7 دقائق قراءة

عشائر الرقة تطالب بخروج قسد عقب اغتيال أحد أبرز شيوخها

شيخ من قبيلة السبخة يقرأ بيانا بعد أيام قليلة من […]


14 نوفمبر 2018

شيخ من قبيلة السبخة يقرأ بيانا بعد أيام قليلة من اغتيال الهويدي. تصوير: مجلس الرقة المدني.

كان بشير فيصل الهويدي قد خرج للتو من مبنى مجلس الرقة المدني وسط مدينة الرقة عندما قتل رميا بالرصاص داخل سيارته، بعد إصابته برصاصتين في الرأس تم إطلاقهما من مسدس مجهز بكاتم للصوت.

أثار موت الشيخ المفاجئ، في وقت سابق من هذا الشهر، موجة غضب لدى شيوخ القبائل المحلية في المحافظة، الذين حملوا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة من جانب الولايات المتحدة، مسؤولية مقتله ودعوا إلى مقاطعة كاملة للمؤسسات التي تديرها قسد في الرقة، رغم أن التنظيم أعلن لاحقا مسؤوليته عن عملية القتل.

وجاء اغتيال الهويدي في وقت ما زالت فيه الرقة، بعد عام من انهيار تنظيم الدولة، تواجه هجمات متواصلة – غالبا ما تتبناها الجماعة المتشددة- بما في ذلك هجمات بالعبوات الناسفة وإطلاق الأعيرة النارية التي تستهدف مقاتلي قسد الذين يحرسون الحواجز في المحافظة. ففي ٤ تشرين الثاني، تسبب انفجار سيارة مفخخة في مقتل مدني واحد وإصابة عدة أشخاص في وسط مدينة الرقة.

إلا أن اغتيال الهويدي يعد جزءا من صورة أكبر تمثل شبكة معقدة من العلاقات العشائرية التي تعتمد عليها الكثير من هياكل الحكم في الرقة. وطوال فترة الحرب السورية، أصبحت العشائر متورطة بعمق في صراعات السلطة الدائرة بين القوى المحلية والإقليمية، مع التغير المستمر للولاءات بناء على المكاسب المحتملة.

وفي حين يقول الخبراء لسوريا على طول أنه من الصعب توقع حدوث اضطرابات كبرى، فإن المعارضة الموجهة ضد قسد في أعقاب اغتيال الهويدي تفضح هشاشة العلاقات المبنية على المصلحة. ويتوقع البعض حدوث مزيد من التوترات في المستقبل حيث تحاول القوى الفاعلة المحلية جر العشائر لصالحها.

“التوترات كانت موجودة من قبل”

في أعقاب هجوم وحشي مدعوم من الولايات المتحدة ضد التنظيم وعاصمته والذي انتهى في الخريف الماضي، أنشأت قسد ذات الغالبية الكردية مجلس الرقة المدني بغرض إدارة المدينة. وفي الوقت نفسه، فقد خصصوا ٢٠ مقعدا في المجلس لممثلي العشائر العربية المحلية.

ويرى بعض المراقبين أن قوات سوريا الديمقراطية نجحت نسبيا في الحفاظ على العلاقات مع العشائر العربية، التي تشكل نحو ٩٠٪ من سكان محافظة الرقة.

لكن الاضطرابات الأخيرة بدأت تشكل تحديا في الوضع الراهن.

فبعد يوم من اغتيال الهويدي، أفادت الأنباء بأن الأهالي الذين حضروا مراسم الدفن طردوا ممثلين من قسد أتوا لتقديم التعازي.

وأظهرت صور وتسجيلات فيديو للحادثة حشدا من الرجال المنتشرين بين سياراتهم وشاحنات صغيرة في مكان ما في وسط الصحراء، وعيونهم مثبتة على سيارة تسير مبتعدة – يقال إنها تقل ممثلي قسد الذين تم طردهم. وقام البعض برمي الحجارة على السيارة المبتعدة.

وذكر موقع بلدي نيوز الموالي للمعارضة، في وقت لاحق، أن “الرقة تغلي”، واصفا التوتر والعداء المتصاعد تجاه قوات سوريا الديمقراطية.

 

https://web.facebook.com/Raqqa.Sl/videos/182705052633947/

سكان الرقة يطردون وفدا لقسد من موقع مراسم دفن الهويدي، في وقت سابق من هذا الشهر. تصوير: الرقة تذبح بصمت.

وكان الشيخ الهويدي، وهو شيخ بارز من عشيرة العفادلة، ممثلا للعشيرة في مجلس الرقة المدني. وبالرغم من أنه شغل هذا المنصب، كان معروفا من قبل المجتمع المحلي بأنه منتقد صريح لقسد.

وقد دفعت هذه الحقيقة بالبعض إلى اتهام قسد مباشرة في قتله، رغم أن التنظيم أعلن مسؤوليته عن الهجوم بعد ذلك بوقت قصير.

وفي تصريحات صدرت في الأيام التي أعقبت اغتياله، اتهم عدد من زعماء العشائر المحلية قسد بقتل الهويدي بسبب “رفضه احتلال الرقة”.

وألقى آخرون باللوم على قسد والتحالف الدولي المناهض للتنظيم لفشلهم في حماية المدنيين في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في شرق سوريا.

وقال أبو عبد الله، وهو أحد أفراد عشيرة المجادمة، وهي إحدى العشائر التي دعت إلى مقاطعة قسد “عندما يقتل أي مدني، أعتقد أن المسؤولية تقع على عاتق السلطات العسكرية المسيطرة على المنطقة والمتواجدة هناك لحماية المدنيين”.

“هكذا يفترض أن تسير الأمور”

وطلب أبو عبد الله أن يتم حجب اسمه الحقيقي في هذا التقرير خوفا من الانتقام من قسد.

وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الرقة توترات بين قسد ذات الغالبية الكردية والسكان العرب المحليين منذ سقوط التنظيم.

وبينما رحب العديد من السكان في البداية بقسد في أعقاب انهيار التنظيم، أصبح البعض منذ ذلك الحين ينتقدون استمرار وجود قسد في المنطقة، متهمين إياهم بالتحرش والاعتقال التعسفي والتجنيد العسكري القسري للشبان العرب من السكان المحليين. وفي حزيران، اشتبكت قسد مع فصيل لواء ثوار الرقة، مما أسفر عن اعتقال نحو ٢٠٠ مقاتل من الفصيل حسب ما أوردته سوريا على طول في ذلك الوقت.

ومع ذلك، قال أبو عبد الله، أنها المرة الأولى التي يشهد فيها مثل هذا العداء المباشر والمفتوح تجاه قسد.

وأضاف إن “التوتر كان موجودا قبل الاغتيال. لكن بالرغم من حقيقة أن الكثير من الشبان العرب قد قتلوا من قبل في حوادث مختلفة، لم تصدر أي تصريحات بشأن ذلك حتى الآن”.

وفي البيانات التي صدرت بعد اغتيال الهويدي، دعا زعماء القبائل إلى “عودة الرقة إلى شعبها”.

وقال الأسعد، المتحدث باسم المجلس الأعلى للعشائر والقبائل السورية ومقره تركيا، مشيرا إلى الجناح السياسي لوحدات الحماية الكردية، التي تعد المكون الرئيسي لقسد “إن الأمور لن تهدأ … ما لم تغادر ميليشيات قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي كافة مناطق محافظة الرقة وتسلمها إلى شعبها”.

وتابع إن “الرقة في حالة اضطراب تام”.

عشائر الرقة “مقسمة ومجزأة”

في الوقت الذي أبلغ فيه السكان عن تزايد التوترات في الرقة وما حولها، يرى حيان دخان، وهو باحث في العشائر السورية في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، أنه من غير المحتمل أن تخمد الاضطرابات الكبيرة ضد سلطات قسد في شرق سوريا.

وقال “[العشائر] منقسمون ومجزأون، لا أعتقد أنهم سيكونون قادرين على قيادة ثورة كبيرة ضد قسد”.

لم تتخذ جميع العشائر موقفاً ضد قوات قسد بعد اغتيال الهويدي. وقال على سبيل المثال، كانت عشيرة السبخة من بين العشائر التي دعت إلى مقاطعة قوات قسد ولكنها أصدرت فيما بعد بياناً رفضت فيه التقارير واعتبرتها شائعات.

وذكر أحد زعماء عشيرة السبخة، في شريط فيديو قرأ فيه بيانا أمام علم قسد الأصفر الكبير “نحن نستنكر هذه الجريمة القذرة، وكان هدفها إثارة الفتنة والنيل من استقرار مدينة الرقة”.

كما أعرب بيان السبخة الذي نشر على صفحة الفيسبوك الخاصة بمجلس الرقة المدني عن شكره لـ “تضحيات قوات قسد”.

وقال أحمد الرقاوي، وهو عضو من عشيرة الأفاضلة أن الخلافات ليست مجرد خلاف بين عشرة وأخرى.

وعلى الرغم من انتماء الرقاوي إلى نفس العشيرة مثل الهويدي، قال أنه لا يعترف بسياسات شيوخ عشيرته.

ويعمل الرقاوي حاليا في منظمة تدعمها قوات قسد، وهو لا ينوي أن يترك وظيفته رغم الدعوة للمقاطعة.

وأضاف “لقد اتهموني بالخيانة لأنني أعمل مع قوات قسد” وطلب بإخفاء اسمه الحقيقي في هذا التقرير خوفاً من الانتقام من العشائر المحلية.

وفي الوقت نفسه، قال أنه على الرغم من التوترات والعنف في الأيام التي أعقبت الاغتيال “الرقة لا تزال مدينة عادية”.

وصرح أننا “لن نعد إلى نوع الأصولية القبلية التي سادت قبل الإسلام”، مشيراً إلى القوانين القبلية المبنية على المبادئ الذاتية ومبدأ “العين بالعين”.

قوات سوريا الديمقراطية حتى الآن “ناجحة” في اختيار العشائر

على الرغم من أن قوات قسد جعلت العشائر محورية في تأسيس مجلس الرقة المدني، حيث عينت 20 ممثلاً عشائريا في وقت مبكر، قال بعض أفراد العشيرة المحلية إن الغرض من إدراجهم هو مجرد إجراء شكلي لتبرير حكم قوات قسد للمنطقة.

وقال أبو عبد الله أحد سكان الرقة  “إنهم مجرد واجهة”، مضيفاً أن “الكثير من شيوخ العشائر الذين يعملون مع قوات سوريا الديمقراطية ليسوا جيدين بأي شيء إلا بإصدار البيانات”.

وأضاف “لأن [قوات سوريا الديمقراطية] لم تعين الشيوخ إلا لكسب العشائر”.

وبالرغم من هذه الشكوك، قال دوخان إن هذه الاستراتيجية المتمثلة في اختيار قادة العشائر المحليين كانت حتى الآن “ناجحة”.

ومع ذلك، يبدو أن قوات قسد ليست الوحيدة التي توجهت إلى العشائر في محاولة لتثبيت مكانتها في شرق سوريا. منذ بداية الصراع السوري، نجحت الجهات الفاعلة المحلية والخارجية في تعبئة عشائر الرقة وفقاً لمصالحها الخاصة.

وفي مقاله الأخير، جادل الدخان بأن ولاء العشائر للأحزاب المختلفة قد تم تحديده تاريخياً من خلال علاقات المحسوبية البراغماتية – الوصول إلى الأراضي التي يمكن أن ترعى فيها الماشية، والتمثيل في مؤسسات الحكم المحلي، فضلاً عن فرص العمل.

وقال الدخان لسوريا على طول أن “الأمر يتعلق بالحفاظ على مصالح [العشيرة]”.

ولم يكن من غير المألوف أن يغير زعماء العشائر ولاءهم خلال المراحل المختلفة للحرب، وتعهدوا بالولاء للحكومة السورية أولاً، ومن ثم إلى الجيش السوري الحر وتنظيم الدولة بعده وانتهى بهم المطاف تحت راية قوات سوريا الديمقراطية.

والقتال من أجل ولاء زعماء العشائر يمكن أن يكون لانهاية له.

وذكر الدخان “هناك احتمال بأن نشهد المزيد من هذه التوترات في المستقبل حيث يسعى ممثلو الخارج إلى جر العشائر لمصلحتهم” مضيفاً “أن المحاولات من الأطراف المختلفة لزعزعة استقرار الرقة [عن طريق] استخدام العشائر” من المرجح أن تستمر.

وتشير حالة عدم الاستقرار السائدة إلى أن شرق سوريا يمكن أن يكون عند مفترق طرق، حيث أن جميع القوى الإقليمية تحاول الحصول على حصة في مستقبل المنطقة.

فتركيا، على سبيل المثال، اعتبرت وحدات حماية الشعب الكردية  تهديدًا كبيرًا على حدودها، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى صلة الجماعة بحزب العمال الكردستاني، وهي حركة يسارية شبه عسكرية، تتصارع منذ سنوات مع الدولة التركية.

وفي الأسابيع الاخيرة، زاد القصف المتكرر لمواقع قوات الدفاع الذاتي على طول الحدود الشمالية، لا سيما حول كوباني، من المخاوف من هجوم وشيك بقيادة الأتراك على المناطق التي تسيطر عليها قوات قسد شرقي نهر الفرات.

وأكد الدخان إنه في حالة انطلاق مثل هذا الهجوم، يمكن لتركيا أن تحاول كسب العشائر المحلية واستغلالها لمصالحها.

وتابع “[إذا كانت العشائر] ترى أن الأمور تميل ضد قوات قسد… وأن القوات المدعومة من تركيا قادرة على استعادة هذه المناطق، عندئذ سوف تتخلى على الأرجح عن دعمها لقوات قسد”.

في الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن حكومة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلنت في السابق عزمها على الانسحاب من سوريا بالكامل، إلا أنها التزمت بالبقاء في شرق سوريا بهدف الضغط على الحكومة السورية وحلفائها.

وختم الدخان “إذا استمروا في تلقي الدعم من الولايات المتحدة وحلفائهم، فإن قوات قسد ربما ستتمكن من السيطرة والتحكم بهذه المناطق لفترة طويلة من الزمن”.

ومن المرجح أن تلعب العشائر العربية، التي تشكل غالبية سكان محافظة الرقة، دوراً أساسياً في هذه المسارات المستقبلية.

وقد لا يؤدي اغتيال الهويدي إلى اشتباك شامل بين قوات سوريا الديمقراطية وعشائر شرق سوريا، إلا أنه ترك محمد عثمان، أحد السكان الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من انتقام قوات قسد، وعشيرة الأفاضل قلقين من استمرار حالة “التوتر الشديد”.

وقال “هدوء ماقبل العاصفة يخيم على الرقة”.

شارك هذا المقال