7 دقائق قراءة

سوريون في الأردن: لجوء وإحباط وعمل في الخفاء  

حين قدِم أبو جلال، ذو السابعة والثلاثين عاماً، إلى الأردن، […]


4 مايو 2017

حين قدِم أبو جلال، ذو السابعة والثلاثين عاماً، إلى الأردن، في عام 2013، كان يعتقد أنه سيمكث فيها شهراً حتى تهدأ الأمور ويعود إلى بلده.

أبو جلال، من مواليد دمشق، وكثيراً ما تنقل قبل الحرب في مناطق سورية، فعاش في حمص ودرعا قبل أن يستقر أخيراً في حي السيدة زينب في جنوب دمشق، ويعمل في إصلاح وصيانة السيارات.

وبعد عامين من انطلاق الثورة، وصلت الاشتباكات بين النظام السوري والثوار إلى الحي الذي يقطنه أبو جلال.

يقول أبو جلال “كان هناك قصف وإطلاق رصاص، وأصبحت الحياة، بالنسبة لنا، صعبة جداً في دمشق، فخشيت على عائلتي ورحلت”.

اصطحب أبو جلال عائلته وهرب جنوباً، إلى الأردن. ويعيش أبو جلال اليوم وزوجته وطفليه في مرآب سيارات، تحت مبنى سكني، في محافظة الزرقاء، على بعد 30 كم شمال شرق عمان.

وبإذن من صاحب المبنى، حولّ أبو جلال غرفة صيانة غير مستعملة في المرآب، إلى منزلٍ له بغرفتين، بدون نوافذ، يعيش هو وعائلته فيه منذ ثلاثة سنوات ونصف.

أبو جلال يحضر القهوة في الزرقاء، الأردن.

يقول أبو جلال “نادراً ما تزورنا الشمس”.

ويتربع الحي الذي يقطن فيه أبو جلال في الزرقاء على سفح تلة تطل على الأسواق والمحال التجارية ومرائب سيارات المدينة، التي تعتبر العاصمة الصناعية للأردن. وتتصف شوارعه بانحدارها الحاد، وتغيب فيها الأرصفة، وكثيرا ما تتسارع سيارات البيك آب وهي تنحدر عبر التلة إلى عمق المدينة.

ويضيف أبو جلال “يلعب الأطفال عادة داخل المرآب، فلعبهم وحدهم في الشوارع المزدحمة خطير جداً”.

أبو جلال يحمل ابنه خارج منزله.

وقبل أسبوع من موافقته على مقابلة أحد مراسلينا، قامت الحكومة الأردنية بترحيل خمسة من أقربائه، ومن ضمنهم طفلين إلى سوريا. وحينها طلب أبو جلال ألا يتم نشر اسمه الحقيقي وصورة وجهه.

وقال لسوريا على طول “لن أخوض في السياسة الأردنية، لو كنا في سوريا، كنت سأرفع رأسي عالياً، وأجيب عما تشاء”.

ولكن في الأردن، يقول أن لديه عائلة وعليه أن يحميها “أنا سند زوجتي وأطفالي، وأقدم المال لوالدي أيضاً، فإن حدث لي شيء، سيتشردون”.

وما يزال أبو جلال يحتفظ بجواله بصور التقطت في سوريا، ليستذكر أيامه ومن أين أتى. بعضها صور لعائلته، كآخر صورة لشقيقه قبل مقتله بقذائف مدفعية على حي السيدة زينب، في دمشق.

وبين صور يوم زفافه، وصور أطفاله ولمة العائلة، مشاهد تعكس ما كانت عليه الحياة في سوريا قبل الحرب. وفي إحدى الفيديوهات المصورة من الطابق الأعلى، في المبنى الذي كان يسكنه أبو جلال، في عام 2010، يتساقط الثلج بغزارة، ومن خلف المشهد يطل جبل قاسيون، بحلته البيضاء، على المدينة.

يقول أبو جلال “كان لدينا الكثير من المشاكل، ولكنه كان مكانا جميلا للحياة”.

وبينما هو يقلب بين الصور، مرَ على صور شاحنة بيك آب قديمة. وقال وفي صوته نبرة فخر “كنت أستخدمها في عملي، وأدور بها في كل أنحاء سوريا”.

وأخفض صوته قائلاً “ذهبت الآن، كما كل شيء”.

أبو جلال يعرض صورة لابنه الأصغر على جواله.

وبالنسبة لأبو جلال، إن مواصلة الحياة كواحد من اللاجئين السوريين، المسجلين في الأردن، والبالغ عددهم 655 ألف لاجئ هو صراع يومي. حيث يقول أنه بالرغم من الفرار من الحرب، التي خلفت الكثير من الفوضى في أنحاء البلاد، لم يجد هو وعائلته الراحة في بلاد اللجوء.

