3 دقائق قراءة

شباب دوما يُقتلون مرتين: دمشق تجبرهم على القتال والمعارضة تنعتهم بـ”الخيانة”

حتى سيطرة القوات الحكومية عليها في آذار 2018، مثلت الغوطة الشرقية أحد أبرز معاقل المعارضة السورية. لكنها اليوم تفقد شباناً إلى جانب القوات الحكومية، ممن "رفضوا الخروج مع المهجرين عند سيطرة النظام".


3 مارس 2020

عمان- ساعات بعد انقضاء مجلس العزاء المركزي الذي أقيم في مدينة دوما، بغوطة دمشق، لشبانّ من أبناء المدينة قتلوا على جبهات إدلب خلال مشاركتهم في العمليات العسكرية إلى جانب القوات الحكومية والمليشيات المساندة لها، عادت المدينة لتسجل، اليوم الثلاثاء، مقتل شاب آخر في المنطقة ذاتها.

وكان مجلس دوما أقام العزاء المركزي يومي الأحد والإثنين الماضيين لأربعة من شبان المدينة قتلوا في 29 شباط/فبراير الماضي، جميعهم “من الذين تم سوقهم للخدمة الإلزامية والاحتياطية”، كما ذكر مصدر من المدينة لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

وحتى سيطرة القوات الحكومية عليها في آذار/مارس 2018، مثلت الغوطة الشرقية، بما في ذلك دوما، أحد أبرز معاقل المعارضة السورية منذ بدايات الثورة في العام 2011. لكنها اليوم تفقد شباناً إلى جانب القوات الحكومية، ممن “رفضوا الخروج مع المهجرين عند سيطرة النظام على الغوطة الشرقية، مفضّلين إجراء التسوية وتصويب أوضاعهم الأمنية”، بحسب المصدر ذاته.

ومع إطلاق تركيا عملية “درع الربيع” وتكثيف ضرباتها ضد مواقع تابعة للقوات الحكومية والمليشيات المساندة لها، يتخوف أهالي مناطق المصالحات والتسويات من زجّ أبنائهم في معارك “لا خبرة لهم فيها، ولا قناعة [لديهم بها]”، كما قال عمر الحمصي (اسم مستعار) لـ”سوريا على طول”. 

وبحسب الحمصي، ابن مدينة دوما وشقيق أحد المجندين إجبارياً في القوات الحكومية، فإن أغلب أبناء المدينة المجندين “قلبهم مع الثورة. لكنهم فضّلوا البقاء. وفي ما بعد تم سوقهم إلى الجبهات من دون تدريب، وكأنهم أخذوهم للقتل فوراً”. حاملاً في الوقت ذاته على أطراف في المعارضة.

فكما أن “النظام متورط في مقتل هؤلاء، فإن الطرف الآخر [المعارضة] ظلمهم بالإساءة إليهم أو نعتهم بالخيانة، رغم معرفته بأنهم مجبرون على القتال”، كما قال. موضحاً أن “من حسن حظنا أن وضعنا المادي سمح لنا بالتوسط لشقيقي. إذ ندفع مبلغاً شهرياً للضابط المسؤول عنه مقابل بقائه داخل الثكنة العسكرية في حلب”.

لا مهرب من القتال

في 2018، سيطرت القوات الحكومية على الغوطة الشرقية بعد توقيع فصائل المعارضة هناك على اتفاق مع حكومة دمشق، بضمانة روسية، يتضمن تسوية أوضاع المطلوبين للأجهزة الأمنية، وإعطاء مهلة ستة أشهر للمطلوبين للتجنيد الإجباري أو الاحتياطي.

وعدا عن أن دمشق لم تلتزم بالمهلة التي منحتها للمطلوبين للخدمة العسكرية، فإن عدداً من المطلوبين للخدمة فضّلوا الالتحاق بها فوراً، كما ذكر لـ”سوريا على طول” مجند إلزامي في القوات الحكومية من مدينة دوما. معتبراً أن “التحاق الشخص من تلقاء نفسه قد يسهّل عليه أداء الخدمة ويبعده عن الأماكن الساخنة”، إذ إنه التحق بالقوات الحكومية بعد ثلاثة أشهر من سيطرتها على الغوطة، و”تنقلت خلال خدمتي في أكثر من محافظة بما فيها اللاذقية، ولم أجبر على المشاركة في جبهات القتال حتى الآن”.

على النقيض من ذلك، كما أضاف المجند، فإن المطلوبين الذين “ماطلوا في الالتحاق، وحاولوا كسب مزيد من الوقت، تم سوقهم من الحواجز العسكرية وزجهم في الجبهات مباشرة”. وهو ما أكده مصدر آخر لـ”سوريا على طول”، استناداً إلى تجربة فريب له “تم سوقه من أحد الحواجز العسكرية، وزجّه في العمليات العسكرية في إدلب”.

إذ كما قال: “إلى حين معرفة الشاب الذي يتم سوقه فجائياً من على الحواجز أين هو، وما الذي يجب فعله، يكون قد فات الأوان، ولا يمكنه تغيير شيء، إلا إذا كان لذويه علاقات رفيعة المستوى تمكنهم من تجنيب ابنهم المشاركة في القتال”. 

ونقل المصدر عن قريبه أن “عدداً كبيراً من العناصر المجندين إلزامياً، الذين شاركوا في معارك سراقب والنيرب قتلوا”، وأن غالبيتهم “من مناطق التسويات [المصالحات]”.

هكذا، فإنه إلى جانب التدابير الاحترازية التي كان يتبعها الشباب المطلوبون للخدمة الإلزامية والاحتياطية في الغوطة الشرقية، أدت التطورات العسكرية الأخيرة، ووصول جثامين القتلى إلى دوما “إلى تشديد عزلتنا” كما قال لـ”سوريا على طول” شاب مطلوب للخدمة العسكرية، طلب عدم الكشف عن اسمه.

الشاب طالب في جامعة دمشق، انقطع عن الدراسة خلال حصار الغوطة الشرقية من قبل القوات الحكومية. وقد فضّل البقاء بدلاً من التهجير بهدف العودة إلى جامعته. إلا أن القرار الحكومي الصادر عن مجلس التعليم العالي في حزيران/يونيو 2018، والذي أتاح للمنقطعين عن الجامعات الحكومية لأكثر من عام العودة إلى مقاعد الدراسة، لم يمكّن الشباب في سن الخدمة العسكرية “من الحصول على تأجيل دراسي”، فصاروا “مطلوبين للخدمة العسكرية” كما قال.

مبيناً أنه “منذ دخل النظام إلى الغوطة لم أغادرها إلى دمشق التي تبعد بضع كيلومترات، خوفاً من التجنيد. لكن اليوم حتى التنقل داخل مدينتي صار صعباً”.

شارك هذا المقال