5 دقائق قراءة

في الذكرى التاسعة لـ”كيماوي” الغوطة: الشهود و ذوو الضحايا يواصلون مسار العدالة الطويل

وعلى العكس من وجود مسار مساءلة، نرى اليوم عدة دول تسعى إلى التطبيع مع الأسد يوماً بعد يوم. مؤلم جداً للناجين والشهود انتظار التحقيق بعد التحقيق، والتقرير بعد التقرير، دون أي إجراء أو مسار واضح لآلية استخدام أكوام المعلومات والتقارير الصادرة عن لجان التحقيق


21 أغسطس 2022

يصادف هذا اليوم الذكرى السنوية التاسعة لمجزرة الكيماوي في الغوطة، التي وقعت في 21 آب/ أغسطس 2013، وأودت بحياة ما لا يقل عن 1347 شخصاً، في الغوطتين الشرقية والغربية، وإصابة 10626 أكثر من ثلثيهم من الأطفال والنساء. منذ ذلك التاريخ يحيي مجموعة من السوريين والسوريات ذاكرتنا ويعيدون أحداثها وآلامها إلى الواجهة.

في نيسان/ أبريل 2018، سيطر النظام السوري على الغوطة الشرقية، وبذلك استعاد وصوله لكافة أراضيها، بما فيها قبور الشهداء، والأماكن التي استهدفها، واللافت أن ختام حملته العسكرية التي انتهت بسيطرته على المنطقة، كانت بمجزرة أخرى، في السابع من نيسان/ أبريل 2018، استخدم فيها “السلاح الكيماوي” على مدينة دوما!.

بعد أسابيع على مجزرة الكيماوي الأولى، أبرمت الولايات المتحدة وروسيا، في 15 أيلول/ سبتمبر 2013،  صفقة في جنيف، كان نتيجتها انضمام سوريا لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، والتعهد بالتخلص من ترسانتها الكيميائية. مقابل ذلك، أوقفت الحكومة الأميركية الضغوط التي كانت تقودها لشنّ حملة عسكرية ضد دمشق، كما تم التغاضي عن خطوط أوباما الحمراء. 

ترجمت هذه الصفقة في مجلس الأمن بالقرار 2118، الذي أشار في مادته الخامسة عشر إلى ضرورة “محاسبة الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية”، وفي حال “عدم الامتثال لهذا القرار” تفرض تدابير “بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”، كما جاء في المادة 21 من القرار.

منذ عام 2012 وحتى مجزرة كيماوي دوما في نيسان/ أبريل 2018، استخدم النظام السوري “السلاح الكيماوي” ما يزيد عن 200 مرة، وكانت ضربة كيماوي الغوطة، في 21 آب/ أغسطس 2013 هي الضربة رقم 32.

ورغم أن مجزرتي كيماوي الغوطة هما من المرات القليلة التي حظيت فيهما فرق تحقيق دولية تابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أو الأمم المتحدة بالوصول إلى مكان الحدث وقطف عينات مباشرة، إلا أنه لا يوجد حتى الآن تقرير من أي جهة دولية يثبت مسؤولية النظام عن مجزرة الغوطة في آب/ أغسطس 2013، فيما أثبتت عدة تقارير مسؤولية النظام عن ضربات أخرى. وما زلنا بانتظار نتائج التحقيق الذي قام به فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول ضربة دوما في السابع من نيسان 2018. 

موظف من بعثة الأمم المتحدة أثناء زيارته للغوطة الشرقية بعد تعرضها للاستهداف بالسلاح الكيماوي، 28/ 08/ 2013 (إنترنت)

تمكنت قوات النظام السوري من السيطرة على معظم المناطق التي حدث فيها استهدافات لتجمعات سكنية كبيرة بالسلاح الكيماوي، من قبيل: الغوطة الشرقية، ريف إدلب الجنوبي، ريف حماة الشمالي، والأحياء الشرقية لمدينة حلب في الحملة العسكرية للسيطرة عليها في النصف الثاني من عام 2016. 

أين الشهود اليوم ؟ 

تطرح السيطرة العسكرية للنظام على المناطق المستهدفة نقطة في غاية الأهمية، لا سيما أن ذوي الضحايا وشهود الكيماوي يتواجدون حالياً في مناطق سيطرة نظام الأسد أو خرجوا في عمليات التهجير تاركين عائلاتهم وأحباءهم هناك. منذ ذلك الوقت لم يوفر النظام أي جهد في ترهيبهم وتهديدهم بسلامة أهلهم سعياً في كتم أصواتهم، ومنعهم من التواصل والتعامل مع لجان التحقيق مع التشديد على الكوادر الصحية وكوادر الإنقاذ آنذاك. 

لم يكتف النظام بذلك، وإنما تلاعب بالمقابر التي دُفن فيها ضحايا الكيماوي، خاصة في ضربة دوما 2018، بحسب تقاريرحقوقية.

