6 دقائق قراءة

“عالشام عالشام”.. الطريق البرّي بين الأردن وسوريا يعود للعمل من جديد بعد إغلاق الحدود لسنوات

سيارة أجرة تنتظر الركاب في منطقة العبدلي في عمان في […]


سيارة أجرة تنتظر الركاب في منطقة العبدلي في عمان في 23 تشرين الأول، تأخذ رحلات بين “عمان – دمشق – بيروت”. تصوير وليد النوفل.

تعدّ واجهات شركات السفر الرثّة التي تصطف على جانبي الطريق في شوارع منطقة العبدلي وسط عمان، بمثابة صورة دقيقة للشرق الأوسط الذي يبدو كأنه شيء من الماضي.

وتنتشر على نوافذ شركات السفر لافتات وملصقات باهتة، كتب عليها أسماء المحطات التي يمكن الوصول إليها من العاصمة الأردنية عن طريق شبكة من الحافلات وسيارات الأجرة التي تجتاز حدود المنطقة بسهولة إلى: دمشق، بيروت، حلب، اسطنبول، بغداد.

وتوقفت الكثير من رحلات تلك الشبكة بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011، التي تحولت فيما بعد إلى حرب شاملة، مما أدى إلى إغلاق الحدود وفرار الملايين من ديارهم، فضلاً عن إيقاف قطاع السياحة بين سوريا والأردن، وفقدان وظائف لا تحصى على جانبي الحدود السورية الأردنية.

لكن في الأسبوع الماضي، أعيد فتح معبر جابر- نصيب الحدودي، الذي يربط الأردن مع الجنوب الغربي لسوريا، للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، وعادت سيارات الأجرة التي كانت تستخدم لنقل الركاب من جهة إلى أخرى لتصطفّ من جديد أمام شركات السفر في منطقة العبدلي على استعداد للتوجه شمالاً إلى سوريا.

ويتكئ سائقي سيارات الأجرة على سياراتهم البيضاء، ينادون المسافرين المتجهين إلى الوجهة التي كان من المستحيل الوصول إليها لسنوات.. ينادون “عالشام، عالشام”.

ولا يزال جزء كبير من سوريا في حالة خراب، ومناطق واسعة خارج سيطرة الحكومة بعد صراع دام سبع سنوات، ورغم ذلك فإن السوريين والأردنيين العاملين في مجال السياحة والنقل، المنتشرين على طرفي الطريق الممتد على طول 200 كيلومتراً بين عمان ودمشق، مشغولين الآن بإدارة أعمالهم التجارية مرة أخرى بعد سنوات من إغلاق الحدود وما رافقه من تدهور اقتصادي.

“لا أحد يجرؤ على الذهاب”

منذ الأيام الأولى للثورة السورية في عام 2011، التي انطلقت شرارتها في مدينة درعا جنوب سوريا، تأثرت الطرق التجارية التاريخية بين سوريا والأردن بشدة.

ومع امتداد القتال إلى الجنوب الغربي لسوريا، وهو أول بوابتين رئيسيتين تربطان بين سورية والأردن، تم إغلاق معبر الرمثا – درعا في عام 2011 ، مما دفع الآلاف من سائقي سيارات الأجرة والتجار إلى إيقاف أعمالهم  على الفور، وكانت المدن والبلدات القريبة من الحدود الشمالية للأردن، بما في ذلك الرمثا، من أكثر المناطق التي تعرضت للضرر.

وعلى الرغم من أن المعبر الآخر – نصيب – بقي مفتوحاً، إلا أن وكيل السفر الأردني أبو محمد يتذكر من مدخل شركته سفريات العبدلي ذات الإضاءة الخافتة، كيف أن الركاب بدؤوا يتخوفون بشكل كبير من السفر، إلى أن تحولت المنطقة بشكل سريع لمنطقة حرب.

وقال “الرحلة أصبحت خطيرة، وبعد أن اندلعت الحرب لم يجرؤ أحد على الذهاب”.

شركة زياد الصقر للسفريات في العبدلي في 23 تشرين الأول. تصوير ايفري أدلمان.

وبحلول عام 2015، ومع تقدم جماعات المعارضة على الجانب السوري من الحدود، حلّ بمعبر نصيب مصير الرمثا، واضطر آلاف الأشخاص، الذين كانوا يعتمدون على طريق عمان – دمشق كمصدر للحصول على رزقهم، للتوقف عن عملهم كما تم قطع الطريق الذي كان طريقاً لتجارة سنوية بقيمة مليارات الدولارات.

وذكر زياد صقر، صاحب إحدى شركات السفر في العبدلي،التي تدير رحلات سيارات الأجرة من المحطة المركزية في المنطقة “إذا لم يكن هناك طريق إلى دمشق، فليس هناك عمل”.

وبعد إغلاق الحدود، قال صقر أن شركات السفر الأردنية حولت وجهتها نحو تشكيلة قليلة من الوجهات التي كان لا يزال من الممكن الوصول إليها – بما في ذلك المملكة العربية السعودية – والتي كانت رحلاتها موسمية خلال العطلات وعطلات نهاية الأسبوع، وكانت بعيدة كل البعد عن الرحلات اليومية إلى سوريا.

وأضاف صقر لسوريا على طول “على مدى ثماني سنوات، ونحن ننفق من أموالنا الخاصة على أمل أن تفتح الحدود مرة أخرى، والحمد لله  فتحت الحدود الآن”.

“عدنا”

وبعد أن أوقف أبو عمار، سائق التكسي، رحلاته من دمشق- عمان واتنقل للعمل على خط دمشق – بيروت لمدة ثلاث سنوات، بدأ الأسبوع الماضي أولى رحلاته بسيارته ذات اللوحة السورية إلى العبدلي في مشهد لا يزال نادراً في الأردن.

وقال أبو عمار لسوريا على طول “عدنا” وكان جالساً في صندوق سيارته المفتوح،  ينتظر بصبر ثلاثة ركاب آخرين ليكتمل عدد الركاب وينطلق بسيارته إلى سوريا.

وأضاف “الطريق آمن الآن 100٪” وطلب أبو عمار أن يتم حجب اسمه الحقيقي في هذا التقرير لأسباب أمنية.

سيارات الأجرة إلى دمشق خارج مكتب العبدلي للسياحة في 23 تشرين الأول. تصوير ايفري أدلمان.

ومنذ أن أعيد فتح نصيب، أصبح الحديث عن الحدود التي أعيد فتحها شغل الناس الشاغل، واتجهت شركات السفر المحلية بسرعة إلى وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن رحلاتهم إلى سوريا، في حين قام الأردنيون الذين زاروا دمشق بنشر مقاطع فيديو على الفيسبوك.

في أحد منشورات شركة الحافلات الأردنية “جت”، قام آلاف من مستخدمي فيسبوك الأردنيين بذكر أسماء أصدقائهم في التعليقات ونشر تعليقات جدّية وساخرة حول التخطيط للسفر.

وجاء في أحد الإعلانات الترويجية التي أعدتها شركة “جت” “عادت سوريا وعاد الحب والأمان” والتي بدأت خدمتها اليومية إلى دمشق في 22 تشرين الأول.

ومع ذلك، فإن السوريين والأردنيين العاملين في قطاع السياحة عبر الحدود – بما في ذلك سائقون مثل أبو عمار – أخبرو سوريا على طول أن الممر الحيوي بين عمان ودمشق، والذي كان بمثابة حلقة وصل اقتصادية حاسمة بين الخليج وتركيا وأوروبا، لايزال في المراحل الأولى من الانتعاش الذي سيستغرق على الأرجح سنوات.

وعلى الرغم من أن العمل بدأ رسمياً مرة أخرى بعد حفل الافتتاح الذي تم الإعلان عنه على نطاق واسع في 15 تشرين الأول، فإن معبر نصيب لا يفتح إلا من الساعة 8 صباحاً إلى الساعة 4 عصراً كل يوم، كما شكل تهافت الأردنيون خطوطاً طويلة على الحدود، للحصول على المنتجات السورية الرخيصة مثل الفواكه والخضروات والسجائر.

وأشار سائق سيارة الأجرة، أبو عمار ، إلى أن القيود المفروضة على المواطنين السوريين عند الحدود تحدّ من عدد المسافرين السوريين الذين يستطيعون السفر.

وإلى الآن، فإن ركاب أبو عمار – الذين يدفعون 20 ألف ليرة سورية (حوالي 40 دولاراً) هم خليطاً من الأردنيين وبعض السوريين، على الرغم من أنه يقول إن الرحلة الأخيرة كانت تتألف من رجال أعمال سوريين فقط.

وأضاف “لم يكن لدي أي سائح سوري، لأن السوريين بحاجة إلى موافقة أمنية من القنصلية الأردنية في سوريا”، أما الأردنيون يجتاجون إلى جواز سفر ساري المفعول فقط بالإضافة إلى وثيقة خدمة عسكرية – تثبت أنهم مسجلون في المسودة العسكرية – للعبور بسياراتهم الخاصة أو سيارات الأجرة.

مكتب سفريات في العبدلي في 23 تشرن الأول. تصوير فري إدلمان.

دفع هذا التناقض البرلمانيون السوريون إلى الدعوة لـ”المعاملة بالمثل” للراغبين في عبور الحدود ، بحسب ما أفادت صحيفة الوطن التابعة للحكومة السورية في 22 تشرين الأول.

وقال صقر “الأمور على الحدود لا تزال غير واضحة” حتى الآن.

وكان ذلك واضحاً من تجمع أعدد قليلة فقط من العملاء حول مكتب التذاكر على أمل إيجاد مساحة في الحافلات المتجهة إلى دمشق.

وقال أحد العملاء “عمري 42 عاماً، فهل ما زلت بحاجة إلى دفتر خدمة [عسكرية] معي؟”.

وأضاف “إذا غادرت عند الظهيرة، هل أتمكن من عبور الحدود؟”

وتابع “متى يمكنني الحصول على مقعد؟”

وأجابته موظفة الاستقبال على السؤال الأخير فقط، وقالت “عليك الانتظار حتى عطلة نهاية الأسبوع المقبلة” لأن الحجوزات اليومية للرحلات ممتلئة بالكامل للأيام القادمة، وكان سعر تذكرة الحافلة الرخيص 10 دينار أردني (حوالي 14 دولارًا) خياراً أكثر شيوعاً في الوقت الحالي من سيارات الأجرة الصغيرة.

وقال صقر “لن يعود عملنا إلى وضعه الطبيعي إلى أن يعود الخط إلى وضعه الطبيعي أيضاً، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، عندما كنا نعمل على مدار الساعة، وفي ذلك الوقت سيكون الوضع على ما يرام”.

 

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال