5 دقائق قراءة

 شلل الأطفال يعاود الظهور في دير الزور.. وحملات الوقاية عاجزة في ظل سيطرة تنظيم الدولة

في شباط، تلقى الدكتور عماد مصطفى رسائل تحمل الذعر في […]


14 يونيو 2017

في شباط، تلقى الدكتور عماد مصطفى رسائل تحمل الذعر في ثناياها من زملائه في موطنه دير الزور، شرقي سوريا.

وكان مصطفى الذي يقيم الآن في تركيا منذ سيطر تنظيم الدولة على دير الزور، مدير حملات التلقيح سابقاً وشغل منصب رئيس المكتب الصحي في دير الزور حتى دخول التنظيم. وما يزال يحتفظ بشبكة من الأصدقاء الأخصائيين في المجال الطبي.

وحين تواصلوا معه منذ أربعة شهور مضت، وصفوا ما يعانيه الأطفال من عجز حاد، وهي إحدى الأعراض الأساسية لشلل الأطفال.

وقال مصطفى لـ آلاء نصار، مراسلة في سوريا على طول، “يستشعر الجميع خطر المرض وإمكانية انتشاره في المحافظة وانتقاله للمحافظات الأخرى”.

وشلل الأطفال، هو مرض فيروسي يصيب الأطفال الصغار، وغالباً ما يكون مميتأً، فيما يعاني معظم الناجين من إعاقة بعد العلاج.

ورغم أن هذا المرض كان قاتلاَ عالمياً، إلا أنه اختفى إلى حد كبير وذلك بفضل انتشار استخدام لقاح شلل الأطفال الذي تم اختراعه في منتصف القرن العشرين. وعلى الرغم من ندرة المرض حالياً، فإن انقطاع اللقاح وسوء إدارته يمكن أن تؤدي إلى تفشي المرض محلياً.

يذكر أنه وحين استولى تنظيم الدولة على محافظة دير الزور في أواخر عام 2014، “أوقفت” ميليشياه حملات التلقيح لعدة شهور، وفق ما قال مصطفى. وتم إطلاق حملات محلية فيما بعد، إلا أنها كانت محدودة وبالكاد تغطي جزءاً من المحافظة.

طفل يتلقى لقاح شلل الأطفال في محافظة دير الزور، في نيسان 2014. حقوق نشر الصورة لـشبكة دير الزور.

غادر مصطفى من دير الزور في عام 2015.  وهو اليوم رئيس منظمة غير حكومية مقرها تركيا، ينسق إدخال المساعدات الطبية إلى سوريا، وما يزال يتابع عن كثب التطورات في محافظته الأم.

وشخص الأطباء المحليين 35 حالة مشتبه بها بمرض شلل الأطفال، منذ بداية العام، وفق ما قال مصطفى لسوريا على طول. وتمكن العاملون في المجال الصحي داخل المحافظة من التنسيق مع السلطات المحلية لتنظيم الدولة من أجل إرسال عينات من دير الزور إلى تركيا لاختبارها.

وأكدت منظمة الصحة العالمية والمبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال انتشار وباء شلل الأطفال في محافظة دير الزور، الأسبوع الماضي.

وقال مصطفى “في كل يوم أسمع عن حالة يشتبه بها أو حالتين”.

وما يُعقد مسألة مكافحة الوباء حقيقة أن تنظيم الدولة استعاد السيطرة على معظم محافظة دير الزور، ما يعني أن إدخال اللقاحات أو العاملين في المجال الإنساني يتطلب إمكانية الوصول لتلك المناطق.

وقال الطبيب “لا يمكن مكافحة شلل الأطفال بالحملات الثابتة، وإنما حصرا بحملات جوالة من بيت لبيت”، واستأنف “لكن هذا يتطلب موافقة تنظيم الدولة”.

متى ظهرت أولى حالات شلل الأطفال في المحافظة؟ وكيف تطور المرض خلال متابعتك للوضع الطبي فيها؟

ظهرت أولى حالات شلل الاطفال في منتصف عام 2013 في مدينة صبيخان والقرى المحيطة بها، وفي ذلك الوقت اتصلت ببعض الأصدقاء الذين كانوا يعملون في منظمات طبية والذين لديهم تواصل مع اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية وأخبرتهم عن حالات اشتباه بشلل أطفال.

وبعدها قاموا بإرسال فريق مؤلف من عدة منظمات، وقاموا بزيارة العديد من الحالات والبحث عن حالات جديدة وأخذ عينات للأطفال المشكوك بإصابتهم وإرسالها الى تركيا، ومن ثم إلى مخابر الصحة العالمية.

وفعلا تم إثبات وجود 12 حالة شلل أطفال في ديرالزور حينها.

ومن المعلوم أن هذا المرض خطير لأنه يسبب الشلل والموت، وينتقل بسهولة عن طريق الهواء والماء والخضار الملوثة بالفيروس، ولذلك استشعر الجميع خطر المرض وإمكانية انتشاره في المحافظة وانتقاله للمحافظات الأخرى.

ولذلك ومع بدايةعام 2014 قمنا (المجلس المحلي في دير الزور) بالبدء بحملات لقاح جوالة على المنازل لتلقيح الأطفال ضد شلل الاطفال بشكل دوري كل شهر، واستمرت هذه العملية حتى دخول داعش (أواخر عام 2014) لتتوقف الحملات لعدة اشهر.

