4 دقائق قراءة

صراع الأسد – مخلوف: من يدفع الثمن؟

إن "استبدال منظومة رامي مخلوف سيكلف الاقتصاد السوري ثمنا باهظا سيدفعه الشعب الذي صمت أو أرغم على الصمت".


10 مايو 2020

عمان- أثار ظهور رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد والمهيمن على المشهد الاقتصادي في سوريا، عبر مقطعي فيديو على صفحته على “فيسبوك”، الكثير من علامات الاستفهام والتعجب داخل سوريا وخارجها. فعقب ثلاثة أيام من ظهوره النادر الأول الذي تحدث فيه عن بعض تفاصيل خلافه مع الحكومة السورية بشأن مطالبات مالية تتعلق بعمل شركته للاتصالات “سيرتيل” ومناشداً بشار الأسد التدخل، خرج مخلوف بفيديو ثان، في 3 أيار/مايو الحالي، بدا فيه جلياً سعيه إلى حشد أبناء الحاضنة الاجتماعية للنظام، أي الطائفة العلوية ولاسيما فقراؤها، خلفه، في صراعه مع محيطين بالأسد لم يسمهم، إضافة إلى الأجهزة الأمنية التي اعتقلت عدداً من مديري شركاته. 

ويتمثل السبب المعلن والمباشر للخلاف في مطالبة الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد شركة “سيرياتيل” التي يمتلكها مخلوف، كما شركة الاتصالات الأخرى “MTN” بدفع مبالغ مستحقة لخزينة الدولة، مقدارها 233.8 مليار ليرة سورية. وبحسب ما ذكر مخلوف في الفيديو الأول، تبلغ حصة “سيرتيل” بين 125-130 مليار ليرة سورية (أو حوالي 178 مليون دولار بحسب سعر الصرف الرسمي البالغ 513 ليرة للدولار، و87 مليون دولار استناداً لسعر الصرف في السوق السوداء والمقدر بحدود 1400 ليرة للدولار.

وفيما بدا، من خلال التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، أن حديثي مخلوف العلنيين قد أديا إلى نوع من الجدل والاستقطاب داخل حاضنة النظام الاجتماعية، اعتبرت الشابة ريتا عيسى (اسم مستعار)، والتي تنتمي إلى الطائفة العلوية، أن “ما يجري بين رامي مخلوف والدولة السورية ليس إلا حرب مصالح”. مضيفة في حديثها إلى “سوريا على طول” أن “رامي يسعى إلى إشعال فتيل أزمة بين العلويين أنفسهم بمظلوميته التي خرج بها ليسيّر مصالحه. وهو من يملك حاشية موالية في الساحل”. محذرة أن “لذلك عواقب وخيمة في المستقبل، لأن رامي بما يملكه من أموال قد يستطيع فعل ما فعله رفعت الأسد [شقيق حافظ الأسد الذي حاول الاستيلاء على السلطة في ثمانينات القرن الماضي] والسفر إلى خارج سوريا من دون أن يتضرر، لكن من سيخمد الفتنة التي أشعلها؟”.

كذلك، علّق فراس الأسد الذي ذاع صيته مؤخراً بسبب منشوراته المتبرئة من أفعال عائلته ولاسيما والده رفعت، بأن “ما يحدث اليوم مع محمد مخلوف و أبناءه هو ما حدث مع رفعت الأسد في الثمانينات، مع الفارق الكبير طبعا حتى أكون موضوعيا -وكلكم يعرف موقفي من والدي- بين وزن رفعت الأسد ومكانته في الثمانينات وبين وزن الريشة -أو البرغشة- الذي يتمتع به اليوم السيد رامي“. مطالباً مخلوف بـ”الكف عن اللعب على وتر فقراء العلويين وتسمينهم كعجول لذبحهم عند الحاجة”.

وهو ما يؤيده الباحث الأردني في الشأن السوري، صلاح ملكاوي. ذلك أن “رامي مخلوف قد سقطت ورقته بالنسبة للعلويين”، كما قال لـ”سوريا على طول”، و”لن يؤثر ما فعله على شعبية بشار لديهم، وهو الذي مرّ بظروف أصعب من ذلك”. متوقعاً أن يكون مصير رامي مخلوف “الخروج من سوريا بصفقة، كما حصل مع رفعت الأسد”.

دور روسيا 

شرع النظام السوري في الحجز على أموال مخلوف وشركاته منذ العام 2019. إذ كانت البداية بشركة “آبار بتروليوم سيرفيسز” المسجلة في بيروت، والتي تتمثل أنشطتها في صفقات نقل المواد النفطية. كما تم، في آب/أغسطس الماضي، إلغاء ترخيص جمعية البستان التي أسسها رامي مخلوف العام 1999 في اللاذقية، وكانت تقدم خدمات إنسانية لأبناء الطائفة العلوية بالدرجة الأولى. يضاف إلى ذلك إقفال مكاتب الحزب السوري القومي الإجتماعي، التابع لمخلوف

إلا أن إعلان رامي مخلوف عن الخلافات داخل النظام تزامن مع حملة إعلامية روسية تناولت فساد الأخير وتراجع تأييد بشار الأسد.

في هذا السياق أشار مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا، إلى أن أحد أسباب الخلاف الأخير القائم بين رامي مخلوف وبشار الأسد هو كون الأول “يزود الإعلام الروسي بتفاصيل حول سلوكيات الأسد وزوجته، وكان أبرزها قضية شراء بشار هدية لزوجته مؤخراً قيمتها 30 مليون دولار أمريكي”، في وقت ينهار فيه الاقتصاد السوري.

وذهب ملكاوي إلى أن أحد الأسباب المبطنة للخلافات الأخيرة بين عائلتي مخلوف والأسد، هو “تهريب محمد مخلوف وابنه رامي أموالهما خلال الأشهر الماضية باتجاه موسكو، في خطوة فسّرت من جانب بشار الأسد على أنها عرض من محمد مخلوف لروسيا، كي تطرح اسم ابنه رامي، كحليف قوي لروسيا، ليكون بديلا عن بشار الأسد، ويتولى زمام السلطة في سوريا خلال المرحلة الانتقالية التي يماطل بشار في الوصول إليها”.

لكن على النقيض من ذلك، رأى الباحث في الشأن الروسي نصر اليوسف، أن “رامي مخلوف ليس مقربا لروسيا، كما لا يخضع للحماية الروسية”. مضيفا في حديث إلى “سوريا على طول” أن “عدم اعتراف روسيا بالعقوبات واللوائح السوداء التي لم تخرج من مجلس الأمن، سمح لعائلة مخلوف أن تتحرك بحرية في روسيا، وتنقل الكثير من الأموال المنهوبة إلى هناك”. كما أن “وجود محمد مخلوف في روسيا لا يعني أن روسيا تتبنى ابنه رامي، لكن الروس مستفيدون من المليارات التي تصب في السوق الروسية من استثمارات هذه العائلة”.

في الوقت ذاته، بينما استفاد النظام من روسيا في تغطية تكاليف حربه على السوريين لسنوات، فإن العطاءات الاقتصادية تذهب، بحسب اليوسف، لصالح إيران والصين، ما خلق حالة من “عدم رضا الشركات الروسية بشأن كيفية التعامل معهم من قبل المسؤولين السوريين”. 

وفي ظل الانهيار المستمر والمتلاحق لليرة السورية، والضغوطات الاقتصادية التي تعيشها سوريا، والتي لم تكن آخرها أزمة كورونا، تتصارع كل من روسيا وإيران على أخذ حصتهما من الاقتصاد. كما دفع ذلك بشار الأسد إلى استهداف رجال أعمال سوريين قبل رامي مخلوف، أبرزهم محمد حمشو العضو في مجلس الشعب السوري. وعدا عن سعيه إلى التعامل مع متطلبات حلفائه ومواجهة الأزمة الاقتصادية في سوريا، ذهب ملكاوي إلى أن “إزاحة بشار الأسد لمنافسيه يساعده على فرض نفسه مجددا وقدرته على المناورة، خاصة وأن روسيا تريد إطاحته من دون تغيير بنية نظامه”. 

لكن يظل أن الخلافات الأخيرة ستكون لها “تداعيات كبيرة على ما تبقى من الاقتصاد السوري”، كما قال رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، د. أسامة القاضي، لـ”سوريا على طول”. إذ إن “استبدال منظومة رامي مخلوف سيكلف الاقتصاد السوري ثمنا باهظا سيدفعه الشعب الذي صمت أو أرغم على الصمت”. موضحاً أن “كل الشركات التي يديرها [مخلوف] منذ عشرين عاما إلى الآن ستتعطل بشكل جزئي أو كلي إلى أن يتم استبدال هذه الواجهة بواجهة أخرى، أو أن تتصاعد الأمور إلى انشقاق كبير داخل الكتلة الصلبة حول نظام الأسد. وهذا بطبيعة الحال سيؤدي إلى ارتفاع مستوى البطالة، كما سيبدأ تهريب الأموال لمنظومة رامي مخلوف نفسها”.

وبحسب القاضي كان الناتج القومي لسوريا يبلغ 64 مليار دولار تقريبا، فيما لا يتجاوز الآن ثماني مليارات دولار، و”في ظل حرب تصفية الحسابات، فإن الخسارة ستكون كبيرة، خاصة وأنه لا يوجد قطاع في سوريا إلا ودخله رامي مخلوف”.

شارك هذا المقال