مرات وفشلت كل محاولاتي. كانت آخرها منذ يومين، وفي كل مرة أدفع للمهرب من 700 إلى 1200 دولار على الشخص ونحن ثلاثة أشخاص (ليلى وطفليها)، ونمشي على أقدامنا ساعات خلسة بطرق التهريب والأمر صعب جداً بوجود الأطفال.

في الأسبوعين الماضيين مات أكثر من شخص بقناصات الجيش التركي وهم في طريقهم للعبور من طرق التهريب. الجيش التركي عندما يشعر بأي حركة يعطي إنذارا للناس من خلال إطلاق النار بالهواء للابتعاد وإذا شعر بأن الناس بدأت تركض يقوم بإطلاق النار مباشرة عليهم.

آمال كبيرة للناس تتحطم وتنتهي معلنة نهاية حياتهم معها.

لن تتخيلي صعوبة الموقف، حتى النقود التي ندفعها للمهرب نعاني حتى نجمعها وعند البعض تكون كل ما يملك وأغلب الناس تقوم بالاستدانة لتأمين المبلغ، حيث أن الفقر والجوع والحرب أنهكت الجميع.

كل مرة أذهب ومعي أمل بأني سأنجح في العبور، خوف ورعب أحمله في قلبي من أي مكروه قد يصيب أطفالي، يقابله أمل وشوق لزوجي الذي حرمت أنا وأولادي من رؤيته لوقت طويل يعطيني أملاً جديدا بالمحاولة.

أغلقت الحكومة التركية المعبر الحدودي في خربة الجوز، في أيلول الماضي، في أعقاب اشتباكات بين عدة فصائل من أجل السيطرة على الجانب السوري من المعبر. ما الذي يمنعك من دخول تركيا بشكل نظامي عبر معبر باب الهوى؟ هل بإمكانك دخول لبنان بدلا من تركيا كخيار آخر؟

لا أستطيع الدخول من معبر باب الهوى، لأن التسجيل في معبر باب الهوى فقط مخصص لمقابلات لم الشمل لمن هم متواجدون داخل الأراضي التركية وزوجي موجود في ألمانيا.

(باب الهوى، معبر حدودي بين سوريا وتركيا، يقع على بعد 55 كم شمال شرق خربة الجوز، وتسيطر عليه من الجانب السوري الفصائل الثورية، بما فيها أحرار الشام وفيلق الشام).

وبالنسبة للم الشمل فهو ممكن من أي سفارة ألمانية بأي دولة بالعالم، ولكن يجب أن تكون العائلة موجودة بهذه الدولة لإجراء المقابلة، لذلك الطريقة الوحيدة أمام السوريين هي تركيا أو لبنان وقام زوجي بمراسلة السفارة الألمانية في لبنان وتركيا، ولكن بتركيا الموضوع أسرع حيث لديها قنصليات ومكاتب في كل مدينة تقريباً.

(بالإضافة إلى السفارة الألمانية في العاصمة التركية، أنقرة، هناك قنصليات ألمانية في العديد من المدن الرئيسية في تركيا، بما في ذلك اسطنبول وأضنة وإزمير وأنطاليا).

أما لبنان فليس هناك إلا مكتب واحد، ويستغرق تحديد الموعد سنة أو أكثر فهناك أشخاص أصدقاء لزوجي قدموا طلب من لبنان منذ نيسان 2016، وحتى الآن لم يتم الاتصال بهم وتحديد موعد.

وهذا ما حصل معنا أيضاً حيث قدمنا في شهر 6 من لبنان ومن تركيا وحتى الآن لم يتم الاتصال بنا من لبنان، بينما مقابلتي في تركيا كانت في 29/2 وفاتني موعد المقابلة ولم أتمكن من الدخول.

إضافة إلى أن لبنان تعطيك مدة 24 ساعة أو 48 ساعة كحد أقصى، للدخول وإجراء المقابلة وبعدها العودة إلى سوريا، فلا يسمحون لك بالبقاء في لبنان، وإن أجريت المقابلة في لبنان فأنت سوف تنتظر 6 أشهر أو أكثر لتحصل على الفيزا بينما من تركيا تحصل على الفيزا بعد شهر واحد من المقابلة.

ماذا حدث عندما فاتك موعد المقابلة المقرر في 28 شباط 2017؟ هل يتوجب عليك تحديد موعد آخر من أجل المقابلة؟

نعم للأسف فاتني الموعد. ولكن الحمد لله لا أحتاج لإعادة الإجراءات، فقد راسل زوجي السفارة الألمانية في تركيا، وشرح لهم وضعي وبأنني عالقة على الحدود ولا أستطيع الدخول وأنه يريد تأجيل الدور.

(الموظفون في السفارة)، قالوا له، يتم الاحتفاظ بحق الموعد، وعندما تتمكن من دخول تركيا يتم التأكد من موعدها القديم ومن جميع الأوراق وعلى أساسها يتم تحديد موعد آخر قريب بمدة أقصاها 10 أيام وتتمكن من إجراء المقابلة بشكل طبيعي.

كيف هو وضعك المعيشي الآن؟ هل يمكنك العودة إلى اللاذقية في حال أردتِ ذلك؟

لقد تعبت نفسياً وجسدياً ومادياً أيضاً، أعيش عند إحدى العائلات الذين استضافوني بكرم ولم يقصروا في حقي، ولكن إلى متى يمكن أن أبقى في ضيافتهم؟

الأمر متعب، كما أن مجرد التفكير بآجار منزل هذا يعني زيادة في التكاليف والمصروف، وفي الواقع أُنهكت مادياً.

حتى أطفالي تعبوا نفسياً وحجزت حريتهم، يعيشون كأنهم في سجن فالقرية صغيرة وبسيطة لا يوجد فيها أسواق أو ملاعب أو حدائق بالإضافة إلى خطورة التنقل خوفاً من القصف أو الاشتباكات.

تغيرت عليهم  الحياة بين المدينة والقرية، ويتساءلون متى سنلتقي مع بابا؟ لماذا نحن محجوزون هنا؟ دعينا نعود لبيتنا؟ وكثير من الأسئلة.

وأنا أشعر بنفس شعورهم، لا يمكنني العبور لتركيا ولا العودة إلى مدينتي خوفاً من الاعتقال، أعيش أياما طويلة ووقتا قاتلا يمر وكأنه آلاف السنين.

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال