5 دقائق قراءة

ضابط لبناني متهم بتعذيب لاجئ سوري حتى الموت يخرج بكفالة ويعود إلى منصبه

الإفراج بكفالة عن أربعة ضباط لبنانيين في أمن الدولة من أصل خمسة، اتهمتهم المحكمة العسكرية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بتعذيب اللاجئ السوري بشار عبد السعود حتى الموت، وعاد أحدهم لاستئناف عمله، في حين تعرضت عائلة الضحية ومحاميها لضغوط لإسقاط الدعوى.


2 مايو 2023

أثينا- أفرجت السلطات اللبنانية بكفالة عن أربعة ضباط لبنانيين في جهاز أمن الدولة من أصل خمسة، في نيسان/ أبريل، كانت المحكمة العسكرية قد وجهت إليهم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي لائحة اتهامات بتعذيب اللاجئ السوري بشار عبد السعود حتى الموت، وعاد أحد الضباط المفرج عنهم لاستئناف عمله، فيما تعرضت عائلة الضحية ومحاميها لضغوط من أجل إسقاط الدعوى. 

عبد السعود، لاجئ سوري عمره 30 عاماً، وأب لثلاثة أطفال، اعتقله عناصر من اللجنة الأمنية الفلسطينية المحلية من مخيم شاتيلا للاجئين في بيروت، في آب/ أغسطس 2022، وسلموه لضباط أمن الدولة اللبناني.

اقتيد الضحية إلى مقر أمن الدولة في تبنين، جنوب لبنان، وبعد ساعات صار جثةً هامدة. أثار فيديو، نُشِر على الإنترنت، يوضح أثار التعذيب على جثته ضجةً وغضباً عارماً، ما أفضى إلى فتح تحقيق أسفر عن احتجاز خمسة ضباط في أيلول/ سبتمبر الماضي، ووجهت إليهم قاضية عسكرية لبنانية لائحة اتهام في تشرين الثاني/ نوفمبر. 

في ذلك الوقت، شكلت لائحة الاتهام الصادرة عن القاضية العسكرية خطوة نادرة تجاه المساءلة في بلدٍ لا يتم فيه النظر بالدعاوى المرفوعة ضد السلطات منذ زمنٍ طويل. لو أُدين أي من الضباط الخمسة المتهمين في مقتل بشار، كان ذلك سيشكل سابقة تاريخية. 

احتُجِز الضباط في بادئ الأمر دون كفالة تخوِّلهم الخروج، ومن ثم مُنح المُتهمون الأربعة إمكانية الخروج بكفالة، وأٌطلق سراحهم في مطلع نيسان/ أبريل، كما أوضح محمد صبلوح، محامي عائلة عبد السعود لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن “الضابط يوسف بري، ما يزال موقوفاً لأنّه كان الشخص الذي أقرَّ بضرب بشار”.

قال صبلوح المتخصص في قضايا التعذيب أنّه تلقى اتصالات من عدة أفراد تربطهم صلة بالمُدعى عليهم للضغط عليه من أجل إسقاط دعوى التعذيب، ولأول مرةٍ في تاريخه المهني تُعرض عليه رشوة لأجل أن يأتي بفعلٍ كهذا. 

“قبل شهرٍ، اتصلوا بي وعرضوا على عائلته مبلغ 12 ألف دولار ليسقطوا قضيته. وقالوا: أي عار هذا، فكروا بأطفال بشار، ولكني أخبرتهم أننا لا نريد المال، نريد العقاب على جريمة التعذيب هذه”، بحسب قوله، ولم يتسن لـ”سوريا على طول” التأكد من محتوى الاتصالات التي تلقاها صبلوح.  

العودة إلى غرفة التحقيق

استأنف واحدٌ من الضباط المُتهمين، الذين أطلق سراحهم، عمله بعد دفع كفالة قدرها 300 مليون ليرة لبنانية (3,086 دولار)، وهو النقيب حمزة خليل إبراهيم، نجل رئيس المحكمة العسكرية السابق العميد خليل إبراهيم. ونُقِل من مقر أمن الدولة في تبنين إلى النبطية، وتمت ترقيته من رئيس قسم التحقيق إلى رئيس مكتب أمن الدولة، بحسب صبلوح.

“هذا غياب للمساءلة على المستوى الإداري والمؤسساتي”، قال فضل فقيه، المدير التنفيذي للمركز اللبناني لحقوق الإنسان، مضيفاً: “كان على أمن الدولة أن يمنعوا عودة هذا الشخص إلى العمل حتى انتهاء التحقيق”. وأشار فقيه إلى أنَّه لم يتم ترقية إبراهيم وإنما نُقل فقط، ولم يتسن لـ”سوريا على طول” التأكد من مصدر مستقل.

نظراً إلى خطورة الجريمة، رأت سحر مندور، باحثة متخصصة بالشأن اللبناني في منظمة العفو الدولية أنًّ تمكين المتهمين من الخروج بكفالة كان “إشكالياً، لأنَّ هناك عنفٌ أسفر عن قتل”.

بموجب مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق في قضايا التعذيب، يجب إيقاف المسؤولين المشتبه تورطهم في التعذيب عن العمل أثناء فترة التحقيق، وفقاً لمندور، وأضافت: “يجب آلا يعودَ إلى استجواب المعتقلين قبل أن نعلم ما الذي حدث مع الرجل الذي مات”.

غير أنّ هذا التصرف ليس الأول من نوعه، ففي عام 2017 اعتُقِل الممثل اللبناني زياد عيتاني من قبل الجهة ذاتها التي اعتقلت عبد السعود، وفي السنة التالية تقدَّم بدعوى حيال تعرضه للتعذيب. “في 14 آب/ أغسطس 2020، أي بعد عشرة أيام على انفجار مرفأ بيروت، قام الرئيس ميشال عون بترقية أحد الضباط الذين اتهمهم عيتاني بتعذيبه، وقضية عيتاني ما تزال مجمّدة شأنها شأن عشرات دعاوى التعذيب الأخرى المقدَّمة بموجب قانون مناهضة التعذيب اللبناني رقم 65 لعام 2017.

صُدِمت حمدة السعيد، أرملة عبد السعود وأم أطفالهما الثلاثة، عندما علمت أنَّ معظم الضباط المتهمين بقتل زوجها أطلق سراحهم وعادوا إلى مسرح الجريمة، قائلة: “أخذوا زوجي شاباً مثل الوردة وقتلوه، والآن بهذه السهولة خرجوا؟ وإلى الآن لا نعلم  حتى من قتله؟”.

إحقاق العدالة في محكمة عسكرية؟

ينص قانون مناهضة التعذيب، الذي أقره البرلمان اللبناني في 2017، وقانون الإجراءات الجنائية أنَّ قضايا التعذيب من اختصاص المحاكم القضائية وليس المحاكم العسكرية، غير أنَّ محكمةً عسكرية تنظر في قضية عبد السعود، وهذا “لا ينسجم مع القانون 65، ومصادقة لبنان على برتوكول اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عام 2000″، بحسب فقيه، معتبراً أنه “لا يُمكن أن تحقق محكمة عسكرية العدالة للمواطنين، لقد حلّلنا القرارات التي اتخذتها المحاكم، وهي بمجملها منحازة للضباط”.

وأضافت مندور: “يجب إحالة هذه القضية وجميع قضايا التعذيب إلى المحكمة المدنية”، مشددة على ضرورة النظر في انتهاكات حقوق الإنسان “في محكمة مدنية تحترم الحق في الشفافية والحق في العدالة”.

في المحكمة العسكرية، ينحصر دور المحامي المُدعي بنطاقٍ محدود، وهو أقرب إلى المراقب، بحسب المحامي صبلوح، قائلاً: “في المحكمة العسكرية لا صلاحية لي كمُدعي، ومن خلال خبرتي، المحاكم العسكرية دائماً تقف في صف الأجهزة الأمنية”.

