6 دقائق قراءة

عائلة سورية لاجئة في العاصمة الأردنية تعيش متوارية عن الأنظار لمخالفتها القانون

نادراً ما تغادر أم أحمد الحلبي الشقة القديمة التي استأجرتها […]


بقلم آيه عماد

13 سبتمبر 2017

نادراً ما تغادر أم أحمد الحلبي الشقة القديمة التي استأجرتها أسرتها في أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة الأردنية “عمان”، فحتى الرحلة إلى السوبر ماركت يمكن أن تكون سبباً بملاحقتها من قبل الشرطة، والقبض عليها، كما تقول.

تقول أم أحمد البالغة من العمر 32 عاماً، لسوريا على طول، في مقابلة من مسكنها في عمان “أمضي ليلي ونهاري في المنزل… وأخاف جدا من مغادرته”، وفي حال خرجت عليّ أن أجيب على الأسئلة التي يطرحها علي الناس في الخارج.

تقضي أم أحمد، وهي أم لطفلين: جود (عامان)، و أحمد (5 أعوام)، وقتها في رعاية أولادها، ويعاني جود، ابنها الأصغر، من التليف الكيسي، ويتطلب العناية المستمرة من أم أحمد في حين أن زوجها، وهو لاجئ قانوني مسجل لدى المفوضية، يعمل لتلبية احتياجات الأسرة.

وُلد جود في الأردن، ويعتبر مقيماً بشكل قانوني في البلاد، أما أحمد، الذي كان عمره عامين فقط عندما عبر هو وأمه الحدود الأردنية في عام ٢٠١٤، وضعه كوضع أمه، لا يسمح له بالعيش في عمان من قبل السلطات المحلية.

تستضيف الأردن حالياً ما يقدر بـ ١.٤ مليون لاجئ سوري، فرّوا من منازلهم خلال الحرب المستمرة منذ سبع سنوات تقريباً، وفقاً لتقديرات رسمية صادرة عن الحكومة، ويعيش حوالي ٢٠٠ ألف سوري في مخيمات اللاجئين في شمال البلاد، ويتطلب دخولهم وخروجهم إذناً خاصاً، أما الغالبية المتبقية تعيش في المدن الكبرى وضواحيها في الأردن، كأم أحمد.

أم أحمد، واحدة من بين ٣٥ ألف لاجئ سوري مسجل، يعيشون بشكل غير قانوني خارج مخيمات اللاجئين، ودون بطاقة اللاجئ الصادرة عن الحكومة الأردنية، والتي تسمح لهم بالإقامة في عمان، ولا تستطيع أم أحمد وابنها الأكبر الاستفادة من برامج الرعاية الطبية الذي تدعمه الحكومة، ويستفيد منه اللاجئون الآخرون، كما أن أحمد لا يستطيع الذهاب إلى المدرسة، ولا التنقل بحرية، وفي حال ألقت الشرطة الأردنية القبض على أحمد وأمه سيتم إعادتهما إلى أحد مخيمات اللاجئين في الأردن.

مخيم الزعتري للاجئين في آذار٢٠١٧. تصوير: توماس كويكس.

واليوم، تقف أم أحمد كغيرها من آلاف اللاجئين السوريين الآخرين الذين يعيشون خارج المخيمات، بشكل غير قانوني، أمام خيارين: الأول، العيش متوارية عن الأنظار وتجنب خطر الاعتقال، أو العودة إلى مخيم الزعتري للاجئين، والخضوع لعملية قانونية معقدة يمكن أن تقسم العائلة إلى قسمين.

وفي حال أرادت أم أحمد أن تصوّب وضعها قانونياً مع الحكومة الأردنية، يتوجب عليها أن تسلم نفسها للسلطات المعنية، ليتم إعادة توطينها في مخيم الزعتري، ومن هناك يمكنها التقدم بطلب للحصول على إذن بالمغادرة مرة أخرى، وهي عملية قد تستغرق شهوراً، بحسب ما يقوله ممثلان عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لسوريا على طول.

ويعود الأمر إلى الحكومة الأردنية في تحديد من يستطيع ولا يستطيع مغادرة مخيمات اللاجئين في البلاد، وليس المفوضية أو أي جهة إنسانية أخرى، وقال دوغلاس ديسالفو، ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لسوريا على طول، إن اللاجئين المتواجدين داخل المخيمات، والراغبين بالاستقرار في الخارج، يجب أن يفعلوا ذلك من خلال الهيئة الخيرية الأردنية، وهي هيئة تديرها الحكومة، مقرها المخيمات مسؤولة عن الطلبات كل على حدة.

وأضاف ديسالفو “إن الهيئة هي هيئة حكومية، والمفوضية ليست عضواً أو مراقباً فيها”.

عائلة مقسمة

عندما هرب أبو أحمد الحلبي، زوج أم أحمد، من مسقط رأسه في حلب، شمال سوريا في عام 2013، ودّع عائلته، ثم حجز تذكرة طيران واحدة لنفسه إلى مطار الملكة علياء الدولي في العاصمة الأردنية عمان.

وبسبب ضيق أحواله المادية، لم يتمكن الشاب الذي كان يبلغ من العمر 34 عاماً آنذاك من اصطحاب زوجته وابنه الصغير معه، وبعد عام واحد، لحقوا به إلى الأردن، عبروا الحدود سيراً على الأقدام، في آذار ٢٠١٤، ودخلت الزوجة وابنها إلى مخيم الزعتري في الأردن.

في ذلك الوقت، انقسمت العائلة إلى قسمين، وحصل أبو أحمد، الذي وصل بشكل قانوني عبر الطائرة، على إذن من الحكومة الأردنية للإقامة في عمان، لكن زوجته وابنه الصغير توجب عليهما البقاء في مخيم الزعتري، الذي تحول من رقعة فارغة في الصحراء إلى رابع أكبر مركز سكاني في الأردن.

ومع بقائها وحيدة مع ابنها داخل المخيم، بحثت أم أحمد عن وسيلة قانونية لما يعرف بـ “لم الشمل”، وبعد عدة أيام من البحث، وجدت وسيطاً أردنياً ودفعت له مبلغاً من المال ليكون كفيلاً لها، مما يتيح لها مغادرة المخيم والذهاب إلى عمان.

ولكن بعد وصول أم أحمد إلى عمان ولقائها مع زوجها، اختفى ذلك الرجل، وعندما اتصلت به، وجدت أن رقم الهاتف الذي أعطاها إياه خارج الخدمة، وعلمت فيما بعد أنه “يعمل كمهرب فقط ولن يقدم كفالة قانونية”.

ويقول أبو أحمد، 37 عاماً “كان من السهل عليهم أن يغرروا بنا لعدم معرفتنا بالأنظمة والقوانين في المملكة الأردنية”.

وبالرغم من وضعها غير القانوني، اختارت أم أحمد عدم العودة إلى المخيم بعد خروجها منه، وبدلاً من ذلك، بقيت في عمان، حيث عاشت مع زوجها على مدى السنوات الثلاث الماضية.

في تلك الأثناء، ولد طفل آخر للعائلة “جود” وكان وضعه قانونياً كلاجئ، على عكس شقيقه الأكبر، ويعاني جود من التليف الكيسي، مما يتطلب رعاية طبية مستمرة واهتماماً إضافياً من والديه.

توضح أم أحمد أنها لن تترك أطفالها، حيث أنها لا تستطيع أن تأخذ كليهما معهاً إذا عادت إلى الزعتري، وتقول “بإمكان ابني الأكبر الذهاب معي، ولكن الظروف هناك غير مناسبة لجود، وقد يتسبب ذلك بتدهور حالته الصحية”.

وتتابع “ينتابني الذعر والخوف على أطفالي ونفسي كلما غادرنا المنزل (…) وقلبي يحترق على ابني أحمد، الذي لا يستطيع الالتحاق بالمدرسة والتعلم مثل الأطفال الآخرين” بسبب وضعه القانوني.

“تسوية الوضع القانوني”

وقالت أم أحمد وعائلتها أنهم لجؤوا إلى العديد من المنظمات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية في الأردن للحصول على المساعدة القانونية ولكن الحكومة الأردنية هي وحدها الجهةالتي يمكنها تسويةالوضع القانوني للاجئين.

وقال رياض الصبح، ناشط أردني في مجال حقوق الإنسان، والرئيس السابق للمركز الوطني لحقوق الإنسان التابع للحكومة “على الرغم من معاملة الأردن الإيجابية نسبياً للاجئين السوريين، فإن سلوك الأردن فيما يتعلق بقضايا من هذا النوع إشكالي”.

لقطة جوية لمخيم الزعتري، أخذت في 18تموز عام 2013. حقوق نشر الصورة لـ الوزارة الخارجية الأميركية.

وقال الصبح لسوريا على طول، “لاشك وأن فكرة مخيمات اللجوء عظيمة، إذ أنها تؤمن الخدمات الضرورية جداً للاجئين” واستأنف “ولكن في الوقت ذاته، فهذه المخيمات موصدة، وهذه مشكلة”.

وانتقد الصبح وغيره من مناصري حقوق الإنسان  السياسات الصارمة للحكومة الأردنية فيما يتعلق بأين يمكن للاجئ السوري أن يقيم وأين يحظر عليه الإقامة.

وقال الصبح “مسألة أن يبقى اللاجئ في المخيم أو يغادره ينبغي أن تكون قرار الشخص وحده”.

وبصفة عامة، تدعو المفوضية إلى السماح للاجئين “باختيار مكان إقامتهم والتمتع بحرية التنقل والوصول إلى الخدمات وفرص الاعتماد على الذات التي توفرها الحياة خارج المخيمات”، وفق ما قال الممثل عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دوغلاس ديسالفو لسوريا على طول.

ورسمياً، تنصح المفوضية أفراد الأسرة المسجلين في المخيمات بالتواصل مع أحد ممثلي المنظمة، وطلب العودة إلى مخيماتهم، حيث يمكنهم البدء في عملية لم شمل الأسر في المناطق الحضرية، حسب قول ديسالفو.

وقال ديسالفو “و قد لا تروق العودة للمخيم اللاجئين الذين اعتادوا الحياة في المناطق الحضرية، والذين ربما يخشون أن يقيموا هناك لأمد طويل”، مشيراً إلى أنها “الطريقة الأفضل حالياً لتسوية الوضع”.

ولكن بالنسبة لأم أحمد ” أن تنفصل عن عائلتها مجدداً فهذا مما لا تطيقه وخارج الحسبان”.

وقالت أم أحمد لسوريا على طول “لن أرضى أبداً(أن أعود للزعتري) وأترك أطفالي”. “بالإضافة إلى أني أخشى إن عدت أن لا أغادره أبداً”.

وقالت أم أحمد وأسرتها أنه لم يبق باب إلا وطرقوه سوى باب العودة للمخيم، وبحثوا عن مواطن أردني يتكفل إقامتهم في الأردن.

وقال أبو أحمد لسوريا على طول “لا أعرف أي شخص ليتكفل زوجتي وابني”.

وفي عام 2014 انتهجت الحكومة الأردنية سياسة جديدة، تشدد القيود على كفالة اللاجئين، ونصت على شروط يجب أن تتوفر في الكفيل، منها أن يكون أردني الجنسية، ويحمل رقماً وطنياً، ويتمتع بحسن السيرة والسلوك، وأن لا يكون بحقه قيود أمنية، وأن لايقل عمر الكفيل عن 35 سنة، وأن يكون متزوجاً، وتربطه به صلة قرابة.

وقال أحمد “وإن وجد هذا الشخص، فهذا يتطلب دفع مبلغ مالي كبير لا نستطيع دفعه”.

وبحسب الناشط  الحقوقي صبح، فإن سياسة الحكومة الأردنية الحالية تجاه الأسر المشابهة لحالة أم أحمد تصل إلى الاعتقال القسري.

وأوضح الصبح “حين يطلب أحدهم كفالة أو إذناً خاصاً للخروج من المخيم، يكون حديثنا عن الاعتقال… من الطبيعي أن يحاول الناس أن يخرجوا عن القانون حينها”.

“والقضية ليست أن الناس انتهكوا القانون، وإنما أن القانون خاطئ بالمقام الأول”.

شارك هذا المقال