4 دقائق قراءة

شمال شرق سوريا: هل ينجح “الائتلاف” في تعزيز دوره بالمنطقة؟

تحرك الائتلاف الوطني واهتمامه في المنطقة الشرقية، سواء عبر "لجنة الجزيرة والفرات" التي تشكلت في العام 2018، أو الكيانين اللذين ولدا مؤخراً، يتزامن مع تحرك أميركي في المنطقة لدعم المباحثات الكردية-الكردية، كما سعي أميركي لتعزيز تمثيل المكون العربي في المنطقة.


9 مارس 2021

عمان- جدل واسع أثارته زيارة رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، نصر الحريري، إلى إقليم كردستان العراق، ولقائه مسؤولين أكراداً هناك على رأسهم رئيس حكومة الإقليم مسرور برزاني. وقد جاء هذا الجدل على خلفية انتهاكات الجيش الوطني السوري (المعارض) بحق أكراد عفرين. في الوقت ذاته، أبرزت زيارة الحريري رفقة وفد من الائتلاف، احتدام المنافسة مجدداً بين الإدارة الذاتية التي تدير مناطق شمال شرق سوريا، ويهيمن عليها الأكراد، وبين المعارضة السورية التي تبحث عن تعزيز وجودها في المنطقة.

وجاءت زيارة الحريري لكردستان العراق في أعقاب فشل عقد الجولة الثالثة من المباحثات الكردية-الكردية برعاية أميركية، والتي كان مزمعاً عقدها في شباط/فبراير الماضي، بين “أحزاب الوحدة الوطنية الكردية” التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والمجلس الوطني الكردي المنضوي في صفوف المعارضة السورية ويضم أحزاباً على خلاف مع “الاتحاد الديمقراطي”. وقد التقى وفد الائتلاف بـ”الوطني الكردي” في كردستان العراق، ما يشير إلى محاولات الأول تعزيز دوره في مستقبل المنطقة الشرقية، خاصة مع الإعلان عن تشكيلات سياسية هناك مدعومة من الائتلاف.

إذ في شباط/فبراير الماضي، تم الإعلان عن تشكيل لجنة وطنية لمحافظة الحسكة، شمال شرق سوريا، بمباركة فصائل من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وعشائر في المنطقة، مهمتها -أي اللجنة- الدعوة لمؤتمر وطني تنتج عنه هيئة سياسية تمثل المحافظة الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية. كما تم في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي الإعلان عن تشكيل المكتب السياسي لمحافظة الرقة، والذي لقي تأييداً من شخصيات عسكرية عاملة في مناطق النفوذ التركي في سوريا. وجاء تشكيل اللجنة والمكتب بالتنسيق مع لجنة الجزيرة والفرات في الائتلاف الوطني، والتي تعنى بمتابعة أمور المحافظات الشرقية: دير الزور، والحسكة، والرقة.

الائتلاف يبحث عن دور في مناطق “الإدارة الذاتية”

تحرك الائتلاف الوطني واهتمامه في المنطقة الشرقية، سواء عبر “لجنة الجزيرة والفرات” التي تشكلت في العام 2018، أو الكيانين اللذين ولدا مؤخراً، يتزامن مع تحرك أميركي في المنطقة لدعم المباحثات الكردية-الكردية، كما سعي أميركي لتعزيز تمثيل المكون العربي في المنطقة. وقد أكدت مصادر عدة لـ”سوريا على طول” أن الائتلاف يشجع على تشكيل كيانات جديدة، على أن يكون غطاءاً سياسياً لها، انطلاقاً من مصلحته ببروز دوره ككيان سياسي ممثل للمنطقة، وبحثاً عن موقع له في أي مفاوضات أو محاصصات تخص المنطقة حال حدوث أي تغير في التوازنات السياسية هناك.

ورغم أن الائتلاف أوصل رسائل للجان والمكاتب الوليدة في المنطقة، المدعومة منه أو التابعة له، بإمكانية عقد لقاءات مع الجانب الأميركي، إلا أن الأخيرة لم تُجر أي لقاءات من هذا النوع. إذ يبدو أن الوقت مبكر على مثل تلك اللقاءات، كون الاهتمام الأميركي يتركز حالياً على الحوار الكردي-الكردي الذي يعدّ حال نجاحه حجر أساس لأي مشروع حوار مستقبلي كردي-عربي.

في هذا السياق، قال عبد الله الخليل الفرج، عضو لجنة الجزيرة والفرات التابعة للائتلاف، إن “اللجنة تسعى إلى تشكيل هيئة سياسية خاصة بالمنطقة الشرقية تضم ممثلين من المحافظات الثلاث: دير الزور والحسكة والرقة، بهدف توحيد جهود أبنائها”. مشيراً في حديثه إلى “سوريا على طول” إلى أن عمل اللجنة سيقتصر “على تنسيق اللقاءات بين الهيئة السياسية [المزمع إنشاؤها] والأطراف الدولية الفاعلة في الملف السوري”، نافياً أي نية “للتفاوض مع حزب الاتحاد الديمقراطي”.

وكان الائتلاف قد فشل في وقت سابق في تعزيز وجوده في شمال شرق سوريا. إذ اجتمع ممثلون عنه مع أعضاء من الهيئة السياسية لمحافظة الرقة، في حزيران/يونيو 2020، في أعقاب تأسيس الأخيرة من قبل شخصيات رقاوية مستقلة، لكن لم تخرج الاجتماعات آنذاك بصيغ تفاهم بين الطرفين، بسبب “سعي الائتلاف لتأطير دور هذه القوى والهيمنة عليها، وعدم ترك هذه الكيانات تقرر شؤونها الداخلية وتفرز ممثليها إلى الائتلاف”، كما قال محمد صبحي، أحد أعضاء الهيئة السياسية في الرقة، لـ”سوريا على طول”.

“مسد”: تقارب مع المعارضة أم التفاف عليها؟

بعيداً عن مفاوضاته مع دمشق، يبدي مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بين فترة وأخرى استعداده للحوار مع أجسام المعارضة السورية بغية التوصل إلى صيغة تفاهم معها. وكان “مسد” قد وجه عبر قياديّه دعوات لعدد من ناشطي المجتمع المدني المناهضين لنظام الأسد في محافظة الرقة، “لتشكيل تيارات سياسية معارضة”، كما كشف عضو في “مسد” لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن هويته. معتبراً أن “تكرار تنظيم تظاهرات مناهضة للنظام في محافظة الرقة رسالة واضحة مفادها أنه لا اعتراض على وجود أجسام معارضة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية”.

لكن ناشطين معارضين اتهموا “مسد” بمحاولة الالتفاف على المؤسسات الرسمية للمعارضة السورية، من قبيل الائتلاف الوطني، وتأطير دور المعارضين في مناطقها. إذ اعتبر ناشط تحدث لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، فإنه بمعزل عن العداء بين الائتلاف وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعد أحد أركان “مسد”، فإن الأخير يبحث عن مكان له ضمن مسارات الحل السياسي السوري، من قبيل مباحثات جنيف، واللجنة الدستورية، كما يسعى إلى توطيد علاقاته مع منصة موسكو المحسوبة على المعارضة، وهيئة التنسيق الوطنيّة، والمجلس العسكري الانتقالي الذي يتصاعد الحديث عن احتمالية تشكيله برئاسة العميد المنشق مناف طلاس. وقد أبدى “مسد” الرغبة في الانضمام للمجلس، ما يكشف حاجة الأول إلى الوصول لصيغ تفاهم مع المعارضة.

يتضافر ذلك مع وجود ضغط دوليّ على “مسد” للانفتاح على المعارضة وإشراكها في إدارة مناطقه، كما إدراكه أن الحل السياسي في سوريا يجب أن ينطلق من أرضية توافقية بين جميع الأطراف، ما يعني عدم إمكانية استمرار أي مشروع قائم على التفرد بالحكم، بما في ذلك في شمال شرق البلاد.

وبغض النظر عن مدى وجود نية حقيقية لدى “مسد” لتحقيق تقارب مع الائتلاف الوطني، فإن محاولاته تصطدم بالموقف التركي من حزب الاتحاد الديمقراطي المدرج على قائمة الإرهاب في تركيا باعتباره فرعاً لحزب العمال الكردستاني التركي، فيما لا يمكن للائتلاف المعارض تجاوز الخطوط التركية.

ومن ثم، فإن “قطع قوات سوريا الديمقراطية الطريق أمام أي محاولات للمشاركة في إدارة المنطقة، وهيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي على مفاصل الأمور سياسيا وعسكرياً واقتصادياً، مقابل حضور شكلي لباقي التيارات” يؤكد عدم إمكانية الوصول إلى اتفاق قريب بين “مسد” و”الائتلاف”، كما قال لـ”سوريا على طول” ناشط من الرقة، طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

بالمحصلة، تبدو أي مساع للتقارب بين “مسد” و”الائتلاف”، كما محاولة الأخير تعزيز دوره في شمال شرق سوريا غير ممكنة وفق الظروف الراهنة، إذ فيما تفتقد محاولات الائتلاف الوطني إلى وجود تصور يتناسب مع رؤية الأطراف الدولية المعنية بشمال شرق سوريا ويرضي الأجسام السياسية الموجودة في المنطقة، فإن محاولات “مسد” أيضاً غير مبنية على أرضية تتناسب مع وجود مشروع سوري جامع.

شارك هذا المقال