5 دقائق قراءة

“فيروس كورونا” والعجز الاقتصادي يرهقان سكان دمشق

فيما كان "عليك أن تقف ساعات في طوابير طويلة لتحصل على المواد المدعومة من الدولة"، بحسب العلي، فإن "الحصول عليها، بالإضافة إلى أسطوانات الغاز، وسط المخاوف من تفشي فيروس كورونا يجعل الأمر أكثر صعوبة"


24 مارس 2020

أول من أمس، الأحد، أعلنت دمشق عن أول إصابة بفيروس كورونا في سوريا، والذي دخل مرحلة الوباء العالمي منذ 11 آذار/مارس الحالي.

انعدام الشفافية، وبالتالي الثقة في الخطاب الرسمي، لاسيما مع ظهور تقارير إعلامية تشير إلى وجود إصابات بالفيروس تم التكتم عليها، ترك سكان العاصمة دمشق نهباً للشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي، من قبيل إصابة مئات الأشخاص بالفيروس بل وتسجيل وفيات إيضاً، كما قالت إحدى السوريات المقيمات في دمشق لـ”سوريا على طول”. وهو ما أكده أيضاً عضو في فريق “عدسة شاب دمشقي” المتخصص بنشر صور من داخل العاصمة؛ بقوله إن “النظام يخبئ الكثير من الحالات ولا يعلن عنها”.

وبما أن “التشبث بالحياة من أولويات البشر، وهو طبع مغروس في الفطرة، يحاول أهالي العاصمة مواجهة الوباء بالتقيد بإجراءات السلامة بالقدر المتاح”، بحسب سامر العلي (اسم مستعار). ذلك أن “العجز الاقتصادي الذي نعيشه، وهو الأسوأ مقارنة بما مضى”، كما أضاف لـ”سوريا على طول”، “يجعلنا في صراع بين العزلة للوقاية من كورونا والخروج بحثاً عن متطلبات الحياة”.

مواطنون يستقلون حافلة نقل عمومية في العاصمة دمشق، 26/ 01/ 2020 (عدسة شاب دمشقي)

ورغم أن الحكومة دمشق اتخذت مجموعة من الإجراءات الاحترازية لاحتواء الوباء ومنع انتشاره، من قبيل تعليق دوام المدارس والجامعات، فقد حذّر رئيس فريق منظمة الصحة العالمية للوقاية من الأخطار المعدية، عبد النصير أبو بكر، مما سماه “انفجاراً” في حالات الإصابة بفيروس كورونا في سوريا واليمن.

فالبلد الذي يعاني من تدهور القطاع الصحي بسبب سنوات من الحرب والعقوبات الاقتصادية، يواجه أيضاً تحديات حتى على صعيد الوقاية من فيروس كورونا، من قبيل نفاد “الكمامات والكحول ومواد التعقيم”، إضافة إلى “ضعف القدرة الشرائية عند شريحة واسعة من السكان لشراء مثل هذه المواد”، كما قالت باحثة اجتماعية سورية، مقيمة في دمشق، تحدثت إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية.

“نحن محرومون من كل شيء”

بهذه العبارة لخص العلي حال شريحة واسعة من أبناء دمشق، إذ “يعجزون عن تأمين ربطة الخبز، رغم أنها ما تزال رخيصة، [إذ تبلغ قيمتها 600 ليرة سورية، أو ما يعادل 0.49 دولار أميركي بحسب سعر الصرف 1240 ليرة للدولار]”.

رجل يقف قرب كمية من الخبز المتيبس في حيّ الشاغور بدمشق، 15/12/2019 (عدسة شاب دمشقي)

وأضاف العلي، تعقيباً على الصور التي نشرها “عدسة شاب دمشقي”، وتعيد “سوريا على طول” نشرها هنا: “هذه الصور وأسوأ منها تراها حيثما التفت. عجز كبير، والعاجز يعيش من خلال التقتير على نفسه، متناسياً شيئاً اسمه الفواكه واللحوم؛ إذ كلّ همه تأمين الاحتياجات الضرورية”.

وكانت منظمة اليونيسيف أشارت في تقرير لها، في آب/أغسطس 2019، إلى أنه “يعيش أربعة من بين خمسة أشخاص من السوريين تحت خط الفقر، مما يدفع بالأطفال إلى اتخاذ تدابير قصوى للبقاء على قيد الحياة – مثل التوجه إلى عمالة الأطفال وزواج الأطفال والتجنيد للقتال – وذلك لمساعدة أفراد عائلاتهم في سد الرمق“. كما نبهت الأمم المتحدة على لسان منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية، في آذار/مارس الماضي، إلى أن أكثر من 80% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر.

ومع الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي تشهدها سوريا، والمتمثلة في هبوط سعر الليرة مقابل الدولار، بحيث بلغ اليوم 1240 ليرة للدولار الواحد (رغم بقاء سعر الصرف الرسمي عند 704 ليرات للدولار)، ما تسببت بارتفاع حاد في أسعار السلع والخدمات، دعمت الحكومة أصنافاً أساسية هي السكر، والأرز، والشاي، وأدرجتها ضمن المواد المتاح شراؤها من منافذ محددة عبر “البطاقة الذكية” التي كانت مخصصة للوقود والغاز.

لكن فيما كان “عليك أن تقف ساعات في طوابير طويلة لتحصل على المواد المدعومة من الدولة، وربما لا تحصل عليها” بحسب العلي، فإن “الحصول على هذه المواد، بالإضافة إلى أسطوانات الغاز، وسط المخاوف من تفشي فيروس كورونا يجعل الأمر أكثر صعوبة”، لاسيما وأن “تجربة الحصول على المواد المدعومة من منافذ البيع المعتمدة قد تفشل، وبالتالي عليك تكرار التجربة في يوم آخر”.

سوريون ينتظرون أمام أحد مراكز توزيع الغاز في دمشق، 25/ 1/ 2020 (عدسة شاب دمشق

“معاً ضد الكورونا”

عقب اتخاذ الحكومة سلسلة إجراءات لمواجهة الفيروس المستجد، نشرت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” صوراً من عدد من المدن السورية الواقعة تحت سيطرتها، تحت شعار “معاً ضد الكورونا”، تظهر فيها الشوارع وقد خلت من المارة، والمحال التجارية موصدة أبوابها.

صور تظهر أحد الأسواق المغلقة في العاصمة دمشق، 22/ 3/ 2020 (سانا)

وإذ استثنت الإغلاقات محال بيع المواد الغذائية، فإن ذلك قد يفسر “عدم تهافت الناس على تخزين” هذه المواد، بحسب الباحثة الاجتماعية، لكنه قد يكشف أيضاً حقيقة أخرى، وهي أن “الناس ليس لديها قدرة على الشراء والتخزين، فيما من يملك مالاً اشترى”.

هذا التباين في الظروف المعيشية بين سكان العاصمة، يطال أيضاً الاستجابة للوقاية من فيروس كورونا، وطرق التعامل مع مخاوف تفشي الوباء.

إذ بحسب الباحثة الاجتماعية فإن “الأحياء الغنية في دمشق تلتزم بالحجر الصحي [المنزلي] أكثر من المناطق العشوائية الفقيرة”. ويعود ذلك إلى “تدفق المعلومات، و[مستوى] التعليم، ومتابعة الأخبار في حال الأغنياء، وذلك على العكس من الفقراء”. كما إن “الأغنياء لديهم أشياء أكثر يخشون خسارتها، فيما الفقراء لا يملكون شيئاً ليخسروه”، كما قالت.

هكذا، يبدو “الفقر في دمشق من أكبر المصائب، وخاصة من لا معيل لديهنّ من النساء”، بحسب عضو فريق “عدسة شاب دمشقي”. إذ وسط الدعوات التي تطالب الناس التزام منازلهم، “هناك عائلات بأكملها تنام في الشوارع، ولا ننشر صورها احتراماً لها ولكرامتها”.

رجل يقرأ القرآن على قارعة الطريق في حي باب سريجة الدمشقي، 11/ 1/ 2020 (عدسة شاب دمشق)

شارك هذا المقال