7 دقائق قراءة

سوريون يستجيبون لأزمة مياه الركبان بعد خيبتهم من غياب دور الأمم المتحدة

في أيار، خفضت اليونيسيف كميات المياه التي تُضخ إلى مخيم الركبان الواقع في جنوب الصحراء السورية، وبعد الشعور بتخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته في إنقاذ المخيم، تدخلت هيئات محلية ومنظمات سورية لإيجاد مصادر بديلة للمياه تعوص النقص.


بقلم ليز موفة

28 أغسطس 2022

أربيل- تمثل المياه المتدفقة من الأراضي الأردنية، عبر نقطتي توزيع، إلى مخيم الركبان العشوائي “شريان الحياة” بالنسبة لعشرة آلاف سوري عالق في عمق الصحراء على الحدود السورية-الأردنية، ومن دونها لا يمكن للحياة أن تستمر هناك.

في نهاية أيار/ مايو الماضي، انخفض تدفق المياه إلى ساعة أو ساعتين خلال اليوم، ما أثار هلع سكان المخيم، ودفعهم إلى الاستماتة من أجل الحصول على بعض المياه، التي لا تقدر بثمن، لدرجة “صرنا نذهب إلى نقاط التوزيع في منتصف الليل، بينما تتدفق المياه عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، لحجز دور في طابور طويل”، كما قال حسين (اسم مستعار)، المقيم في الركبان، لـ”سوريا على طول”.

أحياناً، يتشاجر الناس “من أجل الحصول على الماء”، قال حسين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، مستذكراً حادثة “إطلاق الرصاص في الهواء من رجل، بعد خلاف نشب مع آخرين كانوا يقفون في انتظار دورهم، ولم تنته المشكلة إلا بعد حصوله على بعض الماء، الذي لم يحصل عليه منذ عدة أيام”.

في الخامس من آب/ أغسطس الحالي، نظم سكان المخيم وقفة احتجاجية، رافقها حملةً على وسائل التواصل الاجتماعي، ناشدوا فيها منظمة اليونيسيف، باعتبارها الجهة المعنية بتأمين المياه للمخيم، لإعادة ضخ المياه بالكميات التي كانت عليه قبل أيار /مايو، محذرين من كارثة إنسانية، في ظل قسوة الظروف التي يعاني منها سكان الركبان في الصحراء القاحلة خلال أشهر الصيف، غير أن جميع هذه المطالبات وقعت على آذان صمّاء.

وبدوره، دعا الائتلاف الوطني السوري، الذي يتخذ من تركيا مقراً له، في مطلع آب/ أغسطس، كلاً من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والأردن إلى التحرك “العاجل” لإنقاذ سكان مخيم الركبان من “الموت عطشاً”.

في الأول من حزيران/ يونيو الماضي، عزا المتحدث باسم اليونيسيف لـ”سوريا على طول” تعديل كميات المياه “ليتناسب مع الانخفاض في التعداد السكاني لأهالي الركبان خلال الأشهر الأخيرة”.  بعد الاحتجاجات أكدت اليونيسيف، في وقت سابق من هذا الشهر أنه “لا يوجد أي تحديث” لوضع المياه.

بعد مرور أكثر من شهرين على أزمة المياه في الركبان، أثمرت احتجاجات أهالي الركبان باستجابة المنظمات السورية الموجودة في تركيا، التي عملت، في بداية آب/ أغسطس على نقل المياه من الآبار المجاورة للمخيم داخل الأراضي السورية، لتعود المياه إلى مستوى مقبول، وفقاً للأهالي، لكن ما حدث عمّق حالة انعدام الثقة بمنظمات الإغاثة الدولية، خاصة أن وكالة الأمم المتحدة لم تستجب لنداءات قاطني الركبان حتى الآن.

