8 دقائق قراءة

سياسة الأرض المحروقة التي يتّبعها التحالف تزج بأهالي الرقة في معركة طرد تنظيم الدولة

 لا يزال ٢٥٠٠ مدنياً محتجزين داخل مدينة الرقة، وفقاً لآخر […]


25 سبتمبر 2017

 لا يزال ٢٥٠٠ مدنياً محتجزين داخل مدينة الرقة، وفقاً لآخر إحصائية صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وبالنسبة لهؤلاء المدنيين فإن العمل العسكري المستمر لإخراج تنظيم الدولة لا يقل سوءاً عن الحياة في الجحيم.

ومنذ حصار قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، المدعومة من قبل الولايات المتحدة، للمدينة في حزيران، يتعرض السكان لغارات جوية مدمرة وقصف مدفعي من التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، بالتزامن مع اقتراب قسد من آخر معقل لتنظيم الدولة في مدينة الرقة.

وبحسب تقديرات “أيروورز” وهي مجموعة رصد مقرها بريطانيا، فإن أكثر من ألف مدني قتلوا منذ بدء المعركة، حيث استمرت القذائف والقصف المدفعي بمعدل قذيفة للتحالف أو غارة مدفعية “كل ثماني دقائق” خلال شهر آب.

ولكن ليس لدى الأهالي الكثير من الخيارات لمغادرة المدينة، وقال الجنرال الأمريكي “ستيفن ج. تاونسند” لصحيفة نيويورك تايمز في تموز إن المدنيين محاصرين داخل الرقة بالألغام التي زرعها التنظيم إضافة إلى خطر استهدافهم من جانب  القوات المدعومة أميركياً، والتي تتمثل استراتيجيتها “بإطلاق النار على كل قارب نراه”. وتراجع تاونسند، الذي يقود العملية التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة، في وقت لاحق عن هذا البيان.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أصدرت مؤسسة سوريا للدراسات الاستراتيجية والمنظمة الهولندية باكس تقريرهما السابع عن “مراقبة الحصار”، الذي يتناول تفاصيل الحصار الحالي والمحتمل مستقبلاً في جميع أنحاء سوريا، وتناولوا لأول مرة، العمليات الأمريكية في الرقة أثناء تقييم معايير الحصار.

وقالت فاليري سيبالا، المدير التنفيذي لمؤسسة سوريا للدراسات الاستراتيجية، ومقرها العاصمة واشنطن “كنا معتادين على الحصار الذي تنفذه الحكومة السورية، كاستراتيجية للعقاب الجماعي تستهدف المدنيين”.

وأضافت “لا نعتقد أن لدى التحالف نية بمعاقبة المدنيين ولكن من الناحية العملية فإن أثر عمليات التحالف له  الأثر نفسه”.

وقد أدرجت مدينة الرقة ضمن “قائمة المراقبة” في التقرير، والذي يصنف المجتمعات المحلية التي تعيش “تحت الخطر الكبير للحصار طويل الأمد”.

 وأوضحت فاليري “كانت الرقة تحدياً بالنسبة لنا، فهذه هي المرة الأولى التي ننظر فيها إلى هذا النوع من الحالات المتعلق بالولايات المتحدة”.

ما هي العوامل التي تم أخذها بعين الاعتبار عند تصنيف الرقة ضمن “قائمة المراقبة” للمرة الأولى؟

نحن نبحث عن مواقع حوصرت عمداً كجزء من استراتيجية عسكرية لقوة معينة، وهنا في حالتنا: قوات قسد المدعومة أميركياً، وبداخلها مدنيين محتجزين.

كانت الرقة تحدياً بالنسبة لنا، فهذه هي المرة الأولى التي ننظر فيها إلى هذا النوع من الحالات المتعلقة بالولايات المتحدة، وكنا معتادين على الحصار الذي تنفذه الحكومة السورية، كاستراتيجية للعقاب الجماعي تستهدف المدنيين.

وبالنسبة لنا لا نعتقد أن لدى التحالف نية بمعاقبة المدنيين، ولكن من الناحية العملية فإن أثر عمليات التحالف هو نفسه، حيث لا يسمح للمدنيين بالخروج، ويعود ذلك جزئياً إلى أن تنظيم الدولة يستخدمهم كدروع بشرية، ولكن [سألنا أنفسنا أيضا] – هل يتخذ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقسد إجراءات استثنائية لمساعدة المدنيين الذين يحاولون الفرار من المدينة؟

وجدنا أن الأمر ليس كذلك، ويبدو أن هناك هجمات عشوائية على المركبات التي تفر من المدينة، وهناك تقارير عن مدنيين، سواء كانوا يسافرون في قوارب أو سيارات، يستهدفهم التحالف، ولا يبدو أنها عشوائية، بقدر ماهي هجمات تستهدف مجموعات من الأفراد الفارين من المدينة.

لذا تحدثنا مع شبكات من النشطاء في الرقة، وقالوا بأنه ليس لديهم أية وسيلة للخروج، ولهذا السبب، سنقوم قريباً بتصنيفها على أنها محاصرة تماماً.

 

قاتل من قسد في غرب الرقة، ٥ أيلول. تصوير: دليل سليمان.

هل سيتم تصنيف مدينة الرقة على أنها محاصرة تماماً؟

إنها محاصرة، العناوين والتوصيفات التي نستخدمها لهذه الأماكن هي، بحكم طبيعتها، سطحية، إنهم لا يعرّفون المكان، ونحن نبذل قصارى جهدنا لاتباع المنهجية التي قمنا بتحديدها، أي هذه التصنيفات المصطنعة ، لتسليط الضوء على ما يجري وسط هذا الجنون.

ذكرت أنكم على اتصال بشبكة من النشطاء داخل مدينة الرقة، كيف يمكنكم التأكد من أن المعلومات التي تتلقونها من داخل مناطق التنظيم موثوقة؟

ذلك المكان يشكل تحدياً كبيراً، ففي أماكن أخرى [من سوريا]، عملنا لسنوات وأصبح لدينا مصادر موثوقة، ولكن في مكان كالرقة، الاتصال المباشر بمصادر داخل المدينة صعب للغاية.

اضطررنا للاعتماد على شبكات ناشطين لديها اتصالات داخل المدينة، هذا هو واقع الوضع الآن.. انقطاع الكهرباء، ووسائل التواصل الأخرى، ففي بعض الأحيان يكون من المستحيل التحدث إلى شخص ما في منطقة يسيطر عليها التنظيم بشكل مباشر.

ولكنني متأكدة وأنت كذلك تعلمين، أنه في العمل المتعلق بسوريا، قد لا تكون البيانات والمعلومات صحيحة أو دقيقة تماماً، وهذا أمر نوضحه دائماً في عملنا، ولكن من المهم جداً في كثير من الحالات إيصال حقيقة ما يجري من فظائع، وأفضل ما يمكننا القيام به هو أن تكون معلومات خالية من الثغرات أو العيوب، أو أشياء نجهلها.

هل يمكنك التحدث أكثر عمّا قالته مصادركم بالضبط عن “الفظائع” التي تحدث على أرض الواقع في مدينة الرقة؟ هل لمستم أي تغيير في الظروف الإنسانية هناك منذ أن حاصرت قسد المدينة في حزيران؟

إنهم أناس ينتقلون من وضع مأساوي يهدد حياتهم إلى آخر.

بالطبع، تدهورت الظروف بسرعة منذ أن بدأ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة هجومه ضد المدينة لجميع الأسباب التي يمكن توقعها، وذلك باتباع سياسة الأرض المحروقة. فتم استهداف جميع البنى التحتية.

ويبدو أن قسد، المدعومة من الولايات المتحدة، لا تهتم كثيراً لأمر المدنيين مقارنة بالتقدم العسكري، ولكن في الرقة نعلم أن هذا يشكل تحدياً لأن التنظيم متواجد بين المدنيين.

ولا تزال القوة المحاصرة تملك خياراً بشأن التقدم، ويبدو أنه في ظل الإدارة الأمريكية الحالية هناك قدر أقل من الحذر، ومن هنا جاءت هذه الأوضاع السيئة.

كما أن نقص الغذاء والماء بطبيعة الحال أمر مدمر، ولا أعتقد أن هناك أي مرافق طبية تعمل إلى الآن، والناس القريبون بما يكفي من نهر [الفرات] ممن كان بإمكانهم الحصول على الماء في السابق لم يعودوا قادرين على توفير المياه خشية أن يتم استهدافهم.

وبسبب خطورة الوضع، وصعوبة التواصل والخوف من تنظيم الدولة، نحن لا نملك حتى الصور ومقاطع الفيديو القادمة من داخل المدينة، والتي أعتقد أنها ستساعد في لفت انتباه العالم إلى آثار هذا الحرمان من أمراض تنتشر بسبب المياه القذرة، وحالات طبية تموت بسبب نقص الرعاية. هذا عار كبير. ونحن نعلم أنه في حالات أخرى، ساعدت الصور بالفعل على تسليط الضوء وجذب الاهتمام، هناك حرمان في الرقة، لكن من الصعب جداً الحصول على صور توثق ذلك.

هل يعد نقص الصور والفيديوهات القادمة من الرقة سبباً في التحيز الإعلامي الغربي ضد تصنيف المدينة على أنها محاصرة تماماً؟ وهل هناك أي انحياز ضمني يمكن الحديث عنه؟

لا أعلم إن كان هذا التحيز ضمنياً، فالظروف المختلفة تجعل الأمر أكثر تعقيداً، وأعتقد أن وجود تنظيم الدولة هو أمر واقع وأن حملة التحالف الدولي ضد التنظيم تعتبر إلى حد كبير شرعية ومبررة بالنسبة للعالم، وهذا ما يعقد الأمور.

والأمر الذي نسعى جاهدين لإيضاحه، هو إلى أي مدى نعتقد أن الحصار يستهدف المدنيين عمداً، فالحصار حتى هذه اللحظة سبب قدراً كبيراً من المعاناة للمدنيين عن طريق تدمير المستشفيات، وعدم السماح بدخول حليب الأطفال، وأصبح ذلك أمراً شائعاً، مما تسبب بحالة من الغموض حول فكرة استهداف الحصار للمدنيين فقط.

أما الرقة فتختلف عن غيرها، مما يجعل تسمية ذلك بالحصار أمراً صعباً، ولكن من الواضح أنه يطابق جميع المعايير.

نحن نراقب الحصار الذي ينتهك القانون الدولي بسبب تأثيره على المدنيين، كالحرمان من المساعدات الطبية، واستهداف المستشفيات والمخابز، وهذا يستوفي جميع معايير الحصار سواء كان المدنيون مستهدفين أم أنهم ضحايا حرب، فإن الحصار مفروض عليهم وهو أمر واقع.

مع أخذ معاناة سكان الرقة بعين الاعتبار، ما هي الخطوات التي يمكن أن يتخذها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بشكل واقعي لحماية المدنيين أثناء مواجهته لتنظيم الدولة؟

سمعنا الجنرال ستيفن تاونسند قائد عملية “العزم الصلب” يقول “سنضرب أي مركب أو قارب نجاة يعبر الفرات”.

وهذا النوع من سياسة الاستهداف الشاملة غير مناسب لحالة يكون فيها عشرات الآلاف من المدنيين محاصرين.

[في أوائل تموز، قال تاونسند لصحيفة نيويورك تايمز إن قوات التحالف المدعومة من جانب الولايات المتحدة في الرقة “تطلق النار على كل قارب تراه” ونشر الجنرال الأمريكي في وقت لاحق مقالاً في صحيفة فورين بوليسي، مدعياً أن التحالف يطبق “معايير صارمة” ويضرب فقط “أهدافاً عسكرية بعد النظر في ضرورة ذلك من ناحية عسكرية وإنسانية”].

إن توخي المزيد من الحذر، حتى لو كان ذلك يعني تباطؤ وتيرة القتال والتقدم، في تقييم الأهداف بحيث لا يكون لديك حالات يتم فيها قصف مجموعة من المدنيين يحاولون الفرار من المدينة، سيكون واحداً من أفضل الطرق [للحد من الخسائر في صفوف المدنيين].

كما يمكن أن تقوم [القوات المدعومة من جانب الولايات المتحدة] بتعيين ممر إنساني أو منطقة آمنة داخل المدينة، وقد لا تكون آمنة من التنظيم، ولكن يمكن استخدامها كممر يتم نقل الناس من خلاله إلى مكان آمن.

فالطريقة الوحيدة التي يغادر بها المدنيون الرقة كما علمنا، وهم المحظوظون الذين اختبؤوا في المناطق التي سيطرت عليها قسد، والذين لم يكونوا ضحايا القتال، ولم يجبرهم التنظيم على الذهاب إلى مناطق أكثر خطورة وعرضة للقصف، هم من يتم نقلهم إلى مراكز الاحتجاز من قبل قسد، ولكن البقية ممن لم يحالفهم الحظ لم يكن لديهم أية وسيلة للخروج، لذلك يمكن للتحالف الأمريكي أن ينظر في تقديم المساعدة لهؤلاء الناس.

ولا يكفي [بالنسبة للقوات المدعومة من جانب الولايات المتحدة] أن تقول “لقد حذرناهم مسبقاً، وإذا بقوا في الداخل سيتعرضون للمخاطر”، فالمحتجزين من قبل التنظيم لا يملكون قرار المغادرة حتى الآن.

بالنظر أبعد من ذلك، بعد طرد تنظيم الدولة من الرقة ثم من دير الزور، هل هذه هي نهاية حرب الحصار في سوريا؟ وما هي المجتمعات الأخرى التي يمكن أن تكون عرضة لحصار مماثل؟ ماذا عن الغوطة الشرقية في دمشق؟

الغوطة الشرقية محاصرة، ونحن نحاول تسليط الضوء على ما يجري فيها، ومن المرجح جداً أن تكون الهدف المقبل لسياسة الأرض المحروقة التي تتبعها الحكومة السورية، وهو نفس التكتيك الذي استخدمته في حلب.

كما أننا نرى علامات مثيرة للقلق، منها سعي الحكومة لقطع حي جوبر الدمشقي عن الغوطة الشرقية، والهجمات الكيماوية المتكررة، وهي مؤشرات على أن الحكومة ليست على استعداد لأن تحترم أي نوع من الاتفاقيات سواء خفض التصعيد أو اتفاقية وقف إطلاق النار، وأعتقد أن الغوطة الشرقية على الأرجح ستكون عرضة للخطر الأكبر.

[حي جوبر، مقسم حالياً بين النظام والمعارضة، وهو البوابة الغربية لضواحي الغوطة الشرقية التي يسيطر عليها الثوار، وكانت المنطقة محور المعارك منذ أن شن الثوار هجوماً برياً من حي جوبر في آذار الماضي، وفقا لما ذكرته سوريا على طول في ذلك الوقت.

وفي مطلع حزيران، عاد القصف والقتال مرة أخرى، مع استهداف صواريخ النظام وقذائفه للمنطقة، إلى جانب منطقة عين ترما المجاورة، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار المدعوم من روسيا والذي دخل حيز التنفيذ في تموز].

ولدينا أيضا تحديات مستمرة في شمال حمص، وفي نهاية المطاف غارات جوية على إدلب. ولا أعتقد أن إدلب ستكون خارج دائرة الحصار في المستقبل.

بالعودة إلى الغوطة الشرقية، عبر مدنيون عن مخاوفهم من أن يتكرر سيناريو حلب الشرقية في الغوطة، هل ترون أن هناك احتمالية ليتكرر ذلك، مع قرب الغوطة من العاصمة؟

 

نعم.. الغوطة مختلفة لذلك لن تبدو تماماً كحلب الشرقية، وهي منطقة حضرية ذات كثافة سكانية عالية، ولكن هناك علامات تشير إلى أن النظام يرغب في استعادة الغوطة الشرقية بالقوة،وعلى مدى العامين الذين كنا نعمل فيهما على رصد الحصار، رأينا الغوطة تتقلص بشكل ملحوظ خاصة الأجزاء الشرقية والجنوبية.

وخلال فصل الصيف والربيع، رأينا [قوات النظام] تشن هجوماً قصير الأمد “الاستسلام أو الموت” ضد الأحياء المجاورة القريبة من دمشق التي كانت تعتبر نقاط ضعف في حصارهم للغوطة، لذا أنا قلقة تماماً بشأن مستقبل الغوطة الشرقية.

أجرت المقابلة: مادلين ادوردز

ترجمة: سما محمد.

 

شارك هذا المقال