4 دقائق قراءة

غموض دوافع اعتقالات “قسد” لعاملين إنسانيين يثير أسئلة وقلقاً في الرقة

عمان- في سياق حملة أمنية كبيرة تشنّها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا، منذ هزيمتها "تنظيم الدولة" (داعش)، شهد الأسبوع الماضي حادثة نادرة تمثلت في اعتقال عدد من العاملين في منظمات مجتمع مدني بمدينة الرقة، ما قد يثير مخاوف بشأن مستقبل قطاع العمل الإنساني في المدينة.


عمان- في سياق حملة أمنية كبيرة تشنّها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا، منذ هزيمتها “تنظيم الدولة” (داعش)، شهد الأسبوع الماضي حادثة نادرة تمثلت في اعتقال عدد من العاملين في منظمات مجتمع مدني بمدينة الرقة، ما قد يثير مخاوف بشأن مستقبل قطاع العمل الإنساني في المدينة.

إذ وثق “إعلاميون بلا حدود-الرقة”، وهو فريق إعلامي محلي، اعتقال 6 أشخاص يعملون في 4 منظمات إنسانية، هي “صناع المستقبل” و”إنماء الكرامة” و”آفاق” و”الفرات”، بحسب ما ذكر عضو في الفريق لـ”سوريا على طول”. معتبراً أن اعتقال العاملين الإنسانيين “يبدو غريباً” لناحية وجود علاقة بين المنظمات التي يعمل فيها المعتقلون وجهات داعمة دولية.

وفيما لم يصدر عن المنظمات المعنية أي بيان بشأن اعتقال عاملين لديها، كما لم يتلق “سوريا على طول” رداً من اثنتين منها حاول الاتصال بها للتعليق، فقد برر أحمد العيسى، أحد العاملين في القطاع الإنساني بالرقة، هذا الصمت بالخوف. إذ “لن تتجرأ المنظمات على الحديث رغم وجود معتقلين من بين كوادرها”، عدا عن “خوف المقربين من المعتقلين والناشطين المحليين في الرقة من الحديث عن الاعتقالات على وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر رسائل خاصة خشية التبعات الأمنية”، بحسب قوله لـ”سوريا على طول”.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت في تقريرها الصادر مطلع آب/ أغسطس الحالي، اعتقال “قسد” 227 شخصاً في شمال شرق سوريا، بينهم 14 امرأة و18 طفلاً، خلال شهر تموز/يوليو الماضي.

تأتي عمليات الاعتقال، بحسب “قسد”، ضمن ما تسميه “المرحلة الثانية من معركتها ضد تنظيم داعش بعد هزيمته جغرافياً”، وهي تمثل “معركة الختام والفصل ضد الخلايا النشطة” للتنظيم في المنطقة. 

غير أن الاعتقالات ضد الناشطين قد تكون على خلفية “تقارير كيدية”، كما يحذر جاسم الرقاوي (اسم مستعار)، الناشط في العمل الإنساني بمدينة الرقة، والذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

وفيما يتعلق بالعاملين الإنسانيين تحديداً، أكد الرقاوي في حديثه لـ”سوريا على طول”، أن “لا أحد يعرف سبب [اعتقالهم]، وما إذا كانت المنظمات هي المستهدفة أم العاملين فيها، أو أن فعلاً هناك حملة أمنية مبنية على تورط المعتقلين بقضايا جنائية”.

مع داعش أم الأتراك أم النظام السوري؟

في السادس عشر من آب/ أغسطس الحالي، وعقب أيام على اعتقال أربعة عاملين إنسانيين، اعتقلت قوات “قسد” الشاب حسن فواز القصاب، منسق المشاريع في منظمة “كرييتف” الأميركية، من منزله في مدينة الطبقة بريف محافظة الرقة، بعد يوم من زفافه.

بعد يوم واحد من ذلك، أقدمت “قسد” أيضاً على اعتقال مدير منظمة “إنماء الكرامة” أحمد الهشلوم، من مكتبه في بلدة الكرامة بريف المحافظة، من دون معرفة أسباب الاعتقالات، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام محلية مناهضة لـ”قسد”.

مدير منظمة “إنماء الكرامة”، أحمد الهشلوم، يشارك في وقفة تضامنية بالرقة لإيقاف القصف على إدلب (ناشطون)

 

وفيما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تقرير نشره الأحد، إن الاعتقالات جاءت على خلفية اتهام بعض المعتقلين بالتعامل مع “داعش” وآخرين بالتعامل مع الأتراك، فإن مصدراً من “قسد” قال لـ”سوريا على طول”، إن “عدداً من الأشخاص الذين تم اعتقالهم كانوا يتعاملون مع النظام السوري، وبعضهم [منضمون إلى] خلايا لتنظيم داعش”.

وأضاف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أن “هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال أشخاص من قبل استخبارات “قسد”، لصلتهم مع النظام السوري أو تنظيم داعش أو حتى [فصائل] “درع الفرات” التابعة لتركيا”. مشدداً على أن “عملية الاعتقال [الأخيرة] تمت بعد ورود معلومات إلى استخباراتنا تثبت تورطهم”.

لكن مدير المكتب الإعلامي لـ”قسد”، مصطفى بالي، نفى من جهته حصول أي عمليات الاعتقال لناشطين في الرقة. وقال لـ”سوريا على طول” إن “قوات قسد لم تعتقل أحداً لا في الرقة ولا في غيرها، فهذا ليس من اختصاصها”.

وفي الوقت الذي لم تتضح فيه الأسباب الحقيقية وراء عمليات اعتقال العاملين الإنسانيين في الرقة، رأى العيسي أن “التهمة جاهزة. إنهم خلايا لتنظيم داعش”. 

لكن المفارقة أن “قسد” ذاتها متهمة بضمّ قادة وعناصر سابقين في “داعش” إلى صفوفها. إذ بحسب ما جاء في تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، نشر في آب/ أغسطس الماضي، فإن “فساداً كبيراً تعيشه الرقة في قطاع الإنشاءات من سرقات وتجاوزات، من قبل أشخاص كانوا سابقاً في صفوف التنظيم، وأصبحوا شخصيات بارزة في هذا المجال”.

وذكر المرصد أن قيادياً في “داعش” شارك في الهجوم على عين العرب/كوباني، اعتقل لعدة أشهر من قبل “قسد”، قبل أن يتحول إلى رجل الإنشاءات الأول في الرقة عقب الإفراج عنه.

شركاء الأمس

مثلت منظمات المجتمع المدني بعيد طرد “داعش” من مركز “خلافته المزعومة” في الرقة، لاعباً أساسياً في إعادة الحياة إلى المدينة. إذ لم يقتصر دورها على الدعم النفسي والمجتمعي، بل ساهمت أيضاً في عمليات الترميم وتقديم الخدمات، تنفيذاً لأحد الشروط التي وضعها مجلس الرقة المدني التابع للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، والتي تمثل السلطة العليا في مناطق شمال وشرق سوريا الخاضعة لـ”قسد”، لمنح هذه المنظمات التراخيص اللازمة لمزاولة عملها في المنطقة.

وفيما اعتبرت ناشطة في العمل الإنساني في الرقة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن “الاعتقالات لم تؤثر على العمل الإنساني إلى الآن”، فإنها أشارت في الوقت ذاته إلى وجود “مخاوف لدى العاملين في هذا القطاع”، ما قد يمس بفاعليته مستقبلاً.

شارك هذا المقال