في الجلسة الأولى للمحاكمة التي عُقِدت في كانون الأول/ديسمبر، رفضت المحكمة مطلب صبلوح بإدراج الفيديو الذي يُصوِّر القروح والكدمات على جثة بشار كدليل. “تُظهر جثته بوضوح أنّه مات بعد تعرضه للضرب المبرِّح، كان موتاً عنيفاً، ولكنهم لم يقبلوا الفيديو كدليل”، بحسب صبلوح. “يريدون طمس الحقيقة”.

ذكرت مندور التي حضرت أيضاً جلسة المحاكمة أن الضباط المتهمين زعموا أن بشار كان عنيفاً ومتعاطياً للمخدرات. طالب صبلوح، الذي سبق وأن واجه مثل هذه الاستراتيجية في قضايا تعذيب سابقة، بتقريرٍ طبي، “مثلما ما هو منصوص عليه في برتوكول مينيسوتا أو بروتوكول اسطنبول [المعايير الدولية للتحقيق في التعذيب والإعدام خارج نطاق القانون]، ولكنهم لم يقبلوا، ولم يتم تضمين التحاليل المخبرية في القضية إلى الآن”، بحسب ما أوضح.

في جلسة الاستماع، صرّح الضباط أن السعود وصل بصحةٍ جيدة إلى مركزهم في تبنين، وزعموا أنَّ واحداً من الضباط فقط ضرب بشار بسلك شاحن الهاتف. “سألته القاضية العسكرية: هل أنت واثق من أنَّ الجروح ناجمة عن شاحن هاتف، لأنًّ هذه الجروح خطيرة جداً وتسببت بالوفاة، لكنهم أصروا على الرواية”، بحسب مندور.

وأضافت: “لا يحتاج الأمر إلى دليل من الطب الشرعي، يُمكن للعين المجردة أن ترى أنَّ هذه الجروح لا يمكن أن تحدث بسلكٍ بسيط، كسلك شاحن الهاتف”، قائلة: “أنهك جسده بالتعذيب”.

قضية بشار عبد السعود هي الوفاة السادسة، المعروفة على الملأ، التي يُشتبه فيها بتعرّض الموقوفين للتعذيب حتى الموت على يد السلطات اللبنانية. “ما يزال التعذيب في لبنان يُنفذ بشكلٍ ممنهج”، بحسب فقيه، لافتاً إلى “غياب المساءلة على المستوى الإداري والمؤسّساتي والقانوني، وهناك قضية ثقافية يرى فيها الضباط أنه لا حرج عليهم إن عذبوا الناس إذا ما ارتكبوا جريمة ما”.

لطالما كان الإفلات من العقاب هو العُرف السائد في لبنان، بحسب صبوح، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية والقضاة في لبنان “يبعثون رسالة إلى الضباط فحواها أن بإمكانهم ارتكاب التعذيب، لأنهم سيكونون محصنين”، معتبراً أن “القانون 65 لعام 2017 [قانون مناهضة التعذيب] مجرد حبر على ورق”. 

اقرأ أكثر: في ظل “الإفلات من العقاب”: سوريون عرضة للتعذيب في السجون اللبنانية

بعد وفاة عبد السعود، تُركت حمدة وحيدة تكافح في رعاية أطفالهما الثلاثة: رضيع عمره تسعة أشهر، وطفلين في السادسة والسابعة من عمرهما، ناهيك عن كفاحها من أجل إحقاق المساءلة، ومع أنها صارت مسؤولة عن إعالة أطفالها “لا يمكنني العمل، كيف سأترك أطفالي لوحدهم؟”.  

في الشتاء الماضي، قطعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عنها المساعدات النقدية الشهرية، التي كانت شريان الحياة للعائلة في ظل الاضطرابات الاقتصادية التي تجتاح لبنان، بحسب حمدة، قائلة: “أخبرت المفوضية أني صرت أرملة الآن ولدي ثلاثة أطفال، ولكنهم يرددون باستمرار أننا ندرس ملفك”.

“إلى الآن لم نر أي نتيجة، أي إدانة، ولكني آمل أن تتحقق العدالة”، بحسب حمدة، علماً أن جلسة المحكمة القادمة ستكون جلسة المحاكمة التالية في 5 أيار/مايو.

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين.

شارك هذا المقال