6 دقائق قراءة

فصائل السويداء: اجتثاث “العصابات” أم استقواء وتفرد؟

منذ ربيع 2011، اكتسبت السويداء خصوصية دون غيرها، سواء على صعيد الخارطة العسكرية أو على صعيد الحالة الفصائلية، إذ كان لمجموعات السويداء حالة مختلفة عن غيرها في الأهداف والطموحات وشكل العلاقة مع دمشق وأجهزتها الأمنية والعسكرية


7 سبتمبر 2022

باريس- تعيش محافظة السويداء جنوب سوريا فصلاً جديداً من فصول صراع داخلي “غير متوقع”، منذ إعلان الفصائل المحلية، في أواخر تموز/ يوليو الماضي، اجتثاث حركة قوات الفجر، التي يقودها راجي فلحوط.

بعد القضاء على فصيل فلحوط، وتواريه عن الأنظار، توعدت حركة رجال الكرامة وفصائل محلية مواصلة حملة “ملاحقة العصابات التي تعمل في تجارة المخدرات والخطف وابتزاز الأهالي، لا سيما التابعة للأمن العسكري”، كما قال أبو تيمور، مسؤول الجناح الإعلامي في حركة رجال الكرامة لـ”سوريا على طول”.

وفي إطار حملة اجتثاث “المتورطين”، شنت الفصائل المحلية حملة على قوات الفهد التي يقودها، سليم حميد، في 14 آب/ أغسطس الماضي، انتهت بتفكيكها وتسليم زعيمها نفسه لقائد لواء الجبل مرهج الجرماني، قبل أن يطلق الأخير سراح حميد، ليعيد التوتر إلى المحافظة ذات الغالبية الدرزية مجدداً.

من مكان مجهول، رمى سليم حميد حركة رجال الكرامة، وهي الفصيل الأكبر في السويداء، بالتهم الموجهة إليه، من قبيل: “التعامل مع الأمن العسكري والأجهزة الأمنية الأخرى”، التابعة للنظام السوري، كما زعم في حديثه لـ”سوريا على طول”.

واعتبر حميد أن رجال الكرامة يرمون من حملتهم “السيطرة على المشهد العام في السويداء وخلق حجج للسيطرة على باقي الفصائل”. ورغم وجود تأييد واسع للحملة العسكرية إلا أن مثل تلك الاتهامات تزيد من أزمة السويداء، باعتبارها أول مواجهات مباشرة درزية-درزية. 

خارطة عسكرية جديدة

منذ ربيع 2011، لم تنأى السويداء بنفسها عن الأحداث، لكنها اكتسبت خصوصية دون غيرها من باقي المحافظات السورية، سواء على صعيد الخارطة العسكرية، إذ لم تخرج المحافظة عن سيطرة النظام السوري، لكنها ليست تحت حكمه المباشر، أو على صعيد الحالة الفصائلية، إذ كان لمجموعات السويداء حالة مختلفة عن غيرها في الأهداف والطموحات وشكل العلاقة مع دمشق وأجهزتها الأمنية والعسكرية.

“إنها حالة فصائلية نادرة جداً، كون غالبية المجموعات العسكرية المحلية في السويداء أسست كمجموعات عسكرية عائلية، تتكون من أفراد العائلة الواحدة، بقيادة وجهائها، ويدعمها المغتربون من أبنائها”، وفق أبو تيمور، ناهيك عن “المجموعات العسكرية التي تتبع للدولة، لكن رصيدها صفر”، على حد وصفه.

وبطريقة مغايرة، تأسست حركة رجال الكرامة، كحركة عسكرية واجتماعية ذات طابع ديني،  قبل تسع سنوات، على يد الشيخ وحيد البلعوس، الذي اغتيل في أيلول/ سبتمبر 2015، بتفجير موكبه، ويُتهم النظام السوري بالوقوف وراء اغتياله.

جمعت الحركة عناصرها “من كل قرى وبلدات المحافظة، لتصبح حالة اجتماعية”، كما قال أبو تيمور، مشيراً إلى أن حركته “تسعى من أجل العدالة والحرية والكرامة والمساواة والانتقال السياسي، وهي طموحات الشعب السوري”.

لكن هذا لا ينفي أن المشهد في السويداء “أشبه بخريطة ميليشاوية”، كما وصفها د. يحيى العريضي، الأكاديمي السوري، والمتحدث السابق باسم لجنة التفاوض السورية (المعارضة)، أسهم في ترسيخها عدم اتباع النظام نفس النهج الذي اتبعه مع باقي المحافظات.

ومن منطلق ادعاءاته بأنه “حامي الأقليات”، وهي “حجة كاذبة”، بحسب العريضي، يمكن معرفة سبب صناعة النظام السوري لـ”العصابات المحلية” التابعة له، التي تعدّ “أسلوباً جديداً صنعه لنفسه”، لتكون هذه المجموعات “أدوات تعمل على إغراء ضعاف النفوس وتجنيدهم لتنفيذ ما يريده النظام”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”. 

منذ اغتيال البلعوس غاب دور الفصائل المحلية المعروفة بموقفها المناهض للنظام السوري، مثل حركة رجال الكرامة، لكن في أعقاب الحملة العسكرية الأخيرة ضد المتورطين في عمليات الخطف وتهريب المخدرات “تنامت قوة الفصائل المهاجمة، مثل رجال الكرامة ولواء الجبل، ومجموعات آل طويل وبلدة عريقة”، وفقاً لريان معروف، مدير شبكة السويداء 24، التي تعنى بتغطية أحداث السويداء، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن هذا الحلف “تصدر المشهد العام بعد إقصاء المليشيات التابعة للمخابرات العسكرية وتفكيكها بطرق مختلفة، إما عبر اتفاقيات أو عمليات عسكرية وأمنية”.

ومع أن العملية ضد المجموعات التابعة للأمن العسكرية مشتركة بين عدة مجموعات محلية، إلا أن سليم حميد ركّز على دور رجال الكرامة، مدعياً أنهم “سوف يهاجمون فصال أخرى”، بما فيها لواء الجبل بقيادة مرهج الجرماني، وهو أحد الفصائل المشاركة في العملية إلى جانب رجال الكرامة، “بذريعة أنه أطلق سراحي”، وفق حميد. 

واعتبرت حركة رجال الكرامة أن إطلاق سراح حميد كان “بقرار فردي من قادة أحد الفصائل”، معلنة في 29 آب/ أغسطس، إطلاق حملة عسكرية ضد “المجرمين الذين تم إطلاق سراحهم”.

رداً على ذلك، نفى أبو تيمور، مسؤول الجناح الإعلامي في “رجال الكرامة”، أي طموح للسيطرة على الفصائل “التي لا تتبع لجهات أمنية”، مشيراً إلى أن الفصائل ذات الطبيعة المناطقية (القروية) والعائلية “كانت مؤازرة لنا أثناء العمليات ضد العصابات”.

وبدوره، استبعد ريان معروف أن تصبح حركة رجال الكرامة “الفصيل الأوحد في المنطقة”، وعزا ذلك إلى “التعقيدات العشائرية والاجتماعية الكبيرة”، ناهيك عن أن “عدم وجود رغبة شعبية في اجتثاث فصيل معين تجعل من الصعب أن تشن الفصائل العسكرية حملة ضد هذا الفصيل، حتى لو امتلكت القوة والنية”.

واستند معروف في رأيه إلى “تأخر العملية ضد عصابات الأمن العسكري بسبب الحساسية الاجتماعية، التي تفرض على الفصائل أن تتعامل مع بعضها كأبناء مجتمع واحد”. وعليه “لا أتوقع أن يكون لدى رجال الكرامة نية لقضم باقي الفصائل”.

“رجال الكرامة” والسلطة الدينية 

تأسست رجال الكرامة، كحركة اجتماعية ذات طابع ومرجعية دينية بالدرجة الأولى، تمثلت عند تأسيسها بالشيخ وحيد البلعوس، وخلفه الشيخ أبو حسن يحيى الحجار، القائد العام الحالي للحركة، تعاملت هذه المرجعية الدينية بشكل براغماتي مع الواقع السوري، بحسب ريان معروف، مشيراً إلى أن “طموحاتها تختلف باختلاف المرحلة”.

تعدّ “رجال الكرامة” النموذج الأكثر انتظاماً، من بين الفصائل الدرزية التي يحكمها الوجهاء التقليديون من الزعامات الدينية والاجتماعية، غير أنها لم تكن على وفاق تام مع مشايخ العقل، السلطة الدينية الأعلى في المحافظة.

لكن إعلان الرئاسة الروحية لمشيخة العقل، ممثلة بالشيخ حكمت الهجري، تأييد الحملة العسكرية التي قادها “رجال الكرامة” وشاركت فيها فصائل أخرى ضد راجي فلحوط “والعصابات”، أدى إلى تحسين العلاقات، إذ يبدو أن فصائل السويداء كانت تنتظر بيان “العقل” لتستند إليه باعتباره تفويضاً دينياً يدعم حملتها ضد المجموعات التابعة للأمن العسكري.

وفي ذلك، وصف أبو تيمور علاقة رجال الكرامة بمشيخة العقل بـ”القوية والمتينة”، خاصة مع الشيخ الهجري، الذي “أمن الغطاء الديني والاجتماعي لرجال الكرامة وبقية الفصائل بالعملية الأخيرة، وكان كلامه بمثابة دافع لنا وللناس التي تعاونت معنا”. 

العلاقة بين الجانبين لم تكن كذلك في السنوات الأولى من عمر الثورة السورية، إذ شهدت العلاقات بينهما، في عام 2015، توتراً كبيراً وصل حدّ توجيه “البعد الديني إلى وحيد البلعوس وأتباعه”، يعني ذلك نزع صفة المشيخة عن البلعوس، وجاء ذلك بعد هجوم البلعوس على رأس النظام، قائلاً: “نحن وطنيون أكثر من بشار الأسد”.

اليوم، يقرّ “رجال الكرامة” بأن “مشيخة العقل هي السلطة الدينية والاجتماعية العليا في المحافظة”، كما قال أبو تيمور، معرباً عن سعيهم إلى “التقارب مع كل الفعاليات وعلى رأسهم مشايخ العقل”.

من جهته، قال العريضي: “لا يمكن الجزم بأهداف هذا التقارب وسبب الوئام بين القوة الشبابية التي تسمى رجال الكرامة ومشايخ العقل”، متوقعاً الدعم العام لهذا التقارب “إذا كان فيه مصلحة المحافظة وأمنها وكرامتها”، لكن إذا كان الوئام “له ارتباطات مع منظومة الاستبداد بشكل أو بآخر، والغرض الأساسي والجوهري منه خدمة السلطة المستبدة كأدوات لها، أعتقد أن مصيره سيكون أبشع من مصير راجي فلحوط”.

العلاقة مع النظام

طيلة السنوات الماضية تبنت الفصائل الدرزية موقف “الحياد الإيجابي”، بمعنى أنها ليست موالية للنظام ولا معارضة له”، وعلى رأس تلك الفصائل “رجال الكرامة”، التي رفعت سقفها قليلاً عندما “أخذت مواقف علنية رافضة للتجنيد الإجباري، وكرست جهودها للدفاع عن العرض والأرض في المحافظة”، وفق معروف، لكنها في الوقت ذاته “حافظت على خطابها حتى اليوم، ولم تتبنَ منذ تأسيسها أي دعوة للحكم الذاتي جنوب البلاد”.

سمح هذا الواقع لفصائل السويداء الحفاظ على قنوات الاتصال مع النظام السوري وأجهزته الأمنية، التي “لم تنقطع”، بحسب معروف، لكنها “تختلف من مجموعة عسكرية لأخرى”، مشيراً إلى أن “الفصائل المحلية، باستثناء التابعة للأمن العسكري، تتعامل مع النظام من أجل البحث عن الاستقرار وحل المشاكل الأمنية، كما تفعل حركة رجال الكرامة، فهي تتعاطى مع الموضوع على غرار لجان التفاوض المركزية في درعا، تحاول وقف الصدامات والتهدئة ومنع التوتر”.

أما بالنسبة للمجموعات العسكرية المحسوبة على الأمن العسكري، تمارس مهامها بـ”تفويض أمني” من النظام، كما أكد أبو تيمور، مستشهداً بردّ اللواء كفاح ملحم، رئيس المخابرات العسكرية، على شكوى تقدم بها وجهاء مدينة شهبا ضد مجموعة فلحوط، فكان الجواب “فلحوط يمارس عمل الدولة بتفويض قانوني ورسمي، كضابط عدلية في المحافظة”.

واليوم، رغم اجتثاث وتفكيك أكبر مجموعتين تتبعان للأمن العسكري، إلا أنه “لا نستطيع القول أن المشروع انتهى، فهناك خلايا وأشخاص آخرين مجندون للقيام بنفس أفعال فلحوط”، كما قال العريضي، وهنا يبرز سؤال: “من هو المرشح لأن يلعب دور راجي بعدما حدث؟”.

في المقابل، يتعين على أي شخص بعد الحملة الأخيرة “أن يفكر ألف مرة قبل أن ينصب حاجزاً لإرهاب الناس، أو يعمل في تصنيع المخدرات وتهريبها”، بحسب العريضي.

هذا لا ينفي أن لدى “النظام أدوات أخرى”، وأنه سيحاول “ضرب إجماع السويداء الذي نشأ خلال الشهرين الماضيين، عبر ضرب رجال الكرامة بالفصائل الأخرى، وضرب أبو حسن حجار [قائد رجال الكرامة] بصفته الشخصية مع آخرين، إضافة إلى تنفيذ أعمال ورميها على الآخرين بهدف إثارة الفتنة”، وهي السياسة المستخدمة في السويداء، كون “النظام فشل في التعامل معها، كما باقي المحافظات، باستخدام البراميل والأسلحة الثقيلة، كونها أقليلة”.

في الوقت الذي برز دور حركة “رجال الكرامة” والتف أهالي السويداء حولها لمواجهة “العصابات”، صارت العلاقات مع النظام “شبه متوترة”، بحسب أبو تيمور، مشيراً إلى أن “الجهات المعنية والأمنية في الدولة تظهر تجاوباً مع مطالب الحركة، والتي هي أساس مطالب الأهالي”. 

وكشف أبو تيمور عن “وجود مساع للتهدئة”، لكن تحسن العلاقات مع النظام “منوط بمدى استجابته لمطالب الشعب السوري بشكل عام، ووقف دعمه للعصابات التي تمارس الإرهاب والخطف والنهب” في السويداء.

شارك هذا المقال