الاستجابة السورية

في مطلع آب/ أغسطس، أطلق فريق ملهم التطوعي، وهو منظمة إنسانية مقرها تركيا، يتركز معظم نشاطها في شمال غرب سوريا، بالتنسيق مع المجلس المحلي للركبان، وهو هيئة مدنية تتدّعي تمثيل المخيم، حملة إغاثة تحت شعار “أنقذوا مخيم الركبان”، اشترى فيها فريق ملهم الوقود المهرّب لاستخدامه في ضخ المياه من بئر في الصحراء، ومن إحدى نقطتي التوزيع اللتين تدعمهما اليونيسيف، ومن ثم نقل المياه بصهاريج إلى داخل المخيم.

يومياً “يتم تأمين 300 لتر من المياه الصالحة للشرب و300 لتراً للاستخدامات الأخرى، تستفيد منها  60 عائلة”، وفقاً لفيصل الأسود، مسؤول قسم الحملات في فريق ملهم التطوعي. مشيراً إلى أنه يتم تزويد 200 عائلة في الركبان بالمياه، مرتين أسبوعياً، كما يؤمن الفريق الخبز لبعض من هم “أكثر حاجة”.

وبدوره، تحرك فريق الاستجابة الطارئة، وهي منظمة سورية مقرها في تركيا، وساهم بتغطية تكاليف جلب المياه من نفس البئر لاستكمال الجهود التي بذلها فريق ملهم، كما أوضح مدير الفريق، دلامة علي، لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أنهم يحضرون “خمس شاحنات يومياً، حمولة كل منها 16,800 لتر (16.8 متر مكعب) من المياه”.

“تهدف هذه المشاريع إلى نقل المياه من الآبار في الصحراء [السورية] لتقليل الكميات المستهلكة من مياه الشرب التي يتم ضخها من الأردن”، وفق محمد أحمد درباس الخالدي، رئيس المجلس المحلي في مخيم الركبان لـ”سوريا على طول”.

حتى آب/ أغسطس، كان الركبان يحصل على المياه من الأردن عبر محطتي ضخ، بدعم من اليونيسيف فقط، وتُنقل المياه بالأنابيب عبر الحدود إلى نقطتي توزيع، تعرفان محليا باسم “الشرقية” و”الغربية”. هنالك، يملأ الأهالي وبائعو المياه المحليون البراميل، ومن ثم ينقلونها إلى الركبان على عربات تجرّها الحمير.

تكمّل المبادرتان الجديدتان نظام ضخ المياه القائم برفده بمياه بئر “الدقة”، التي تبعد حوالي 10 كيلومترات عن المخيم، علماً أن هذه البئر حفرت قبل الحرب، لكنها لم تُستخدم لسنوات بسبب التكلفة العالية لاستخراج المياه ونقلها بالشاحنات. 

كذلك، فإن هذه المياه الجوفية المستخرجة من آبار الصحراء مالحة وغير صالحة للاستهلاك البشري، بخلاف الماء الذي تؤمنه اليونيسيف، ولكن يُمكن استعمالها في استخدامات أخرى، كالغسيل وسقاية الماشية.

ساهم بهذه الجهود طرف ثالث، وهو التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، الموجود في قاعدة التنف بمنطقة الـ55، بمشاركة جيش مغاوير الثورة المدعوم من الولايات المتحدة، حيث أمن التحالف مولداً جديداً لبئر الدقة، وأعاد تشغيل بئر الخفية، الواقعة على بعد 50 كيلومتراً شمال المخيم.

“كان إصلاح البئر جزءاً من الشراكة القائمة بين [التحالف] وشركائنا [مغاوير الثورة] لضمان الهزيمة الدائمة لداعش، من خلال مساعي عديدة من ضمنها تحقيق الاستقرار”، وفق ما ذكر متحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية لـ”سوريا على طول”. وعلى الرغم من أن بئر الخفية خُصِّص لاستخدام الفصيل الذي يتولى إدارة موقع عسكري قريب، إلا أنه “سيخفف” من أزمة المياه، إذ “يمكن لبدو المنطقة الاستفادة منه”، كما قال متحدث باسم الفصيل “لـ”سوريا على طول”.

