5 دقائق قراءة

شاعر ومقاتل سابق في الجيش الحر: التراكم المعرفي والوجداني أكثر ما يؤثر في قصيدتي

قبل أن يركب بشير أبو النور في آخر حافلة خرجت […]


1 نوفمبر 2016

قبل أن يركب بشير أبو النور في آخر حافلة خرجت من داريا إلى إدلب في آب، ألقى على مسامع زملائه المقاتلين وأهالي دارياً بيتاً شعرياً “حتى ولو هجرنا يوماً… فالعزائم لن تلين”.

وعاش أبو النور طيلة حياته في دمشق، ودرس اللغة العربية في معهد شام العالي، ولكنه سرعان ما ترك دراسته الجامعية بعد فترة قصيرة ليلتحق بركب الثوار المقاتلين في داريا.

ورغم المعارك وقصف البراميل الهستيري، إلا أن أبو النور استمر بمتابعة حلمه وشغفه الطفولي للشعر، وحتى أثناء قتاله في صفوف الجيش السوري الحر.

وقال ابو النور لـ أسامة حميدي، مراسل في سوريا على طول، “أنا طالب علم وشاعر ثم مقاتل”. وهو ينشر أبياته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويلقي قصائده في الفعاليات والمهرجانات المحلية.

وكان أبو النورفي 27 آب، من ضمن 700 مقاتل غادروا داريا إلى ريف إدلب الخاضع لسيطرة الثوار كجزء من اتفاقية هدنة تم التوصل إليها مع الحكومة السورية.

وكان شعر أبو النور يصف وينقل مشاهد العتمة والظلمة في الحرب التي قاستها داريا، وبات الآن في إدلب يرسم ملامح ومعنى المنفى و”أضحى سنام الشعر وذروته هو العودة لداريا ولربى دمشق”.

 بشير أبو النور في إحدى الفعاليات في داريا وهو يلقي شعره

ويدمج أبو النور في شعره الأطياف المتناقضة ما بين الأمل واليأس، فهو في أبياته، يصور كيف أن سقوط داريا، وهي رمز للثورة ومهد لها، لا يعني أبداً موتها. وقال “داريا ستبقى أيقونة ونموذجاً يحتذى حتى تحت وطأة الحصار وقسوة المعيشة”.

كنت مقاتلا فكيف كنت تجمع وقتيا بين موهبتك الشعرية وقتالك للنظام؟

حملت سلاحي لأدافع عن حقي في أن أكتب ما أريد، قلمي لا يدفع عني رصاص العدو لكنه قد يجعل لموتي معنى.

أنا أهوى الكتابة على أزيز الرصاص وتحت الركام ووطأة الحصار وبين غبار البراميل المتفجرة ورائحة البارود حيث أني أشعر أنها هي من تكتب القصيدة، وقد كنت أتحين الفرص لكتابة الشعر في أي وقت أفرغ فيه من عملي كمقاتل.

ففي معركة “لهيب داريا” الشهيرة بقيت أسبوعاً متواصلاُ في خط الجبهة، والتي تمخضت عن شهداء ومصابين، فألقيت قصيدة لهيب داريا التي أقول فيها:

فمتعة الحرب في كدّ وفي ألم ….. وفي شقاء وما نلقاه من تعب.

لولا الفراق وبعد الصحب ما أنست ….. نفسي بغير لهيب الحرب والصخب.

كيف صقلت موهبتك الشعرية، بعد انتقالك إلى إدلب؟ وهل تغير المضمون الشعري لقصائدك؟

عندما انتقلنا إلى إدلب أمست هناك فسحة أكبر من الوقت والاستقرار الذهني، أنا أدرس اللغة العربية وعلقت دراستي الجامعية عام 2012 لأتفرغ  للنشاط الثوري، وأما الآن فقد بدأت بإجراءات العودة لدراستي الجامعية والتي ستكون رديفاً لإتمام مسيرة الجهاد، فسوريا الثورة تحتاج علماء وأطباء ومهندسين ومفكرين ومقاتلين.

التراكم المعرفي والوجداني هو أكثر ما يؤثر بالقصيدة، وقد تحولت قصيدتي بعد الخروج من داريا من إيقاعات حادة وقوية إلى حالة من التداخل الإيقاعي واللوني وخفوت الصوت.

في داريا يكون فحوى الشعر عن الثبات والصمود وتسطير ملاحم البطولات، أما في إدلب أضحى سنام الشعر وذروته هو العودة لداريا ولربى دمشق.

 البشير وهو يلقي الشعر في إحدى الفعاليات بعد انتقاله إلى إدلب.

حدثني عن رحلتك من داريا الى ادلب؟

باختصار خرجنا من داريا وتركنا شهداءنا تحت ترابها ليبقى ترابها أطهر تراب على وجه الأرض، وعلقنا أعلام الثورة على مآذنها لتكون منارة لنا لا نضل الطريق بعدها.

خرجنا من داريا ورأينا نظرات ضباط النظام يملؤها الحقد والاحترام لشعب بقي 4 سنوات تحت الحصار والدمار، وخرج مرفوع الرأس بسلاحه ليمر به من ربى دمشق ويهتف ثانية بإسقاط النظام، رأينا جنود النظام والمرتزقة تملأ شوارع دمشق في مشهد جعلنا نعيد التفكير في أولويات الثورة، هل هي إسقاط نظام الأسد؟ أم تكوين فكر الثورة ونشر ثقافة الثورة وإسقاط النظام، لا أريد أن أستفيض فللقلب جروح قد تنزف.

السلاح هو رفيق الدرب حتى يسقط النظام، نقطة من أول السطر.

هل جسدت رحلة النزوح وترك الديار في إحدى قصائدك؟

(حكاية ثورة ) هو عنوان قصيدتي التي كتبت مطلعها في داريا ونظمت بعضها في الحافلة التي أقلتنا إلى إدلب وكتبت نهايتها في إدلب الخضراء.

ألقيت بعض الأبيات في داريا قبل ركوبي في آخر حافلة خرجت من داريا في بث مباشر على الجزيرة كان لهذه الأبيات أثر كبير في نفوس شباب داريا قلت فيها:

يا جنود البعث هيا

ادخلوها خائفين

واسمعوا فيها دوياً

وصراخاً وأنين

ما هزمنا ما انتصرتم

قد خرجنا فاتحين

حتى ولو هجرنا يوماً

فالعزائم لن تلين

كيف نمّيت موهبتك الشعرية ووظفتها بخدمة الثورة؟ وهل كان هناك تشجيع ممن حولك لموهبتك؟

مما لا شك فيه أن يتحول أي شاعر إلى رمز من خلال قصيدته؛ فالحضور يكون للقصيدة وليس للشاعر، وأكثر ما ساعدني على تنمية موهبتي الشعرية هم الأهل والأصدقاء، حيث  كان تشجيعهم لي بمثابة أمواج متدافعة تقذف بقارب شعري إلى الأمام بلا هوادة . “أنت تخفي في داخلك شاعراً كبيراً ” كان لهذه العبارة وقع كبير في قلبي عندما خاطبني بها أحد أصدقائي بعد اطلاعه على بعض قصائدي.

كتبت بعض القصائد التي تعايش اللحظة وتستمد كلماتها من الحدث وألقيتها في الفعاليات والنشاطات الثورية والثقافية في داريا وفي مناسبات أخرى أيضاً.

أنا أميل كثيراً إلى كتابة الشعر الحركي الذي يحرك في الناس دوافع التغيير والثورة، حيث كنت أقيّم تقبل الجمهور للقصيدة، وإعجابهم بها ووقعها في نفوسهم من نظراتهم خلال الإلقاء، ومن تعليقاتهم على حساباتي الشخصية في مواقع التواصل، وهذا كثيراً ما كان يشجعني على الاستمرار في الكتابة.

بعض الأصدقاء المقربين كان يطلب مني أن أصيغ لهم عبارات لتُكتب على اللافتات، وهذا أمر يروقني كثيراً ويزيدني ثقة بنفسي، فأنا طالب علم وشاعر ثم مقاتل.

ماهي الفعاليات التي شاركت بشعرك فيها؟ وهل تنوي المشاركة بفعاليات أو مهرجانات جديدة قادمة؟

من الفعاليات التي شاركت فيها الحفل التكريمي الأول للحفاظ المجازين في القرآن الكريم في داريا، كتبت قصيدة ذكرت فيها أسماء المجازين، وخصصت لكل منهم بيتين ذكرت فيها أبرز خصاله، وتناولت فيها أهمية حفظ القرآن، ووصفت داريا بأنها ستبقى أيقونة ونموذجاً يحتذى حتى تحت وطأة الحصار وقسوة المعيشة.

وشاركت أيضاً في إحدى الفعاليات التي نظمتها حركة فجر الأمة في عيد الفطر عنوانها “هلال العيد”، وصفت فيها العيد الحزين الذي يمر على داريا متناولاً فيها حالة أمهات الشهداء وأهالي المعتقلين وآهات اليتامى وحالة الدمار.

غب يا هلال وخلي الدمع مستتراً ….. هيجت أشجان داريا ومن فيها

غب يا هلال ولا تسألني عن عيد ….. فقد تجرع كأس الحرب ساقيها

 

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال