7 دقائق قراءة

طبيب معتقل سابقا: السجناء يريدون الموت فقط ليتخلصوا من آلامهم

لا يقل عدد المعتقلين في سوريا عن 215 ألف معتقل، […]


19 أغسطس 2015

لا يقل عدد المعتقلين في سوريا عن 215 ألف معتقل، منذ بداية الأحداث في العام 2011، حسب ما أفادت به الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها نشر أواخر العام 2014.

ووفقا  لتقرير نشر في آذار من العام 2015، للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن ثلاثة عشر ألفا من هؤلاء المعتقلين ماتوا في السجون، وهؤلاء تم توثيقهم بالاسماء، ولكن ما لم يوثق يعتقد أنه أكثر بكثير.

وفي السياق ذاته، يعتبر الأطباء والكوادر الطبية المتهمين الأساسيين في معالجة الثوار، ويتم اعتقالهم فورا لأي سبب كان.

سهيل النشواتي، طبيب أمراض جلدية، من حمص، والمتهم بمعالجة الثوار في حمص، وكان يعمل في عيادة في دمشق عندما اعتقلته قوات النظام.

وفي مقابلة أجرتها معه نها الشعبان، مراسلة سوريا على طول، قال الطبيب: اعتقلت في الرابع من نيسان من العام 2012، بتهمة تقديم المساعدة الطبية والدعم لهؤلاء الخارجين عن القانون، الثوار.

إلى ذلك، أمضى النشواتي سنتين متنقلا من سجن إلى آخر إلى أن أطلقت سراحه المحكمة المدنية، ووضعته تحت الإقامة الجبرية في منزله. استطاع الطبيب عندها الهرب إلى تركيا، ومن ثم إلى الأردن. ويعيش الطبيب ويعمل في الهلال الأحمر الأردني، وأطباء بلا حدود كمدرب متطوع.

– متى تم اعتقالك؟ ما هي التهمة؟ وأين تم اعتقالك؟

التهمة المبدئية: خدمات طبية ومساعدات دوائية لافراد واسر الخارجين عن القانون، وبعد التحقيق وصلت الى 11 تهمة.

تم الاعتقال في الرابع من نيسان 2012، من منزلي دمشق ضاحية قدسيا وكان افراد اسرتي معي تم استجوابهم بعضهم، فيما هرب بعضهم الآخر. وايضا سائقي تم اقتياده وتم اعدامه مباشرة أمامي من قبل رئيس الفرع.

– كيف اعتقلوك وكيف عاملوك؟

تمت المداهمة للمنطقة التي اقطن بها، وذلك بالتعاون مع مرشد، والمداهمة كانت مؤلفة من اكثر من 100 عنصر لاعتقادهم انني ادير اجتماعات مع شباب جامعيين لمساعدة اهالي الخارجين عن القانون.

 اما عن المعامله  فحدث ولا حرج؛ فأنا  لم أصل إلى الفرع إلا وكل اعضاء جسدي محاطة بالدماء وعدة كسور بينها كسر بالجمجمة. واثناء التحقيق والتعذيب كنت افقد الوعى واستيقظ بالصدمات الكهربائية بإشراف رئيس الفرع شخصيا العميد محمد رحمون. وعند استراحتهم وانا مقيد مغمض العينين، وعار تماما كانوا يطفؤن السجائر بمقعدي.

وأجلسوني بعجلة السيارة تسمى (الدولاب) ومنع عني الطعام والشرب تماما.

– هل كنت تستطيع التواصل مع أهلك خلال فترة السجن؟ وهل كان لهم علم بمكان اعتقالك؟

بالافرع طبعا شبه مستحيل، اما في عدرا نعم كان يسمح بالزيارت كل اسبوع زيارة واحده فقط، وكانت اختي  الصغرى تزورني فقط بعد ان هربت كل عائلتي خارج سوريا. اهلي لم يعلموا بمكان اعتقالي الا بعد اربع شهور من خلال شخص تم الافراج عنه وذهب لصديقي ومنه لاهلي اللذين تواروا عن الأنظار ريثما تم خروجهم من البلاد.

– هل تم سجنك بالمخابرات الجوية مباشرة؟ او نقلت من مكان لآخر؟

نعم تم سجني بالمخابرات الجوية مباشرة وكان بانتظاري رئيس الفرع ونائبه العميد سليم داغستاني وعناصر التحقيق (التعذيب).

ثم بعد ذلك تم  نقلي من الجويه الى سجن مطار المزة العسكري  لكسر (نقض) قرار المحكمة الميدانية بتاريخ 1/6/2013، ثم بعد يومين الى المحكمة العسكرية حيث تم تجريمي ومباشرة الى الشرطة العسكرية وثم سجن عدرا المركزي حيث تعتبر المعاملة خمس نجوم بالنسبة الى الافرع. وذلك طبعا لانني خرجت بالواسطة والمال، وغيري عندما يحولون لسجن مطار المزة يتم اعدامهم اذا لم يعدموا بالفرع (يعني لما لم يعد ينفع لشئ بوجهة نظرهم).

– كيف كانت المعاملة داخل السجن؟

بالافرع اسوأ من السيء وبعد أن توليت منصب الطبابة بتكليف من رئيس الفرع بعد ان عالجته واصبحت العلاقة وطيدة كان الجميع يخاف على نفسه مني لكي لا انقل ما يجري في الزنزانات ومن سرقات لاني كنت ارى الكثير.

يعني يكون التحقيق منتهي ومجرم بالافعال او لما يأخذون كل معلومات حول الجيش الحر او عندما ينتهى من اعمال حفر الخنادق يتم تصفيته او مثلي لايوجد احد يهتم بالطبابة.

– هل هناك أسرّة للمعتقلين؟

بالافرع العسكريه طبعا لا، و كنا نجلس فوق بعضنا  او نتناوب على الجلوس، وبالكاد كان الشخص فينا يستطيع، اما في سجن عدرا فنعم كان هناك اسرة  عددها 38 وكان الاقدميه لهم الحق بها وكان عددنا في الزنزانه 80، ومن كان يريد سرير كان يدفع لصاحب السرير السجين القديم كي يستطيع النوم عليه.

– كيف هو الطعام بسجن المخابرات الجوية؟ كم وجبة يوميا؟

وجبة واحدة يوميا فقط عبارة عن نصف رغيف او رغيف على الاكثر وحفنة من الرز او البرغل تقريبا 50 غرام واحيانا برتقالة اوتفاحة لكل 5 اشخاص على الاقل.

وكانت الاحذية توضع فوق الوجبات لاهانتنا، وتوضع بالتواليت مدة ايضا، ولو صدر اي صوت من الغرفة يحرم الجميع من هذه الوجبة الثمينة التي يتم انتظارها بفارغ الصبر.

– هل كان هناك تعذيب؟ ما هي الطرق المستخدمة؟

طبعا، وبالاخص خلال فترة التحقيق، وعندما يتم الهجوم من الجيش الحر على الفرع كانوا ينتقمون من السجناء ويضعوننا دروع بشرية.

او يتم شبحنا اي تعليقنا من ايدينا بحيث لا تصل اقدامنا للارض لساعات طويله، وممكن لايام، واحيانا يضعون ايدينا خلفنا بحيث نبقى على رؤوس اصابعنا فقط لانتزاع المعلومات عن الثوار بالخارج. بالنسبه لي تم تعليقي لمدة 26 يوما بالجويه بدون طعام او شراب الا القليل القليل. كانت حياة الانسان لا قيمه لها. 

– هل هناك رعاية صحية؟ كيف هي نظافة السجن؟

لا يوجد اي رعاية صحية وان وجدت فبالكاد، كان هناك فقط بعض المعدات وكنت استخدمها للعمليات الاسعافيه والخياطه بدون اي مسكنات.

 أما النظافه فهي معدومه تماما، طبعا هذا في داخل زنزانتي بعدرا، اما في الجويه فكل ذلك لم يكن موجودا فقد انتشرت كل انواع الامراض الجلديه الناجمه عن قلة النظافه والاحتكاك والاهمال الطبي جراء التعذيب كالقمل والجرب بانواعه (الرأس والجسد والعانة والثياب).

وهناك بعض الأمراض لأول مرة اراها، وبصفتي طبيب جلدية لم اعرف حتى اسماء هذه الامراض لانني اول مره اراها في المعتقل.

– كم شخص بالحجرة الواحدة؟

هناك حجرات مساحتها لا تزيد عن المترين، وتسمى المنفردة، كان يوجد بها 16 شخصا،  

وزنزانة للنساء مساحتها بين ثلاثة واربعة امتار تقريبايوجد بها 100 امراة. 

وهناك غرفة واحدة مساحتها عشرة امتار تسمى التنفس، هي الوحيدة المفتوحة على السماء مباشرة ضمن اسلاك شائكة وكنت رئيس الغرفة، وتحوي بحدود 300 شخص، هي المفضلة لانه يمكن للسجين ان ينام على جانبه.

– ما هي تهم الموجهة للسجناء الاخرين؟

حيازة سلاح، التعامل مع ارهابيين، تنسقيات النيل من هيبة الدولة، مقاومة مسلحة، قائد او عنصر مجموعة ارهابية، او جميع التهم موجودة، وهناك عدة حوارات كانت مع رئيس الفرع بالنسبة لي.

هل الجميع على علم بالتهم الموجهة اليهم؟ ام هناك من لا يعرف سبب وجوده بالسجن؟

كلا ايحاءات من خلال التحقيق ويتم التوقيع والبصم دون ان نرى اي شئ مكتوب،

طبعا لا احد يعلم ويجلبون الناس من خلال تشابه اسماء او عابر طريق او لان شكله لم يعجبهم  وما أكثر هذه الحالات.

– كيف كانت حالتك النفسية داخل السجن؟

بداية اثناء التحقيق معدومة تماما، ولاحقا اصبحت الاقوى بين الجميع، لانني وجدت نفسي من كبار السن الموجودين والشباب بحاجة لمن يقف بجانبهم نفسيا، وكنت اساعد الجدد بعدم اعترافهم بأي شي، ويتحملون التعذيب لكي يكون لديهم فرصة بالنجاة وبمساعدة محقق، ربي يوجه له الخير، للاسف لا استطيع ذكر اسمه لانه كان يدعمنا خفية ويبلغني ما يحصل ولغاية الآن اتواصل معه.

– بماذا كنت تفكر؟

بأولادي  وزوجتي دائما وبالطعام وكيفية الهروب، وكنت انسق مع الجميع لكي ننتظر الفرصة مع ان نسبة النجاح معدومة لكون السجن محصن، ويوجد بالخارج الفرقة الرابعة المعروفة التابعة لماهر الاسد، وكانوا يقتلون كل شخص يشتبه به من بيننا.

– ماذا عن الحالة النفسية للسجناء الاخرين؟

سيئة ومحبطة للغاية، ولقد نظمت لهم عدة برامج داخل السجن لكي ارفع من معنوياتهم، ولقاء شخص مثلا وسؤاله امام الجميع بعيدا عن السياسة والطائفية (حرصا من العواينية، المرشدين)، وتم توقيف البرنامج كذا مرة، لكن كنت اخد اذن من رئيس الفرع بحجة انني اخمد ما بداخلهم، وكان اسم البرنامج (يوميات سجين)، وايضا برنامج اخر كل مدة اسمه كشف المستور، شكليا يوحي عن الذين يسرقون الخبز او بعض الطعام اما باطنيا عن الذين ينقلون الاخبار للمحققين ليتم وضعهم بالمنفردة والخلاص منهم.

– كيف كانت العلاقة بين السجناء داخل المخابرات الجوية؟

اكثر من اخوة لاننا ننتظر كل شخص حتفه، وهذا لايمنع وجود بعض الاشخاص المنتفعين لكن قلائل ينقلون الاخبار الى المحققين، ويتم تعذيب المرشد عليهم لكن يعرف الفاعل ونحن نحاسبه بطريقتنا.

نوعا ما اجمالا كلهم مضطهدين، ومعاقبين وكلهم يتلقون نفس المعاملة، الا بعض السجناء  كانوا مرشدين  ومهمتهم نقل اخبارنا الى المحققين، ويمكن اعادة فتح التحقيق مع شخص منتهي معه التحقيق، اذا اخبر المرشد الضابط بأي اخبارية عنه.

– كيف تم اطلاق سراحك؟ – متى تم اطلاق سراحك؟

من خلال علاجي لرئيس الفرع بمرض جلدي مزمن وتم توطيد العلاقة، وقد غير وجهة المحكمة الميدانية الى محكمة اخرى لكي استطيع توكيل محام لان المحكمة الميدانية تحاكم المعتقل بناء على المكتوب بالمحضر فقط دون الرجوع له، واحكامها غالبا بالاعدام. وذلك طبعا مقابل مبلغ مالي كبير ولايستطيع حتى رئيس الفرع اخراج شخص من الفرع بعد رفع اقواله الى الادارة وتعرفت عليه بعد رفع ملفي. تم اطلاق سراحي في الحادي عشر من شباط 2014، لكني بقيت يومين آخرين لاني كنت مطلوبا لافرع امنية اخرى، وبنفس الطريقة المالية تم اخفاء الملف ريثما اغادر البلد.

– ماذا تشعر الان حول تجربة السجن في المخابرات الجوية لمدة عامين؟

ولادة جديدة، واننا كم كنا موهومين بهذا النظام الذي لايمت للانسانية بصلة، واشعر بأنني لا أفي بوعدي تجاه زملائي القابعين في ظلمات السجون الذين يتمنون الموت ويحسدون الشهيد، وهأنا الان ممكن افي بجزء بسيط من وعدي بتواصلي معكم لانقاذ ما تبقى من زملائي وايصال صوتهم الى كل العالم من خلالكم. وارجو ان تستطيعوا فعل اي شيء لمن تبقى منهم على قيد الحياة.

هذه باختصار بعض الاجابات على اسئلتكم ولكن مازال في جعبتي الكثير الكثير لاخبركم به وملفات كثيرة لخدمة هؤلاء المعتقلين كي لا ننساهم.

– منذ متى خرجت؟

منذ سنة خرجت تحت المحاكمة والإقامه جبرية، وحجزت اموالي ومنعت من مزاولة اي مهنة وحتى حمل جواز سفر، وبعد ذلك استطعا بمساعدة اشخاص الخروج لتركيا، ثم إلى العراق،  ومن ثم اتيت الى هنا والتزمت الصمت.

شارك هذا المقال