5 دقائق قراءة

سوريون يصفون مرسوم العفو الجديد بـ”الكلام الفارغ” ويشككون في صدق نوايا الحكومة

وزير الدفاع في حلب عام ٢٠١٦. تصوير لؤي بشارة / […]


وزير الدفاع في حلب عام ٢٠١٦. تصوير لؤي بشارة / سانا /AFP.

 

بعد أن أمضى أبو عبد الله نحو 20 سنة في المجال العسكري، اتخذ قراراً حاسماً بالتخلي عن منصبه، حيث قال “عندما بدؤوا بقتل المتظاهرين، استدرت 180 درجة وقررت المغادرة”.

حينها، كان أمامه خيارين إما “خيانة الإنسانية أو خيانة بشار الأسد”، “في هذه الحالة، فضلت خيانة بشار الأسد” بحسب ما قاله.

أبو عبد الله، الذي طلب استخدام اسم مستعار لأسباب أمنية، هو واحد من بين عدد هائل من الرجال السوريين، الذين فرّوا من البلاد منذ عام ٢٠١١، إما انشقوا عن الجيش أو لتجنب الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين بين ١٨ و٤٢ عاماً.

ومنذ أن انشق أبو عبد الله عام ٢٠١٣، في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الصحاري التي تفصل سوريا والأردن، نزح نصف سكان سوريا خارج حدودها، بينما أعادت الحكومة السورية فرض سيطرتها على غالبية البلاد للمرة الأولى منذ سنوات.

وفي الأسبوع الماضي، أصدرت الحكومة السورية عفواً عن كل الفارين داخلياً وخارجياً، وهو ما تم اعتباره من قبل المحللين والسوريين النازحين على أنه مجرد تكرار للمراسيم السابقة، حيث أن توقيت ومحتوى الإعلان يمكن أن يشير إلى عزم الحكومة السورية ليس فقط على تشجيع ملايين النازحين السوريين على العودة إلى ديارهم، إنما أيضاً تعزيز جهود إعادة الإعمار بعد الحرب.

وفي الوقت الذي يرى فيه مسؤولو الحكومة أن هذا القرار قد يكون الفرصة الأخيرة لكل المتخلفين عن الخدمة الإلزامية من أجل العودة والحصول على عفو من الحكومة السورية، يقول الضباط المنشقون أنهم لن يعودوا، واصفين العفو بأنه احتيال.

‘كلام فارغ’

وضعت الحكومة السورية، من خلال المرسوم رقم ١٨ الذي صدر في ٩ تشرين الأول، جدولاً زمنياً للفارّين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية – داخل سوريا وخارجها على حد سواء – للعودة بأمان دون مواجهة الملاحقة القضائية لانتهاكهم القوانين المتعلقة بالخدمة العسكرية، وبموجب شروط العفو، تم منح الفارين والمتهربين من الخدمة المتواجدين حالياً خارج البلاد مدة ستة أشهر للعودة، في حين لا يملك من هم في الداخل سوى أربعة أشهر.

لكن هناك قيود للعفو، تحت إشراف دقيق.

ففي حين ينطبق العفو على الأشخاص الذين انشقوا عن الجيش أو فرّوا من البلاد لتجنب الخدمة العسكرية، فإنه لا يشمل المنشقين السوريين الذين تركوا الجيش للانضمام إلى فصائل المعارضة، والذين اعتبرتهم الحكومة فيما بعد “إرهابيين”.

وعندما قرر أبو ياسين أن يفرّ من الجيش عام ٢٠١٢، أراد في البداية أن ينضم إلى المعارضة المسلحة، لكن الطريق إلى الشمال من دمشق، والذي تتخلله الحواجز التي يديرها الجنود السوريون وقوات الأمن السورية، منعه في نهاية المطاف، حيث كانت المخاطر كبيرة جداً. وغادر أبو ياسين – الذي طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية – إلى الأردن في عام ٢٠١٣.  

Embed from Getty Images



صورة لعمان في حزيران. تصوير: Martyn Aim 

وقبل الفرار، منحت الثلاثين سنة من الخدمة في الجيش، أبو ياسين، مكانة اجتماعية خاصة بين أفراد مجتمعه، كما كان له شبكة جيدة من المعارف.

ولكن عندما ترك عمله وغادر إلى الأردن، انقطعت معظم الروابط مع الأصدقاء والأقارب داخل سوريا على الفور، حيث كانوا يخافون على سلامتهم الشخصية، ويخشون المخاطر التي قد تلحق بهم بسبب تواصلهم معه، بحسب ما قال.

وشكك أبو ياسين في المرسوم الصادر هذا الشهر، ومن خلال معرفته الجيدة بالجيش قال إنه يرى أن وعود الحكومة بالعفو لا تعدو كونها “فخاً وكذبة، حتى يعيدنا إلى سوريا”.

وفرّ محمد ابراهيم تركاوي، البالغ من العمر ٢٣ عاماً، من الجيش في عام ٢٠١٥ واتجه شمالاً حيث يتواجد حالياً في إدلب،  وقال إنه غير راغب بالعودة إلى الحياة في ظل سيطرة الحكومة.

وتابع تركاوي لسوريا على طول من مخيم أطمة، وهو مخيم عشوائي للنازحين في إدلب، على الحدود السورية – التركية “إن المرسوم كلام فارغ”.

“لن يهم حتى لو أصدرت الحكومة مئة عفو”.

“إجراء لا بدّ منه”

ليست هذه المرة الأولى التي تقدم فيها الحكومة السورية مخرجاً لأولئك الذين فرّوا من الجيش أو تجنباً من احتمال التجنيد العسكري الوشيك، منذ اندلاع الثورة عام ٢٠١١ والحرب التي تلتها.

وتضمن العفو الذي صدر الأسبوع الماضي العديد من التفاصيل نفسها التي أعلن عنها في مراسيم أخرى صدرت في عامي ٢٠١٥و٢٠١٦، على الرغم من أن مرسوم عام ٢٠١٦ لم يمنح الفارّين سوى مهلة شهر واحد لتسليم أنفسهم إذا كانوا لا يزالون داخل البلاد، وشهرين إذا كانوا في الخارج.

وقال أحد المحللين السياسيين في مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية “لا أعتقد أن هناك تغيير في اللعبة، فالتوقيت مثير للغاية”.

وخلال العام الماضي، استعادت الحكومة السورية السيطرة على غالبية البلاد، في حين لا تزال إدلب آخر معقل رئيسي للمعارضة في البلاد، حيث أن فرص تفادي هجوم شامل على إدلب من قبل الحكومة متوقف في الوقت الحالي على التنفيذ الصحيح لاتفاق هش لوقف إطلاق النار، توسط فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي.

وخلال الهجمات العسكرية المدمرة واتفاقيات المصالحة، حرص المسؤولون السوريون على تقديم سوريا على أنها تعود للحياة من جديد، وفي محاولة لتعزيز الرواية القائلة بأن سوريا تقترب بسرعة من فترة إعادة الإعمار بعد الحرب، دعت الحكومة الملايين من اللاجئين السوريين المنتشرين عبر الدول المجاورة وخارجها للعودة إلى ديارهم والمساهمة في إعادة إعمار البلاد.

وقال وزير الخارجية وليد المعلم في كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي أن “الأبواب مفتوحة على مصراعيها لجميع السوريين في الخارج للعودة طواعية وبأمان”، واصفاً الدولة بأنها أصبحت الآن “أكثر أمناً واستقراراً”.

ووفقاً للمحلل الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإن المرسوم ينص على “نقطة بيع جيدة” في سعي الحكومة السورية للحصول على الشرعية الدولية وأموال الجهات المانحة للتوجه نحو إعادة إعمار بلد دمرته سبع سنوات من الحرب.

وقال “إنه إجراء لا بد منه”، موجّه نحو تغيير أكبر في الخطاب المتعلق بالنزوح والنزاع السوري، وهو ما يمكن استخدامه على وجه السرعة من جانب البلدان التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين لتشجيع عودتهم.

وخلال العام الماضي، زاد لبنان الضغوط على اللاجئين السوريين بشكل كبير للعودة إلى ديارهم، حيث فتح مراكز التسجيل وعمل إلى جانب المؤسسات السورية لتسهيل العودة عبر الحدود، إلا أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تؤكد أن الظروف السياسية والإنسانية في سوريا لا تزال تعني أنه من السابق لأوانه الحديث عن العودة.

العودة الى الوطن؟

فرّت نسبة كبيرة من الشباب من سوريا، على مدار سنوات الحرب، تجنباً للخدمة العسكرية الإلزامية، ولا تزال المخاوف من التجنيد بمثابة رادع كبير يمنع اللاجئين من العودة.

وبحسب المحلل، قد يتم تشجيع بعض الفارّين على العودة، كما أن البعض سيعتبرها فرصة للعودة إلى الوطن.

وأضاف “إن الكثير من السوريين ممن هم خارج البلاد ليسوا بالضرورة ضد الحكومة، لكنهم فروا لأنهم لا يريدون الالتحاق بالجيش”.

وفي الوقت ذاته، دفعت الظروف المعيشية المتدهورة داخل مجتمعات اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة البعض إلى اتخاذ قرار العودة إلى سوريا.

فقبل أن يفرّ أبو عبد الله وعائلته من سوريا، قال إنه كان يعيش حياة “مريحة”، حيث كان يملك سيارة ومكتباً وحرساً شخصياً.

لكن الحال تغير. حيث يعتمد الآن على أولاده لدعمه مالياً.

ومع ذلك، بعد أن سجل في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ويعيش حياة بسيطة في الأردن، رفض حتى التفكير في العودة إلى البلد الذي خدم فيه كضابط عسكري لأكثر من عقدين.

ولدى أبو عبد الله قناعة بأنه لن يعود إلى وطنه الآن أو حتى فيما بعد.

وختم قائلاً “مهما كانت الضمانات التي تقدمها الحكومة، لن أعود إلى سوريا أبدا”.

 

ترجمة: سما محمد

شارك هذا المقال