11 دقائق قراءة

في إدلب: أطفال رضع يرمون إلى المجهول!

التخلي عن الأطفال الرضّع ظاهرة آخذة في التزايد والانتشار في مناطق سوريّة عديدة، بسبب الفقر الشديد، وبما خلف عشرات الأطفال مجهولي النسب. إذ تعمد أمهات إلى وضع أولادهن أمام المساجد وفي الحدائق العامة أو الطرقات.


20 فبراير 2020

إدلب – تكشف إشراقة صباح الثالث والعشرين من آب/ أغسطس 2019 ما كان سراً في الظلام، بعدما وجد رجل خمسيني طفلة رضيعة لم يتجاوز عمرها 8 أشهر، متروكة في لفافة بيضاء أمام مسجد بلدة الخواري في ريف إدلب، ومعها رسالة كتب فيها: “هذه الطفلة يتيمة من مدينة خان شيخون وبحاجة لرعاية صحيّة”. وإلى جانب الرسالة تم وضع بعض ملابس للطفلة.

وكما يروي محمد، إمام مسجد البلدة: “أيقظتني زوجتي على صوت طفل يبكي بالقرب من منزلنا القريب من المسجد. على الفور، خرجت لأجد طفلة صغيرة تبدو في حالة سيئة، وبالقرب منها حقيبة ملابس وورقة”.  مضيفاً: “قدمنا العلاج للطفلة. وقد أصبحت الآن بصحة جيدة بعدما كانت تعاني من الضعف الشديد نتيجة الجوع”.

رسالة وجدت إلى جانب الطفلة التي عثر عليها إمام بلدة الخواري

التخلي عن الأطفال الرضّع ظاهرة آخذة في التزايد والانتشار في مناطق سوريّة عديدة، بسبب الفقر الشديد، وبما خلف عشرات الأطفال مجهولي النسب. إذ تعمد أمهات إلى وضع أولادهن الذين لا تتجاوز أعمارهم ساعات أو أياماً معدودات، وفي أحسن الأحوال شهراً إلى شهرين، أمام المساجد وفي الحدائق العامة أو إلى جانب الطرقات، وتغادرن، لأجل أن يعثر عليهم المارة والسكان المحليون فيضمونهم إلى رعايتهم.

وبحسب تقرير لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية، “لا أدري إن كنتُ سأخبرها بقصتها أم لا”!، والمنشور في 11 حزيران/ يونيو 2019،  فقد “ظهرت الكثير من حالات رمي الأطفال الحديثي الولادة والتخلي عنهم من قبل عائلاتهم في مناطق عدّة من سوريا، [و] حتى إن تكفل أحد برعايتهم، إلا أّنّ العديد منهم لا قدرة لديهم على تسجيلهم بشكل رسمي أو الحصول على أوراق ثبوتية، وهو ما يعني حرمان الطفل من كافة الحقوق المدنية، والحرمان من حياة طبيعية تراعي إنسانيتهم وطفولتهم، وخاصةَ أنّ التبني ممنوع ولأسباب أخرى حسب المنطقة والجهة المسيطرة عليها”.

في السياق نفسه، أعلن مصدر قضائي في دمشق، في 19 آذار/ مارس 2018، أن “عدد مجهولي النسب خلال الأزمة المسجلين بلغ نحو 300 طفل”، وأن “دائرة العدلية في دمشق تستقبل حالة من هذا النوع كل شهرين”.

21 حالة موثقة في إدلب

الطفلة التي وجدها إمام بلدة الخواري هي واحدة من 21 حالة لأطفال رضّع تم التخلي عنهم في محافظة إدلب وحدها، خلال العام  2018 والنصف الأول من العام الماضي 2019 ووثقها هذا التحقيق بشكل يتضمن زمان ومكان العثور على المولود، وجنسه. علماً أن ثلاثة من الأطفال وجدوا متوفين.

لكن كما يكشف المهندس محمد حلاج، مدير “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري، وهي منظمة إغاثية محلية، فإنه يتم تسجيل ما بين 4 و8 حالات لأطفال حديثي الولادة مجهولي النسب شهرياً في إدلب شمال غرب البلاد. 

وتضم المحافظة التي تعد آخر معاقل المعارضة التي تقاتل قوات النظام السوري، حوالي أربعة ملايين شخص، جزء كبير منهم نازحون من مناطق سورية أخرى عديدة، رفضوا إبرام تسويات ومصالحات مع حكومة دمشق. فيما كان عدد سكان المحافظة قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العام 2011، نحو 165 ألف نسمة، وفق إحصاءات رسمية.