ويعمل أبو جلال في عدة مجالات، بشكل غير قانوني، وبدون أي تصريح، في الزرقاء لإعانة زوجته، وطفليه وأبويه. وفي حال اعتقلته السلطات المحلية، فإن أبو جلال سيواجه السجن أو الغرامات وقد يصل الأمر إلى الترحيل.

ولم يُمنح اللاجئون السوريون أي شكل من أشكال الجنسية أو الإقامة الدائمة، في الأردن. وبدلا من ذلك، يمكنهم التقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل مؤقتة، وهو أمر معقد، ويستغرق وقتا طويلا، ويتيح لهم العمل ضمن مجالات محددة فقط كالزراعة والصناعة.

ولا يستطيع اللاجئ السوري، حتى بوجود تصاريح العمل، الدخول والخروج من البلاد بحرية تامة، أو الحصول على رخصة قيادة. وبالنسبة للسوريين في سن الدراسة، فغالبا ما يكون تأمين الرسوم الدراسية الجامعية أمرا صعبا للغاية، كونها مرتفعة جدا في الأردن. وأما السوريين الأكبر سنا، مثل أبو جلال، فإن سبل الحياة التي أمضوا عقودا من الزمن وهم يؤسسونها، اختفت عندما فروا من منازلهم.

يقول سوريون في الأردن أنهم يشعرون بالإحباط والغربة، حتى من بعضهم البعض؛ فبعد ست سنوات من العنف والحرب في سوريا، لا يستطيعون العودة إلى ديارهم، ولا يمكنهم بناء جذور للعيش في مكان آخر، فهم يعيشون كالمنفيين في دولة أجنبية تقيد حركتهم وتضع حدا للمزايا التي يطمحون لها. ومن هنا بدأت الروابط الاجتماعية، التي كانت متماسكة فيما مضى، بالتفكك تحت الضغط.

ويقول أبو جلال “لم أكون أية صداقات مع مواطنين أردنيين خلال السنوات الثلاث الماضية. كما أنني أقابل أقربائي بالصدفة، وهذا الأمر يجعل الحياة هنا أكثر صعوبة”.

الابن الأكبر لأبو جلال يقف لالتقاط صورة في المنزل.

“اختفوا تحت الأرض”

في العام الماضي، بدأ أبو جلال العمل مع منظمة معنية بمساعدة اللاجئين (RUP)، وهي منظمة غير ربحية مسجلة في الولايات المتحدة، ومقرها محافظة الزرقاء، حيث تقدم مساعدات للعائلات السورية المحتاجة.

يقول مؤسس المنظمة، سكوت ميهان “يملك أبو جلال معرفة كافية بالأمور السياسة، كما أنه تنقل كثيرا داخل سوريا، وبالنسبة لنا هو شخص مهم في قيادة المنظمة”.

ويضيف “إنه رجل ذكي، ولكنه متواضع جدا في الوقت ذاته. كما أنه يعرف كيف يتواصل مع زملائه الأردنيين والسوريين بطريقة لا يستطيع أحد منا القيام بها”.

وميهان، هو مواطن أمريكي من ولاية كاليفورنيا، يحمل شهادة الماجستير في التنمية الدولية من جامعة بيت لحم في الضفة الغربية، وعمل ميهان مع اللاجئين السوريين في الأردن على مدى العامين الماضيين.

يقول ميهان لسوريا على طول إن “السوريين هنا ليسوا اجتماعيين كما كانوا في سوريا، وهذا شيء ستسمعه من الأردنيين والسوريين أنفسهم”.

ويتابع “وصل بهم الحال لأن يقول الناس عنهم أنهم: اختفوا تحت الأرض، إنهم يحاولون تجنب المشاكل والابتعاد عن الأنظار والاختلاط بالآخرين قدر الإمكان”.

وفي حين أن البعض منهم، خاصة أولئك الذين يعملون بشكل غير قانوني ويواجهون الترحيل إذا ألقي القبض عليهم، “يختفون” لتجنب أي قضايا أو مشاكل مع السلطات الأردنية، يشعر البعض الآخر بالإهانة عند إظهار مدى الأثر الذي تركته الحرب على حياتهم.

وفي بعض الأحيان، يرسل ميهان أحد زملائه السوريين لزيارة  العائلات، وتقديم الشاي لهم والوجبات الخفيفة، قبل أن يقوم فريقه بزيارة الموقع؛ ففي الثقافة السورية، من المخجل ألا يتمكن المضيف من تقديم شيء لزواره، وبعض العائلات المسجلة لدى المنظمة ترفض استقبال الضيوف ما لم تتمكن من تقديم المشروبات أو حتى وجبة صغيرة.

ويوضح ميهان “عندما نلتقي بأسرة جديدة هنا ونذهب إلى مسكنهم، فإن أول ما يبادرون بقوله هو “نحن آسفون، اعتدنا أن يكون لدينا الكثير لتقديمه” أو أنهم على الفور يخبرونا عما كانوا يفعلونه في سوريا، كنوع من سرد سيرتهم الذاتية، والحديث عما كانت عليه حياتهم في السابق.

ووفقا لميهان فإن السوريين “يحاولون إظهار أنهم ليسوا فقراء، بل أن الحرب أوصلتهم إلى هذه الحال. فلا أحد يرغب بأن يكون متسولا، خاصة إذا لم ينشأ على ذلك، وأن حياته كانت تسير على نحو مختلف، والآن أصبح فقيرا رغما عن إرادته”.

ويضيف ميهان، لسوريا على طول، إن جميع الأفراد الذين يتعامل معهم يشعرون بالخيبة.

ويوضح مدير المنظمة “أن يكونوا منغلقين على أنفسهم هو على الأرجح رد فعل نفسي ناتج عن الشعور بالإذلال”.

 “التسلسل الهرمي للاحتياجات”

تقول تسنيم زهير، وهي مرشدة نفسية أردنية، تعمل مع المرضى السوريين، لسوريا على طول، إن السوريين مشغولون جدا بتأمين احتياجاتهم الأساسية وليس لديهم وقت للقلق بشأن  بناء العلاقات مع الآخرين أو الحفاظ عليها.

 أبو جلال يعطي الشوكولا لابنه الأصغر.

وترى أن تعرض النسيج الاجتماعي للاجئين السوريين للتفكك هو أمر طبيعي، “فلا يكاد اللاجئ ينشغل بلقمة العيش، وتأمين الدواء، إلا وينتهي يومه في حدود ذلك، بعيداً عن حياة اجتماعية صحيّة”.

وعادة ما يكون السوريون قادرين على العمل بأجر منخفض أو بالخفاء، كما أنهم يعملون لساعات طويلة لكسب المال وفقا لما تقوله زهير، مضيفة “يلعب الوضع الاقتصادي للاجئ دوراً مهماً، وذلك أدى إلى تغيير في السلوك أيضاً، فالعمل لم يعد من مسؤولية الرجل فحسب، بل يجب أن يعمل كل أفراد العائلة الأب والأم والأبناء ليعيشوا معيشة متوسطة”.

وفي السياق، يقول موسى العموش، أخصائي في الإرشاد النفسي، وهو أردني يجري أبحاثا حول السوريين في الأردن، إن المغتربين عادة ما يظلون ملتفين حول بعضهم في بعض الأحيان، حتى في وقت النزوح إلى بلدان أخرى، لكن حال السوريين في الأردن مختلف تماما.

و”نتيجة لهذا العدد الكبير من اللاجئين، زاد التنافس بينهم على تلقي الخدمات والفرص من الجهات الداعمة، ما قد يشعر اللاجئ السوري بأن لاجئاً آخر منافسٌ له (…) وهو ما يدفعه إلى الانتماء إلى مجتمع آخر والابتعاد عن أبناء بلده”.

“مرحلة الترحيب انتهت”

أدى تدفق نحو 1.4 مليون لاجئ سوري، مسجل وغير مسجل، إلى زيادة الضغط على الاقتصاد الأردني.

من جهته، قال رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي، في مؤتمر صحفي، عقده في بروكسل في مطلع نيسان، أن البلاد وصلت إلى “طاقتها القصوى”، كنتيجة مباشرة للأزمة السورية.

ومع ارتفاع معدل البطالة بين الأردنيين، بنسبة 15%، أي بزيادة قدرها 5% عن عام 2010، فإن سوق العمل مشبع باليد العاملة. وفي عام 2014، كان ثلث الأردنيين يعيشون تحت خط الفقر، أي أنه ضعف معدل الفقر في عام 2010، وفقا لما أورده البنك الدولي.

وفي هذا الخصوص يقول ميهان، إن معاناة الأردن الاقتصادية تعني أن “مرحلة الترحيب انتهت” بالنسبة للاجئين السوريين، حيث “كان الحال كذلك قبل سنوات”.

وفي حين أن المنظمات غير الحكومية ومنظمات الإغاثة الدولية، مثل RUP، رافقت موجات اللاجئين السوريين، وكان لها نشاط إغاثي في الأردن، فإن البرامج التي تنفذها تركز حصريا على عائلات اللاجئين، وهو مايسبب حالة من عدم الرضى لدى الأردنيين، الذين يعانون من ارتفاع معدل البطالة والفقر أيضا، بحسب ما يقوله ميهان.

ويرى ميهان أن “الجميع يعاني من الإحباط، ولايوجد أية حلول تلوح في الأفق”.

ويختم ميهان حديثه مع سوريا على طول قائلا، أنه بالنسبة للاجئين السوريين، إن أكبر إحباط لهم هو “الجلوس عاطلين عن العمل، فالقيام بذلك لمدة أربعة أسابيع سيكون كارثيا بالنسبة لهم”.

“فما بالك بمدة أربع سنوات؟ هذا أشبه بالسجن”.

حقوق نشر الصور لـ حسين عامري.

شارك هذا المقال