8 دقائق قراءة

صحافيون سوريون ومخاوف الاغتيال في تركيا

تعرض المخرج السوري محمد بيازيد الأسبوع الماضي للطعن في إسطنبول […]


تعرض المخرج السوري محمد بيازيد الأسبوع الماضي للطعن في إسطنبول في حادثة يشتبه بأنها محاولة اغتيال، ويُعرف عن بيازيد معالجته لقضايا حقوق الإنسان والمسائل الإنسانية، ويعمل على إنتاج فيلم تدور أحداثه حول رجل أمريكي من أصول سورية قضى 20 عاماً في سجن تدمر التابع للنظام.

نجا بيازيد من محاولة اغتيال أُثيرت حولها إشارات استفهام، وهي الأخيرة في سلسلة من الهجمات التي استهدفت نشطاء المعارضة السورية والصحافيين الذين يعيشون ويعملون في تركيا.

وكان الهجوم على بيازيد هو الثاني من نوعه في أقل من شهر، ففي أواخر شهر أيلول ، عُثر على الناشطة السورية المعارضة عروبة بركات وابنتها الصحافية هالة بركات مقتولتين طعناً في شقتهما في إسطنبول.

وقد وثقت لجنة حماية الصحافيين غير الربحية في نيويورك مقتل ما لا يقل عن ستة نشطاء وصحافيين سوريين في تركيا منذ شهر تشرين الأول 2015، بعد مقتل الصحافيين فارس حمادي وإبراهيم عبد القادر في بلدة تقع بالقرب من الحدود السورية وذلك في الهجوم الأول الذين تبناه تنظيم الدولة في شريط مصور نشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكان كل من حمادي وعبد القادر من أوائل الأعضاء الذين شكلوا مجموعة “الرقة تُذبح بصمت”، وهي مجموعة اشتهرت بإعداد تقارير سرية عن مدينة الرقة، وربما يشكل مقتلهما أخطر ضربة وجهت للصحافة في العالم، كما عملوا في وكالة الأخبار والمحطة الإذاعية (عين على الوطن) التابعة للمعارضة، والتي تعتبر مصدراً آخر يغطي فظائع تنظيم الدولة في سوريا.

وقد عثر شقيق عبد القادر، أحمد عبد القادر، على الصحافيين بعد مقتلهما. وفي أعقاب ذلك، تحدث أحمد لـ”عمار حمو”، مراسل سوريا على طول، قائلاً بأن الريبة طالت كل شيء: رغبته في العمل، والغرض من حياته، ومدى استعداده للمخاطرة.

صورة غير مؤرخة لأحمد عبد القادر، حقوق النشر لعين على الوطن.

واصل أحمد عبد القادر تنفيذ مهامه، حيث أصبح مديراً لوكالة الأخبار (عين على الوطن). ونظراً للجهود التي بذلها، أصيب بطلق ناري في الرأس في جنوب شرق تركيا وذلك في هجوم تبناه تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنه نجا من الموت، وعلى الرغم من وقوع الحادثة في شهر حزيران/يونيو 2016، فإنه ما يزال يتلقى العلاج في فرنسا.

وفي سلسلة المقابلات أدناه، يصف عبد القادر واثنان غيره من الصحافيين السوريين المعارضين المقيميين في تركيا الشعور الدائم بعدم الأمان وإحساسهم بأن عملاء النظام السوري والدولة الإسلامية يتنقلون بحرية داخل تركيا.

يذكر أحمد عبد القادر: “القاتل موجود ولا يزال يتحرك، وقادر على الوصول لرموز وأشخاص قدموا تضحيات للثورة”.

أحمد عبد القادر، مدير وكالة عين على الوطن، من محافظة الرقة، ويقيم حالياً في فرنسا، حيث يتلقى العلاج بعد إصابته بطلق ناري.

هل يمكن أن تصف لي محاولة اغتيالك في حزيران 2016؟

كان ذلك في رمضان، وكما العادة قبل الفطور أنزل إلى السوق لأحضر أشياء للفطور، وفور صعودي إلى السيارة كان يراقبني أحدهم وباشر بإطلاق النار على وجهي.

ليس هناك من يقدر على وصف شعور الموت أو النظرات الأخيرة، تحس بأن شيئاً غريبأ يحدث، تخيل أن تتلقى رصاصات بالرأس، ثلاث رصاصات دون أن تشعر بأي ألم وعيونك أصبحوا بمكان ثاني، للحظة من الزمن كنت أكلم نفسي هكذا هو الموت، كنت أحاول أن أنظر بعيون الشخص الذي يضربني..الأمر الذي كنت متأكداً منه أني لم أشعر بأي ألم.. صدقني.

إذا أردت أن أشرح لك ما شعرت به وأحسسته بالتفصيل قد أحتاج يوماً كاملاً مع أن الموقف لم يتجاوز أكثر من ثلاث دقائق فقط!

طبعا هذه لم تكن أصابتي الأولى، فقد سبق وأصبت مرةً بشظية في قدمي اليسرى ومرةً بسكين على كتفي في محاولة الاغتيال قبل الأخيرة.

[ وكان رجلان ترّصدا لعبد القادر أمام مدخل منزله في جنوب شرق تركيا في أذار 2016. وتمكن من الهروب بعد إصابته بجروح طفيفة].

متى ولماذا سافرت إلى فرنسا؟ هل تنوي العودة إلى تركيا؟

سافرت إلى فرنسا في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2016 بعد محاولة اغتيالي، حيث  أجريت لي عمليتين جراحيتين في تركيا لكن للأسف كان الوضع صعباً ولم تنجح العمليتان بشكل كامل، وحينها عُرض عليّ أن أسافر لأتم علاجي بفرنسا، وساعدتني بهذا منظمة مراسلون بلا حدود كل الشكر لهم لوقوفهم معي منذ اليوم الأول وحتى اللحظة.

بالتأكيد سأعود إلى تركيا، وإن شاء الله منها إلى الرقة.. حلمي في بلدي، أن أرجع وأكون مع أهلي وناسي، ولا أريد أن يبعدني شيء عن أرضي وحلمي بالثورة وعن مستقبل أطفالي في سوريا، وأنا حالياً في مراحل العلاج الأخيرة وبعد شهور قليلة سأعود إلى تركيا.

إلى أي مدى أثرت الاغتيالات الأخيرة للصحفيين السوريين والمحاولات المشابهة التي كانت تترصد لك على عملك؟

حتى أكون صريحاً.. في ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه اغتيال أخي إبراهيم وفارس وخصوصاً أني أول من رأى جثثهم وهم قتلى كانت الصدمة كبيرة جداً.

وكثيراً ما وقعت بحالات تردد لا أعرف ما أقوله لك، أهي حالات خوف أو حالات ذهول أو صدمة ولكني أؤكد لك وبكل صراحة أنني خفت في بالبداية، ربما لم يكن الخوف على نفسي، وإنما خفت أن أخسر موظفاً آخر لدي، خفت أن أخسر أخاً خفت أن أخسر أحداً من أولادي.

التنظيم كان حقاً يريد مني أن أوقف عملي بأي طريقة؛ فكثيراً ماعملنا أشياء هزت قيادة التنظيم بكشف عمالتهم وتعاملهم مع النظام.

لكن هذه كانت مرحلة وتجاوزتها وقررت أن أستمر.

وحين حدثت محاولة اغتيالي وأصبت بثلاث طلقات في الرأس صدقني كنت أقوى ولم أخف أبداً لأني تأكدت أن الموت ليس سلاح بيد أي تنظيم.

هل وصلت التحقيقات لكشف قاتل أخيك أو الذي حاول اغتيالك؟

بصراحة لم تصل التحقيقات لأي شيء، هي عمليات تحقيق ومحاولة كشف المجرمين حسب تصريحاتهم، لكن الحقيقة إلى اليوم لم يتم الإمساك بأي أحد من أولئك الذين اغتالوا ابراهيم وفارس ولا الذين حاولوا اغتيالي. لا أريد أن  أقول أن الأمن التركي قصّر بعمله لأنه بالحقيقة هذه القصص معقدة كثيراً.

وفي النهاية لا يمكنك أن تنكر أن ابن بلدك هو الذي يغتالك وهو الذي يقتلك مقابل مبلغ أو مكافأة ليكون في صف النظام أو التنظيم.

في الأسبوع الماضي نجا المخرج محمد بيازيد، الذي يعمل على فيلم عن انتهاكات النظام في سجن تدمر، من محاولة اغتيال وهو في وضع مستقر حالياً،  كيف تشعر حين تسمع مثل هذه الأنباء؟

بالنسبة لي عندما قرأت خبر محاولة اغتيال المخرج محمد بيازيد، شعرت بصدمة، لأن هذا يعني أن القاتل موجود ولا يزال يتحرك، وقادراً على الوصول لرموز وأشخاص قدموا تضحيات للثورة.

في الحقيقة الوضع مؤلم ومخيب، ولا أريد أن أقول القضية بطولة وإصرار وتحدي، لأنه أنت كناشط أمام خيارين إما أنهم يغتالوك وتنتهي أو تصاب والإصابة ليست بشيء عادي، لإنها إصابة موت.

هل تعتقد أن النظام والتنظيم نجحا في كم أفواه المعارضة؟

أريد أن أنوه هنا أنه حين كانت تصل تهديدات لي ولأخي الشهيد ابراهيم من داعش، كان النظام يهددنا أيضاً.

وبالنسبة لي النظام هو العدو الأول لأنه هو من صنع التنظيمات الإرهابية وقدم لها الدعم لتقتل الثورة، وهي – أي التنظيمات الإرهابية – كانت خنجر مسموم بظهر الثورة.

ماهي رسالتك لتركيا وغيرها من الدول؟

رسالتي لتركيا أن الناس أو الناشطين الذين تُنفّذ بحقهم عمليات اغتيال او محاولات اغتيال هؤلاء أشخاص وثقوا بتركيا. هم أناس تشتغل وتدفع روحها ثمناً لأجل بلدهم لذا ينبغي أن يكون هناك حماية لهم. ولا أقصد بالحماية أن يكون هناك مرافقة لهؤلاء الأشخاص، وإنما ينبغي وجود  قبضة أمنية ضد عملاء النظام وداعش.

وفي الحقيقة يمكنك أن ترى عملاء النظام وداعش في كل مكان بتركيا؛ في المقهى وفي الشارع الذي تمشي فيه وتجدهم يشبّحون للتنظيم وللنظام وبصوت عالي ومع ذلك تجدهم طلقاء أحرار، هؤلاء أنفسهم هم أدوات بعمليات الاغتيال إذا لم يكونوا جزءاً من التنفيذ فهم جزءاً من المخطط.

وحتى في أوربا أتلقى تهديات إلى اليوم – حتى لا يظن الناس أن دول أوربا أفضل حالاً من تركيا وأن تركيا دولة متساهلة – وكانت آخر التهديات رسالة وصلتني قالوا فيها أنهم يعرفون موقعي وأن محاولة اغتيالي في المرة القادمة ستكون الأخيرة.

أنا أعيش هنا في فرنسا بحالة من الخوف والقلق أكثر من تلك التي عشتها في تركيا، ففي تركيا كنت أقفل باب بيتي وأنام مطمئناً، أما حالياً في أوربا أعيش في سكن مشترك، و الحكومة تعرف قصتي والتهديدات التي أتلقاها ومحاولات الاغتيال ورغم هذا لم يعملوا شيئاً، ويبلغ بي الحال في بعض الأحيان أني لا أنام حتى مطلع الفجر، لأني أسكن مع أناس لا أعرفهم ولا أستطيع أن أثق بأي أحد بعد محاولات الاغتيال الثلاثة.

رسالتي الأخيرة هي لكل الناشطين والإعلاميين وأبناء الثورة السورية في تركيا وفي دول أوربا وفي أي دولة بالعالم لن يحمينا أحد ولن يقدم لنا أحد شيئاً إن قُتلنا أو أُصبنا غير بعض الكلمات على صفحات التواصل الاجتماعي، رجائي لاتثقوا بأحد وحاولوا أن يكون عملكم بمناطق آمنة، وهذه المرحلة بالذات ستكون أخطر مرحلة، فتنظيم داعش بحاجة لأي عملية اغتيال حتى يثير الضجة حوله والنظام بأمس الحاجة ليخفي أو يقتل صوتاً يصدح بالحقيقة ويكشف أفعاله.

هل يمكن للحكومات في تركيا وأوروبا أن تحمي الناشطين والصحفيين السوريين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف؟

المشكلة أن تركيا إذا شددت على الحدود نقول خنقوا شعبنا وإذا سمحت نقول أدخلوا الإرهابيين، وبصراحة من ينفذ عمليات الاعتيال هو ابن بلدنا بكل أسف، أي هو سوري يعرفني وربما يكون جاري أو صديق سابق لي، لكنه باع نفسه ليكون قاتلاً مأجوراً بأيدي التنظيم، وهذا لايعني أنه لا يوجد تقصير من تركيا أو دول أوربا بخصوص حماية الصحفيين المعارضين وخصوصاً السوريين، وصدقني فإن الأمر ذاته بأوربا وهذا يعني أنه ليس صعبا كثيراً أن تسمع غداً أو بعده أني تعرضت لمحاولة جديدة [تستهدف حياتي].

**

خالد الشامي، ناشط إعلامي من دمشق، كان يعمل في شبكات التنسيقيات في بداية الثورة، و إعلامياً فيما  بعد لإحدى فصائل الثورة في حلب، وهو يعيش الآن في اسطنبول، ولا يزال ينقل التطورات العسكرية في سورية.

ماذا تعني لك أخبار الاغتيالات أو محاولات الاغتيال؟

 

أنا وكل من أعرفهم في اسطنبول أصبحنا نشعر بقلق شديد جراء ما يحدث، بداية كانت حوادث القتل والاعتداء تحدث في غازي عنتاب، وشخصياً كنت أتفهم ذلك، بسبب الزخم الكبير من النشطاء والسياسيين ومقرات الحكومة المؤقتة وغيرها في غازي عنتاب، ولكن أن تنتقل الجريمة إلى اسطنبول، هذه نقطة تحول كبيرة،

[قُتل عدد من النشطاء السوريين في جنوب شرق تركيا منذ عام 2015. ومن بينهم الناشط  والصحفي البارز  ناجي الجرف المعارض لتنظيم الدولة والذي أطلق عليه الرصاص في غازي عنتاب في كانون الأول الأول في تلك السنة.]

منذ اغتيال حلا وعروبة بركات أصبحنا جميعاً في اسطنبول نشعر بقلق وخوف كبيرين، لا أستطيع وصف الحالة، أنا أصبحت أحمل سلاحا أبيضاً”سكيناً” في حقيبتي خوفاً من أي حركة غدر، لأن هناك مسافة بين منزلي وعملي  50 دقيقة أسير فيها على قدماي، أصبحت أشك بأي شخص يقترب مني، صحيح إن نشاطي سابقاً وحالياً كانا وبشكل سري، ولكن لا ثقة لي في الحكومتين السورية والتركية.

فهل اتخذت العدالة مجراها؟

لا يوجد شبر في اسطنبول إلا وفيه كاميرات مراقبة، وحتى الآن لم تقدم الحكومة التركية القاتلين للقضاء، وما حصل للمخرج [محمد بيازيد] لم تقدم الحكومة حتى الآن أي توضيح، وكل شيء تحت مسمى سرية التحقيق، هناك أشخاص أعرفهم لا علاقة لهم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد لكنهم يعيشون الآن حالة رعب.

كيف أثرت أحداث مثل هذه على عملك ونشاطك الإعلامي وحياتك؟

أنا على يقين أن هناك مخطط خطير يهدف إلى  إسكات أي صوت في الخارج مهما كان، والأمر الثاني أن عمليات الاغتيال سوف تصل لبلدان أخرى فيها نشطاء سوريون.

أنا أعرف المخرج محمد بيازيد والتقيت فيه سابقاً، وهو إنسان مسالم جداً، ولكن فقط لأنه يحمل فكر تم محاولة اغتياله.

**

 

نجم الدين نجم، صحفي من الرقة مقيم حالياً في اسطنبول، يعمل  في موقع بلدي نيوز التابع للمعارضة.

ماذا يعني لك خبر اغتيال أو محاولة اغتيال ناشط أو  إعلامي سوري في تركيا؟

خبر اغتيال ناشطين وصحافيين كان شيئاً مرعباً، مررت بهذا الشعور أكثر من مرة.. اغتيال فارس حمادي وإبراهيم عبد القادر ذبحاً في أورفا كان خبراً مرعباً [يشير هنا إلى أخ وزميل أحمد عبد القادر الذي حاورناه في الأعلى]

ومرة ثانية حين اغتالوا ناجي الجرف في عنتاب قبل يوم من سفره [من تركيا].

توالت بعدها محاولات قتل الناشطين والاعلاميين، رغم خروج الأغلبية الساحقة منهم باتجاه أوروبا، والأمر لا يزال كابوسا بالنسبة لي ولكثير من الناس.

فهل اتخذت العدالة مجراها؟

قانونياً هناك تعتيم على مجريات التحقيق، برأيي هم لم يأخذوا حقهم وبالمستقبل ليس عندي فكرة إذا كان  سيتم القبض على المجرمين ومحاسبتهم.

كيف تؤثر مثل هذه الحوادث على عملك.. نشاطك.. حياتك؟

تؤثر بالتأكيد، أفكار الاغتيال أو الخطف دائما ما تتردد على ذاكرتي، خصوصاً أنني كنت أتلقى تهديدات من هذا أو ذاك.. هي الخواطر الفجائية مزعجة للغاية.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال