7 دقائق قراءة

عزل قائد “مغاوير الثورة” يكشف عن خلافات داخلية وقضايا فساد ويثير تساؤلات حول “الركبان”

عزل العميد مهند الطلاع من منصبه كقائد لجيش مغاوير الثورة وتعيين محمد فريد القاسم أثار توقعات بأن القرار جاء بعد تورطه بقضايا فساد وإيواء عناصر متهمين بالتهريب، وأثار هذا التغيير تساؤلاً حول مدى تأثر مخيم الركبان سلباً أو إيجاباً.


30 سبتمبر 2022

باريس- عين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، النقيب محمد فريد القاسم (أبو حسام)، قائداً لجيش مغاوير الثورة (المعارض)، العاملة في منطقة الـ55 بالبادية السورية، في 23 أيلول/ سبتمبر، بعد عزل العميد مهند الطلاع من منصبه.

وعزا التحالف الدولي هذا التغيير إلى “ضمان نجاح جيش مغاوير الثورة على المدى الطويل وتعزيز الشراكة الإقليمية والأمن في منطقة خفض التصعيد المعروفة بـ المنطقة 55 كم”، كما أوضحت النقيب جاكيلا هيل، عضو المكتب الإعلامي للتحالف الدولي لـ”سوريا على طول”.

لكن قرار عزل العميد الطلاع أثار توقعات محلية بأنه جاء على خلفية وجود قضايا فساد وانتهاكات واتجار بالمخدرات، يشتبه ضلوع القيادي المعزول فيها.

كما يثير التغيير الأخير التساؤل حول مدى تأثر مخيم الركبان في عمق البادية السورية، الواقع ضمن منطقة الـ55، التي تقع تحت حماية “مغاوير الثورة”، بدعم من التحالف الدولي المتمركز في قاعدة التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، خاصة أن القائد الجديد يمتلك علاقات جديدة من الأردن، التي أدخلت آخر قافلة مساعدات عبر أراضيها، في كانون الثاني/ يناير 2018، معتبرة أن المخيم الصحراوي شأن داخلي سوري.

انتهاكات بالجملة

عزت أربع مصادر تحدثت لـ”سوريا على طول” عزل العميد مهند الطلاع إلى فشله في إدارة عدد من الملفات، ووجود قضايا فساد واتجار بالمخدرات، كما يتهم الطلاع باحتوائه “مجموعة من الفاسدين داخل الفصيل، وعندما يتم إلقاء القبض عليهم متلبسين بجرائم تهريب سلاح أو مخدرات ينكر علاقته بهم”، بحسب مصدر إعلامي سوري مقرب من التحالف في التنف.

وأضاف المصدر لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن هويته لدواع أمنية، أن “الطلاع أعاد عدد من المتورطين إلى الفصيل بعد أشهر من فصلهم، مستغلاً تغيير القوات الأميركية في القاعدة كل ستة أشهر”.

من جانبه، اتهم قيادي سابق في إحدى الفصائل العسكرية التي عملت سابقاً في منطقة الـ55 الطلاع بـ”حماية مجموعة من الفاسدين، وهيأ لهم أرضية خصبة للقيام بأعمالهم”، ما شكل “تهديداً أمنياً مباشراً للأردن، وهي أحد أعضاء التحالف الدولي، نتيجة تورط تلك المجموعات بعمليات تهريب تجاه الأردن”.

يضاف إلى ذلك، أن الطلاع “لم يمتلك مرونة كافية في التعامل مع التحالف ودول الجوار السوري، وتحديداً الأردن”، بحسب المصدر المقرب من التحالف، مشيراً إلى أن “الأردن ضغت في فترة الرئيس ترمب من أجل تغيير الطلاع، لكن لم تنجح مساعيها آنذاك، لذلك عملوا على رصد القضايا المتعلقة بفساده، وانتهى الأمر بإقالته”.

تأكيداً على ذلك، قال القيادي السابق في منطقة الـ55، إن الطلاع تعرض لتوبيخ “من ضباط الاستخبارات العسكرية الأردنية، أثناء آخر لقاء له بهم، ووجهت إليه اتهامات مباشرة بأنه تاجر مخدرات، وأن أبو حمزة الخضير، تاجر المخدرات الشهير، الذي جرى إلقاء القبض عليه اعترف بأن الطلاع على علم بهذه النشاطات”.

الخضير، هو قائد نقطة عسكرية سابق في جيش مغاوير الثورة، غادر منطقة الـ55 بعد توقيفه على يد مجموعة عسكرية تابعة للمعارضة في المنطقة، وسلم نفسه نفسه للمخابرات الجوية التابعة للنظام السوري بمدينة تدمر شرق حمص، بحسب المصدر.

تعليقاً على ذلك، قالت النقيب جاكيلا هيل: “إن التحالف على علم بالادعاءات التي يتهم الطلاع بالتورط بها، لكننا لا نملك دليلاً ملموساً بضلوع أياً من الطلاع أو القاسم بنشاطات غير شرعية”، مشيرة إلى أن قوة المهام المشتركة -عملية العزم الصلب- تراقب نشاط جميع شركائها “لضمان عدم استخدام أي من مصادرنا أنشطة غير شرعية أو حتى التغاضي عنها”.

وأوضحت هيل أن “مثل هذه التصرفات تعيق الجهود المستمرة للتحالف والقوى الشريكة الرامية إلى هزيمة داعش وتشكل خطراً على أمن واستقرار منطقة المثلث الحدودي”.

من جانبه، قال مصدر مقرب من الطلاع، الذي شغل سابقاً منصباً قيادياً في “مغاوير الثورة” أن “قرار عزل الطلاع ليس من صلاحيات التحالف، ويُفترض ألا يتدخل في تعيين أو عزل قائد الفصيل”، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن إقالته “قوبلت بالرفض من عناصر الفصيل والمدنيين في المنطقة”.

وفيما نفى، القيادي ما نُسب من تهم للطلاع، اعتبر أن الإقالة جاءت على خلفية “رفض الطلاع مقترح التحالف بالعمل تحت قيادة قوات سوريا الديمقراطية، باعتبارها تضم قوات أجنبية ومصنفة على قوائم الإرهاب”، ناهيك عن أنها “صاحبة مشروع غير وطني يدعو لتقسيم سوريا”، بحسب قوله.

وبدوره، استبعد مسؤول عسكري سابق في جيش أسود الشرقية، أحد الفصائل العسكرية التي كانت تتواجد في البادية السورية، بما في ذلك منطقة الـ55، أن يكون قرار عزل الطلاع مرتبطاً برفضه مقترحاً للعمل تحت قيادة “قسد”.

وقال المسؤول في “أسود الشرقية” لـ”سوريا على طول”: “مغاوير الثورة قوة عسكرية صغيرة يصل تعدادها إلى 160 شخصاً، تقوم بمهام استطلاعية ومراقبة حدود منطقة الـ55، بدعم التحالف”، مستبعداً أن يفكر التحالف في “نقل الفصيل أو جزء منه إلى شرق الفرات حيث يتواجد آلاف المقاتلين من قسد”.

هل يختلف القاسم عن سلفه؟

يشير عزل الطلاع واستبداله بمحمد فريد القاسم إلى محاولات التحالف تصحيح مسار “مغاوير الثورة” المحسوب عليهم، لكن القيادي الجديد لا يختلف عن سلفه، وفق ثلاثة مصادر تحدثت لـ”سوريا على طول”. إذ بحسب القيادي السابق في فصائل المعارضة بمنطقة الـ55 “هناك شكوك حول تورط القاسم أيضاً بعمليات تهريب عبر نقاط انتشاره”.

واتفق مع ذلك، المصدر الإعلامي المقرب من التحالف الدولي، مشيراً إلى أن القاسم متهم أيضاً في “قضية قتل وانتهاكات أخرى”، ومع ذلك “لا تقارن أفعاله بالطلاع وشلته”، بحسب وصفه.

ويعود اختيار القاسم إلى عدة عوامل، وفقاً للمصدر الإعلامي، وهي: “أنه شخص توافقي، بمعنى أنه يجيد التعامل مع الأجسام المدنية والسياسية الناشطة في المخيم، ومع الأردنيين والأمريكان”، إضافة إلى أنه “صاحب السمعة الأفضل مقارنة بغيره، ويجمل رتبة عسكرية”.

وأعاد القاسم بناء علاقات جيدة مع “الأميركان”، بعد أن قُطع الدعم المقدم له “من برنامج تدريب البنتاغون” لفترة قصيرة في عام 2017، على خلفية “مخالفة شروط الدعم، حيث يمنع البرنامج قتال النظام إذا لم يشكل الأخير خطراً على التحالف”، وفقاً للمصدر الإعلامي، وبعد ذلك “استأنف الفصيل بقيادة القاسم عمله مع التحالف والقوات الأميركية عبر برنامج آخر تابع لوكالة المخابرات المركزية [سي آي إيه]”.

انقسامات داخلية

أسس جيش مغاوير الثورة في أيار/ مايو 2015، على أنقاض فصيل “جيش سوريا الجديد”، بتعداد 120 عنصراً، من أبناء دير الزور وتدمر وريف حلب، تلقوا تدريبات عسكرية على الأراضي الأردنية، كما قال العميد مهند الطلاع في مقابلة أجراها مع موقع المونيتور، في عام 2017.

لاحقاً، بعد أن حلت فصائل المعارضة في البادية السورية نفسها، وأبرزها: قوات الشهيد أحمد العبدو، جيش أسود الشرقية، لواء شهداء القريتين وغيرها، نتيجة انقطاع الدعم العسكري عنها، انضمت مجموعات عسكرية صغيرة من هذه الفصائل إلى “مغاوير الثورة”، وشكلت المجموعات المنضوية -على صغرها- تيارات داخل “المغاوير”، كما قال المسؤول من “أسود الشرقية”.

اليوم، تطفو الانقسامات المتأصلة داخل “مغاوير الثورة” إلى السطح بشكل واضح بين مؤيد لعزل العميد الطلاع أو مؤيد للقيادي الجديد. لكن الانقسامات هذه تبدو أكثر وضوحاً على صعيد مخيم الركبان، والهيئات المدنية والاجتماعية المتواجدة فيه.

في الأيام الخمسة الماضية، اعتصم عشرات الأشخاص من سكان مخيم الركبان أمام قاعدة التنف، احتجاجاً على تعيين القائد الجديد محمد فريد، فيما نظم آخرون في المخيم، اليوم الجمعة، اعتصاماً مؤيداً لقائد المغاوير الجديد.

واعتبر مدير مكتب شؤون النازحين في المجلس المحلي للركبان، محمد أحمد الهيان، أن تعيين القاسم “مرفوض”، لأنه “شخص لا يصلح وغير مناسب للقيادة”، مشيراً إلى أن أبناء مدينة القريتين، التي ينحدر منها القائد الجديد، لا يقبلون به قائداً للمنطقة.

وعلى خلفية تعيين القاسم، اجتمع أعضاء من المجلس المحلي ووجهاء في الركبان مع فريق من التحالف الدولي داخل قاعدة التنف، بحسب المجلس، وقدم الوفد مطالب سكان الركبان، التي تمثلت في: رفض القائد الجديد، وضرورة تعيين قائد من جيش المغاوير نفسه.

وقدم الوفد حلاً بديلاً، كما جاء في البيان الذي نشره المجلس على صفحته الرسمية عبر الفيسبوك، بأن يتم طرح اسم ضابط منشق عن النظام، ذو سمعة حسنة، من أولئك المنشقين المقيمين في تركيا أو الأردن، ويعين قائداً لمنطقة الـ55 بعد التوافق عليه من جميع الأطراف.

وفي حال إصرار التحالف الدولي على فرض القاسم كقائد للمنطقة “بالقوة”، كما جاء في البيان، طالب المجلس التحالف “بفتح طريق آمن إلى الشمال السوري المحرر أو شرق الفرات تحت رعاية الأمم المتحدة” أمام الراغبين مغادرة منطقة الـ55 من المدنيين والعسكريين.

رداً على ذلك، قال محمود قاسم الهميلي، رئيس الإدارة المدنية لمخيم الركبان أن المجلس لا يمثل أهالي المخيم، “ومن يتكلم باسم المجلس هو محمد أحمد الدرباس منفي خارج المخيم بسبب جريمة قتل”، كما زعم الهميلي في حديثه لـ”سوريا على طول”.

وأضاف الهميلي أن “أهالي المخيم يتطلعون إلى هذا التغيير بإيجابية وتفاؤل، خصوصاً أن القاسم كان يقود القوة الرديفة في قاعدة التنف وله بصمات إيجابية مع الأهالي، وقدم المساعدة للكثير منهم”.

هل يتأثر الركبان.

يعاني مخيم الركبان العشوائي من حصار مفروض من النظام السوري وغياب دور المنظمات الدولية، إذ دخلت آخر قافلة مساعدات إنسانية إلى المخيم عام 2019، ويعتمد المخيم على المواد الأساسية التي تدخله عبر التهريب من مناطق النظام.

أسهم العميد الطلاع “في تشويه صورة مخيم الركبان وقاطنيه لدوره في تنشيط تجارة المخدرات في المنطقة”، وفقاً لمحمود قاسم الهميلي، معتبراً أن تعيين قائد جديد لجيش مغاوير الثورة “قد يكون سبباً في تغيير الأردن سياستها تجاه المخيم، وسعيها إلى تفكيكه، خصوصاً إذا تمكن القائد الجديد من اجتثاث تجارة المخدرات من المنطقة”.

يتفق المصدر الإعلامي من التحالف الدولي في التنف مع هذا الطرح، معتبراً أن “الضرر الذي ألحقه الطلاع بالأردن كان سبباً وراء قرار الأردن قطع الدعم وإغلاق حدودها”، مضيفاً: “اعتقد لدى القاسم فرصة في استغلال علاقاته الشخصية مع الأردنيين من أجل التوصل لصيغة معينة معهم تساعد سكان المخيم”.

تعليقاً على ذلك، قالت النقيب جاكيلا هيل، أن قوة المهام المشتركة على ثقة من أنّ قيادة القاسم لمغاوير الثورة “ستعزز الشراكات الإقليمية وتصب بشكل أكبر في جهود التحالف الهادفة إلى تحسين الوضع الإنساني داخل مخيم الركبان”. 

من جهته استبعد القيادي السابق في منطقة الـ55، أن يكون هناك تأثير مباشر، سلباً أو إيجاباً، على سكان المخيم كون “القرار في المنطقة لقوات التحالف، وبذلك تعيين شخص لا يمتلك قراراً سياسياً أو عسكرياً لن يغير شيء”، بما في ذلك ما يتعلق بتغيير الأردن موقفها من الركبان، لأن “الأردن عبر أعلى قياداتها اتخذت قراراً بعدم تقديم دعم إنساني للمخيم”.

 

* تم إضافة تصريح النقيب جاكيلا هيل، عضو المكتب الإعلامي للتحالف الدولي في 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

شارك هذا المقال