ومنذ النصف الثاني من العام 2019، تتعرض إدلب لحملة عسكرية شرسة من قبل قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها، بدعم روسي، أدت إلى سيطرة هذه القوات على أجزاء واسعة من المحافظة، لاسيما مدن خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب. كما أدى هذا التصعيد، بحسب تصريح للمتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ديفيد سوانسون، في 17 شباط/فبراير الحالي، إلى تهجير نحو 875 ألف إنسان منذ الأول كانون الأول/ديسمبر 2019، معظمهم من النساء والأطفال.

طفلة بين الركام

قريباً من مدينة سلقين التابعة لمحافظة إدلب، يعلو فجأة صوت الطفلة سارة (10 سنوات) منادية أحد عناصر فرق الدفاع المدني السوري (المعروف باسم “الخوذ البيضاء”)، بعدما وقعت عيناها على طفل رضيع ملفوف بقطعة قماش، علّه يساعد في انتشاله وإنقاذ حياته.

“هناك، هو هناك!”، تصرخ سارة، مشيرةً بيدها إلى مكان تواجد الطفل. ثم تتبعها شقيقتها الأكبر سناً بالصراخ من هول ما رأت.

ما عثرت عليه سارة، بينما كانت تسير مع شقيقتها صباح ذلك اليوم بالقرب من منزلهما، كان طفلة لا يتجاوز عمرها الشهر تم رميها بين ركام البيوت المهدمة. ولحسن الحظ، كانت الطفلة ما تزال على قيد الحياة، لكنها تغط في نوم عميق، على عكس  أطفال آخرين فارقوا الحياة بعد رميهم لقرابة خمس أو ست ساعات على الأغلب، وتم العثور عليهم في ساعات الفجر الأولى من اليوم، لأن عملية رمي الأطفال تتم في ساعات متأخرة من الليل.

وفي سلقين أيضاً، عثر خالد رحال، بينما كان يهمّ بالتوجه إلى المسجد لتأدية صلاة الفجر، على طفل حديث الولادة ملفوفاً بقماش وممدداً على الأرض عند باب البناء الذي يقطنه. 

وقد نقل الطفل على الفور، كما يروي، إلى مستشفى المدينة، حيث عاينته الطبيبة المناوبة. وتبين أن عمره لا يتجاوز خمس ساعات، وهو في حالة صحية غير جيدة، ما استدعى إبقاءه لمدة 48 ساعة تحت المراقبة الطبية.

ويضيف رحال: “بعد إخراجه من المستشفى، اصطحبته معي إلى المنزل، وأصبحت شقيقتي تعتني به”.

طفل أم قطعة قماش؟

في سلقين كذلك، عثر الثلاثيني أبو خالد الخطيب، في 29 كانون الثاني/يناير 2019، على طفلة حديثة الولادة أمام أحد المنازل وسط المدينة.

وكما يستذكر: “لم أصدق وقتها أنها طفلة مرمية في الطريق. للوهلة الأولى تخيلت أنها قطعة من القماش، [إذ] لم تكن تصدر أي صوت بكاء”. مضيفاً: “على الفور تم نقلها الى العيادات الطبية لتقديم العلاج لها بسبب برودة الطقس في المنطقة”.

طفلة حديثة الولادة عثر عليها أبو خالد في بلدة سلقين بريف إدلب

اليوم، كما يقول الخطيب، تعيش الطفلة مع إحدى العائلات التي تكفلت بتربيتها تحت اسم اختاروه لها، ومن دون أي أوراق ثبوتية. لكن الزوجة تقطع حديث زوجها بالقول: “أنا من يتولى إطعامها وتربيتها، وستكون واحدة من أطفالي”.

ليستدرك الخطيب: “ستبقى معنا. وسنقوم بتسجيلها على قيودنا بعد مرور عدة أعوام عند فقدان الأمل في التعرف على أهلها”. موضحاً: “طبعاً سوف تسجل في السجلات المحلية وليس السجلات النظامية، لأننا لا نستطيع السفر إلى مناطق سيطرة النظام وتسجيلها في القيود والنفوس [سجل الأحوال المدنية] بشكل رسمي؛ فنحن نعيش في المناطق المحررة [مناطق سيطرة المعارضة] وليس في مناطق سيطرة قوات النظام”.

الأمر ذاته حصل مع أحمد السهى، من أهالي مدينة إدلب. إذ عثر على طفل مرمياً بالقرب من المسجد نهاية نيسان/أبريل الماضي، فتولى رعايته فوراً حتى يومنا هذا. فقد وضع إعلاناً لمعرفة العائلة، لكن أحداً لم يسأل عن الطفل كما يقول. 

ويتابع: “قررت أنا وزوجتي تبنيه، وأطلقنا عليه اسم عُمر. لقد أصبح واحداً من أطفالنا، وسأحرص على أن ينال حقه كبقية إخوته، من الرعاية والتربية، وحتى من الميراث”.

وليس أحمد وعائلته حالة وحيدة في ما يقدمونه لطفل عثر عليه بالمصادفة. فابن محافظته خالد جرجنازي، وهو من أبناء جبل الزاوية بريف إدلب، كان قد عثر أثناء عودته من معرة النعمان إلى بلدته، برفقة طفله وشقيقه، على حقيبة سفر سوداء نصف مفتوحة مرمية عند مدخل القرية.

وكما يقول: “عند تحريكها سمعنا بكاء مولود صغير، يبلغ من العمر [كما بدا] أسبوعاً تقريباً”. مضيفاً: “أخبرت قسم الشرطة بعدها بالحادثة، حيث تم فتح ضبط، ومن ثم أُجري فحص طبي للطفلة“.

من ذلك اليوم، قررت زوجة خالد كفالة الطفلة ورعايتها. لكنه لم يستطع تسجيلها في دائرة الشؤون المدنية للحصول على أوراق ثبوتية لها. وفق قوله.

الفقر أصل الداء

تعزو الناشطة الحقوقية في محافظة إدلب، نور سالم، ظاهرة تخلي أمهات عن فلذات أكبادهن إلى “الفقر والزيجات المبكرة”، كما “بعض العلاقات غير الشرعية واستغلال النساء”. 

يضاف إلى تلك الأسباب، كما يرى المهندس حلاج، أنواع الزواج المنتشرة وأطرافه في شمال سوريا تحديداً. إذ “تقسم حالات الزواج في الشمال السوري إلى قسمين” كما يقول. “الأول، زواج سوريين بين بعضهم. وينتج عن هذا أن الطفل قد يصبح مجهول النسب لأنه بعد ولادته بساعات يتم رميه على الطرقات أو أمام المرافق العامة. وهذه الحالة منتشرة بشكل واسع. أما القسم الثاني، [فيقوم على] زواج سوريات من أجانب أو سوريين من أجنبيات. وهؤلاء لا يستطيعون الحصول على أوراق ثبوتية لأطفالهم أو تسجيلهم ضمن قيود السجلات المدينة”.

واستناداً إلى المقابلات التي أمكن إجراؤها في سياق هذا التقرير مع أمهات ألقين بأطفالهن الرضع على قارعة الطرقات وفي أماكن عامة، يظهر الفقر والعوز الشديدين باعتبارهما أهم أسباب هكذا قرار مناف لغريزة الأمومة، لاسيما في ظل غياب الجهات الداعمة والمساندة من منظمات محلية ومجتمعية. هكذا، يغدو التخلي عن الطفل الخيار الوحيد المتاح لبعض الأمهات، عله يجد جهة ترعاه أفضل من أمّه التي حملته في بطنها تسعة أشهر، كما تقول أم يوسف، السيدة الثلاثينية المهجّرة من ريف حمص، وسط سورية، والتي اضطرت للتخلي عن مولودها.

ويظهر تأثير الفقر والعوز جلياً على نحو خاص عند فقدان الزوج، كما في حال هناء (اسم مستعار) التي تركت طفلها الرضيع أمام إحدى النقاط الطبية في مدينة سراقب بمحافظة إدلب. 

وكما روت في لقاء خاص بهذا التقرير، فقد نزحت السيدة الحاصلة على شهادة الثانوية العامة، من ريف حماه الشمالي، مع زوجها، في كانون الثاني/يناير 2017. وقد قضى زوجها الذي كان منضوياً في صفوف أحد الفصائل العسكرية، خلال قتال ضد قوات النظام في 10 أيلول/سبتمبر 2018، فبقيت تعيش في منزلها بمحافظة إدلب، مع محاولة التواصل مع أهلها الذين يقيمون في ريف حماه الشمالي، لكن من دون نجاح في ذلك.

بعد وفاة الزوج بثلاثة أشهر، حان موعد ولادتها، فقصدت مستشفىً مجانياً للتوليد، حيث وضعت مولودها. لكنها لم تستطيع إكمال طريقها مع وليدها، لأنها كانت مجبرة على الزواج من رجل آخر يعيلها. هكذا قررت التخلي عن الطفل، بأن وضعته أمام إحدى النقاط الطبية، حيث تلقفه أحد الحراس، فيما كانت هي تراقب ما يجري عن بعد.

وفيما تصف ذلك بأنه “من أصعب اللحظات؛ أن تترك الأم قطعة من جسدها بعد أن حملته تسعة أشهر”، فإنها تفسر ذلك بـ”الظروف التي نعيشها في الحرب والفقر الكبير الذي لا يحتمل. [إذ] من الممكن أن يكون الطفل في حالة غير جيدة، لعدم القدرة على تأمين المستلزمات اليومية والمعيشية لي وله”. مضيفة: “أعتقد أن حالتي هي أقسى الحالات التي من الممكن أن تتعرض لها الأم، خاصة في هذه الظروف الإنسانية الصعبة”.

ووفق تقديرات الأم، يبلغ عمر الطفل اليوم نحو تسعة أشهر، بعد أن تركته وعمره لا يتجاوز الساعات. متمنية أن يكون بصحة جيدة.

وتضيف: “ظروفي لا تسمح لي بالاعتناء به وتربيته. وكل ما أتمناه [هو] أن يأتي يوم اجتمع فيه مع طفلي مرة ثانية في ظروف تكون أفضل من التي نعيشها الآن. واتمنى أن [العائلة] التي أخذت الطفل تحسن تربيته وتؤمن له مستلزمات الحياة اليومية، وأن تكون حالتي هي آخر الحالات بالنسبة للأمهات التي تتعرض لهذه الظروف القاسية”.

الظروف ذاتها تقريباً كانت السبب وراء قرار أم يوسف التخلي بدورها عن طفلها الرضيع. 

إذ كانت تعيش مع والدتها في مخيم للنازحين بمدينة سراقب. ثم تزوجت من أحد المقاتلين ضمن الفصائل العسكرية بمحافظة إدلب. وقد بقيت متزوجة لمدة عام ونصف العام. لكن مقتل زوجها وهي حامل في الشهر السادس أدخلها في أتون التيه.

إذ لم تعرف ماذا تفعل، وكيف يمكنها أن تعيش وتؤمن مستلزمات الولادة، وتالياً تربية المولود الجديد الذي لن يعلم شيئاً عن أبيه، ولا عن أقربائه، كما تقول. مضيفة: “كانت ولادتي من أصعب اللحظات، وأن يأتي طفلي إلى هذه الدنيا القاسية. لم يكن لدي خيار آخر سوى أن أضعه أمام أحد المساجد، وأراقبه حتى جاء أحد الأهالي والتقطه. بعدها غادرت المدينة متوجهة إلى المناطق الحدودية مع تركيا للعيش ضمن أحد المخيمات هناك”. 

الآن، مضى على فراق الأم لرضيعها قرابة العام، وهي لا تعلم مكانه. لكنها تعرف أن قطعة منها تعيش بعيدة عنها، كما تصف. 

وتضيف: “لا أستطيع أن أشرح الكمّ الهائل من الشعور داخل قلب أم اصبحت متألمة لفراق طفلها وأهلها”. مستدركة بأن ” حالي يمكن أن تكون أقل قسوة من حال كثير من السيدات اللواتي فقدن أبناءهن”. 

المحددات القانونية والشرعية

يعاقب قانون العقوبات السوري، وفق أحكام المادة 485 منه، من يحاول التخلص من ولده بالسجن لمدة قد تصل إلى 15 عاماً. ويطلق على هذا النوع من الجرائم اسم “تسييب الأطفال”.

ويخفّف القانون الحكم عن أم الطفل إذا أقدمت على ذلك “مكرهة أو لصون شرفها [في حالة الحمل والإنجاب خارج إطار الزواج]”.

بحسب القانون السوري، في المرسوم التشريعي رقم (107) الصادر في 4 أيار/مايو 1970، والخاص برعاية اللقطاء، يعرف اللقيط في المادة الأولى من المرسوم بأنه “الوليد الذي يعثر عليه ولم يعرف والداه”. ودائماً ما يحدث التباس بين الطفل اللقيط والطفل مجهول النسب. ويتمثل الفرق بين الحالتين في أنه غالباً ما يكون والد الطفل اللقيط يحمل جنسية الدولة التي عثر على الطفل فيها، فيما يكون والد الطفل مجهول النسب من جنسية أجنبية وأمه سوريّة، لكن من دون وجود أيّ إثبات على الزواج بعد اختفاء الزوج.

ويوضح المحامي محمد قدري، من سكان إدلب، أنه عند العثور على طفل متروك، يتم اتخاذ جملة إجراءات، على رأسها نقل الطفل إلى مستشفى، حيث يُجري الطبيب المختص فحصاً له بغية تحديد حالته الصحية. فيما تفتح “الشرطة الحرة” تحقيقاً في الحادثة، محاولةً معرفة ذوي الطفل، قبل أن يتم البحث في مصيره في حال تعذر معرفة أبويه.

من ناحية أخرى، يجيز القانون السوري لمن عثر على طفل مرمياً في الشارع تربيته والاعتناء به إن رغب في ذلك، وفق شروط محددة، أبرزها وجود امرأة قادرة على العناية به. فيما يحظر القانون إيكال الطفل إلى رجل يعيش بمفرده.

بالرغم من ذلك، يتم تسجيل الطفل ضمن خانة خاصة في السجلات المدنية، بموافقة القاضي الشرعي، باعتباره “لقيطاً”، مع منح اسمين افتراضيين لأمه وأبيه، وجعلهما متوفَّين. بعد ذلك يُسلّم إلى من يريد تربيته وفق عقد وصاية، أو تحويله إلى إحدى دور الرعاية.

وتؤكد الهيئة الشرعية في المحكمة الموحدة في إدلب، بأنه لا يجوز تبني هؤلاء الأطفال في أسرهم الجديدة، وإنما يمكن فقط تربيتهم ورعايتهم لحين بلوغهم الرشد. كما أن هؤلاء الأطفال يسجلون في النفوس في خانة مستقلة إلى حين إقرار أهلهم بنسبهم، وإحضار الثبوتيات اللازمة، أو يبقون في وضع “اللقطاء” قانوناً وشرعاً، ويأخذ كل منهم اسماً وكنية منفصلة عن العائلة التي يتربون في كنفها.

ضياع الهوية

يلاحق الأطفال مجهولو النسب واللقطاء على حد سواء، انطباع مجتمعي مفاده أنهم نتاج علاقات خارج إطار الزواج. بالتالي، يعيش هؤلاء وسط دور وبيوت خاصة وهم فاقدون لنسبهم وهويتهم الاجتماعية التي يتمتع بها الأطفال الشرعيون، بحسب الباحثة في علم الاجتماع، سهى عرفة، المقيمة في دمشق.

هذا “يجعل الطفل يعيش في حالة فقدان للهوية واضطهاد مجتمعي. والمؤسف أن هذه الظاهرة في تزايد خلال السنوات القليلة الماضية”، كما تقول.

وعلى خلفية انتشار هذه الظاهرة، طرح في العام 2017 مشروع قانون يسمى “مجهولو النسب”، نُوقش في مجلس الشعب السوري في العام 2018، بهدف وضع قانون خاص لمثل هذه الحالات، وبحيث من المحتمل أن تتم معاملة هؤلاء الأطفال بحكم “اللقيط” الذي يعامل بموجبه معاملة اليتيم، فيتم تنظيم شهادة ولادة له بموجب ضبط شرطة وفق الأصول، وتُرسل نسخة عن شهادة الميلاد من دار الأيتام إلى السجل المدني، ويكتسب الجنسيَّة السوريَّة، والدين الإسلامي في حال لم يُعرف دينه، ويُسجَّل بالسجل المدني باسم ثلاثي مفترض. إلا أن المشروع لم يتم إقراره حتى الآن، كما لا يعرف كيف سيصار إلى تطبيقه، في حال نفاذه كقانون، في مناطق سيطرة المعارضة حيث تتم عمليات تسجيل الأطفال المجهولين وفق نظام محلي.

ويقول المحامي محمد الخليل: “هؤلاء الأطفال، وعلى الرغم من الوضع الإنساني والاستثنائي لهم، لا توجد طريقة قانونية من أجل توثيق أسمائهم في القيود والسجلات المدنية حالياً، خاصة أن الشمال المحرر أصبح مفصولاً بشكل نهائي عن النفوس (الأحوال المدنية الحكومية) بسبب نقلها إلى مناطق سيطرة النظام السوري في محافظة حماه”. 

محذراً: “نحن الآن أمام كارثة إنسانية كبيرة جداً، أعداد الأطفال بازدياد دائماً”.

تحقيق: محمود بكور – إدلب

رسم: نوار مهرة

مونتاج: محمد إمام

تم إنجاز هذا التحقیق بإشراف الوحدة السوریة للصحافة الاستقصائیة – سراج، وإشراف الزمیل علي الإبراهيم

نشر على موقع سوريا على طول

شارك هذا المقال