7 دقائق قراءة

ضربات تركيا الجوية ضد “قسد”: حرب “غير مباشرة” تسبق عمليتها المرتقبة

رصدت "سوريا على طول" مقتل 24 شخصاً عسكرياً، من قيادات "قسد" وعناصرها وقادة في حزب العمال الكردستاني (ب ك ك)، منذ مطلع تموز/ يوليو الماضي وحتى 20 آب/ أغسطس الحالي، ما يشير إلى تصاعد الضربات التركية ضد "قسد" على نحو غير مسبوق


باريس- بالتوازي مع التهديدات التركية المستمرة بشن عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرق سوريا، تنفذ أنقرة عبر الطيران المسيّر (درون) والصواريخ المدفعية، على نحو متصاعد، ضربات تستهدف قيادات “قسد” وعناصرها.

منذ أيار/ مايو الماضي، بدأت تركيا بتوسيع نطاق الاستهداف، لترتفع وتيرتها في آخر شهرين بشكل ملحوظ، وبمعدلٍ شبه يومي، كما تظهر أرقام جمعتها “سوريا على طول”، إذ رصدت مقتل 24 شخصاً عسكرياً، من قيادات “قسد” وعناصرها وقادة في حزب العمال الكردستاني (ب ك ك)، منذ مطلع تموز/ يوليو الماضي وحتى 20 آب/ أغسطس الحالي، ما يشير إلى أن نقرة بدأت “حرباً غير مباشرة” تسبق عمليتها المرتقبة، كما قالت مصادر عسكرية وأمنية من “قسد” لـ”سوريا على طول”.

وأودت الضربات التركية بحياة مدنيين أيضاً، إذ وثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مقتل 34 شخصاً، منذ تموز/يوليو حتى لحظة نشر هذا التقرير، منهم 13 مدنياً، وإصابة 18 مدنياً آخرين بجروح.

مع هذا التصعيد، زار وفدٌ من التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، مدينة عين العرب (كوباني)، في 23 آب/ أغسطس الحالي، لمناقشة خفض التصعيد في المنطقة مع قيادات عسكرية من “قسد”، بعد أيام من قصف أنقرة أهدافاً عسكرية في المدينة. 

وكان طيران حربي تركي استهدف موقعاً عسكرياً مشتركاً لقوات النظام السوري و”قسد”، في قرية جارقلي، الواقعة بريف عين العرب، على الحدود مع تركيا، في 16 آب/ أغسطس الحالي، ما أدى إلى مقتل وإصابة 19 شخصاً، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

بعد ثلاثة أيام على هذه الحادثة، تعرض سوق شعبي في مدينة الباب بريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني السوري (المعارض) المدعوم من تركيا، لقصف صاروخي، ما أدى إلى مقتل 14 شخصاً، بينهم 5 أطفال، وإصابة 30 آخرين بجروح، وفيما اتُهمت “قسد” بالوقوف وراء المجزرة، نفت الأخيرة مسؤوليتها، وأن لا علاقة لقواتهم بهذا القصف.

تقييد وتحييد القيادات

في 16 آب/ أغسطس الحالي، أعلنت تركيا عن مقتل “ديجفار سيلوبي”، الملقلب بـ”محسن ياغان”، في مدينة القامشلي، شمال شرق سوريا، الواقعة تحت سيطرة “قسد”، وهو مسؤول في حزب العمال الكردستاني التركي (ب ك ك)، وتتهم أنقرة حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د)، الجناح السياسي لـ”قسد” بأنه امتداد لـ”ب ك ك” في سوريا.

ويُتهم سيلوبي بأنه “المخطط والمنفذ للعديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت قوات الأمن التركية عند الحدود الفاصلة بين تركيا وسوريا”، كما نقلت وكالة الأناضول التركية عن مصدر أمني لم تسمّه، مشيرة إلى أن القيادي انتقل إلى سوريا في عام 2020 “بتعليمات من قيادات التنظيم [ب ك ك]”.

وفي عملية أخرى، قتل يوسف محمود رباني، القيادي في حزب “الحياة الحرة” الإيراني، في السادس من آب/ أغسطس الحالي، بحي الصناعة في مدينة القامشلي، بعد استهداف سيارته بطائرة مسيّرة تركية من دون طيار. ويعد الحزب امتداد لحزب العمال الكردستاني في إيران.

وفي 30 تموز/ يوليو الماضي، أعلنت تركيا عن مقتل نصرت تيبيش، وهو قيادي تركي في “ب ك ك”، بعد استهدافه في محافظة الحسكة، وتتهمه أنقرة بمسؤولية تنفيذ تفجير إسطنبول، عام 2008، الذي أودى بحياة 18 شخصاً.


غالباً ما تعتمد تركيا في ضرباتها الأخيرة على الطيران المسيّر، الذي أثبت فعاليته في ليبيا وأذربيجان وسوريا، إضافة إلى كونه “سلاح رخيص مقارنة بالطيران الحربي، ولا يتم فيه المخاطرة بالطيارين”، بحسب المحلل العسكري المنشق، أحمد حمادة، معتبراً أن أنقرة ترمي من هذه الضربات إلى “تنفيذ عمليات محددة ضد قياديين في حزب العمال الكردستاني، بهدف شل قدرة التنظيم، وفصل القيادة عن الجسم”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وتحقق الضربات التركية أيضاً أهداف أنقرة في “كسر تحصينات قسد، واستهداف مراكز القيادة والسيطرة، وإسكات مصادر النيران [التي تستهدف الجانب التركي]”، وفقاً لحمادة.

تعليقاً على ذلك، قال مصدر عسكري من “قسد”، شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول للحديث إلى وسائل الإعلام، أن “القيادات المستهدفة بالقصف التركي لا تتمتع بتأثير على المستوى التنظيمي أو الإداري أو العسكري لقسد”، لكن الضربات “تعيق حركة قيادات قسد وقواتها خشية الاستهداف”، وعليه “لا يتم تحريك القوات حالياً من دون مرافقة الحلفاء: الأميركان أو الروس، حسب المنطقة”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

أما بالنسبة لقيادات الصف الأول في “قسد”، “لهم ترتيبات أمنية خاصة، وغالباً لا يخرجون من مقارهم في القواعد الأميركية إلا للضرورة، ويكون ذلك برفقة دوريات أميركية”، وفقا للمصدر العسكري، مشيراً إلى وجود حالة من الإرباك والاستنفار لعدم القدرة على التعامل مع الطيران المسيّر “إلا بالطرق التقليدية العسكرية المعروفة، مثل النزول إلى المخابئ السرية أو التخفي والخروج من المناطق المستهدفة”.

ورغم محاولات “قسد” تكثيف جهودها “في مراقبة الأجواء ورصد الطيران الذي يحلق فوق مناطقنا”، إلا أن “الطيران المسيّر الذي ينفذ عمليات الاستهداف يصعب رصده نظراً لتطوره”، كما قال.

“نوع من التنفيس” 

قوبلت العملية العسكرية التركية المرتقبة ضد “قسد” برفض دولي واسع لا سيما من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، واللافت أن حليفي النظام السوري، موسكو وطهران، اتخذا موقفاً رافضاً للعملية.

ففي أعقاب “قمة طهران” التي جمعت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، اعتبر رئيسي أن “الخطوات العسكرية لا تحل الأزمة السورية”، بل تفاقمها. فيما اعتبر المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، أن “أي عمل عسكري في سوريا سيعود بالضرر على المنطقة بكاملها”، في إشارة منهما إلى العملية العسكرية التركية المرتقبة.

وبدورها، رفضت موسكو على لسان مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، العملية التركية بذريعة أنها “تنتهك سيادة الأراضي السورية ومبدأ التسوية السورية”، على حدّ وصفها. ومع ذلك، ما يزال خيار العمل العسكري “مطروحاً على الطاولة”، بحسب تصريحات أردوغان بعد القمة الثلاثية.

وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 21 تموز/ يوليو الماضي، أن بلاده “لا يمكنها البقاء مكتوفة الأيدي في سوريا”، مشيراً إلى أن أنقرة لم تأخذ الإذن من أحد لتنفيذ عملياتها ولن تفعل، وأن “العملية العسكرية ستنطلق بين ليلة وضحاها بشكل مفاجئ”.

استهداف تركيا لمناطق سيطرة “قسد” في شمال شرق سوريا “لم تتوقف منذ توقيع الاتفاقيات بين تركيا وأميركا وروسيا في العام 2019″، أي منذ الاتفاق الذي أفضى إلى وقف عملية “نبع السلام” العسكرية التركية، وفقاً لمحمود حبيب، الناطق باسم لواء الشمال الديمقراطي التابع لـ”قسد”، لكنها “تصاعدت منذ أيار الماضي وما تزال مستمرة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

واتهم حبيب أنقرة بتنفيذ “عمليات قصف عشوائي تستهدف الحاضنة الشعبية وتلحق الضرر الاقتصادي والمادي بهم، بهدف تهجير السكان وزيادة معاناتهم”. أصدرت 121 منظمة سورية بياناً، في 23 آب/ أغسطس الحالي، أدانت فيه “التهديدات والأعمال العدائية المتكررة في الشمال السوري”، وطالبت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بـ”الضغط باتجاه تثبيت وقف إطلاق النار في عموم المناطق السورية وضمان عدم انتهاك أي طرف لهذا الاتفاق، ومنع شنّ هجمات عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا من شأنها زعزعة الاستقرار في المنطقة”.

ونتيجة الرفض الدولي للعملية العسكرية التركية، “تستخدم أنقرة عمليات القصف المدفعي وضربات الطيران المسيّر، كنوع من التنفيس لحاضنتها الشعبية”، بحسب حبيب، لكنها “محاولات مفلسة لدولة تتخبط في سياساتها الخارجية والداخلية”، متهماً حزب العدالة والتنمية (الحاكم) بـ”استخدام دماء الأبرياء لرفع حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة”.

وبدوره، فسّر المتحدث الرسمي باسم “قسد” تصاعد وتيرة “الضربات الجوية المعادية” بـ”فشل تركيا في الحصول على ضوء أخضر من المجتمع الدولي لشنّ حملة احتلالية، وهو ما دفعها تكثيف ضرباتها، ما أدى إلى وقوع عشرات الجرحى والشهداء، بما فيهم قادة عسكريون يخططون لمحاربة الإرهاب يومياً”، على حد قوله لـ”سوريا على طول”.

لكن، المحلل العسكري أحمد حمادة لا يرى في الضربات الجوية التركية بديلاً عن العملية العسكرية البرية، متوقعاً عدم وقف تركيا عمليتها قبل أن تحقق أهدافها “في منع قيام كيان انفصالي وطرد قسد من المنطقة الحدودية”.

تعامل “قسد” مع التطورات

في 18 آب/ أغسطس الحالي، أعلنت “قسد” تنفيذ ثلاث عمليات في مواقع حدودية تابعة لمدن: أورفا وغازي عنتاب وماردين التركية، رداً على التصعيد التركي ضدها، متوعدة بمواصلة عملياتها ضمن ما أسمته “حق الرد المشروع” في حال استمرار أنقرة في عملياتها.

قبل ذلك، نشرت مجموعات إخبارية محلية موالية لـ”قسد” تسجيلاً مصوراً يظهر استهدف قاعدة عسكرية تركية في مناطق الجيش الوطني، من قبل “قوات تحرير عفرين”، وهي مجموعة عسكرية كردية، تتهم بتبعيتها  لـ”قسد” رغم عدم إعلان المجموعة عن تبعيتها لأي جهة.

وسعياً لحماية مناطق نفوذها من هجوم تركي مرتقب، أعلنت “قسد” في تموز/ يوليو الماضي عن تحالف مع النظام السوري، ونتج عن الاتفاق إنشاء غرف عمليات عسكرية مشتركة بين الجانبين، وإدخال عناصر لقوات النظام إلى مناطق سيطرة الأكراد لمنع أي هجوم تركي.

وعزا آرام حنا، المتحدث الرسمي باسم “قسد” تحالف قواته مع دمشق إلى أن “قوات سوريا الديمقراطية هي قوى وطنية دفاعية تشكلت من أبناء شمال شرق سوريا لحماية أنفسهم وأرضهم التي حررتها من تنظيم داعش الإرهابي، لكن ذلك لا يخولنا للحصول على مضادات جوية ووسائط دفاع جوي”. وعليه “اتخذنا خطوات وإجراءات دفاعية من شأنها ردع تقدم قوات الاحتلال ومرتزقتها بما في ذلك التوصل إلى توافقات عسكرية مع حكومة دمشق”.

أما في إطار ترتيب بيتها الداخلي، أوعزت “قسد” إلى عناصرها بشكل “شفهي” تجنب التنقل بمجموعات كبيرة، مع ضرورة ارتداء الزي المدني أثناء التنقل، إضافة إلى تجنب التنقل بسيارات الدفع الرباعي (بيك اب) لمنع رصدهم من الطيران التركي، خاصة أن هذه السيارات معروفة باستخدامها لأغراض عسكرية من قبل “قسد”، بحسب ما نقلت جريدة “عنب بلدي”، في 9 آب/ أغسطس الحالي، عن مصدر في “قسد”.

وأصدرت “قسد” تعميماً داخلياً تمنع عناصرها من استخدام الهواتف المحمولة بأنواعها الحديثة والقديمة، تحت طائلة الغرامة والسجن، بسبب “خطورة هذه الأجهزة الإلكترونية في المجال العسكري، إذ يستخدمه العدو لتحديد الأهداف”. استثني يوم الجمعة من هذا القرار، على أن يُسمح للمقاتلين استخدام الهواتف المحمولة فيه لمرة واحدة فقط.

وكانت الإدارة الذاتية، أعلنت في مطلع تموز/ يوليو الماضي، حالة الطوارئ في مناطق نفوذها شمال وشرق سوريا، بسبب “التهديدات” التركية لشمال شرق سوريا.

ومع تزايد العمليات ضد قادة قوات سوريا الديمقراطية وعناصرها في الآونة الأخيرة، أطلقت “قسد” حملة ضد من وصفتهم “الجواسيس والعملاء”، إذ كشفت في 26 تموز/ يوليو الماضي عن اعتقال ثلاثة “جواسيس” رجل وامرأتان، عملوا في أنشطة تجسس لصالح أنقرة في شمال وشرق سوريا، ما تسبب بمقتل قياديين تابعين لـ”قسد” بغارة تركية استهدفت مقر العلاقات العسكرية لمجلس تل تمر العسكري في آب/أغسطس 2021.

وفي 31 تموز/ يوليو الماضي، أعلنت “قسد” عن عملية “القسم” ضد الجواسيس والعملاء في تسع مناطق خاضعة لسيطرتها، نتج عنها اعتقال 36 شخصاً، مشيرة إلى أن هؤلاء تسببوا بمقتل 11  عنصراً من قواتها.

واتهم حنّان أنقرة بمحاولة “خلق حالة من الفوضى وانعدام الأمان” في مناطق سيطرة “قسد” بهدف “تقويض جهود قواتنا العاملة في مكافحة الإرهاب، الذي كان تركيا داعماً بارزاً لنشاطاته”.

شارك هذا المقال