6 دقائق قراءة

عشرات الصحفيين العالقين في الجنوب يخشون مصيرهم بعد حملة اعتقالات شنتها الحكومة في درعا

الشرطة العسكرية الروسية في بلدة طفس في درعا، ١١ تموز. […]


الشرطة العسكرية الروسية في بلدة طفس في درعا، ١١ تموز. تصوير: درعا الآن.

لا تنام الصحفية المستقلة سميرة الحوراني في المكان نفسه لأكثر من بضع ليال في كل مرة. فبعد أن سيطرت القوات السورية الموالية للحكومة على معظم جنوب غرب البلاد الشهر الماضي، بات التحرك بحرية في بلدتها مخاطرة لا ترغب في خوضها.

وقالت الحوراني لسوريا على طول، متحدثة من مكان غير معروف في درعا “كل يومين، ننتقل إلى منزل آخر”. وطلبت عدم نشر اسمها الحقيقي وموقعها خوفاً من اعتقالها من قبل القوات الموالية للحكومة.

وأضافت “نحاول تجنب ملاحقتنا أو تعقبنا من قبل النظام”.

وإلى جانب العشرات الآخرين العاملين في الإعلام السوري والناشطين غير القادرين على مغادرة جنوب غرب البلاد، تخشى الحوراني من أن يكون عملها مع المواقع الإخبارية المحلية والدولية قد وضعها في مرمى قوات الأمن السوري.

وتابعت قائلة لسوريا على طول “نحن مستهدفون، شهدنا معظم جرائم النظام، لذا يريدون اعتقالنا”، مشيرة إلى نفسها وغيرها من العاملين في المجال الإعلامي.

والحوراني هي واحدة من بين ٥٠ صحفياً وناشطاً ووسيطاً إعلامياً ما زالوا محاصرين في جنوب غرب سوريا بعد حملة جوية وبرية قادتها دمشق في حزيران واستعادت من خلالها السيطرة على المنطقة بكاملها، وفقا لما ذكرته رابطة الصحفيين السوريين.

ورغم أن الحكومة السورية سمحت لعدد غير معلوم من مقاتلي المعارضة وسكان درعا بمغادرة المنطقة في حافلات الإجلاء المتجهة إلى الشمال الذي تسيطر عليه المعارضة – بما في ذلك عشرات الصحفيين – فإن على أولئك ممن لا يستطيعون أو لا يرغبون بالخروج من الجنوب الذي سيطرت عليه الحكومة حديثاً تسوية وضعهم مع دمشق.

وفي الأسابيع الأخيرة، أضافت التصريحات المتناقضة من قبل وسائل إعلام الحكومة السورية ومفاوضي المعارضة، حول من هو مشمول وغير مشمول بالمصالحة مع الحكومة، المخاوف من أن الصحفيين قد يتعرضون للاعتقال والتعذيب في سجون الحكومة.

ومنذ هجوم الشهر الماضي، تم تقسيم محافظتي درعا والقنيطرة المجاورة بشكل فعال عبر اتفاقيات مصالحة تختلف شروطها من مكان إلى آخر، وعلى الرغم من أن وحدات الجيش السوري تسيطر بشكل كامل على جزء كبير من المنطقة، فإن بعض المدن والبلدات تدار من قبل مقاتلي معارضة، عقدوا مصالحة مع الحكومة مؤخراً، أو شرطة عسكرية روسية، وأحياناً من قبل الطرفين معاً.

والنتيجة هي خليط من الاتفاقيات المحلية التي يعمل بموجبها جهات فاعلة مختلفة من مدينة إلى أخرى، في حين أن “المئات” من الحواجز التي تنتشر الآن بين البلدات والقرى في المنطقة تعني أن الصحفيين قد يتعرضون لخطر “الاعتقال أو المضايقات”، وفقاً للحوراني.

ومن بين عشرات الصحفيين الذين ما زالوا عالقين في درعا، “يمكنك عدّ النساء على أصابع يد واحدة”، وفقاً للحوراني، مما يوحي بأن قلة عدد الصحفيات في المنطقة قد تجعل من تعقبهن وملاحقتهن أكثر سهولة بكثير من زملائهن الذكور.

وبالنسبة للحوراني، فإن الحل الوحيد هو مغادرة سوريا- وهو أمر غير متوقع إذا بقيت في جنوب غرب سوريا.

وشهدت عملية إجلاء مدعومة دولياً في محافظة القنيطرة، في أواخر الشهر الماضي، إجلاء أكثر من ٤٠٠ عنصر في الدفاع المدني السوري، وكذلك عائلاتهم، حيث نُقلوا إلى الأردن عبر مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.

وبالرغم من الاحتفاء بعملية الإنقاذ الدولية إلى حد كبير على أنها ناجحة، إلا أن ما يقارب ٤٠٠ عنصر آخر في الدفاع المدني وعائلاتهم ممن تم اختيارهم للإجلاء لم يتمكنوا من الوصول إلى القنيطرة في الوقت المناسب لإنقاذهم. ويبدو أن تنفيذ العملية الثانية لإنقاذ المحاصرين من عناصر الدفاع المدني والعاملين في المجال الإعلامي أمراً غير محتمل إلى حد كبير.

أما الخيار الثاني أمام الحوراني والبقية المنتشرون في محافظة درعا هو النزوح القسري إلى إدلب التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، حيث نُفذت عدة عمليات إجلاء بوساطة الحكومة عبر المحافظة خلال الشهر الماضي. ولكن على عكس المناطق الأخرى التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً في حلب والغوطة الشرقية، يتوجب على أولئك الراغبين في مغادرة درعا عبور مساحات شاسعة من المناطق ذات التعقيدات السياسية – والمرور على الحواجز على طول الطريق- للوصول إلى نقاط مغادرة متفق عليها مسبقاً. وهناك احتمال لحدوث المزيد من عمليات الإجلاء، لكن الحكومة السورية لم تعلن عنها بعد.

وقالت الحوراني لسوريا على طول “أنا واحدة من هؤلاء الناس الذين رفضوا الإجلاء إلى الشمال”. ورفضت أيضاً الخضوع للمصالحة، غير راغبة في العودة إلى الحياة تحت سيطرة الحكومة والضمانات غير المؤكدة التي قدمتها الحكومة السورية وحلفاؤها الروس.

اتهامات “لا أساس لها”

أدت موجة الاعتقالات الأخيرة في محافظة درعا إلى زيادة مخاوف الحوراني والآخرين من أن قوات الأمن السورية قد تستهدفهم قريبا.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، اعتقلت قوات الأمن العشرات من السكان المحليين في اللجاة ضمن حملة اعتقالات كبيرة، وفقاً لوسائل الإعلام التابعة للمعارضة.

وتتميز منطقة اللجاة بطبيعتها الصخرية وتقع على بعد 50 كيلومتراً شمال شرق محافظة درعا واستعادت القوات الموالية للحكومة سيطرتها عليها في حزيران.

وسألت سوريا على طول اثنين من مسؤولي المعارضة المحلية حول المحادثات الجارية بين مفاوضي المعارضة والمفاوضين الحكوميين وما إذا كان هناك مجموعات معينة ستحرم من المصالحة أم لا.

وعلى الرغم من أن نفس المسؤولين كانوا في الشهر الماضي منقسمين حول نتائج المحادثات الجارية مع الحكومة السورية، إلا أن كلاهما اتفقا على رأي واحد صباح يوم الثلاثاء، وهو أنه سيسمح لجميع الراغبين بالمصالحة بتسوية أوضاعهم مع دمشق، باستثناء الفصائل الإسلامية المتشددة.

وقال مسؤول معارض من مدينة بصرى الشام، حيث تجري المفاوضات بين فصائل المعارضة والحكومة السورية، لسوريا على طول، يوم الثلاثاء، أنه سيتم قبول الجميع للمصالحة.

ومع ذلك، اعترف المسؤول نفسه أن الاعتقالات لاتزال مستمرة في منطقة اللجاة في محافظة درعا و “لا يوجد سبب واضح”.

وأضاف المسؤول “ربما هناك أشخاص في اللجاة ينتمون لداعش، لكن بالنسبة لمعظم الذين تم اعتقالهم فإن الاتهامات الموجهة لهم لا أساس لها من الصحة”.

وقال أحد الناشطين المعارضين من اللجاة أن لديه قائمة بأسماء 118 معتقل. وقال الناشط، الذي طلب حجب اسمه ومكان تواجده، لسوريا على طول صباح الثلاثاء، أنه لا يزال مختبئاً منذ أكثر من أسبوع.

وأضاف “إنهم يبحثون عن الصحفيين والناشطين وعناصر الدفاع المدني، لكنهم لم يعتقلوا أي شخص حتى الآن” مؤكداً أن القوات الموالية للحكومة ما زالت “منتشرة” في اللجاة.

“أبشع الجرائم”

وكان كلما سافر سليمان إبراهيم في محافظة درعا يبقى بعيداً عن الطريق، على حد قوله. وكان الصحفي المستقل والناشط الإعلامي يسافر عبر البساتين والأراضي الزراعية في الليل فقط، خوفاً من أن يمر عبر نقطة تفتيش أو حاجز على الطريق وينتهي به المطاف في المعتقل.

وقال الإبراهيم لسوريا على طول “أخرج فقط بعد الساعة التاسعة مساءً، هناك نقاط تفتيش في كل حي”.

وشارك إبراهيم في دورة سوريا على طول التدريبية في عمان الأردن في الربيع، وذلك قبل أن يعود طوعاً إلى سوريا في وقت سابق من هذا العام، وواصل عمله في وسائل الإعلام قبل أن تشن القوات الموالية للحكومة حملتها لاستعادة أراضي المعارضة في جنوب غرب سوريا في حزيران.

وبالنسبة لإبراهيم لا يوجد أمامه سوى حلّين ممكنين، إما أن يتم إجلاؤه إلى بلد مجاور أو البقاء في درعا مع ضمانات دولية لسلامته.

ولكن مع الجهد الدولي الحالي، فإن هذا الإحتمال يقل ويقل مع مرور الوقت.

وذكر صخر إدريس، مسؤول في رابطة الصحفيين السوريين، أنه “لا يزال هناك أمل” في إمكانية حدوث إجلاء إلى بلد مجاور، مضيفاً أن ذلك سيعتمد على قرار الحكومة السورية في التعامل مع المعارضين الذين وجدوا أنفسهم في منطقة تسيطر عليها الحكومة حديثاً.

وقال الإدريس لسوريا على طول “أن مصير هؤلاء العالقين مرتبط بنظام الأسد أو حلفائه، لأنهم هم من يحاصر المنطقة”.

وفي الوقت الحالي، تعمل رابطة الصحفيين السوريين على تأمين ملجأ للصحفيين المحاصرين في الجنوب الغربي وتقوم بالضغط على المجتمع الدولي لتأمين إجلائهم.

ومع ذلك، فإن مخاوف الإبراهيم تزداد مع مرور الوقت، وقال لسوريا على طول “هناك مخاطر كبيرة وكثيرة ستحيط بي، وربما أتعرض للإعتقال بأي لحظة أو القتل أو التصفية وتغييبي في السجون كحال الآلاف من السوريين في معتقلات النظام”.

ويخشى الإبراهيم من أن يتم “الإعتداء على عائلتي من قبلهم لإجباري على تسليم نفسي”.

وأضاف “إذا لم يتم إجلائنا سترتكب أبشع الجرائم بحقنا”.

 

شارك هذا المقال