4 دقائق قراءة

طفلة صغيرة تعتقل بدلاً عن أبيها وتعاني ما بعد سجنها صدمة التعذيب والاغتصاب الجماعي

داهمت قوات الأمن منزل جد سلام، ذات الاثني عشر ربيعاً، […]


23 فبراير 2017

داهمت قوات الأمن منزل جد سلام، ذات الاثني عشر ربيعاً، في جنوب درعا بحثاً عن والد الفتاة. وفي ذلك الوقت في تشرين الأول في عام 2012،  كان الأمن يقتحم المنازل عشوائياً ويعتقل الرجال في درعا، وحين لم يجدوه، اعتقلوا سلام بدلاً عنه.

وأمضت  سلام  خمسة وأربعين يوماً في سجن درعا. وتم إطلاق سراحها حين سلم والدها نفسه،  وقالت والداتها أنها كانت في صدمة مما شهدته.

وكان جسد الفتاة مثخناً بالرضوض، ولم تكن تستطيع أن تحرك كتفها، وفق ما قالت أم سلام لمراسلة سوريا على طول ياسمين العلي، بالإضافة إلى “التّشوه الكبير في وجهها نتيجة ضربها على فكّها السّفلي وتهشمه”.

وأثناء اعتقالها تم اغتصابها جماعيا من قبل 11رجلا وضربها.

وبعد إطلاق سراحها من السجن “كانت ترفض التحدث مع أي أحد”، بحسب ما قالت والدتها.

سلام، واحدة من 1400 طفل على الأقل اعتقلتهم السلطات السورية منذ عام 2011، وفقاً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش (مراقبة حقوق الإنسان).

وجاء في التقرير أن “قوات الأمن تلاحق نشطاء معينين لاعتقالهم، فإن لم يكونوا في منازلهم، تعتقل أفراد العائلة، بمن فيهم الأطفال بدلاً عنهم”.

رسم مريام سلامة. حقوق نشر الصورة للذاكرة الإبداعية للثورة السورية

وبعد مرور أكثر من أربعة أعوام، تقيم سلام في الأردن، وتزور مرشدتها النفسية لجين غلاونجي، التي تقول أنها تعاملت مع حالات أطفال كثيرة مشابهة لسلام، وتحدثت ياسمين علي مع غلاونجي بعد استئذان أم سلام.

وقالت غلاونجي أنه “يجب أن يتم التعامل مع أي طفل تأذى أثناء الحرب على أنه طفل طبيعي كباقي الأطفال وإعطائه الثقة بنفسه وأن يثق بك أيضاً ويعلم بأن ذلك العلاج من أجله هو فقط وليس من أجل العمل”.

 

  • والدة سلام، 36عاماً.

 

ما الذي حدث ليلة اعتقال سلام؟

في أحد أيام شهر تشرين الأول الأسود، بالنسبة لسلام، عام 2012 حوالي الساعة الثالثة صباحاً تمّ مداهمة بيت جدّ سلام لإلقاء القبض على والدها، إلا أنهم لم يجدوه وسألوا عنه فأجبتهم بعدم معرفتي عن مكانه وذلك لأني كنت مقيمة في بيت عائلتي بسبب خلافات مع والد سلام، فتمّ أخذ ابنتي كرهينة إلى أن يسلّم والدها نفسه.

حاولت محاورتهم وإقنعاهم بأنها طفلة وليس لها أي ذنب، وتدّخل الكثير من الناس إلا أن تلك المحاولات والتّدخلات كلها باءت بالفشل.

كيف كان وضع سلام بالمعتقل؟ وما هي المدة التي قضتها؟

اعتقلت سلام لـ 45 يوماً من قبل اللواء 52، إلى أن قام والدها بتسليم نفسه، وخلال هذه الفترة تعرّضت سلام للتعذيب والضرب والإهانة بشكلٍ كبير ولا تزال آثار التعذيب تلك واضحة على جسد ابنتي مع بعض التشوهات، إضافةً إلى أنه تمّ اغتصابها من قبل 11 شخصا.

(قالت أم سلام أن زوجها، الذي سلم نفسه إلى السلطات بعد 45 يوما، توفي في السجن فيما بعد).

كيف كانت حالتها النفسية والجسدية عند خروجها من المعتقل؟

كانت حالتها سيئة جداً، لدرجة أنها لم تعرفني في البداية، وخائفة دائماً وترفض التحدث مع أي أحد، وجسدها مشوه من كثرة التعذيب.

هل أخذتها إلى أي مركز للعلاج؟

بعد خروجها مباشرة أخذتها الى دمشق وأجريت لها عملية في المهبل نتيجة اغتصابها مراراً وتكراراً ، ثم سافرت معها إلى الأردن بتاريخ  15/1/2013 واستمريت بعلاجها الفيزيائي.

هل استجابت سلام للعلاج الفيزيائي؟

رفضت سلام في البداية الذهاب لأي مركز للعلاج فيزيائياً وذلك بسبب خوفها من الخروج لأي مكان إضافة لعدم ثقتها بأحد، فاستعنت بالعديد من الأطباء والمرشدين النفسيين لإقناعها.

كتفها لم يتعافى تماماً، وما تزال تخضع للعلاج الفيزيائي. وتحتاج عملية جراحية لفكها، فهي لا تستطيع مضغ الطعام. لكن العملية تكلف حوالي 30 ألف دينار أردني.

هل لك أن تصفي حالتها النفسية الآن؟

حالة سلام النفسية الآن جيدة فهي أفضل مما كانت عليه، لكن التّشوه الكبير في وجهها نتيجة ضربها على فكّها السّفلي وتهشمه انعكس على حالتها النفسية سلباً.

وهي تخاف من سيارات الإسعاف ومراكز الأمن، فحين ذهبنا إلى مركز الأمن للحصول على الهوية الأمنية، كانت فزعة وصارت تصرخ.

ولكن حتى بعد أربعة سنوات سلام لم تحك لي كل شيء، ليتها تحكي لي كل شيء لأرتاح، وترتاح. أشعر أنها عجوز، حين أنظر لها وأرى وجهها أحس بأنها أكبر مني.  

  • لجين غلاونجي، منسقة برامج الأردن ( كفالات أيتام، دعم نفسي) في مؤسسة زكاة الأمريكية، وهي طالبة دراسات عليا في الجامعة الأردنية تخصص العمل الاجتماعي والإنساني، وتشرف على حالة سلام النفسية منذ عام 2015.

حين قابلت سلام لأول مرة كيف كان انعكاس الصدمة النفسية التي اختبرتها على حالتها؟

عانت سلام، من الكثير ففقدت الثقة بالجميع وخصوصاً الذكور، وللأسف عرفت أشياء كثيرة بعمرٍ مُبكر، إضافة إلى فقدانها ثقتها بنفسها حيث كانت تقول دائماً “شكلي مو حلو” وذلك نتيجة التعذيب الذي تعرضت له، ورفضها الخروج من المنزل، رفضها للعلاج، فما حدث معها جعلها انطوائية ومنعزلة عن الآخرين.

كمرشدة نفسية لها، هل لاحظت تغيرا في سلوك سلام خلال الجلسات، هل بدأت بالانفتاح على الآخرين والوثوق بهم؟

من المؤكد أنني واجهت صعوبات في التعامل معها فهي لم تثق بي ولم تتحدث معي في البداية، فالحالة التي تعرضت لها سلام جعلتها لا تثق بأحد، إلا أن زياراتي الكثيرة وحديثي معها جعلني أتقرب منها وأعتبرتها صديقتي، تحدثت معها عن دراستي وعملي حتى وإن لم تحب، وصفت لها المدرسة وكيف تستطيع أن تصبح شخصية ذات أهمية، رسمت لها الواقع كما تحب أن تراه وأعطيتها الثقة بنفسها والأهم من ذلك تعاملت معها على أنها طفلة عاديّة لم تتعرض لشيء.

عندما تقربت من سلام أكثر اصطحبتها إلى العديد من أعمال التطوع، وتركتها تتعامل مع الأطفال بمساعدة متطوعة أخرى  فهذا جعلها تثق بتفسها أكثر وتحب التعامل مع الآخرين أكثر.

هل يمكن أن تصفي حالتها النفسية الآن؟

حالتها الآن افضل نسبياً مما كانت عليه، لكن ما زالت تعاني من بعض الأعراض الجسدية فهي  بحاجة لعملية جراحية بفكها السفلي تكلّف حوالي 30 ألف دينار.

ما عدد الحالات التي قمت بمعالجتها؟ وكيف تساعدينهم في تجاوز الصدمات التي مروا بها؟

قمت بمعالجة حوالي 100 طفل حالتهم مشابهة لحالة سلام. يجب أن يتم التعامل مع أي طفل تأذى أثناء الحرب على أنه طفل طبيعي كباقي الأطفال وإعطائه الثقة بنفسه وأن يثق بك أيضاً ويعلم بأن ذلك العلاج من أجله هو فقط وليس من أجل العمل؛ فالأطفال في نهاية الأمر هم الأمل لمستقبل سوريا.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال