8 دقائق قراءة

“عليك إشارات حمراء في كل مكان”.. نازحون من أراضي تنظيم الدولة سابقاً يواجهون وصمة العار والتمييز الاجتماعي

مخيم للنازحين بالقرب من اعزاز شمال حلب في نيسان. سمير […]


مخيم للنازحين بالقرب من اعزاز شمال حلب في نيسان. سمير الدومي.

 

تخشى ردينة نقاط التفتيش منذ فرارها من منزلها في محافظة دير الزور الشرقية، التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة العام الماضي، أصبحت الأم البالغة من عمرها 26 عاماً، تعرف بالضبط السؤال الذي يجب توقعه عند الاقتراب من نقاط التفتيش الأمنية في البلدات والقرى الواقعة تحت سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي في سوريا.

“هل انت داعشي؟”

رغم أن ردينة كانت سجينة وطردت من منزلها من قبل الجماعة الإسلامية المتشددة، التي تعرف باسم “داعش” وتواجه في الوقت الحاضر سخرية من سكان ريف حلب الذين يشكون أنها متعاطفة مع تنظيم الدولة لأنها كانت تعيش في ظل حكمهم، على حد قولها.

وقالت لسوريا على طول من ريف حلب الشمالي “إنهم يعاملوننا كما لو أننا خطرين كألغام أرضية”.

ولم تكن ردينة وحدها من واجهت ذلك، حيث تحدثت سوريا على طول مع عدة أشخاص من النازحين من مناطق كانت في السابق تحت سيطرة تنظيم الدولة، وجميعهم أكدوا أنهم يواجهون “وصمة العار والتمييز الاجتماعي” في محافظتي حلب وإدلب الشماليتين الواقعتين تحت سيطرة المعارضة من قبل المدنيين وفي معظم الأحيان من قبل الفصائل العسكرية المحلية، وهذا الاعتداء “اللفظي” قد يكون كافياً في بعض الأحيان لدفع النازحين إلى العودة حيث جاؤوا.

وأشارت العديد من المصادر التي تمت مقابلتها في هذا التقرير إلى التمييز الذي يواجهونه الآن بوصفه “عنصرية” وهو مصطلح – على الرغم من أنه ليس دقيقًا تمامًا – إلا أنه يسلط الضوء على الهوّة الاجتماعية العميقة التي يمكن أن تشوه المجتمعات لسنوات قادمة، حتى بعد طرد تنظيم الدولة من غالبية الأراضي التي كانت تحت سيطرته سابقاً في سوريا.

وقال أبو مجاهد الشحيلاوي، البالغ من العمر 25 عاماً، والذي فرّ من تنظيم الدولة إلى محافظة حلب الشمالية التابعة للمعارضة منذ عامين “وكأنه عليك إشارات حمراء في كل مكان”. والشحيلاوي بالأصل من قرية الشحيل في دير الزور، والتي بقيت تحت سيطرة تنظيم الدولة لمدة ثلاث سنوات، إلى أن سيطرت عليها القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة من خلال هجوم عسكري كبير شنته العام الماضي.

وعلى الرغم من ذلك، قال الشحيلاوي أنه لا يزال يواجه تمييزًا من المدنيين وينظر إليه مقاتلو المعارضة على أنه من أعوان تنظيم الدولة سابقاً.

وأخبر الشحيلاوي سوريا على طول من قرية الشحيل بعد أن عاد إلى منزله قبل ثلاثة أشهر ليجد عملاً هناك أن “داعش أجرم بحقي وبحق عائلتي” وفرّ الشحيلاوي سابقاً إلى تركيا بسبب الضغوط الاجتماعية في شمال حلب.

وأضاف “أنت ضحية، وفي المناطق غير التابعة لداعش تُعامل كمجرم”.

“أنا ضيف هنا الآن”

في محافظة حلب الشمالية الريفية، توجد نقاط تفتيش منتشرة في عشرات المناطق والقرى المطلّة على الحدود السورية التركية، ويحرس مقاتلو المعارضة المدعومين من تركيا الشوارع في الوقت الذي يأتي فيه السكان للتسوق أو زيارة أحباءهم وأقربائهم من الحدود على أمل عبور الحدود إلى تركيا.

وكان الوجود الأمني ​​المكثف هناك هو الوضع الراهن بعد أن هزمت القوات التركية مقاتلي تنظيم الدولة وطردتهم من ريف حلب الشمالي في مطلع العام الماضي. وعلى الرغم من أن المنطقة نفسها كانت تخضع لحكم المجموعة المتشددة لأكثر من ثلاث سنوات، إلا أن الناس من معاقل تنظيم الدولة السابقة في أماكن أخرى من البلاد – بما في ذلك محافظة دير الزور ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق- قالوا أنهم يواجهون سوء المعاملة من السوريين المحليين.

كما وصف النازحون النبذ ​​الاجتماعي في محافظة إدلب التابعة للمعارضة، حيث توجد شبكة معقدة من جماعات المعارضة، ومن بينهم الفصائل التابعة للجيش السوري الحر، فضلاً عن هيئة تحرير الشام التابعة لتنظيم القاعدة سابقاً، التي تسيطر على ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين نسمة، ويُعتقد أن مليونًا منهم من النازحين من مناطق أخرى من البلاد، بما في ذلك المناطق التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة.

مظاهرة في مدينة اعزاز في شمال حلب دعماً لتركيا في 13 آب. الصورة من المجلس المحلي في مدينة اعزاز.

 

وبالنسبة للناشط الإعلامي سعد الفراتي من دير الزور، واجه سوء المعاملة في اليوم الذي وصل فيه إلى محافظة إدلب، وهرب هو وعائلته من مسقط رأسهم في ريف دير الزور، في كانون الثاني 2015، عندما كان لا يزال تحت سيطرة التنظيم، ليبدأ رحلته الخطيرة التي استمرت أسبوعين وعبر خلالها 200 كيلومتراً من الخطوط الأمامية ومناطق الصراع، وطلب الفراتي حجب اسمه الحقيقي لأسباب أمنية.

وأخيراً وجدت العائلة نفسها في الأتارب، وهي بلدة زراعية تبعد حوالي 34 كيلومتراً غرب مدينة حلب، التي تسيطر عليها الحكومة، ولم يكن لدى الفراتي وعائلته آنذاك أصدقاء أو أقارب في البلدة، ولا مكان يقيمون فيه. ومع عدم وجود أي خيارات أمامهم، دخلت العائلة إلى سوق الأتارب المحلي مع بداية شروق الشمس على أمل العثور على مكان يقيمون فيه.

ولم يكن لدى الفراتي شيئاً ليخسره واقترب من أحد السكان المحليين في السوق وسأله إذا كان يعرف مكان متوفر للسكن، لكن لهجة دير الزور الثقيلة والتي تختلف بشكل ملحوظ عن لهجة أهل ريف حلب، كشفته على الفور  أنه وافد إلى المدينة.

وقال الفراتي “نظر إليّ الرجل بتعجب” وسأله “أنت من دير الزور من آخر الدنيا ما الذي أتى بك إلى هنا”.

وأرشد الرجل الفراتي إلى مكتب عقاري محلي، لكنه أدرك أن فرصه في التوصل إلى صفقة عادلة كانت ضئيلة، خصوصاً مع لهجته الواضحة.

أخذ صاحب المكتب الفراتي إلى منزل قريب “مهترئ” و “قديم جداً”، يتألف من غرفتين ومطبخ صغير فقط، وعندما أخبره صاحب المكتب العقاري أن إيجاره الشهري 35 ألف ليرة سورية في الشهر (حوالي 68 دولاراً) صُدم الفراتي، وهذا مبلغ باهظ للغاية بالنسبة لمنزل في ريف حلب، وفقاً لما قاله الفراتي.

وأضاف الفراتي “أتيت إليكم من مكان بعيد وأنا ضيف عندكم الأن”.

ولكن صاحب المكتب العقاري تجاهل كلمات الفراتي، مهددًا بإنهاء العرض مع “ظهور علامات الغضب على وجهه” على حد قول الفراتي.

وقال الفراتي كان الجو بارداً جداً وكان ذلك المنزل الوحيد المتاح في المدينة مما جعله يقبل العرض على مضض.

وأضاف التمييز لم يتوقف، وفي بعض الأحيان كان من الصعب تحمله.

وذكر موقفاً آخر واجهه عندما شاهد ملاسنات كلامية بين شباب من حلب وشباب من دير الزور، وقال الشاب الحلبي “داعش ما قدرت تذبحكم من أجل أن نتخلص منكم؟ خربتوا دياركم وجايين تخربوا ديارنا”.

وقرر الفراتي وعائلته في نهاية المطاف العودة إلى مسقط رأسهم في دير الزور في وقت سابق من هذا العام، بسبب “النظرة السلبية التي واجهتها من الجميع، ومازلنا نواجهها”  وفقاً لما قاله لسوريا على طول.

“تداعيات”

أخبر السكان الذي كانوا يعيشون في المناطق التابعة لتنظيم الدولة سابقاً سوريا على طول أن وصمة العار والتمييز الاجتماعي غالباً ما ينبع من أناس في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، فهم يضعون بعض اللوم عن جرائم تنظيم الدولة على المدنيين الذين عاشوا تحت سيطرة المجموعة.

وقال عيسى الحسين، وهو بالأصل من دير الزور، لسوريا على طول “بدأ الناس يأخذون هذه النظرة الاجتماعية السلبية لاعتقادهم أن أهالي هذه المناطق هم من احتضن داعش” وطلب حجب اسمه الحقيقي لأسباب أمنية.

والحسين هو مدرّس لغة عربية من الميادين، وهي بلدة نائية على نهر الفرات تبعد حوالي 40 كيلومتراً عن مجرى النهر من مدينة دير الزور، واعترف بأنه لاحظ هناك حقيقة موثقة على نطاق واسع في الوقت الذي تولى فيه تنظيم الدولة المسؤولية في عام 2014، وهي تحالف عدد من العشائر المحلية مع الجماعة المتشددة في سعيها لاستغلال النسيج الاجتماعي القبلي العميق في المقاطعة.

وقال لسوريا على طول من مكان تواجده حالياً في تركيا بعد أن فر من شمال حلب “بصفتي ابن دير الزور، لا أنكر أن بعض سكان المنطقة تعاونوا مع داعش، تماماً مثل أي منطقة اخرى [كانت تقع تحت سيطرة التنظيم]”.

لكن يؤكد الحسين والآخرين أنهم لم يلعبوا أي دور في عهد تنظيم الدولة الوحشي، لذلك يجب معاملتهم على أنهم أبرياء، وقال “لا يمكنك أن تقول ببساطة أن جميع من في المناطق [التي كانت تحت سيطرة التنظيم واحدة] احتضنهم”.

وتحدثت سوريا على طول مع بسام الأحمد، الناشط الحقوقي السوري الذي ساعد في تأسيس مجموعة مراقبة مركز توثيق الانتهاكات في الأيام الأولى للحرب، ويعيش الآن في تركيا.

وعلى الرغم من أن الأحمد يعترف بأن بعض السوريين في ظل تنظيم الدولة “قبلوا” حكم الجماعة، إلا أنه لا يزال يشعر بالقلق من أن النبذ ​​الاجتماعي لأشخاص من الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم سابقاً قد يؤدي إلى عواقب أكثر شناعة بحق آلاف المدنيين الأبرياء الذين لم يقبلوها أبداً، ويكمن الخطر في أن التمييز الاجتماعي يمكن أن يتحول إلى انتهاكات ضد حقوق الإنسان، على حد قوله.

وأضاف “هذه النظرة السلبية يمكن أن تدفع بعض الأطراف إلى ارتكاب انتهاكات بحقهم مثل اعتقالهم لفترة طويلة أو عزلهم في مناطق معينة”

وذكر “نعم، إنها مجرد نظرة اجتماعية، ولكن لها تداعيات حقيقية” ووفقاً للنازحين فإن هذه الانتهاكات الحقوقية تحدث بالفعل.

وفي هذا السياق، وصل عزام الصفدي إلى ريف حلب الشمالي مع والديه وزوجته وأربعة أطفال في وقت سابق من هذا العام، عندما سيطرت القوات الموالية للحكومة على منزله في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق من تنظيم الدولة في وقت سابق من هذا العام، وفرض تنظيم الدولة سيطرته على غالبية المخيمات في شهر نيسان عام 2015.

وقال الصفدي البالغ من العمر 35 عاماً، إنه تم استجوابه عند نقاط التفتيش لأن عناصر الحواجز يشككون فيه، فقط لأنه كان يعيش في ظل تنظيم الدولة.

وأضاف “كان يكفي أن تقول أنك من مخيم اليرموك لتتهم على الفور بأنك داعشي أو أن أحد أفراد عائلتك داعشي” واستخدم اسماً مستعاراً خوفاً من تداعيات سلطات المعارضة في شمال حلب، حيث لا زال يعيش هناك.

وذكر الصفدي أن أسوأ المواقف عندما يسافر بين المدن في مناطق الشمال الواقعة تحت سيطرة القوات المدعومة من تركيا، على طول الطريق السريع حيث الوجود الأمني الكثيف “في أحد المرات سألوني: من أين أنت؟ قلت: من جنوب دمشق، أين في جنوب دمشق؟ أجبت: مخيم اليرموك”، وفوراً تحول التشييك الأمني ​​الروتيني إلى “استجواب” على حد قوله.

وأراد العنصر المناوب معرفة “ما الذي أقول به من أجل الحصول على لقمة العيش ولماذا أتيت أنا وعائلتي إلى هنا”.

وأضاف الصفدي “لقد بدأت أخبرهم بأنني من الغوطة الشرقية”، مشيراً إلى الجيب الذي كانت تسيطر عليه المعارضة سابقاً في الضواحي الشرقية لدمشق، والتي تم اجلاء سكانها أيضاً إلى الشمال في وقت سابق من هذا العام “فالبنسبة لهم (هم يعتقدون) إذا كان داعش يسيطر على مخيم اليرموك فكل من هناك هو داعشي”.

ونفى محمد فارس، مدير الشؤون القانونية في مدينة الباب الشمالية في مدينة حلب، وجود أي تمييز منهجي من قبل سلطات المعارضة هناك.

وقال لسوريا على طول “إنها ظاهرة اجتماعية”، مشيرًا إلى أن الباب كان أيضاً يخضع لسيطرة تنظيم الدولة إلى أن استولت عليها القوات التركية والمعارضة المدعومة من أنقرة في مطلع العام الماضي. “إذا كنا ننظر لأهالي الدير على أنهم حاضنة لداعش وكأننا ننظر لأهلنا في الباب على أنهم حاضنة أيضاً”.

ومع ذلك، فإن حالات التمييز المبلغ عنها لن تكون المرة الأولى التي يواجه فيها مقاتلون المعارضة في الشمال اتهامات بانتهاك حقوقهم، وقد أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً صدر في وقت سابق من هذا الشهر يتضمن تفاصيل الانتهاكات، بما في ذلك السجن والاحتجاز القسري للأشخاص العاديين على أيدي المعارضة المدعومين من تركيا في شمال حلب.

وجعلت الانقسامات الاجتماعية ردينة، التي لا تزال تعيش مع عائلتها في شمال حلب، تفكر بشكل جدي بالعودة إلى ديارها في محافظة دير الزور.

وقالت ردينة “هذا يؤلمني” واصفة الاتهامات التي تتعرض لها عند نقاط التفتيش المحلية، وعندما اقتربت ذات مرة من نقطة تفتيش في الآونة الأخيرة، سمعت أحد المقاتلين يضحك بصوت عالي ويقول”انظروا، أهل داعش قادمون” وأضاف مازحاً “وكأنهم قادمون من العصر الحجري”.

وحال ردينة مثل ابن بلدها الديري، الذي هرب مثلها من تنظيم الدولة إلى بر الأمان، ليس أمامهما خيار سوى الانتظار إلى أن يتمكنوا من ايجاد وسيلة للخروج.

وختمت “عندما أسمع ـأحداً يتكلم عن كمية المعاناة التي واجهها أهل دير الزور ونحن معهم، هذا يجعلني اضحك وأبكي في نفس الوقت”.

هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول، لمدة شهر كامل، للأراضي التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة سابقا، وذلك بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال