5 دقائق قراءة

عاصفة نورما: ثلوج تجتاح لبنان لتكشف ضعف اللاجئين السوريين في عرسال ووادي البقاع

سقوط الثلوج على مخيمات اللاجئين قرب بلدة عرسال شمال شرق […]


سقوط الثلوج على مخيمات اللاجئين قرب بلدة عرسال شمال شرق لبنان في 8 كانون الثاني. تصوير أحمد القصير.

 فوق أحد سفوح التلال الشاهقة والمصطفة في وادي البقاع اللبناني، لم تغادر سهير الكانون منزلها منذ أيام.

وتعيش عائلة الكانون – وهي فلسطينية الأصل من مخيم اليرموك بسوريا- في بلدة تقع على سفح التلال المطلة على الوادي على الخبز والطحينة منذ أن بدأت العاصفة نورما- سلع تم شرائها على عجل الأسبوع الماضي استعداداً للمطر والرياح والثلوج.

ورغم أن الارتفاع حمى الكانون وأمها المسنّة من الفيضانات، إلا أن الثلوج والجليد المتراكم على التلال حاصرتهما في المنزل منذ عطلة نهاية الأسبوع.  

وقالت “لا أستطيع الخروج في هذا الطقس، نحن نعيش في التلال و السكان هنا نادراً ما يخرجون”.

وفي المرتفعات لا ينعم الجميع بالرفاهية. وتعرضت المخيمات غير الرسمية أسفل الوادي والتي تؤوي اللاجئين السوريين، إلى فيضانات شديدة، ودمرت بفعل الطقس العاصف الذي اجتاح المنطقة مؤخراً.

وعندما بدأت الأمطار، صمدت الحجارة التي كانت تمسك خيمة أبو محمد لفترة من الوقت، لكن في النهاية، بدأت المياه تتسرب إلى الداخل.

وقال أبو محمد “عندما هطلت الأمطار مرة أخرى، امتلأت الخيمة بالماء، وتوقفت المصارف عن العمل”.

ودمرت المياه التي ملأت الخيمة ممتلكات العائلة – التي جمعوها على مدى خمس سنوات – عندما كانوا يعيشون في بر الياس، واحدة من المخيمات غير الرسمية في وادي البقاع في لبنان، منذ فرارهم من ضواحي دمشق الشرقية عام 2013.

وتم إجلاء العائلة إلى مأوى مؤقت في مدرسة قريبة، ولا يزالون يقيمون فيها.

عاصفة نورما ‘ كارثية ‘ في عرسال

وضربت العاصفة الشتوية، التي تجتاح المنطقة حالياً، لبنان بقوة، تاركةً عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في البلاد دون مأوى أو مساعدة.

وفي حين غمرت الفيضانات ودمرت مراكز الخيام غير الرسمية المنتشرة في حقول وادي البقاع وريفه – وهي أرض زراعية مستوية غالباً ما تكون مسطحة تحدها الجبال اللبنانية إلى الغرب والحدود السورية اللبنانية إلى الشرق –  إلا أن الظروف كانت سيئة بشكل خاص في منطقة عرسال شمال شرق لبنان.

و قال محمد المطوع، لاجئ من حمص يقيم حالياً في عرسال “لدينا ممتلكات وعائلة في سوريا، ولا نملك شيئاً هنا”، ووصف الوضع بأنه “كارثي”، مشيراً إلى أن “ارتفاع الثلوج هنا الآن متر ونصف، الخيام على وشك الانهيار فوق رؤوسنا”.

وتوفي طفل رضيع في عرسال نتيجة الطقس البارد، بحسب ما أكده نشطاء محليون، ونشر سكان المخيم العديد من الصور التي تظهر الخيام المغطاة بالثلوج الكثيفة والأطفال الذين يستعدون للرياح الشتوية القاسية.

مخيم غير رسمي للاجئين السوريين مغمور بالمياه، في بر الياس في سهل البقاع في لبنان. الصورة من منال شخاشيرو.

وتعدّ عرسال منطقة معزولة تضم عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، المعروفين بأنهم أكثر اللاجئين عزلة وضعفاً في لبنان.

وفي آب 2017، هاجم الجيش اللبناني، بدعم من حزب الله اللبناني، الجيوب المتبقية التابعة لهيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة، ومنذ ذلك الحين، عادت مجموعات متفرقة من اللاجئين من عرسال ومن العديد من مخيمات اللاجئين المنتشرة حول المدينة إلى سوريا.

ورغم الظروف المعيشية القاسية التي تفاقمت بسبب الأحوال الجوية القاسية الأخيرة، قال المطوع إنه غير راغب ولا يفكر بالعودة إلى سوريا دون وعود بالأمان.

وأضاف “نريد العودة، ولكن فقط مع ضمانات دولية”.

وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 2000 سوري عادوا من لبنان منذ شهر نيسان العام الماضي، رغم أن الحكومة اللبنانية تزعم أن ما يصل إلى 55 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا إما عودة فردية أو تلك التي تيسرها الدولة.

وفي هذا السياق، أعلنت السلطات اللبنانية في أواخر العام الماضي، عن مقتل 20 لاجئاً على الأقل منذ بداية عملية عبور الحدود إلى سوريا.

نقص التمويل

تركت العواصف الأخيرة في جميع أنحاء البلاد، المتطوعين والمنظمات غير الحكومية على الأرض في حالة تأهب لمساعدة اللاجئين، من خلال فتح المدارس والمراكز المحلية لاستقبال العائلات الفارة من المخيمات التي غمرتها مياه الفيضانات في شمال لبنان ووادي البقاع.

ونزح اللاجئون من مناطق مثل عكار، شمال لبنان، فضلاً عن وادي البقاع، نتيجة الظروف الجوية القاسية.

وقال جورج كتانة، الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني في بيروت إن “الوضع ليس سهلاً بالنسبة لهم، فهناك الكثير من مياه الفيضانات – خاصة في عكار، حيث قمنا بإجلاء أكثر من 700 شخص ونقلناهم إلى المدارس”.

وأصدرت منظمة Sawa اللبنانية للتنمية والإغاثة بياناً، يوم الثلاثاء، أعلنت فيه أن “مراكزها مفتوحة للمتضررين” في وادي البقاع، وحثّت “المنظمات الأخرى على القيام بذلك”.

كما أطلقت فرق من المتطوعين مبادرات مستقلة وحملات لجمع التبرعات لمساعدة اللاجئين في المناطق المتضررة من العواصف.

ووفقاً لجورج غالي، المدير التنفيذي لمنظمة ALEF اللبنانية غير الحكومية التي تعمل في مجال مناصرة حماية اللاجئين، فإن “معظم المساعدات التي تم تقديمها خلال العاصفة كانت من خلال العمليات التطوعية”، في وقت كانت فيه خطة المفوضية للاجئين السوريين تتأثر بسبب نقص التمويل عاماً تلو الآخر.

وأضاف “لا توجد قطاعات تم تغطيتها بالكامل، فإذا نظرت إلى نطاق الأزمة، من عام 2012 إلى 2017، ترى أن الفجوة تتزايد باستمرار”.

ومع ذلك، قال إن غياب الجهات المانحة ونقص التمويل هما مجرد جانب واحد من الأزمة التي دخلت عامها الثامن، وجاءت العاصفة لتكشف عن نقص في البنية التحتية الكافية لإدارة الكوارث لدى السلطات اللبنانية، حيث أثر ذلك على المجتمعات المضيفة اللبنانية واللاجئين السوريين على حد سواء، إلى جانب “عدم وجود المأوى المناسب” للاجئين.

وتابع غالي “نحن على علم بحالات اللاجئين الذين يحرقون الأحذية القديمة من أجل التدفئة، وهذه مشكلة متكررة نواجهها كل عام، وربما أظهرت قسوة العاصفة هذا العام بعض هذه المشاكل بشكل أكبر”.

“إلى أين أعود الآن؟”

في الوقت ذاته، تؤكد المفوضية أنها تعطي الأولوية للاجئين الأكثر تأثراً، وبحسب ما قالته المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد، فإن وكالة الأمم المتحدة للاجئين لديها بالفعل برنامج مساعدة شتوي قائم على توزيع الإمدادات اللازمة لمواجهة الطقس العاصف – بما في ذلك البطانيات وغيرها من المستلزمات الطارئة – بالإضافة إلى المساعدة النقدية الشهرية الحالية.

لكنها أضافت أن نقص التمويل يعني أن بعض اللاجئين الأكثر تأثراً في لبنان تُركوا دون مساعدة.

وقالت أبو خالد لسوريا على طول أنه “بسبب محدودية التمويل، لم نتمكن من مساعدة جميع اللاجئين الذين يعيشون تحت خط الفقر من خلال برنامج المساعدات النقدية الشهري”، لكنها أضافت أن وكالة الأمم المتحدة تعطي الأولوية للحالات الأكثر تأثراً.

ومع ذلك، يواجه اللاجئون ظروفاً أكبر بكثير من مجرد نقص التمويل.

وفقاً لغالي “كان هناك تراجع عام من قبل المانحين، ولكن هناك أيضاً إجهاد وضغط أثّر على اللاجئين أنفسهم والمجتمعات المضيفة أيضاً”.

وأضاف أن “الوضع في الأزمة السورية اعتمد على قدرة اللاجئين على التمويل الذاتي ودعم أنفسهم، فضلاً عن المجتمعات المضيفة”.

وينام أبو محمد، وهو في الأصل من ضواحي الغوطة الشرقية في دمشق، في مأوى مؤقت مع زوجته وأولاده، حيث دُمّر منزله في سوريا، ومزق الطقس العاصف خيمته التي أقام فيها على مدى خمس سنوات أيضاً.

ولا يعلم أبو محمد ما الذي ينبغي أن يفعله بعد ذلك، قائلاً “ليس لدينا عمل، ووضعنا المادي سيء، لقد دمر القصف بيتي في الغوطة”.

“إلى أين أعود الآن؟”

 

شارك هذا المقال