الشعور بالهجران

منذ إنشائه في عام 2014، وتوافد عشرات آلاف السوريين الفارين نحو الحدود الأردنية من الحرب والاضطهاد الذي يمارسه النظام السوري إليه، ضرب مخيم الركبان مثالاً حياً على فشل الأمم المتحدة في تقديم الدعم الإنساني لم يحتاج المساعدة من السوريين في مناطق مختلفة من البلاد.

وإلى جانب النازحين، يأوي الركبان مقاتلين سابقين في صفوف المعارضة السورية وعائلاتهم، لكن الحصار المفروض على المخيم من النظام السوري يحول دون وصول المساعدات إليه عبر الأراضي السورية، إذ دخلت آخر قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة إلى الركبان، عبر دمشق، في عام 2019.

ومنذ عام 2018، رفض الأردن أيضاً السماح بإدخال المساعدات إلى المخيم من أراضيه، مستثنياً الماء فقط، بذريعة أنّ المخيم ليس في نطاق مسؤوليته الإنسانية.

“نحن محاصرون، ونعيش حالة أزمة أبدية”، لكن أزمة المياه “خنقتنا فعلياً”، كما قال لـ”سوريا على طول”، محمود قاسم الهميلي، مدير المكتب الإغاثي في الإدارة المدنية بالركبان، والمكلف بإدارة الهيئة التي تدّعي تمثيل سكان المخيم، إلى حين تعيين رئيس جديد لها.

تنحصر استجابة الأمم المتحدة لسكان المخيم بخط المياه التابع لـ”اليونيسيف”، لكن حتى كميات المياه خُفضت حالياً بنسبة 25% على الأقل، أي من 400 متر مكعب يومياً إلى 300 متر مكعب، بحسب الهميلي، وهي أرقام تقديرية لا يُمكن التحقق من دقتها بشكل مستقل.

تعديل كميات المياه التي تُضخ للمخيم يتناسب مع آخر التقديرات السكانية المتاحة “وذلك لتقديم كمية معيارية من الماء لكل فرد في المجتمع”، كما قالت اليونيسيف لـ”سوريا على طول”، بيد أن الأساس الذي استند إليه هذا القرار غير واضح، لأن وكالات الإغاثة لا تستطيع الوصول فعلياً إلى المخيم، ولم يتم إجراء أي إحصاء سكاني منذ سنوات. عادة تشير وسائل الإعلام المحلية إلى أرقام تتراوح بين 7 و10 آلاف شخص ما زالوا في الركبان، بعد أن بلغ التعداد ذروته في عام 2017، إذ قدّر عدد قاطنيه آنذاك بنحو 85 ألف نسمة.

رداً على تصريحات اليونيسيف، قال حسين، أحد سكان المخيم: “عددنا بين 8 و10 آلاف نسمة، ولا تصلنا المياه سوى ساعتين في اليوم”، متسائلاً “كيف يتصورون أنها تكفينا؟!”.

ورفضت اليونيسف الإدلاء ببيانات دقيقة عن كميات المياه التي يتم ضخها إلى المخيم، إلا أنها ذكرت أنها تقدم حالياً “65 لتراً من المياه لكل فرد يومياً”، ولا يقتصر استخدامها على الشرب والغسيل، وإنما للحفاظ على نظافة البيوت الطينية وسقاية المواشي، وريّ المزروعات في المساحات الصغيرة التي يعتمد عليها أهالي المخيم لتعويض انعدام المساعدات الغذائية.

فجوة تواصل

في الأول من حزيران، قالت اليونيسيف لـ”سوريا على طول” أنه بعد “مشاورات مجتمعية” زادت كمية المياه “زيادة طفيفة” بعد تخفيضها لأول مرة في أيار/ مايو، لكن جميع من تحدثوا إلى “سوريا على طول” نفوا علمهم بحصول مثل هذه المشاورات.

“لا تتواصل اليونيسف معنا بتاتاً”، وفق ما قال الهميلي، مدير الإدارة المدنية. “عادة ما نتواصل مع الأوتشا [مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية] أو مع المؤسسة الشريكة لليونيسف التي تدير إمدادات المياه”، بحسب الخالدي، رئيس المجلس المحلي المنافس للإدارة المدنية، الذي نفى أيضاً أي تواصل مع اليونيسف أو أي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة منذ بداية الأزمة.

طفلان في الركبان يحملان لافتة موّجهة إلى تانيا شابويزات، ممثلة اليونيسيف في الأردن، آب/ أغسطس 2022 (أهالي مخيم الركبان)

يتهم بعض قاطني الركبان، الذين يشعرون بخيبة أمل، الوكالة التابعة للأمم المتحدة بانتهاج استراتيجية النظام المتمثلة بتجويع المخيم، إذ من وجهة نظر حسين “الأمم المتحدة والأردن متواطئان مع النظام السوري المجرم”، معتبراً أنهما “يساعدونه لإخراجنا من المخيم”. يشعر الخالدي أيضاً بذلك، معتبراً أنهم “يضغطون ويضغطون لإجبارنا على المغادرة”.

على مدى السنوات الأخيرة، واصلت جهات مانحة دعم المخيم، منظمات سورية وأفراد، بإرسال المال إليه عبر وسطاء موثوقين، وهذا ما دفع بعض سكان المخيم إلى التساؤل: كيف تستطيع هذه الجهات دعمهم من بعيد، في حين أثبتت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية عجزها عن القيام بأمر مماثل رغم تعدد وسائلها وإمكاناتها.

“جمع مؤتمر المانحين الأخير [مؤتمر بروكسل السادس الذي عقد في أيار/ مايو 2022] أكثر من 6 مليارات دولار للاجئين داخل سوريا وخارجها”، قال الخالدي بسخط، “لكنهم لم يُخصصوا قرشاً واحدا للركبان أو لقاطنيه”. في الواقع، يُمكن للتعهدات الصادرة عن مؤتمر بروكسل السادس أن تدعم الركبان وإن كان بطريقة غير مباشرة من خلال الأموال المقدمة لليونيسيف.

[irp posts=”39466″ name=”الركبان: غياب الدعم الإنساني يحوّل مسار المساعدات للمخيم”]

ومن المستبعد أن تعمل المنظمات الدولية الكبيرة في الركبان؛ نظراً لأن المخاطر المالية والقانونية كبيرة جداً، وقد تهوي بسمعتها، بخلاف المنظمات المحلية، التي تمولها غالباً جهات مانحة خاصة وسوريون مهجرون في أنحاء العالم. تعتمد المنظمات الدولية على التمويل من جهات مؤسساتية كبيرة تفرض عليها قواعد شفافية صارمة.

في ظل عدم إمكانية الوصول الفعلي إلى الركبان، لا تملك المنظمات غير الحكومية أي وسيلة لتعقب ما يُنفق من أموال في المخيم، كما أن لديهم خيارات محدودة من الشركاء المحليين، حيث تدّعي هيئتان محليتان على الأقل تمثيل أهالي المخيم، في سياق يعج باتهامات الفساد وتحويل مسار المساعدات. يضاف إلى ذلك غموض عمل المهربين الذين يدخلون المواد الأساسية إلى المخيم، ما يؤثر على أي عمليات مساعدات محتملة.

سكان مخيم الركبان عالقون في صحراء قاحلة، منذ سنوات، ولم يعد عندهم ما يتوقعونه من المجتمع الدولي، بحسب الأسود، معتبراً أن “هذا الوضع معيب ومهين، لأنهم عاجزون عن وضع حدٍ لمعاناة المخيم وإغاثته”.

تتوالى الكوارث على الركبان، ويعيشون أزمة تلو أزمة، ومع ذلك يتشبثون بوجودهم في المخيم الصحراوي، متمسكين بحبال واهية: الطحين المهرب، التبرعات الخارجية، والمياه المالحة المستخرجة من الصحراء.

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين

شارك هذا المقال