4 دقائق قراءة

في الذكرى السنوية لتهجير أهالي الغوطة.. حكايات الاعتقال والتجنيد الإجباري ترد من ديارهم

من المنفى في محافظة إدلب، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، كان محمد الحسن يبحث عن أي خبر يتم تسريبه عبر شبكة الإنترنت المراقبة في الغوطة الشرقية، في ظلّ شحّ الأخبار الصادرة من هناك.


من المنفى في محافظة إدلب، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، كان محمد الحسن يبحث عن أي خبر يتم تسريبه عبر شبكة الإنترنت المراقبة في الغوطة الشرقية، في ظلّ شحّ الأخبار الصادرة من هناك.

وقبل عام واحد، كان الحسن واحد من بين عشرات الآلاف المحاصرين في ضواحي الغوطة الشرقية، التي تعرضت للقصف في دمشق، مما اضطرهم للفرار إلى الشمال الغربي على متن حافلات الإجلاء بدلاً من البقاء والعودة إلى الحياة تحت سيطرة الحكومة السورية.

استسلمت سقبا، مسقط رأسه، في الأيام الأخيرة من آذار 2018، وبعد مرور عام، لا يزال مواطن سقبا يعيش على ذكرى ما بقي من موطنه الذي غادره.

وبينما شددت قوات الأمن قبضتها على المدينة المدمرة في الأشهر الأخيرة، يقول أن مناطق بأكملها من حيّه تم التعتيم عليها وتوقفت الناس عن الكلام.

حتى أصدقاؤه المقربين الذين لا يزالون هناك توقفوا عن التحدث إليه، وقاموا جميعاً بحظره على وسائل التواصل الاجتماعي منذ أشهر خوفاً من الرقابة.

قال الحسن “الآن لا يمكنني الحصول على الأخبار إلا من الصحف، جميع أصدقائي ومعارفي يخشون التواصل معي”.

“كل شخص اختار طريقاً والآن يجب عليه أن يتبعه”، مضيفاً أنه يتفهم مخاوف أصدقائه السابقين بشأن التواصل مع أشخاص من الخارج.

ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لسقوط الغوطة الشرقية، أُسدل الستار على الحياة اليومية لهذه الضواحي التي كانت تعج بالحركة، بعد التعتيم الإعلامي المفروض عليها.

وبينما تستطيع القنابل أن تصمّ الآذان لفترة طويلة، إلا أن أكثر ما يصم هذه الأيام هو الصمت الذي يخيم الآن على من بقوا هناك، حيث يعيش مئات الآلاف من السكان واقعاً جديداً مليئاً بالاعتقالات والاختفاء وحملات التجنيد العسكري القسري واسعة النطاق.

وخيبت اتفاقيات المصالحة العام الماضي – التي أبرمت بين القوات الموالية للأسد وجماعات المعارضة وقُدمت كضمان يهدف إلى إعادة آلاف المدنيين إلى طي الحكومة – آمال السكان.

وعلى الرغم من وعود الحماية والحصانة القانونية من السلطات هناك، فإن الشهادات التي أدلى بها الناس على الأرض تحكي قصة “خيانة”.. قصة قد تتنبأ بالخطر لمن يفكرون في العودة.

وذكر الحسن “قراري هو عدم العودة، سأبقى هنا، وانتقل من منطقة محررة إلى أخرى، بدلاً من العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام”.

الطريق الطويل شمالاً

بعد سنوات من الحصار المطبق، وبالتزامن مع الهجوم الأخير للقوات الموالية للحكومة، العام الماضي، توقفت تدفقات الغذاء والدواء وجميع الإمدادات الحيوية الأخرى إلى الغوطة الشرقية، وأدت حملة القصف الجوي والتقدم البري، التي زادت وتيرتها في شباط 2018 إلى أسوأ أشهر من إراقة الدماء مرت على الغوطة الشرقية منذ بداية الصراع السوري.

وتسبب القصف المتواصل من جهة، وتقدم القوات الموالية للحكومة برّاً من جهة أخرى إلى مقتل أكثر من 1700 شخص، بالإضافة إلى ارتكاب العديد من جرائم الحرب – بما في ذلكاستخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة التي أودت بحياة عشرات المدنيين في حي كفر بطنا.

وفي الواقع، أُجبر جميع سكان الغوطة الشرقية على مغادرة منازلهم في الأسابيع التي تلت انهيار المعارضة، مع عبور العديد منهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، واختار معظمهم في النهاية المصالحة مع السلطات في دمشق، حيث أمضوا أسابيع من الشتات بين معسكرات النزوح في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة بدلاً من رحلة غامضة شمالاً ومنها ربما إلى نزوح دائم.

وقبل آخرون صفقات الإجلاء شمالًا على متن الحافلات الحكومية خوفاً على حياتهم وشكوكهم بصحة تطمينات مسؤولي المصالحة.

وفي الأسبوعين الأولين من نيسان 2018، تم نقلأكثر من 50 ألف شخص من الغوطة الشرقية على الطريق الطويل شمالًا باتجاه محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، والمناطق الواقعة تحت الوصاية التركية في ريف حلب.

وكان نور الدين الشامي من بين الآلاف الذين قبلوا الإجلاء، وفي 27 آذار عندما انهارت المعارضة، وجد أن خطر الاعتقال أو الاختفاء القسري عليه وعلى أسرته كان أكبر من أن يفكر في البقاء.

نزح الشامي، وعمل كمدرّس في مدينة الباب بريف حلب الشمالي، ولم يندم على قراره، معتقداً أن البقاء في الغوطة الشرقية يعني المساومة على حياته.

وقال لسوريا على طول “اخترت الرحيل، خوفاً من الوقوع في أيدي النظام، لم أكن مطمئناً بالرغم من وعودهم بعدم وجود محاكمات”.

من جانبها، ذكرت سمر عبد الحميد أن الاستخفاف بحياة الإنسان الذي شهدته خلال فترة حصارها، وفّر كل الأدلة التي تحتاجها لعدم الثقة في أي صفقة مع السلطات السورية.

وفي أعقاب الهجوم الكيمياوي الأخير على الغوطة الشرقية، كانت سمر مصممة على المغادرة مع زوجها وأطفالها الأربعة، بعد تحملها لأشهر من القصف من جميع الجهات، وكانت متأكدة من أنه لا يوجد مستقبل لهم في الغوطة الشرقية.

وقالت ” لقد أصيب منزلنا في القصف، ودمر جزء منه”.

مدينة الأنقاض

بعد أن نزحت إلى الباب، سمعت سمر عبد الحميد قصصاً كثيرة عن الأشخاص الذين عادوا إلى ديارهم واختفوا – سجنوا على أيدي قوات الأمن أو اختفوا تحت الأرض داخل سجون الحكومة.

وقالت “أعرف شخصاً قريباً لزوجي، عمره حوالي 50 عاماً، عاد منذ ثلاثة أشهر… وتم اعتقاله”.

وأضافت “نحن إرهابيون بالنسبة لهم، لا يمكننا العودة”.

ولا تزال معظم المدينة ترزح تحت الأنقاض، ويخيّم عليها الظلام  في ظل انقطاع التيار الكهربائي المستمر عن جيوب الغوطة، كما أن شبكات المياه مازالت مقطوعة عن عدد من الأحياء، ويغيب المشهد الحضري عن العديد من المناطق، التي أغلقت طرقها بفعل الركام الناتج عن سنوات من القصف الحكومي.

وبعض الأحياء مثل عين ترما، والتي شهدت قصفاً جوياً مكثفاً بشكل خاص خلال هجوم العام الماضي، تم تصنيف  70 بالمئة من بنيتها التحتية على أنها مدمرة أو متضررة.

وعلى الرغم من الدمار واسع النطاق والنقص الكامل تقريباً في الخدمات وفي العديد من القطاعات، قرر مئات الآلاف في نهاية المطاف البقاء بعد سقوط الغوطة الشرقية وكان سامر الحسن واحداً منهم.

وصوّر الحسن الحياة في الغوطة، مشيراً إلى أنها لم تكن سهلة في ظل النظرة المشبوهة من قوات الأمن، فضلاً عن وجود تهديدات بالاعتقال والتجنيد الإجباري.

وذكر الحسن بأنه تجنّب التجنيد الإجباري بعد تولي الحكومة، وذلك بمساعدة صديق له، تربطه علاقات جيدة مع الحكومة، ومع ذلك تم التعميم على اسمه بعد فترة وجيزة، ببلاغ ثانٍ من قوات الأمن.

والآن يحلم الحسن فقط بالفرار خفيةً.

قال “لا يمكنني الذهاب إلى أي مكتب حكومي، وهذا يعني أنه لا يمكنني حتى الحصول على جواز سفر، إلى أين سأذهب؟”

ترجمة: بتول حجار

 

شارك هذا المقال