4 دقائق قراءة

طبيب سوري يستبدل “رفاهية أوروبا” بالعيش تحت القصف خدمة لأبناء وطنه

منذ العام 2011، غادر سوريا أكثر من 15 ألف عامل […]


15 نوفمبر 2015

منذ العام 2011، غادر سوريا أكثر من 15 ألف عامل في المجال الصحي. ووفقا لمجموعة أطباء من أجل حقوق الإنسان، فإن ألفي طبيب كانوا في مدينة حلب قبل الحرب، بقي منهم الآن أربعين فقط. وفي الغوطة الشرقية كان عدد الأطباء ألف طبيب، والآن لا يتجاوزون الثلاثين، حسب تقرير للمجموعة نشر في أيار من عام 2014.

وكانت أطباء من أجل حقوق الإنسان، وثقت ما وصفته بـ”الهجمات الممنهجة على المنشآت الصحية”. ففي العام 2014 وثقت مقتل عامل في مجال الصحة كل يوم.

وفي نفس السياق، قصفت الطائرات الروسية ثلاث منشآت طبية في نهاية أيلول الماضي، في آخر قصف استهدف منشآت طبية في سوريا.

ويعتبر عمل الأطباء في ظل قصف الطيران الروسي وقصف النظام، والاشتباكات الدائرة يوميا صعبا جدا، ويهدد حياة الكثيرين منهم، وصنف النظام السوري جميع الأطباء، وجميع من يعملون في مجال الصحة في مناطق سيطرة الثوار بأنهم إرهابيون وخونة. ويواجه الكادر الطبي المخاطر من جميع الاتجاهات، وهذا ما جعل عمل أحد الأطباء في مشفى تلبيسة المركزي عملا غير اعتيادي.

وبعد أن عمل وعاش “حياة رفاهية” لمدة 26 عاما في دولة أوروبية، نازعه حب الوطن، فعاد إلى سوريا ليكون بين أهله في محنتهم. وقال الطبيب الذي رفض الكشف عن هويته، “في البداية كنت ضد الثورة، لكن عندما بدأ القتل ورأيت المتظاهرين في تلبيسة، تغير موقفي”. وهنا ما دار بين خلود الشامي، مراسلة سوريا على طول، مع الطبيب المتواجد في مشفى تلبيسة المركزي.

ما هو الحدث الذي دفعك للعودة إلى سوريا؟

كنت آتي إلى سوريا لزيارة الأقارب مرتين في العام، ولكن زيارتي الأخيرة كانت بعد بدء الأحداث بثمانية أشهر. عندما رأيت الدبابات في الشوارع لم أصدق المشهد، لأتفاجأ بعد فترة بأني، أنا واثنين آخرين، الأطباء الوحيدون في المنطقة ليكون بذلك سبباً كافياً لأقوم بواجبي اتجاه بلدي.

ما هي الصعوبات التي واجهتك خلال إقامتك الحالية على اعتبار أنك مستقر خارج سوريا منذ 26 عاما؟

كان اختلاف مستوى المعيشة أحد أهم الصعوبات التي واجهتني في البداية، فالفرق شاسع من أن أكون قد اعتدت على العيش الآمن حيث كل شيء متوفر، والآن أعيش تحت قصف ونقص في جيع مقومات الحياة التي تعتبر حقاً طبيعياً لأي إنسان وليست منة من أحد. في المدينة أصبح كل شيء غال ما عدا الإنسان وروحه فهي أرخص شيء.

 ما الذي كنت تتوقعه قبل مجيئك الأخير إلى سوريا؟ وما الذي وجدته على أرض الواقع؟

بالتأكيد لم يخطر ببالي أن الناس قد تموت بهذا الشكل، ولكن الواقع أن الموت هو أسهل طريق وأكثر شيء متوفر وبالنسبة لما تبقى فهو صعب المنال.

ما الذي اختلف عليك كطبيب على مراحل سنوات الثورة وإقامتك في حمص؟

في البداية مظاهرات وبعدها بدأ القتال من ثم خطفت الثورة. حاولت ونجحت أن أبقى في مجالي كطبيب فقط دون الالتفات إلى أمور أخرى، وها أنذا أعمل في مشفى تلبيسة المركزي إلى جانب عملي كطبيب أطفال أقوم بمعالجة كافة الحالات التي تستقبلها المشفى بسبب قلة الأطباء الموجودين فيها.

برأيك ما الذي يدفع طبيب يقيم خارج سوريا إلى العودة إليها بعد اندلاع الحرب فيها؟

بالنسبة إلى كشخص تتوافر لديه كل مقومات الحياة الكريمة والرفاهية. في الدولة حيث كنت أقيم منحت الجنسية إضافة إلى مرتب مكنني من امتلاك منزل في أرقى المناطق، لكن انتمائي إلى وطني الأم سوريا والمشاهد اليومية لأطفال مرضى دون طبيب أيقظ شعوري بضرورة أداء واجبي الوطني والمهني.

ما هي الحالات التي صادفتك خلال عملك في سوريا وتركت في نفسك أثراً؟

أكثر ما بات يؤلمني هي إصابات القصف حيث الأطراف مقطعة، والرؤوس مهشمة، وأطفال لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في سوريا. أحدث هذه الحالات عائلة ابن عمي المتواجد في السجن، حيث تم قصف مكان تواجد عائلته، ما ادى الى إصابة طفليه فتوفي أحدهما على الفور، وعند سعينا لإسعاف الطفل الآخر إلى مدينة حمص لإجراء صورة طبقية محورية، والتي تحتاج إلى جهاز نفتقده في تلبيسة ذهبت والدته لإحضار هويتها من اجل إبرازها عند مرورهم على حاجز النظام، عادت لتفهم من دموعي أن طفلها الآخر قد فارق الحياة.

وفي حادثة أخرى عندما أتت إلى المشفى حالة امرأة حامل في نهاية فترة حملها كانت قد أصيبت بقذيفة أودت بحياتها وسرعان ما تحرك الجراحون واستطاعوا إخراج الجنين، وكان طفلة وتمت تسميتها أمل وهي بصحة جيدة.

هل تغير موقفك اتجاه ما يحدث في سوريا منذ بداية الأحداث وحتى الآن؟

في الوقت الذي كنت أقيم خارج البلاد وعند مشاهدتي لمظاهرات درعا على التلفاز كنت ضد الثورة، لكن عندما بدأ القتل ورأيت المظاهرات في تلبيسة التي أنتمي إليها بدأ موقفي بالتغير. في الوقت الذي تم فيه الاقتحام الأول للمدينة كنت اتابع عائلتي لمعرفة ما يجري، فقررت الرجوع إلى سوريا لشعوري بنوع من الخيانة، فأنا أتمتع برفاهية وأهلي يعيشون في أصعب الظروف. عند عودتي في الشهر الثامن من الثورة كنت المسؤول عن الحضانة في المشفى الميداني، وبدأت اعمل بالمجان في عيادتي، وبقيت على هذه الحال حوالي السنة إلى أن أتت لحظة تحرير تلبيسة الذي تم خلال ثلاثة أيام وتلاها القصف الجنوني للنظام بجميع أنواع الأسحلة. نزحت مع عائلتي إلى مزرعتي القريبة من المدينة حيث قمت ومجموعة أطباء بإنشاء مشفىً آخر، وبدأنا بالعمل كجراحة وعيادات لفترة خمسة أشهر. قررت العودة إلى تلبيسة حيث أسست المشفى الحالي والعيادات، والذي يضم أكثر من قسم وتبلغ سعته الإجمالية 370 مريضا.

شارك هذا المقال