5 دقائق قراءة

سوريتان تأملان نسيان “عار الاعتقال” وتبدآن حياة جديدة في تركيا

في سورية؛ حتى الاعتقال بسبب “الثورة” بات عارا يلاحق النساء، […]


5 أبريل 2016

في سورية؛ حتى الاعتقال بسبب “الثورة” بات عارا يلاحق النساء، وفق ما روته لسوريا على طول، سيدة طلقها زوجها بعد اعتقالها إثر انشقاقه عن الجيش السوري، وفتاة نبذها أهلها لأنها اعتقلت وأجبرت على تعاطي المخدرات في المعتقل.

لم تكن معاناة ظلام المعتقل، بأقل قسوة مما كان يتنظر كلا منهما خارج السجن، فالقادم أسوأ: المعاناة الحقيقة بدأت،والظلام أصبح دامسا، وخيارات السيدة والفتاة انحصرت بالهجرة، فكانت تركيا مقصدهما لمحاولة بدء حياة جديدة.

وقبل توجهها إلى تركيا، كانت ريما بركات (26 عاما)، تسكن مدينة اللاذقية الساحلية، وقضت تسعة أشهر في معتقلات النظام، لأن زوجها انشق عن الجيش السوري، وانضم إلى الجيش الحر.

“مجتمعنا لا يقبل المعتقلات” هكذا بدأت ريما تسرد فصول معاناتها. وقالت “كنت أعتقد أن رحلة العذاب ستنتهي عندما أخرج من المعتقل، ولكن المعاناة بدأت بعد خروجي”.

وبعد إطلاق سراحها، بقيت “وصمة العار” تلاحق ريما خارج المعتقل، حيث تم رفضها من قبل أسرتها ومجتمعها بسبب اعتقالها واغتصابها داخل المعتقل.

ولا تختلف قصة هالة محمد، ذات الثلاثين عاماً، والتي قضت سنتين في سجون النظام، كثيراً عن قصة ريما، حيث قالت هالة “أريد أن أنسى ما حصل معي، وأتمنى أن أعيش حياة طبيعية مثل أي فتاة”.

وتاليا تروي كل من ريما وهالة (الاسمان مستعاران)، لمراسلة سوريا على طول نورا الحوراني، معاناتهما داخل السجن، وفصول العذاب والاغتصاب والقهر في غياهبه، في قصتين كتب “ظلم ذوي القربى” خاتمتهما في نهاية المطاف.

(وللاطلاع على تقرير سوريا على طول الكامل، حول المعاناة التي تواجهها النساء المعتقلات داخل سجون النظام، يمكن متابعة هذا الرابط).

 ريما بركات، معتقلة سابقة من مدينة اللاذقية، ومقيمة حالياً في تركيا:

 اعتقلت من داخل منزلي عام 2013، لأن زوجي انشق عن الجيش النظامي، وانضم إلى الجيش الحر.

مجتمعنا لا يتقبل المرأة المعتقلة، وهذا انعكس على نفسيتي فأصبح لدي شعور أنني منبوذة وناقصة، ولطالما تمنيت لو أنني مت في المعتقل.

تعرضت للاغتصاب في المعتقل ثلاث مرات، ورغم كل الانكسار الذي بداخلي ونبذ نفسي لنفسي، خرجت من المعتقل لأواجه ظلماً اضافياً لا ذنب لي فيه؛ طلقني زوجي، ورفضني مجتمعي.

كنت أستشف من نظرات الناس نهايتي. كنت أشعر انني اغتصب في كل نظرة شفقة ممزوجة بالإهانة. وأنا أعيش على المهدئات وأنبذ رجال العالم بأسره، ولطالما فكرت بالانتحار.

كنت أعتقد أن رحلة العذاب ستنتهي عندما أخرج من المعتقل، ولكن المعاناة بدأت بعد خروجي.

وبما أن زوجي كان منشقا، في ذلك الوقت خرجت دون هوية ودون أي وثيقة رسمية، ومحرومة من جميع الحقوق المدنية والقانونية، ووضعي القانوني لا يسمح لي بالبقاء في البلد.

كل هذه الأمور، والضغوط من حولي جعلت العالم أسود في وجهي. نبذني زوجي مع أنني اعتقلت بسببه.

وبسبب تجريدي من أي هوية أو وثيقة رسمية، لم استطيع حتى استكمال معاملة طلاقي في بداية الأمر، وبقيت ثلاث سنوات قبل أن أتمكن، وبشق الأنفس، من الحصول على وثيقة طلاقي.

رفض زوجي لي، وهو أقرب الناس، والاغتصاب الذي تعرضت له، جعلني أكره نفسي وأكره جميع الرجال، حتى مجتمعنا يحكم على الفتاة بالإعدام لمجرد أنها اعتقلت.

عندما غادرت إلى تركيا، اشترط علي أقربائي هناك، شروطاً كثيرة كي يستقبلوني في منزلهم، كعدم الخروج من المنزل، فلعنة الاعتقال لاحقتني خارجاً، لكي أصبح رهينة اعتقال أفكار المجتمع المتعصب الذكوري، لذلك لم أسكن عندهم.

وكان همي الوحيد أن أحصل على عمل شريف، لذلك اضطررت للعمل براتب قليل حتى لا ألقى في الشارع.

وفي تلك الفترة، تعرفت على امرأة قبلت استقبالي في بيتها، إلى أن أجد عملا مناسبا، ولكن اكتشفت أنها تحاول استغلال ضعفي وحاجتي للمال، واشترطت علي العمل بالدعارة مقابل اعطائي المال.

وفي النهاية وجدت عملا في مكتب سفريات، وكنت طوال الوقت أحرم نفسي من جميع أنواع الرفاهية، لأدخر المال فقط من أجل أن أعالج جسدي من آثار التعذيب، فكنت كلما وقفت أمام المرآة ورأيت هذه الكدمات هنا وهناك، استعيد بذاكرتي لحظات التعذيب والاغتصاب التي دمرت حياتي.

وأنا أهرب من الناس لأنني لا أريد أن أسرد قصتي، ولا أريد أن يسألني أحد ماذا حصل معك؟ أريد أن تنسى الناس قصتي. أريد أن أعرف من أنا وما هي هويتي الآن.

فنحن سنبقى ضحايا حرب ومجتمع بامتياز. وحلمي الوحيد هو أن أكمل حياتي وأعود لدراستي وأن أنسى الماضي.

 

هالة معتقلة سابقة من مدينة جبلة، تعيش حالياً في تركيا:

داهمت قوات الأمن منزل أسرتي عام 2012 عند الفجر، في مدينة جبلة، واعتقلوني بسبب مشاركتي بالمظاهرات المناهضة للنظام السوري.

 قضيت سنتين داخل سجون النظام، قبل أن يتم الإفراج عني عام 2014، ضمن صفقة تبادل للأسرى بين الثوار والنظام في ريف اللاذقية. ولدي أربعة إخوان معتقلين إلى الآن داخل معتقلات النظام.

عندما كنت في المعتقل كانوا يعطوننا حبوباً كي نشربها، في البداية كنت أرميها لشك مني بأنها حبوب مخدرة، ولكن بعد انقضاء عدة أشهر من الضرب والتعذيب الممنهج، يصبح جسدك منهكاً وجروحك المتقيحة تكويك ليلاً نهاراً، وتملؤك القذارة والجرب إلى أن تنهش جسدك حتى تسيل الدماء، عندها ستضطر لشرب حبوب الخلاص، ليهدأ الألم.

ولم أكن أعلم يوماً أن ألم الجروح التي كانت تنهش جسدي، أهون بكثير من الألم الذي تراه بعيون أبيك وأمك وأصدقائك، وهم يرمقونك بنظرات تكره بسببها نفسك وتتمنى الموت في كل لحظة.

قبل خروجي من المعتقل، خبأت معي بعضاً من تلك الحبوب لأعرف ماهي، وماذا كانوا يعطوني.

وأصعب موقف حصل لي، عندما ذهبت أنا وأبي عند الطبيب لنعرف ماهية هذه الحبوب، لن أنسى نظرة والدي عندما قال الطبيب أنها حبوب مخدرة، ولا نستطيع ايقافها فجأة، كان الطبيب يصفها لي ويحضرها أبي لي كل يوم بيديه، وأرى دموعه تتساقط على الأرض لتسقط معها جميع خواص الإنسانية.

أنا لست مدمنة، أنا لست مذنبة، هذه آخر عبارة قلتها على الحدود السورية التركية، قبل أن يتركني أبي لأواجه مصيري، لم يستطع أن ينظر لي، فقط قال لي اذهبي أنت سبب جميع مصائبنا، سننساك قريباً.

عندما غادرت سوريا، لم أسكن مع سوريين، سكنت مع بنات أتراك، كنت أرفض العيش مع سوريين لأنني لا أريد من أحد أن يسألني عن قصتي، وماذا حدث؟. لا أريد أن أتذكر، فأنا أحاول أن أنسى وأبدأ من جديد، لذلك كنت أبتعد عن أي شخص يعرفني.

لم أستسلم وحاولت تعلم اللغة التركية عن طريق دورات، ومن الأشخاص الذين سكنت معهم.

ومنذ أن شاركت بالثورة، وبالرغم من إدراكي بأن الثمن سيكون غال، واصلت الطريق وسأكون قوية لأكمل حياتي.

في البداية لم أستطع العثور على  وظيفة، بسبب عائق اللغة وإصابتي؛ فأنا أعاني من وجع في عمودي الفقري، ولدي فقرة مكسورة، بسبب ضربة تلقيتها داخل المعتقل بالروسية على ظهري، أثرت على مشيتي قليلاً.

 وكنت أتلقى العلاج والدعم والمعونات من المؤسسات الخيرية، إلى أن أصبحت نوعاً ما أستطيع التحدث باللغة التركية، فعملت بصالون للسيدات، كون الكوافيرة كانت أحد هواياتي.

أعرف أنني لن أستطيع أن أنسى ما حدث معي، ولكنني أتمنى أن أكون قادرة على أن أعيش حياة طبيعية مثل أي فتاة أخرى.

 

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال