5 دقائق قراءة

سيناريو إسقاط الغوطة يخيم على شمال غرب سوريا

وثّق فريق "منسقو استجابة سوريا" "نزوح، 98,616 مدنياً، يشكل الأطفال والنساء ما نسبته 73% منهم، إلى قرى ريف إدلب والمخيمات الحدودية.


26 يناير 2020

عمان- أحد عشر يوماً من التصعيد العسكري للقوات الحكومية السورية على شمال غرب سوريا، حصيلتها 94 قتيلاً بينهم 32 طفلاً، و 6 نساء، ومتطوع في الدفاع المدني، وإصابة 178 آخرين بجروح، وفق إحصائية صدرت، أمس السبت، عن الدفاع المدني السوري.

ولم تلتزم دمشق وحليفتها روسيا باتفاق “وقف إطلاق النار” المتفق عليه بين موسكو وأنقرة، والذي دخل حيّز التنفيذ في 9 كانون الثاني/ يناير 2020، إذ سرعان ما “خرقت روسيا الهدنة” كما ذكر لـ”سوريا على طول” أحمد الشيخو، مدير الدفاع المدني في محافظة إدلب، لافتاً إلى أن “القصف لم يهدأ منذ أول يوم لاتفاق وقف إطلاق النار”. ولكن في 16 من الشهر الحالي صعّدت القوات الحكومية من عملياتها العسكرية، واتسعت دائرة الاستهداف لتشمل مناطق في ريف حلب الغربي والجنوبي.

ووثقت فرق الدفاع المدني في حلب “مقتل 48 مدنيا، وإصابة 93 آخرين [خلال العشرة أيام الأخيرة] ، في أرياف حلب فقط”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” إبراهيم الحاج عضو مكتب الدفاع المدني هناك، مضيفاً أن “يوم الثلاثاء الماضي كان الأشد دموية، منذ بدء الهدنة الروسية المزعومة، إذ بلغ عدد القتلى 26 مدنيا من أصل 48 تم توثيقهم في هذه الفترة”.

وبدوره، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، استهداف ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، وريفي حلب الغربي والجنوبي بأكثر من 4755 ضربة جوية وبرية، في الفترة بين 15 و 23 كانون الثاني/يناير الحالي، متهماً الطيران الروسي بتنفيذ نحو 380 غارة جوية، فيما كانت 381 غارة أخرى من نصيب الطائرات الحربية السورية. التي ألقت أيضاً 144 برميلاً متفجراً، كما وثق استهداف قوات النظام للمنطقة بأكثر 3850 قذيفة صاروخية ومدفعية.

النزوح من جديد

في عام 2019، كان النزوح الداخلي في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، أحد أهم التحديات التي واجهت منظمات العمل الإنساني هناك. إذ بلغ إجمالي عدد النازحين جراء العمليات العسكرية للقوات الحكومية بدعم روسي  نحو 1.3 مليون نازح، بمعدل 28% من سكان محافظة إدلب.

وفي الحملة العسكرية التي أطلقتها القوات الحكومية بعد اتفاق “وقف إطلاق النار” الأخير، وثّق فريق “منسقو استجابة سوريا” “نزوح، 98,616 مدنياً، يشكل الأطفال والنساء ما نسبته 73% منهم، إلى قرى ريف إدلب والمخيمات الحدودية. [كذلك] بعضهم نزح إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون [الواقعة في ريف حلب الشمالي، والتي يسيطر عليها الجيش الوطني المدعوم من تركيا]” بحسب ما قال لـ”سوريا على طول” محمد حلاج، مدير الفريق، موضحاً أن “نسبة العجز في تأمين مأوى لهم بلغت 93%، في حين بلغت نسبة العجز في القطاع الغذائي 91%”.

الهروب من القصف حوّل حياة المدنيين إلى ما يشبه “حياة السندباد. إذ لا نكاد نستقر في مكان حتى ننزح منه مرة أخرى” كما عبّر المواطن محمد بكور، وهو نازح من بلدة كفرتعال في ريف حلب الغربي إلى ريف إدلب، معتبراً أن “النظام والروس يريدان قتل أكبر عدد من المدنيين كردة فعل على فشلهم في السيطرة على المنطقة ميدانياً وسياسياً”.

وسجّل البكور نزوحه الخامس، إذ تنقّل بين قرى ريف حلب إلى أن وصل أخيراً إلى إدلب، يوم الجمعة قبل الماضي، برفقة والديه وأبنائه الأربعة دون زوجته، التي  قتلت في قصف استهدف بلدة دارة عزة “قبل عام ونصف، عندما كنا نقيم وقتها في بلدة دارة عزة [بريف حلب الغربي]” كما قال.

سيناريو “الغوطة” في إدلب؟

تشهد جبهات إدلب وحلب اشتباكات بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة، إذ تسعى الأخيرة صد هجوم دمشق البري، التي تهدف إلى السيطرة من خلاله على مناطق جديدة. وقد أعلنت وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أمس السبت، عن سيطرة القوات المهاجمة على بلدات وقرى معر شمارين وتقانة وتلمنس ومعرشمشة بريف إدلب الجنوبي الشرقي.

وفيما قال لـ”سوريا على طول” قائد الفرقة الخامسة في الجبهة الوطنية للتحرير مصطفى المعراتي، بأن “فصائل الثورة السورية تصدت لمحاولات النظام البائسة، وأعادت كافة المحاور في ريف حلب كما كانت بعد أن تمكن العدو [القوات الحكومية] من التقدم على 3 نقاط والسيطرة عليها”، فإنه أكد تقدم القوات الحكومية في ريف إدلب، إذ “تمكنت قوات روسية خاصة مجهزة بتقنيات حرارية للدخول إلى بلدة الغدفة، التي سيطر عليها النظام بعد تكثيف القصف الجوي بالطيران الحربي الروسي والمدفعي والصاروخي”. وبذلك “لم يتبق أمام النظام سوى بلدة معرشورين ليصل إلى الطريق الدولي (M4)”.

ويعدّ الوصول إلى الطرق الدولية دمشق-حلب (M5)، و حلب-اللاذقية (M4)، أحد أهداف دمشق وحليفتها موسكو، إذ توصلت موسكو وأنقرة، في أيلول/سبتمبر 2018، إلى اتفاق في شمال غرب سوريا، يقضي بإنشاء “منطقة عازلة” منزوعة السلاح بعمق يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، على طول خطوط التماس بين القوات الحكومية والمعارضة. وتضمن الاتفاق وقفاً لإطلاق النار، وتسيير دوريات روسية-تركية لمراقبة المنطقة، وصولاً إلى استعادة الحركة التجارية على الطريقين الدوليين.

وتستغل موسكو مفاوضاتها مع أنقرة، لتحقيق مكاسب عسكرية، إذ بعد كل اتفاق “وقف إطلاق نار” تخرق القوات الحكومية وروسيا الاتفاق وتستأنفان العمليات العسكرية لتحقيق مكاسب على الأرض. وما يحصل في ريفي إدلب وحلب، كان قد حصل في ريف إدلب الجنوبي، إذ بعد خرق دمشق للهدنة في آب/أغسطس 2019 سيطرت على 25 مدينة وبلدة وقرية وتلة في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي.

وفي حديثه إلى “سوريا على طول”، يرى العميد أحمد الرحال أن خرق اتفاق “وقف إطلاق النار” الأخير، ومن ثم التحشيد العسكري على جبهات أرياف حلب يشير إلى “محاولة روسيا فصل ريفي حلب وإدلب عن بعضهما”. مستدلاً على ذلك “استخدام روسيا لهذه التكتيكات العسكرية في الغوطة الشرقية سابقاً، بهدف إضعاف الثوار أولاً، ومن ثم تقسيم الغوطة إلى قسمين وعزلهما عن بعضهما”. ومحذراً في الوقت ذاته أن هذه السياسة في شمال غرب سوريا “قد تضعف التنسيق بين الفصائل، وتفكك جبهاتهم، وتخلق قرارين منفصلين لفصائل المعارضة، مما سينعكس على قوة الفصائل الثورية وقدرتها العسكرية”.

ويتفق الباحث في الشأن الروسي طه عبد الواحد مع العميد رحال، في سعي دمشق إلى فصل ريف إدلب عن حلب، كما قال لـ”سوريا على طول”، كما أنها تحاول استعادة السيطرة على المناطق “من خلال سياسة القضم”.

مستقبل الاتفاق التركي-الروسي

في مؤتمر صحفي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عُقد في اسطنبول، اليوم الأحد، قال بأن “النظام ما يزال يواصل انتهاكه للتفاهمات بخصوص إدلب”، ومؤكداً سعي بلاده لحماية المدنيين السوريين من قصف القوات الحكومية عبر تكثيف اللقاءات من الجانب الروسي.

ولكن تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في 21 كانون الثاني/ يناير الحالي، الذي قال فيه “يجب على المعارضة حماية نفسها من هجمات النظام”، وكذلك عدم وجود تصريحات رسمية تركية تفيد بأنها “لن تسمح للنظام بالتقدم، قد يكون ضوءاً أخضر لدمشق في التقدم” كما يرى الباحث عبد الواحد، معتبراً أن قراءة الموقف التركي “يولد انطباًعاً بأن ما يجري عملية تبادل مناطق سيطرة بين بوتين وأردوغان، فالأول يمهد للنظام السيطرة على مناطق تطلّ على الطرق الدولية، والثاني ينشئ مدناً للمهجرين يجعل منها حزاماً أمنياً لبلاده على الحدود السورية”.

وكذلك، يخشى عبد الواحد من أن المفاوضات السياسية بين موسكو وأنقرة في ليبيا، وكذلك التوتر المتزايد بين روسيا وأميركا في شرق الفرات يهدد مستقبل المفاوضات في شمال غرب سوريا. وهو ما يؤكده رئيس المكتب السياسي في لواء المعتصم، التابع للجيش الوطني السوري المعارض مصطفى سيجري. إذ فيما تعدّ “السيطرة على كامل الجغرافية السورية هي استراتيجية الروس في سوريا، فإن التصعيد الحالي سببه تعثر المفاوضات بين تركيا وروسيا، والخلافات القائمة في ليبيا” بحسب قوله. 

وأضاف سيجري في حديثه إلى “سوريا على طول”: “ربط الروس ملف إدلب بالملف الليبي، ويستخدمونه كورقة للضغط على أنقرة” معتبراً أن “التصعيد في ريف حلب يهدف إلى تحقيق شروط تفاوضية أفضل في ليبيا”.

وفيما يؤكد سيجري بأن “تركيا لن تتخلى عن واجباتها تجاه شعبنا، فإن لأميركا كلمة فصل [في شمال غرب سوريا] ونبذل جهدنا لأن يكون موقفها في صالحنا”. وهو ما يعوّل عليه العميد رحال، إذ إن “عودة العلاقات وبناء الثقة بين واشنطن وأنقرة سيزعج الروس حتماً”.

شارك هذا المقال