7 دقائق قراءة

سوق العقار في إدلب: فوضى التوثيق ومخاطر مستقبلية

إدلب- حركة نشطة تشهدها سوق العقار في محافظة إدلب شمال […]


19 أبريل 2021

إدلب- حركة نشطة تشهدها سوق العقار في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، رغم تخوف سكان المنطقة الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام من انهيار وقف إطلاق النار الهش الذي كانت توصلت إليه أنقرة وموسكو في آذار/مارس 2021، ما من شأنه تهديد أملاكهم.

ففي العام 2020، وثقت المديرية العامة للمصالح العقارية بإدلب، التابعة لحكومة الإنقاذ المنبثقة عن “تحرير الشام”، 37,056 بياناً عقارياً أو صورة عن الصحيفة العقارية، و16,122 سند تمليك، إضافة إلى 9,980 عقد نقل ملكية، بحسب ما ذكر مصدر في المديرية لـ”سوريا على طول”. 

لكن هذه الأرقام لا تتطابق مع عمليات البيع والشراء الفعلية، نتيجة تخوف متعاملين من توثيق التصرف بملكياتهم العقارية لدى المؤسسات المعنية في محافظة إدلب باعتبارها “مؤسسات أمر واقع” قد لا تصون حقوقهم. هكذا فضّل ياسين العمر (اسم مستعار)، المقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي، عدم توثيق نقل ملكية الأرض التي اشتراها في شباط/فبراير الماضي، ومساحتها 200 متر مربع، لدى المصالح العقارية في إدلب، لأن “التسجيل خارج نطاق حكومة سورية واحدة ذات اختصاص وسلطة كاملة ليس له أي قوة قانونية مستقبلية”، كما قال.

ومن ثم، اكتفى العمر لأجل توثيق ملكيته الأرض “بعقد بيع موقع منه ومن البائع وشهود، يتضمن معلومات العقار كاملة، كما أضاف لـ”سوريا على طول”. وهو إلى الآن لم يواجه “أي مشكلة تخص ملكيتي، ولم أضطر لمراجعة أي دائرة تابعة لحكومة الإنقاذ”.

على النقيض من العمر، سارع محمد الحسن (اسم مستعار)، المقيم في منطقة دركوش غرب محافظة إدلب، إلى تسجيل عقد البيع الذي اشترى بموجبه أرضاً زراعية مساحتها 500 متر مربع في منطقة حارم لدى مديرية المصالح العقارية بإدلب. وقد ترتب عليه لإنجاز ذلك “دفع مبلغ 50 دولاراً أميركياً، تشمل أجور المحامي ومصاريف التسجيل”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

توثيق الحسن لأرضه لدى المصالح العقارية “جاء بناء على نصيحة من أحد المحامين في إدلب”، لافتاً إلى أن تسجيل الأرض “من شأنه أن يحمي حقي ويجعلني طرفاً في أي نزاع على ملكية الأرض إذا طرأ تصرف عليها في الصحيفة العقارية لدى النظام أو دوائر حكومة الإنقاذ من دون معرفتي”.

التصرف بالملكية العقارية في إدلب

في حزيران/ يونيو 2020، باشرت المديرية العامة للمصالح العقارية في إدلب عملها بموجب القرار رقم 263 الصادر عن حكومة الإنقاذ. وقد اعتمدت المديرية الإجراءات ذاتها المعمول بها من قبل المصالح العقارية التابعة لحكومة دمشق.

وأُنشئ مكتب التوثيق العقاري التابع لوزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ أيضاً، ليكون الجهة المدنية المعنية بتوثيق وأرشفة التصرفات التي تطرأ على المساكن والأراضي في إدلب. كما تم تفعيل مكتب “تنظيم المكاتب العقارية” في المديرية العامة للمصالح العقارية بجميع الفروع التابعة للمديرية في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سوريا.

ويتم توثيق التصرف بالملكية العقارية في إدلب بتقديم الأوراق التالية: سند الملكية، وهو الوثيقة الرسمية التي تثبت ملكية الشخص للعقار (الطابو الأخضر)؛ وبيان القيد العقاري “الذي يثبت اسم المالك ورقم وتاريخ عقد الملكية، شريطة أن يكون صادراً حديثاً من دوائر حكومة الإنقاذ، إذ لا يُعترف بالبيان الصادر عن دوائر النظام”، بحسب ما ذكر المصدر من المديرية العامة للمصالح العقارية في إدلب.

ويشترط لتوثيق التصرف أيضاً “استخراج قيد مدني، أو صورة طبق الأصل عن البطاقة المدنية لمالك العقار وللمشتري، من دوائر السجل المدني التابعة للإنقاذ”، وفق المصدر، إضافة إلى “عقد بين الطرفين يحدد فيه وصف التصرف على العقار، سواء كان بيعاً أم رهناً أم استئجاراً”.

وتعتمد الدوائر والمؤسسات التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب على “وثائق وسجلات ومعلومات دوائر النظام التي تم الاحتفاظ والعمل بها بعد تحرير إدلب في العام 2015″، بحسب المصدر ذاته، خاصة “سجلات دائرة المصالح العقارية، والأرشيف القضائي لقصر العدل في إدلب”. كما “تعترف الدوائر بسندات الملكية الصادرة حديثاً”، لافتاً إلى أن “أغلب موظفي المديرية الحاليين هم عاملون في المديرية قبل تحرير إدلب”.

أما في حالة المنازعات العقارية، فيتم اللجوء إلى “الحكم القضائي” للفصل في القضية. وهو “إجراء معمول به في إدلب”، كما أوضح لـ”سوريا على طول” المحامي فهد الموسى، عضو مجلس نقابة محامي سوريا الأحرار. لافتاً إلى أن “الحكم القضائي شأنه شأن العقد الرسمي، ويخضع للتسجيل والشهر العقاري بعد استيفاء الشروط الخاصة التي تتعلق بالدعوى العقارية”.

دراسة أمنية

إلى جانب تقديم الوثائق السابقة لإنجاز أي معاملة عقارية في مؤسسات حكومة الإنقاذ بمحافظة إدلب، يُشترط على أطراف المعاملة العقارية “الحصول على موافقة أمنية صادرة عن مكتب الدراسات في إدلب تثبت عدم تعامل الشخص مع أي جهة تابعة للنظام السوري”، كما قال لـ”سوريا على طول” عبد المنعم الجميل (اسم مستعار)، والذي حصل على الموافقة لنقل ملكية عقار اشتراه في منطقة الدانا بريف إدلب الشمالي.

الغاية من الدراسة الأمنية “الحجز على أملاك المرتبطين بالنظام السوري والمتعاملين معه”، كما أوضح لـ”سوريا على طول” محامٍ في إدلب طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية. وبذلك تتبع حكومة الإنقاذ سياسة نظام الأسد الذي كان أصدر القرار 4554 للعام 2015، ويقضي بإضافة البيوع العقارية وعمليات إيجار وفراغ المنازل والمحال إلى القضايا التي تستوجب الحصول على موافقة أمنية مسبقة من الجهات المختصة.

في هذا السياق، حذر المحامي الموسى من الإجراءات والقرارات التي تنفذ على الملكيات الخاصة أو العامة “استناداً إلى أوامر أمنية أو محاكم استثنائية، لأن ذلك سيحرم كل صاحب ملكية يعيش خارج منطقة النفوذ التي تقع فيها ملكيته من التصرف بها”.

كذلك، فإن الحجز وفق هذه الآلية، والمتبع من نظام الأسد وحكومة الإنقاذ على حد سواء، يخالف الدستور السوري لعام 2012، لاسيما المادة 15 التي نصت على أن “المصادرة العامة في الأموال ممنوعة”، وأنه “لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون”، و”لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم”، فيما “تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل”.   

أزمة الملكية العقارية في إدلب

في سوريا “لا توجد دولة بالمفهوم القانوني والدستوري. إذ من أركان الدولة وجود سلطة شرعية منتخبة بموجب انتخابات نزيهة”، كما قال المحامي فهد الموسى، وهذا “لا ينطبق على الحكومات الحالية؛ سواء كانت حكومة النظام أو قوات سوريا الديمقراطية أو الإنقاذ أو الحكومة المؤقتة [التابعة للمعارضة] كونها سلطات أمر واقع وليست منتخبة”.

ونتيجة الظروف السياسية والعسكرية في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، برزت مشكلات جديدة تتعلق بالملكية العقارية، خصوصاً في شمال غرب سوريا، منها: وجود حركة بيع وشراء في المناطق الحدودية في ريف إدلب الشمالي، والتي كان القانون السوري يحظر التصرف فيها، بموجب القانون 41 لعام 2004 وتعديلاته. وحالياً، يتم توثيق عمليات البيع والشراء تلك “بعقود بيع وشراء توافقية غير مسجلة في الدوائر العقارية”، كما أوضح لـ”سوريا على طول” المحامي اسكندر الحسين، المقيم في إدلب.

كذلك، أسهمت المشكلات العقارية التي سبقت اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، من قبيل “كثرة الملكية الشائعة وتعليق النظر في دعاوى الفروغ والخلو”، في تعقيد إدارة الملكية العقارية في شمال غرب سوريا، كما أضاف الحسين. 

من جانب آخر، تهدد سياسة الاستملاك لأراضي مواطنين في إدلب، والتي تتبعها حكومة الإنقاذ لتنفيذ مشاريع خدمية، أملاك مواطنين في المنطقة، وحتى دفع تعويض لهم. مثال ذلك رفض “حكومة الإنقاذ دفع تعويض للمتضررين من توسعة طريق سرمدا-الدانا شمال إدلب، رغم تقديم عريضة موقعة من 100 شخص”، كما قال لـ”سوريا على طول” أبو عمر (اسم مستعار)، صاحب محل لبيع إطارات السيارات يقع ضمن التوسعة. 

ولم تكتف “الإنقاذ” عبر مديرية الخدمات التابعة لها بمباشرة أعمال التوسعة، بل “تعمل على جباية ضريبة توسعة الطريق من المتضررين”، وفق أبو عمر.

لكن هذا لا ينفي أن بعض مشكلات الملكية العقارية في إدلب “تعود إلى عدم وجود وعي قانوني لدى الناس بضرورة توثيق معاملاتهم المتعلقة بالعقارات، من قبيل نقل الملكية في وقتها”، بحسب المحامي اسكندر.

مخاطر تهدد الملكية

سواء تم توثيق عمليات بيع وشراء العقارات لدى دوائر حكومة الإنقاذ أم لم توثق، فإن ثمة آثاراً قانونية متضاربة قد تهدد أملاك المواطنين في شمال غرب سوريا مستقبلاً، كما حذر المحامي الموسى. إذ “في حالة تسجيل وتوثيق عقود نقل الملكية ووضع إشارات على الصحيفة العقارية الأصلية من أكثر من جهة فاعلة، يصبح العقار لأكثر من مالك”. وهو ما يتسبب في مشكلة تتمثل في “الجهة التي يعتد بتوثيقها، ومن هو المالك حسن النية، أي من هو المالك الذي يعتد بملكيته قانوناً ولا علم له بملكية غيره لنفس العقار”.

في المقابل، فإن عدم تسجيل وتوثيق عقود نقل الملكية في الدوائر التابعة لحكومة الإنقاذ “قد يؤدي إلى صعوبة إثبات المالكين تسلسل الملكية”، كما أضاف الموسى. محذراً من أن ذلك “يتيح المجال أمام المالك الأصلي لبيع العقار لأكثر من شخص”، وتالياً “يصعب تحديد المالك حسن النية”. 

ويعرّف مبدأ “حسن النية” في التعاملات القانونية بأنه “الجهل المبرر بواقعة أو حادثة معينة، بحيث يختلف الحكم القانوني المترتب تبعاً لتحقق الجهل أو تحقق العلم بتلك الواقعة أو الحادثة”. وهذا المبدأ “سيحكم كل التصرفات التي تطال حقوق الملكية في شمال غرب سوريا” بحسب الموسى، مؤكداً في الوقت ذاته أن “حسن النية لا يكفي، إذ لا بد أن يتحقق أيضاً مبدا الموظف الفعلي، وأن يكون من أصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة حتى يعتدّ بتوثيقه مستقبلاً”.

و”الموظف الفعليهو “الشخص العادي الذي يقوم ببعض التصرفات كما لو كان موظفاً عاماً من أجل الحفاظ على المصلحة العامة، أي إنه يحل محل المرفق العام المعني بالأمر ويقوم بكل ما من شأنه أن يحافظ على استمرارية المرفق العام وهذا يكون في حال غياب المرفق العام أو عدم إمكانيته تأدية دوره نتيجة حروب، ثورات… إلخ”. بحيث “يعتدّ بتصرفات الموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية مثل الثورات”، كما أوضح الموسى، “على أن تكون هذه التصرفات قانونية، وتمت من أشخاص يمتلكون الكفاءة والنزاهة وحسن النية”.

لكن، بحسب الموسى، فإن “أي توثيق عقاري أو حجز احتياطي أو تنفيذي على ملكيات عقارية لأشخاص معارضين أو محجوزي الحرية في السجون، يفترض فيه سوء النية إلى أن يثبت العكس”.

ورغم التحديات والمخاطر المحتملة التي تهدد ممتلكات المواطنين في آخر مناطق المعارضة السورية، شمال غرب البلاد، فإنه لا يمكن إسقاط تجارب مناطق معارضة أخرى سابقة، من قبيل الغوطة الشرقية أو ريف حمص. إذ فيما “اعترف نظام الأسد بالمعاملات العقارية التي أنجزتها دوائر المعارضة في ريف حمص الشمالي، فإنه لم يعترف بأي من تلك المعاملات في الغوطة الشرقية”، كما قال مسؤول سابق في المصالح العقارية التابعة للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) بالغوطة الشرقية. مشدداً في حديثه إلى “سوريا على طول” على أن “الأولى توثيق عمليات البيع والشراء في المصالح العقارية الموجودة بالمنطقة”، مع ضرورة “وجود عقد خارج تلك المؤسسات [الرسمية] بين البائع والمشتري يوقعه شهود أيضاً”. 

شارك هذا المقال