7 دقائق قراءة

صراع السلطة بين النظام والإدارة الذاتية الكردية يتجلى في أكبر مستشفى عام في مدينة الحسكة

في الامتداد الشمالي الشرقي للمناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في سورية، […]


في الامتداد الشمالي الشرقي للمناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في سورية، أدى نزاع مستمر منذ شهر بين القوى السياسية المحلية إلى تجميد العمليات في أكبر مستشفى في المنطقة.

ويتصارع الفاعلان الأساسيان في مدينة الحسكة المقسمة ما بينهما: نظام الأسد والإدارة الذاتية، وهي السلطة الحاكمة لمناطق الإدارة الذاتية التي تتمتع بحكم ذاتي في سورية.   

وبعد دحر الجيش العربي السوري التابع للنظام في آب الماضي، سيطرت القوات الكردية على معظم مدينة الحسكة. وقلص الهجوم من سطوة حكومة الأسد التي كان تنبسط على أكثر من نصف المدينة إلى مساحة ترتكز عليها الأبنية أمنية وإدارية لا تتجاوز الـ 1كم. ومع ذلك ما يزال لدى النظام نفوذ مالي في مركز المحافظة، كونه استمر بتمويل الخدمات البلدية في المدينة.

وخلال السنوات الستة الماضية، استمر النظام بتمويل المدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق الخدمية في مناطق محددة تسيطر عليها المعارضة. وحتى في مدينة الحسكة، مول النظام المستشفى الوطني في الحسكة، ودفع للمحروقات والأجهزة الطبية الجديدة ورواتب الموظفين فيه.

ولكن خلال هجوم آب 2016، استولت الأسايش، قوات شرطة الإدارة الذاتية، على جناح في المستشفى. ورفع الأسايش علمهم على المبنى وطردوا جنود الحكومة منه. ولم تصدر قوات الشرطة حينها أي بيان علني، ولكنها كانت خطوة رمزية لمحو وجود النظام من المدينة التي يديرها الأكراد.

وأكد كادر المستشفى الوطني أن مخاوفه من التمويل المستمر لهم سرعان ما ظهرت بعد تعيين النظام لـ جايز الحمود الموسى محافظًا للحسكة في تشرين الأول. وهدد المحافظ الجديد بتخفيض دعم المستشفى ما لم يغادر الأسايش وقوات أمنية حزبية أخرى المبنى ببداية عام 2017 وأعاد رفع العلم الوطني لسورية.  

المستشفى الوطني في الحسكة. حقوق نشر الصورة لـARTA FM.

وحين رفضت قوات الأسايش المغادرة في وقت سابق من هذه السنة، انقطع التمويل، وتوقفت في البداية إمدادات غسيل الكلى والمعدات المختبرية. ومن ثم بدأت الأدوية الطبية تصل إلى مستويات متدنية للغاية، وأخذت تنفد كلياً.

وحين قطع النظام شحنات الديزل اللازمة لتشغيل شبكة المولدات في المستشفى، في آواخر أذار. “أصبح الوضع لا يحتمل”، وفق ما قال أحد أعضاء الكادر الطبي في المستشفى لسورية على طول، وطلب عدم ذكر اسمه.

وما بين ليلة وضحاها، أصبح المستشفى غير قادر على تشغيل أجهزته، وتوقفت أجهزة التنفس الاصطناعي وكذلك التصوير الطبقي المحوري، وأغلقت غرف العمليات أبوابها. ومع انقطاع شبكة الكهرباء المتكرر وغير المتوقع، أحجم كادر المستشفى عن استخدام أجهزة إنقاذ الحياة خشية توقفها في أي لحظة.

وفي الوضع الراهن، علق النظام تمويله للمستشفى. والإدارة الذاتية غير قادرة على تلبية ما تحتاجه المدينة من رعاية صحية، ولم تعد المعدات الطبية تعمل بسبب نقص الوقود. ويواجه المستشفى المجاني الوحيد في المدينة الآن “كارثة إنسانية”، وفق ما ذكر الكادر في المستشفى الوطني لسوريا على طول.

ومع تعمق مراسلو سوريا على طول بحالة الشلل التي أصابت المستشفى، انحرف السؤال الجوهري قليلاً من لماذا سحبت حكومة الأسد تمويلها ليركز أكثر على لماذا فشلت الإدارة الذاتية بتمويل خدمات محلية كالمستشفى الوطني. وذكرت مصادر من داخل المستشفى لسوريا على طول إن السلطات الكردية ليس باستطاعتها التمويل الكامل للمستشفى، وبدلاً من ذلك، اقترحت تحميل المرضى النفقات في المستشفى الذي كان الخيار الوحيد للعلاج المجاني.

وحالياً، تقدم الإدارة الذاتية تمويلاً محدوداً مؤقتاً لتشغيل الخدمات الأساسية في المستشفى الوطني، وذكر أعضاء الكادر أنها “المرة الأولى” التي تتدهور فيها الأوضاع إلى هذا الحد.

وقال أحد أعضاء الكادر الطبي في المستشفى الوطني “أنا أحمّل الطرفين المسؤولية”، مشيراً إلى أن “لا مبالاة الإدارة الذاتية من جهة، ومدير الصحة والمحافظ من جهة ثانية، هي سبب مشاكل المشفى”.

ويبدو أن المستشفى الوطني جزء من تحد أكبر للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سورية، فهي غير قادرة أو غير عازمة على تقديم كامل الخدمات العامة في خضم الانتصارات الإقليمية التي تحرزها.

وبالمجمل، نأت السلطات الكردية بنفسها عن التعليق.

وقالت الدكتورة عبير حصاف، رئيسة هيئة الصحة في مقاطعة الجزيرة لسوريا على طول، مضيفة “حالياً يتم التباحث بين هيئة الصحة وهيئة الداخلية بخصوص قرارات المحافظ بشأن المشفى الوطني”. ورفضت الإسهاب أكثر واكتفت بالقول “لم نصل إلى حل مناسب حتى الآن”.

ويتجلى الصراع على مجالات النفوذ في مركز المحافظة في شمالي شرقي البلاد داخل حيز المستشفى؛ فكل من النظام والإدارة الذاتية أغلق المنشأة الطبية التي كانت تقدم الرعاية الطبية لأكثر من ألفي شخص يومياً، وذلك في نزاعهما في أيهما سيرفرف علمه فوق المبنى.

ويؤثر هذا التراجع غير المسبوق على أكثر من مليون نسمة من أهالي الحسكة، ولا سيما أولئك الذين لا يطيقون تحمل تكلفة العلاج الطبي في إحدى المستشفيات الخاصة الخمسة في المدينة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، لجأ اثنان من أهالي المدينة الأشد فقراً، وكلاهما يعانيان من أمراض متعلقة بالكلية، للعلاج في المستشفى الوطني الذي بات يفتقر الآن إلى الكادر الطبي والتجهيزات. وكان المريض الأول يعاني من السكري، والذي نجم عنه تلف حاد في أعصاب قدمه. واضطر الأطباء لبتر بعض أصابعه رغم نفاد المواد المخدرة والمضادات الحيوية.

 مظاهرة كردية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي التابع للإدارة الذاتية في الحسكة، آب 2016. حقوق نشر الصورة لـ وكالة الأناضول /Getty Images.

إلى ذلك، قال أحد أعضاء الكادر الطبي لسوريا على طول “في وضع كهذا، لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، ولا يمكننا فعل شيء”.

وفي اليوم ذاته، أتى مريض ثان يحتاج إلى عملية في الكلية. ولكن مع افتقار كل من المريض والمستشفى إلى المال، فليس هناك سوى المسكنات. وهو الآن ينتظر بعض التوجيهات من أطباء الكلى ليستغني عن العملية.

ويعمل المستشفى الوطني في الحسكة الآن بنسبة تقل عن 15% من قدرته مقارنة بالشهر الماضي. وأغلقت كافة الأقسام أبوابها، بما في ذلك قسم الأمراض الداخلية، قسم أمراض الجهاز الهضمي، وقسمي جراحة العظام والأشعة.

وقال أحد أفراد الطاقم الطبي في المستشفى الوطني لسوريا على طول “يُعتبر المشفى الوطني مخدّماً طبياً لمئات آلاف المواطنين السوريين من أبناء مدينة الحسكة ومناطقها الجنوبية والشرقية والغربية، وقرابة 125 ألف نازح سوري من مختلف المحافظات، فكيف لصرح بهذه الأهمية أن يتوقف؟”.

“لطالما نحن الضحية”

ويأتي النزاع على المستشفى الوطني، في وقت يزداد فيه التأثير العسكري والسياسي الكردي في المنطقة.

ومنذ عام 2014، تضاعف حجم الأراضي السورية التي يسيطر عليها الأكراد، والتي تعرف أيضا باسم روجافا، ثلاث مرات. ويأتي التوسع إلى حد كبير على امتداد الحدود الشمالية السورية مع تركيا، والحدود الشرقية مع العراق، حيث تحارب القوات الكردية تنظيم الدولة وتستولي على أراضيه كما تستفيد من الانسحاب العام للنظام من المنطقة.

إلى ذلك، صوت 200 ممثل عن روجافا، في آذار 2016، لتشكيل نظام حكم فيدرالي في الشمال السوري. وحددت هذه الخطوة المقاطعات الثلاث التي تحكمها الإدارة الذاتية الكردية، وهي الجزيرة وعفرين وكوباني، تحت ظل نظام حكم واحد يعرف الآن باسم النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا.

ومع استقلال روجافا وتوسع التأثير السياسي المتزايد للأكراد، يقول سكان الحسكة، لسوريا على طول، أنهم يتوقعون من الإدارة الذاتية ملء الفراغ الذي خلفه رحيل نظام الأسد من المنطقة في الخدمات البلدية. ولكن في حالة المستشفى الوطني، يقول السكان إن هذه التوقعات لم تتحقق.

كانت أم مصطفى، 25 عام، حاملا في الشهر التاسع عندما ذهبت إلى المستشفى الوطني في وقت سابق من هذا الشهر، لتضع مولودها. وتقول أم مصطفى، أن إدارة المستشفى أخبرتها أنه ليس بمقدورهم إجراء الولادة القيصيرية لها خشية أن تتوقف المعدات الطبية في منتصف العملية.

ومع عدم وجود أي خيار آخر، توجهت أم مصطفى إلى إحدى المستشفيات الخاصة في المدينة ودفعت مبلغ 70 ألف ليرة سورية (حوالي 327 دولار) من جيبها. واضطرت أم مصطفى لاقتراض المال من أفراد عائلتها من أجل دفع هذا المبلغ، حيث قالت لسوريا على طول “لم يكن لدي أي خيار آخر”.

وأضافت الأم التي وضعت مولودتها الأولى “أنا شخصيا كغيري من الأهالي، لا يهمني من سيدير المشفى، بقدر ما يهمني ألا تنقطع خدمتي الطبية، وغيري الآلاف ممن يتحملون ما لا يطيقونه في هذه الأوضاع والغلاء المتفشي في البلاد. يعني فوق الموتة عصة قبر”.

وفي عامي 2014 و2015، استولى الجيش العربي السوري على حوالي 50 سريراً في المستشفى لأجل حرسه وعناصره في المنطقة، وفقا لما ذكره أحد موظفي المستشفى لسوريا على طول. وعلى نحو مماثل، في عام 2016، اتهم نفس الموظف الأسایش بنهب المستشفی وإرسال الإمدادات الطبیة إلی خطوطهم الأمامیة، خاصة أثناء معاركهم مع النظام في آب.

وقال المصدر نفسه، لسوريا على طول “لم نستطع فعل شيء”.

وتابع أن “المواطن البسيط لا يهمه رؤية العلم السوري ذو النجمتين أو العلم الكردي ذو النجمة الواحدة، بل يهمه أن يجد من يرعاه”.

في المقابل، دافعت الناطقة المشتركة باسم قوات الأسايش، في مقاطعة الجزيرة، فيدان حسي، عن وجود القوات الكردية داخل المستشفى، قائلة “الأسايش تقوم بواجبها، وهي حريصة على ضمان استمرارية المستشفى بتقديم خدماته للمواطنين”، مضيفة “ولكن الأسايش جهة أمنية تأخذ  قرارتها من الإدارة السياسية، التي تتمثل بالحكومة المدنية في كانتون الجزيرة”.

ولم تعلق وسائل الإعلام السورية بشأن النزاع واكتفت بالإشارة إليه، في وقت سابق من هذا الشهر، أثناء لقاء بين محافظ الحسكة جايز الحمود الموسى ووفد من اللجنة الدولية للصليب الأحمر “بشأن ترميم المستشفى الوطني في المدينة”.

أم سردار، مدنيّة من الحسكة، في الخمسينات من عمرها، تعاني من مرض في الكلى. وقبل نفاد الوقود من المستشفى، في آذار، كانت أم سردار، التي تعاني من قصور في الكلى، تتلقى علاج غسيل الكلى مجانا، ثلاث مرات أسبوعيا. الآن، يجب أن تتجه إلى القطاع الخاص، ويقوم ابنها، الذي يعيش في ألمانيا، يدفع  20 ألف ليرة سورية (93.30 دولارا)  تقريبا لكل جلسة علاجية. ولكن، حتى بمساعدة ابنها، فليس بإمكانها سوى دفع تكاليف جلسة علاجية واحدة، أسبوعيا.

وقالت لسوريا على طول “لطالما نحن الضحية في الصراعات القائمة بين النظام والأكراد، في كافة القطاعات”.

وختمت أم سردار “لا أعلم إلى أين سينتهي بنا الأمر، ولكني أتمنى ألا يكون كارثيا أكثر مما نحن عليه”.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال