6 دقائق قراءة

صيدليات عشوائية في درعا: تجارة بصحة الناس تقدم لهم المرض بدل العلاج

في محافظة درعا، جنوبي سوريا، يزور عبد الرحمن أحمد، الصيدلي […]


8 فبراير 2017

في محافظة درعا، جنوبي سوريا، يزور عبد الرحمن أحمد، الصيدلي الموجود في حيهم، بدلا من زيارة الطبيب، عندما يشعر بالمرض.

حيث تعد الصيدليات المحلية في مدينة إنخل، محطة طبية يلجأ لها السكان للحصول على التشخيص والوصفة الطبية في آن واحد، كما تقدم خدمات علاجية متعددة من علاج الصداع النصفي إلى آلام البطن الحادة وغيرها.

وزيارة الصيدلاني بدلا من الطبيب عند المرض هي أمر شائع في جميع أنحاء سوريا منذ فترة طويلة ترجع إلى ما قبل الحرب.

واليوم، تخلو رفوف الصيدليات في جميع أنحاء ريف درعا من أنواع كثيرة من الأدوية، فمثلا تتوفر فيها المسكنات، مضادات الالتهاب وأدوية معالجة الزكام، بينما تفتقر لأدوية الأمراض المزمنة كأمراض القلب والضغط والسكري.

ومع إغلاق الحدود مع الأردن، وحصار النظام للمدينة على مدى سنوات الحرب، أصبح من الصعب إدخال المواد الطبية وغيرها إلى مناطق سيطرة المعارضة في درعا.

وقال أحمد، لسوريا على طول، “في حال عدم وجود الدواء في الصيدليات النظامية، نضطر للذهاب إلى الدكاكين (صيدليات عشوائية) لجلب الدواء”.

وتنتشر هذه الدكاكين، في الشوارع المزدحمة والأزقة في أنحاء ريف درعا. وقبل الحرب كانت هذه الدكاكين تبيع الخبز والأرز وغيرها من المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية، أما اليوم فأصبحت تعمل كصيدليات سوق سوداء حيث يجد الزبون فيها كل شيء بدءا من الأنسولين وحتى منشطات الكبتاغون.

وبالتردد على هذه الصيدليات، لم يبق أمام السوريين، في مناطق ريف درعا، الكثير من الخيارات سوى تعريض عائلاتهم لمخاطر طبية غير مقصودة، نتيجة عدم وجود الخبرة لدى مهربي الأدوية، الذين تحركهم مطامعهم المادية، ويعملون في الصيدليات.

وقال أحمد “مانخشاه دائما أن يصرف لنا أدوية خاطئة”.

إلى ذلك، قال الدكتور أبو عبد الله، مدير مستشفى شهداء سوريا، العامل في مدينة إنخل، لسوريا على طول، أن هذه “الصيدليات العشوائية” والتي يعمل بها أفراد غير مؤهلين ولا يحملون الشهادات الأكاديمية في الصيدلة، تبيع الأدوية بشكل عشوائي دون وصفات طبية، وفي بعض الأحيان يديرها أشخاص “لا يحملون شهادة الثانوية العامة”.

وأضاف أبو عبد الله “لايوجد أي شيء يؤهل بعض الأشخاص للعمل كصيادلة”، والنتيجة هي “انتشار كبير” لحالات الانسمام بالمواد المخدرة والإدمان والمسبب الرئيسي لذلك هو الصيدليات العشوائية، التي تبيع هذه المواد دون وصفة طبية أو تقديم النصيحة للمرضى.

ومع ظهور هذه الصيدليات العشوائية قبل ثلاث سنوات، أوضح الدكتور أبو عبد الله أنه شاهد إقبالا كبيرا من المرضى، ممن يعانون من أعراض كالتقيؤ والإسهال وماهو أسوأ من ذلك، على هذه الصيدليات.

وأضاف “حدثت حالات وفاة أيضاً، لكن لعدم وجود متابعة لدينا في المشافي الميدانية للمريض بعد خروجه من المستشفى يصبح من الصعب إيجاد إحصائية لذلك”.

وفي أواخر كانون الأول، سارع أبوان بطفلهما الرضيع إلى غرفة الطوارئ في مستشفى إنخل، وكانت عيناه مصفرتان بسبب إصابته باليرقان. ولكن في مساء ذلك اليوم، كانت تبدو عليه أعراض مثيرة للقلق لا علاقة لها باليرقان.

وبينما اعتقد الأبوان أنهما يعطيان ابنهما دواءا لمرض اليرقان، علم الطبيب المعالج أنه على مدار أسابيع، أُعطي الطفل جرعات كبيرة من الفينوباربيتال، وهو دواء يستخدم لعلاج الصرع. وبسبب الدواء، الذي وصفه صيدلي غير مدرب أو مؤهل بطريق الخطأ، وصل الطفل إلى المستشفى “بحالة سيئة”. وقال الدكتور أبو عبد الله أنه توفي بعد ساعات قليلة من ذلك.

وذكر أربعة أطباء في محافظة درعا، لسوريا على طول، أن الصيدليات العشوائية هي السبب الأساسي في انتشار تعاطي جرعات زائدة من المواد المخدرة في المحافظة.

في السياق، قال أبو محمد، صيدلاني تخرج من جامعة دمشق، يملك صيدلية مرخصة في ريف درعا، لسوريا على طول، “حدثت عدة حالات وفيات لبعض الأطفال وكبار السن لإعطائهم أدوية غير ملائمة لحالتهم الصحية، أو غير مطابقة لوصفة الطبيب”.

“هناك أعداد كبيرة من الصيدليات العشوائية”

في شمال غرب محافظة درعا، على بعد 25 كم شرق مرتفعات الجولان، كانت إنخل واحدة من أوائل المدن التي التحقت بركب الثورة ضد النظام عام 2011. وعندما تحولت الثورة إلى حرب حقيقية، بدأ سكان البلدة بالمغادرة بشكل جماعي، بينما وجد الآلاف من النازحين مأوى لهم في إنخل أثناء الحرب.

اليوم، يعيش 20 ألف شخص فقط في المدينة، وهو ما يقارب نصف عدد سكانها قبل بدء الحرب.

ومنذ بدء الثورة، أصبحت درعا قاعدة لقوة المعارضة. ومع مرور الوقت، شكل نظام الأسد منطقة نفوذ له في جميع أنحاء الريف الشمالي في درعا، وفي مركز المدينة، كما يسيطر النظام على الطريق السريع M5، وهو الشريان الرئيسي الذي يربط مدينة درعا بالبلدات النائية التابعة لها وببقية مناطق سوريا.

ومع وجود دمشق إلى الشمال منها والسويداء إلى الشرق، الخاضعتان لسيطرة النظام، تمكن النظام من محاصرة درعا بالكامل بحلول عام 2013، مما أعطى حكومة الأسد القدرة على تضييق الخناق على الإمدادات المتوجهة إلى مناطق تمركز المعارضة.

وأصبح الحصول على السلع الأساسية مثل الوقود وحليب الأطفال والأدوية أمرا صعبا على نحو متزايد في عام 2016 بعد أن أغلقت الأردن حدودها الشمالية مع سوريا، في أعقاب هجوم انتحاري، خلال فصل الصيف.

بدورها، أصبحت محافظة درعا سوقا للمهربين، وخاصة فيما يتعلق بأدوية الأمراض المزمنة، وفقا لما قاله العديد من الأشخاص لسوريا على طول.

صيدلية مرخصة، غرب درعا. تصوير: محمد الحوراني.

ويحضر المهربين الدواء من محافظة السويداء، الخاضعة لسيطرة النظام، إلى درعا، عبر طرق مخصصة للتهريب أو من خلال دفع الرشاوى للحواجز هناك. وفي حين يفضل بعض المهربين بيع الأدوية المهربة بأسعار مرتفعة مباشرة إلى الصيدليات المرخصة والمستشفيات في جميع أنحاء المحافظة، يختار البعض الآخر فتح صيدليات خاصة بهم ولعب دور السمسار والتاجر.

وقال عبد الرحمن أحمد، الذي يعيش في مدينة إنخل إن أصحاب الصيدليات العشوائية “يتبعون لفئات كالفصائل أو غيرها، ولديهم مردود مادي كبير ورؤوس أموال، لذلك يجلبون الكثير من أنواع الأدوية وما نخشاه دائما أن يصرف لنا أدوية خاطئة”.

من جانبه، قال أبو محمد، صيدلاني من درعا، لسوريا على طول، “انتشرت أعداد كبير من الصيدليات العشوائية، حيث وصل الأمر في بلدة يبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة وجود ما يقارب 50 صيدلية عشوائية”.

ومع غياب المجتمع المدني المترابط والرقابة الكافية، أصبحت الصيدليات العشوائية أكثر انتشارا عبر محافظة درعا.

وقال أحد الأطباء في ريف درعا الغربي، والذي طلب عدم الكشف عن هويته، لسوريا على طول،  “قدمنا الكثير من الشكاوي للمجالس المحلية والمحاكم لكن لم يتخذ أي قرار حتى الآن”.

في السياق، يقول الشيخ عصمت العبسي، رئيس دار العدل في حوران ، وهي هيئة قضائية تعمل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في درعا، جنوب سوريا، أنهم طرحوا مشكلة الصيدليات العشوائية “منذ تأسيس المحكمة”. ولم يكن هدفه الرئيسي المتاجر الصغيرة، وموزعي السوق السوداء، إنما الصيدليات المرخصة التي تبيع المواد المخدرة دون وصفة طبية.

وقال العبسي لسوريا على طول، “نقوم بإنزال العقوبات اللازمة في صاحب ومالك هذه الصيدلية من خلال سحب التراخيص إذا كانت نظامية، أو إغلاقها وإنزال عقوبات به إذا ثبت بيعه للمواد المخدرة”.

” نضطر للذهاب للصيدليات العشوائية”

بالرغم من المخاطر التي تسببها الصيدليات العشوائية، يتوجه قسم كبير من سكان درعا إلى هذه الصيدليات، والتي توفر لهم الأدوية المفقودة في الصيدليات النظامية.

وقال محمد، مواطن في ريف درعا الشرقي، لسوريا على طول، “بالطبع نذهب للصيدليات النظامية وفي حال عدم توافر الدواء المطلوب فيها نضطر للذهاب للصيدليات العشوائية للحصول على الدواء والتي تتواجد فيها الأدوية أكثر من غيرها، لأن الصيدليات النظامية لم يبق فيها إلا مسكنات الألم ووجع الراس والالتهاب وبعض الأدوية البسيطة (…) ولم أصب بأعراض جانبية حتى اللحظة”.

وتحدثت سوريا على طول مع أحد مالكي الصيدليات العشوائية، وكان يعمل مساعد صيدلاني قبل الحرب، في إنخل، وطلب عدم الكشف عن هويته.

وعند سؤاله عن عمله حاليا سارع بالقول: أنا أعمل في هذه الصيدلية لتأمين الأدوية ومساعدة المرضى في ظل هذه الظروف، فكثير من الأدوية لا توجد في الصيدليات النظامية”.

من جهته، قال الدكتور أبو عبد الله، مدير مشفى شهداء سوريا العامل في مدينة إنخل، لسوريا على طول، أنه غير مقتنع بما قاله الصيدلاني، مضيفا “أضحت الصيدلة مهنة لكسب المال لا غير لدى الصيدليات العشوائية (…) ويعتبر أصحاب الصيدليات العشوائية هذه المهنة كتجارة تدر عليهم مردودا ماديا كبيرا، ويسعون وراء ذلك دون النظر إلى أخلاق هذه المهنة والأضرار التي قد يتسبب بها للناس”.

وفي مدينة جاسم، التي تبعد 7 كم جنوب غرب مدينة إنخل، قال الدكتور إيهاب الجلم، مدير مستشفى الرضوان أنه والكادر الطبي في المستشفى يواجهون مشكلة وجود حالات سببها تناول دواء خاطئ أو جرعة زائدة.

وأضاف “تقوم الصيدليات العشوائية بييع الأدوية العصبية والنفسية كمخدرات وليس كأدوية”. وأردفلا تلتزم هذه الصيدليات بقوانين الصيدلة التي يجهلونها أساسا (…) وإذا مرض أحدهم تقع علينا مسؤولية علاجه في المستشفى”.

وعند سؤاله عن الأشخاص غير المؤهلين والذين يبيعون الأدوية في الصيدليات، كان لأحمد موقف دفاعي قائلا “الأخطاء التي نقع فيها أحياناً بصرف أدوية خاطئة، تكون نتيجة عدم وضوح الوصفات التي يكتبها الأطباء”، رافضا التوضيح أكثر من ذلك.

وقال عبد الرحمن أحمد، الذي يعيش في إنخل، أنه شاهد بعض الحالات حدثت مع أقاربه وجيرانه و”غالبيتها حالات تسمم دوائي”.

وأضاف “بالتأكيد إنها صيدليات غير نظامية (…) لكن أفضل بكثير من غياب الأدوية”.

ترجمة: سما محمد

شارك هذا المقال