5 دقائق قراءة

عفو عام بتأثير محدود: ما أبعاد المرسوم التشريعي للأسد؟

جاء توقيت مرسوم العفو العام الذي أصدره بشار الأسد بعد أيام من كشف "مجزرة التضامن"، ما يشير إلى أن النظام يريد تخفيف الأثر الذي أحدثه اكتشاف المجزرة وما أثاره من ردود أفعال واسعة


13 مايو 2022

باريس- في مرسوم تشريعي هو الأول من نوعه، أصدر بشار الأسد عفواً عاماً “عن الجرائم الإرهابية المرتكبة قبل 30 نيسان/ أبريل 2022 عدا التي أفضت إلى موت إنسان”، وهو واحد من أصل 14 مرسوم “عفو عام” منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011.

وعملاً بموجب المرسوم، أصدرت وزارة العدل السورية التابعة لحكومة دمشق بياناً، في الخامس من أيار/ مايو الحالي، أعلنت فيه إلغاء كافة البلاغات والإجراءات، من قبيل: إذاعة بحث، توقيف، مراجعة، “بحق جميع المواطنين السوريين في الداخل والخارج”، المستفيدين من العفو “ما لم يتسبب فعلهم بموت إنسان، أو يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية أو ارتباطهم مع دول أخرى”.

لكن، منذ صدور المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2022 حتى التاسع من أيار/ مايو الحالي، أفرج النظام عن 419 شخصاً، بينهم 44 سيدة، و8 أشخاص كانوا أطفالاً حين اعتقالهم، وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، من أصل 132.667 معتقلاً لدى النظام في الفترة بين آذار/ مارس 2011 و آذار/ مارس 2022، وفق أرقام الشبكة السورية، ما يعزز الشكوك بجدية النظام في تطبيق المرسوم.

وربما تكون الأعداد المفرج عنها بموجب المرسوم الحالي “أكبر من المفرج عنها في مراسيم سابقة”، لكن “الأعداد ضئيلة مقارنة بالعدد الكلي للمعتقلين، ودون تطلعات الأهالي الذين تجمعوا في الساحات ينتظرون الإفراج عن معتقليهم”، وفقاً للناشط الحقوقي محمد العبد الله، مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، ومقره واشنطن.

آلية التنفيذ

بموجب المرسوم رقم 7، يتعين “على كل قاضٍ ووكيل نيابة ومدعي عام وموظف معنيّ بإنفاذ المرسوم، بما في ذلك الأجهزة الأمنية أن ينفذوا المرسوم دون طلب منهم”، وفقاً للعبد الله، لأن العمل بالمرسوم مرتبط بـ”النظام العام”، أي “على السلطة تنفيذ المرسوم حتى إن لم يطلب منها”.

كذلك، لا يشترط العفو على الأشخاص مراجعة الأفرع الأمنية أو المؤسسات المعنية “لأجل تسوية الأوضاع كما كان في المراسيم السابقة التي تشترط على المشمولين بالعفو تصويب أوضاعهم لدى الأجهزة الأمنية”، بحسب العبد الله.

لذلك مع سريان المرسوم، يجب أن تبدأ وزارة العدل “بتدقيق الملفات، ومحي الصفحة الشخصية للمشمولين بالعفو”، كذلك يتعين على المحاكم “إصدار مذكرات كف بحث، واسترداد المذكرات القضائية والتوقيف بحق الأشخاص المشمولين بالعفو”، كما قال العبد الله.

لكن نقيضاً لذلك، تخضع آلية تنفيذ مرسوم العفو الأخير وغيره من المراسيم السابقة “لمزاجية قادة الأفرع الأمنية ورؤيتهم”، كما قال المحامي ميشال شماس، عضو المركز السوري للدراسات والبحوث القانونية، وعليه “يتعذر معرفة المستهدفين من المرسوم وآلية الإفراج عنهم”.

ورأى شماس في حديثه لـ”سوريا على طول” أن المرسوم “قرار أمني بالمطلق”، مستدلاً على ذلك بعدم معرفة وزير العدل من يشملهم العفو، حيث قال “لا نعلم من سيتم الإفراج عنهم، وليس هناك قوائم أو أسماء”.

تأكيداً على ذلك، قال العبد الله “إن آلية تنفيذ العفو غير واضحة. لا أحد يعلم من سيفرج عنه، لا وزارة العدل ولا وزارة الداخلية”، كما لم يصدر النظام “قوائم بأسماء المفرج عنهم أو المشمولين، ولم يحدد مكان إطلاق سراح المعتقلين”.

وعليه، ترك النظام المدنيين في حالة حيرة، وألقى “على عاتقها مهمة تفسير المرسوم”، كما قال العبد الله، مؤكداً أن “ما حدث سياسة متعمدة من النظام، بهدف خلق حالة من الفوضى وخلط الأوراق، حتى لا يًعرف من أطلق سراحه ومن بقي معتقلاً”.

المستفيدون من المرسوم

حدد مرسوم العفو الفئة المستفيدة منه بوضوح، وهم مرتكبو “الجرائم الإرهابية” ما لم تتسبب بمقتل إنسان، وبذلك يشمل المتهمين بموجب مواد قانون الإرهاب رقم 19 لعام 2012، بحسب المحامي ميشال شماس.

في المقابل، غالبية المعتقلين موقوفون بتهم “ذات طابع سياسي”، من قبيل: وهن نفسية الأمة، إضعاف الشعور القومي، تغيير الدستور، إنشاء جمعية ذات طابع دولي، وإضعاف الثقة بالعملة الوطنية، أو بتهم “نصّ عليها قانون العقوبات العسكري”، وهؤلاء غير مشمولين بالمرسوم الأخير، وفقاً لشماس.

أيضاً يحدّ من أعداد المستفيدين من القرار مشكلة أن غالبية المعتقلين “متهمون بأكثر من تهمة، وفي حال سقطت تهمة سيبقى المعتقل داخل القضبان على خلفية تهمة أخرى”، وفقاً للناشط الحقوقي محمد العبد الله.

وشكك العبد الله في جدية النظام بالإفراج عن المعتقلين، مبدياً استغرابه من “عدم إسقاط النظام التهم كاملة”، خاصة أنه “استهدف في المرسوم الجرائم الإرهابية وهي الأصعب نظرياً، ويًحاكم المتهمون فيها بمحكمة الميدان العسكرية ومحكمة الإرهاب وسجن صيدنايا”، في المقابل “لم يسقط التهم المتعلقة بأمن الدولة وهي نظرياً أخف من الجرائم الإرهابية”.

وسبق للنظام أن أصدر مراسيم عفو سابقة شملت بعض مرتكبي “الجرائم” المتعلقة بأمن الدولة، كما في المرسوم التشريعي 22 لعام 2014، لكن “العفو كان عبارة عن تخفيض العقوبات”، وفقاً للعبد الله، حيث استبدل عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، واستبدل عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة 20 عاماً، كذلك استبدل عقوبة الاعتقال المؤبد بعقوبة الاعتقال المؤقت، ولكنه “لم يصدر عفواً عن مرتكبي الجرائم المتعلقة بأمن الدولة بشكل كامل”، بحسب العبد الله.

وأضاف العبد الله: “شمل مرسوم 2014 أربع مواد من أصل 35 مادة تتعلق بالجرائم الواقعة على أمن الدولة، وهي المواد: 285 و286 و293 و295″، المتعلقة بما أسماه المرسوم “إضعاف الشعور القومي، إنشاء جمعية بهدف قلب كيان الدولة الاقتصادي والاجتماعي”، وهذا يؤكد أن “المراسيم ليست شاملة، ويتم انتقاء موادها بناء على رغبة الأجهزة الأمنية”.

وتوقع شماس أن يستفيد من العفو، من وصفهم بـ”شبيحة النظام”، الذين “ارتكبوا أعمالاً إرهابية”، وقد تداولت صفحات مناهضة للنظام أسماء أشخاص تابعين للنظام من بين المفرج عنهم، وصفة العفو بـ”المسرحية”.

أبعاد المرسوم

يحمل مرسوم العفو أبعاداً سياسية واقتصادية واجتماعية، ويهدف إلى “ملء ميدان العمل والعلم والبناء، وصولاً إلى إعادة بناء سوريا”، كما جاء القاضي العسكري أحمد طوزان في مقابلة تلفزيونية مع القناة السورية، معتبراً أن المرسوم “حالة تسامح فريدة، وصك قانوني لم يسبق أن صدر من قبل”.

وتحاول دمشق خارطة طريق ومعالم المرحلة القادمة، لصياغة “عقد اجتماعي جديد”، بحسب عمر رحمون، عضو هيئة المصالحة الوطنية التابعة للنظام، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “العدو راهن على أن شمل سوريا لن يجتمع، وجرحها لن يلتئم بعد الحرب، لكن العفو بدد هذا الرهان”.

ويأتي العفو الأخير استكمالاً لـ”خطوات استراتيجة” التي بدأت “بالمصالحات والتسويات ومن ثم عقد مؤتمرات لعودة اللاجئين”، وفقاً لرحمون.

لكن توقيت العفو الذي جاء بعد أيام من نشر صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقاً صحفياً يكشف تسجيلات مصورة توثق ارتكاب النظام السوري مجزرة مروعة بحق مدنيين في حي التضامن الدمشقي، يشير إلى أن “النظام يريد تخفيف الأثر الذي أحدثه اكتشاف المجزرة، وما أثاره من ردود أفعال واسعة”، وفقاً لشماس.

وإذ يتفق دياب سرية، الرئيس المشارك لرابطة معتقلي صيدنايا، مع شماس في أن النظام “حاول خطف الأضواء والتغطية الإعلامية عن مجزرة التضامن”، أكد على أن دمشق تحاول الاستفادة من “التنسيق الإقليمي بشأن إعادة اللاجئين، وأعلنت عن العفو كورقة إضافية للدفع باتجاه العودة”، معتبراً أن “العفو قد يكون كخطوة تكميلية لعودة النظام إلى الجامعة العربية”.

وفي الوقت الذي يحاول النظام الحدّ من ردة فعل المجتمع الدولي على مجزرة التضامن، يحاول من خلال العفو إيصال رسالة إلى المجتمع المحلي يذكّرهم بأنه “المتحكم في حياتهم وتفاصيلها، ومصيرهم، وأنه القادر على منحهم العفو والحياة، وكذلك حرمانهم من كل شيء”، كما قالت لـ”سوريا على طول” المحامية جمانة سيف، عضو الحركة النسوية السورية.

ونفت سيف أن يكون مرسوم العفو في إطار اهتمام النظام بالمفاوضات أو المشاركة في الحال السياسية، مؤكدة أنه طيلة السنوات الماضية “لم يقدم الأسد أي تنازلات من أجل الحل”.

شارك هذا المقال