وأشارت عدة تقارير إلى تعرض لجان التحقيق لضغوط كبيرة، إذ أشارت صحيفة نيويورك تايمز في أحد تحقيقاتها إلى حذف عدة صفحات تحتوي على تفاصيل عن ضربة دوما 2018 من تقرير لجنة التحقيق الخاصة بالجمهورية العربية السورية، الصادر في أيلول/ سبتمبر 2018، كما أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فتحت تحقيقا مطولاً حول ادعاءات اثنين من أفرادها، يبدو أن الأجهزة الأمنية الروسية نجحت في استدراجهما لتلفيق أكاذيب تدحض نتائج التحقيقات.

يبدو جلياً، انخراط الأجهزة الأمنية الروسية، على أعلى المستويات، في حملات تشويه الحقائق وترهيب الشهودو ، بما فيهم الجنرال الروسي الكسندر زورين، الذي قاد بنفسه حملات الترهيب ضد شهود مجزرة دوما، وهو عرّاب اتفاقيات الغوطة الشرقية.

التصاعد الكبير في البروباغندا وحملات الترهيب وتشويه الحقائق، الذي ترافق مع تهجير الشهود وذوي الضحايا جعل هؤلاء أشد ضعفاً وأشد عرضة للضغوطات. شهودنا اليوم مهجرون يبحثون عن مأوى وأوراق ثبوتية ومصدر رزق جديد، بينما عائلاتهم تحت رحمة الأسد!.

مؤلم جداً بالنسبة للشهود في أي جريمة أن تنجح البروباغندا ومروّجيها في التشكيك بالحقائق التي عاشوها وشاهدوها بأمّ أعينهم، وخاطروا بأرواحهم في أصعب الظروف لطرحها أمام لجان التحقيق في ظل عدم وجود أي مسار مساءلة دولي.


شهادة أحد الناجين من مجزرة الغوطة يرويها لـ”سوريا على طول”، نُشرت في 23 آب/ أغسطس 2020

وعلى العكس من وجود مسار مساءلة، نرى اليوم عدة دول تسعى إلى التطبيع مع الأسد يوماً بعد يوم. مؤلم جداً للناجين والشهود انتظار التحقيق بعد التحقيق، والتقرير بعد التقرير، دون أي إجراء أو مسار واضح لآلية استخدام أكوام المعلومات والتقارير الصادرة عن لجان التحقيق الخمسة، التي حققت في السلاح الكيماوي بسوريا على مدار السنوات المنصرمة. 

جهود مكافحة الإفلات من العقاب و تشويه الحقائق

ثمة بعض جهود دولية لمواجهة الإفلات من العقاب في استخدام السلاح الكيماوي، منها: إطلاق “الشراكة ضد الإفلات من العقاب على استخدام الأسلحة الكيمائية”، التي أعلن عنها بباريس في 23 كانون الثاني/ يناير 2018، وهي تجمّع بين 40 دولة والاتحاد الأوروبي، الغرض منها تكملة الآليات الدولية لمكافة انتشار الأسلحة الكيميائية.

أيضاً، علّق مجلس الدول الأعضاء لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عضوية سوريا في المنظمة، في نيسان/ أبريل 2021، لكن هذا كله لا يرقى للجهود المبذولة بشكل كبير من مجموعات الشهود والمنظمات غير الحكومية.

خلال العامين الماضيين، بدأت جهود غير حكومية على عدة مسارات، من قبيل تقديم مجموعة من منظمات المجتمع المدني السوري بالتعاون مع منظمات دولية عدة شكاوى حول استخدام السلاح الكيماوي من خلال أجهزة القضاء الأوروبية، مستفيدة من اختصاص القضاء العالمي لبعض هذه الأجهزة، كما في السويد وألمانيا وفرنسا، وتم تعزيز الشكاوى بمعلومات مفصلة وأدلة عن القضايا المرفوعة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جهود المنظمات غير الحكومية ما كان بالإمكان بناؤها لولا جهود الشهود الناجين وذوي الضحايا.

وبموازاة ذلك نرى جهودا في مسار المناصرة وحفظ الحقيقة، من خلال حملة “لا تخنقوا الحقيقة“، التي يبذل فيها ناشطون وناشطات وناجون وناجيات من السلاح الكيماوي جهوداً كبيرة لمواجهة حملات البروباغندا الكبيرة التي يقودها النظام و حلفاؤه.

كما تم الإعلان عن تأسيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية“، في 19 آب/ أغسطس الحالي، في رسالة تؤكد على مضي الناجين والناجيات في المطالبة بحقوقهم رغم كل التحديات والظروف الدولية المحبطة.

يشكل ملف “السلاح الكيماوي” في سوريا العصا التي يستطيع المجتمع الدولي استخدامها متى شاء، لا تنقصه المعلومات ولا التقارير ولا القرارات الدولية، لكن الدول الغربية اليوم لا تريد أن تبذل جهوداً أكبر في الملف السوري. 

يرى الشهود وذوو الضحايا هذا بوضوح، لكنهم لا يستسلمون، وإنما يعبّدون طريقهم بأنفسهم وبإمكانياتهم البسيطة بمعزل عن الجهود الدولية، سعياً لحفظ الحقيقة وتأمين برامج حماية لهم ولعائلاتهم.

شارك هذا المقال