وفي شباط 2015 سمحت داعش بعودة حملات اللقاح ولكن ليست جوالة في كل المحافظة، بل في مراكز ثابتة باستثناء البوكمال كونها تتبع لولاية الفرات.

وقد سمح أمير الطبية هناك بالقيام بحملات جوالة ورغم ذلك فإن تلك الحملة كانت سيئة ولم تغط نسبة 30% من أطفال دير الزور حسب مصادري الخاصة والأكيدة، لتستمر بعدها حملات اللقاح ولكن بمراكز ثابتة وليست جوالة، وكانت حملات سيئة أيضا، ولم تغط كامل المحافظة ومن المعروف عالميا أنه لا يمكن مكافحة شلل الأطفال بالحملات الثابتة، وإنما حصرا بحملات جوالة من بيت لبيت.

ما سبب انتشار المرض بدرجات أكبر في المحافظة من جديد؟ وما هي آخر إحصائية لأعداد المشتبه بإصابتهم بمرض شلل الأطفال في المحافظة؟

في شهر تموز 2016 أوقفت داعش حملات اللقاح نهائيا ومنذ ذلك الوقت لم تتم أي عملية تلقيح في محافظة ديرالزور.

ومن خلال متابعتي للوضع الصحي في داخل المحافظة بلغني من مصادر مختلفة ظهور حالات جديدة لشلل الأطفال في شهر شباط 2017 في مدينة صبيخان والقرى القريبة منها.

قمت بعدها بالتواصل مع عدد من الأشخاص العارفين بالوضع في باقي المحافظة لأكتشف ظهور حالات أخرى في البوليل وبقرص وناحية الصور وناحية الكسرة ولكن الغالبية في مدينة صبيخان والقرى المحيطة والتي يتواجد بها حتى تاريخ اليوم أكثر من 26 حالة اشتباه بشلل الأطفال بالتشخيص السريري.

وقد وصل عدد الحالات المشتبه بها في عموم ديرالزور 35 حالة تقريبا.

)لا يمكن تأكيد الإصابة بشلل الأطفال إلا بواسطة البراز أو اختبار الدم، وهذا غير متاح حاليا في محافظة دير الزور. ويدرس الأطباء المحليون حالات االعجز الحاد لدى الأطفال لمعرفة حالات الشلل المحتملة).

وقد تم تأكيد إحدى الحالات مخبريا وهذا يعني عودة المرض للمحافظة. وهو ما يعني بالمنطق العملي الطبي أن كل حالة شلل أطفال ظاهرة يقابلها خطر الإصابة لـ200 طفل، ومع الأسف كل يومين أو ثلاثة يتم تبليغي عن إصابة جديدة.

كيف تحصلون على عينات من حالات يشتبه بإصابتها من داخل  مناطق سيطرة التنظيم في دير الزور وكيفة ترسل إلى تركيا؟

هناك فريق رصد وبائي مؤلف من 4- 5 أشخاص موجودين في الداخل، تابع لوحدة التنسيق والدعم ACU التابعة للائتلاف هو من قام بإرسال العينات إلى تركيا وتأمين وصولها إليها.

(ACU منظمة غير حكومية سورية مقرها تركيا تنسق المساعدات الطبية في سوريا وتراقب الوضع الصحي في جميع مقاطعاتها، وفقا لموقعها على الانترنت)

وهذا الفريق يعمل بتنسيق كامل مع داعش وتحت علمه، وهو من سمح له بخروج تلك العينات إلى تركيا، وهم مازالوا تحت سيطرة داعش ولا يستطيعون تنفيذ أي شيء دون علمها ويرسلون العينات عن طريق الباصات التي تأتي من دير الزور باتجاه حلب ومن ثم تصل تلك العينات إلى الحكومة التركية التي تنسق لدخول هذه العينات وتقوم بفحصها في مخابر وزارة الصحة التابعة لها.

 عبوة من لقاح شلل الأطفال من دير الزور. حقوق نشر الصورة لـ مصطفى عماد.

ومن الامور التي يجب القيام بها حاليا هي تلقيح كل طفل عمره من يوم إلى خمس سنوات يخرج من محافظة ديرالزور إلى المحافظات المجاورة خوفا من انتقال المرض إلى مناطق أخرى.

برأيك ماهي الآلية الحالية أو الحلول لانتشار هذا الوباء في المحافظة؟

الآلية الوحيدة للقضاء على هذا المرض هي إدخال لقاح للمحافظة، والقيام بحملات تلقيح جوالة من بيت إلى بيت، ولكن هذا الأمر يتطلب موافقة من داعش. وأعتقد أن المشكلة ليست بوحدة تنسيق الدعم او منظمة الصحة العالمية في هذا المجال ولكن المشكلة في قبول داعش بإدخال اللقاح والقيام بحملات جوالة من بيت لبيت،  وخصوصا أن داعش بدأت تستشعر الخطر.

وبشكل عام القيام بحملات لقاح لن تشفي المصابين، ولكنها سوف تمنع إصابة أطفال جدد لأن أي طفل يتلقى اللقاح بطريقة صحيحة سوف يكون محمي من خطر الإصابة.

وأعتقد أن الأطفال الذين يصلون لمحافظات أخرى تقوم فرق التلقيح بإعطائهم اللقاح ضمن حملات تلك المحافظات، ولكن عند تواصلي مع بعض أهلنا النازحين سابقا من ديرالزور وجدت أن هناك نسبة منهم لا تصلهم فرق التلقيح حتى.

ترجمة: فاطمة عاشور 

شارك هذا المقال