3 دقائق قراءة

في خطوة نادرة: اتهام خمسة ضباط أمن لبنانيين في قضية تعذيب لاجئ سوري حتى الموت

وصف محامي عائلة اللاجئ السوري بشار عبد الله السعود، الذي عذِّب حتى الموت على يد ضباط أمن الدولة اللبنانية في آب/أغسطس، القرار الصادر بحق المتهمين بـ "الجريء والتاريخي". 


8 ديسمبر 2022

بيروت- في خطوةٍ تاريخية، وجهت قاضية عسكرية لبنانية لائحة اتهام بحق خمسة ضباط أمن بتهم تعذيبٍ، على خلفية وفاة اللاجئ السوري بشار عبد السعود أثناء احتجازه في شهر آب/ أغسطس الماضي.

اعتُقل ضباط أمن الدولة الخمسة في الثاني من أيلول/ سبتمبر، ووجِّهت قاضية التحقيق العسكري، نجاة أبو شقرا، في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر لائحة اتهام، لكن لم يُصرّح عنها علناً حتى يوم الأحد، الموافق 4 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، وفق ما ذكرت منظمة العفو الدولية في بيان صحفي لها.

اقتاد عناصر من اللجنة الأمنية الفلسطينية داخل المخيم الشاب بشار، 30عاماً، من مخيم شاتيلا للاجئين في بيروت، وسلّمته لأمن الدولة. بعد أربعة أيام، تلقت زوجته حمدة السعيد اتصالاً يبلغها بضرورة الحضور لاستلامه جثة هامدة.

ادّعت السلطات اللبنانية أنّ بشار أُصيب بنوبة قلبية بعد اعتقاله بساعات، غير أنَّ الصور التي نُشِرت لجثته على الانترنت، والفيديو الذي قدّمه محامي العائلة لـ”سوريا على طول” تُظهر آثار الكدمات والرضوض والجروح تملأ جسده من رأسه حتى أخمص قدميه.

في العقد الماضي، شهدت لبنان خمس قضايا لموقوفين -معروفة على الملأ- يُشتبه بوفاتها تحت التعذيب أثناء احتجازهم في لبنان، وقضية بشار عبد السعود هي السادسة.

تحمل خطوة اتهام ضباط أمن الدولة بالتواطؤ في مقتل بشار دلالة مهمة في طريق المساءلة بلبنان، وما حصل “خطوة ممتازة تجاه مكافحة جريمة التعذيب”، كما قال المحامي اللبناني محمد صبلوح، المتخصص في قضايا التعذيب، والموكّل من عائلة بشار، واصفاً القاضية بأنها “جريئة، إذ لأول مرة نشهد تحقيقاً حقيقياً في قضية تعذيب”.

أشار صبلوح إلى أنّ لائحة الاتهام الموجّهة إلى الضباط تنطوي على “فضائح” تتمثل بإقرار استخدام “التعذيب في الجرائم الكبرى كالمخدرات والإرهاب”، متهماً قياداتهم بأنها على علم بذلك.

“أخيراً، يتخذ لبنان خطوة تجاه تنفيذ قانون مناهضة التعذيب، الذي أقره، وهو تطور مشجع يمنح عائلة بشار السعود وغيرهم من ذوي الضحايا بصيص أمل”، كما قالت آية مجذوب، التي تشغل منصب نائب مدير المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، في بيان صحفي حول القضية.

لبنان أول بلد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يُصادق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، لعام 2000، وفي عام 2017 أقرّ البرلمان قانون مناهضة التعذيب (65/ 2017) الذي يجرّم استخدام التعذيب ويفرض أحكاماً بالسجن على مرتكبيه.

لكن، رغم توثيق عدة تقارير استمرار أفرع الأمن اللبنانية باستخدام التعذيب من أجل انتزاع اعترافات بالقوة، إلا أنّه لم يُعاقَب أي مسؤول أمني، حتى اليوم، بموجب قانون مناهضة التعذيب لعام 2017، وهناك “عشرات الشكاوى التي تشير إلى [انتهاك] قانون مناهضة التعذيب لم يتم التحقيق فيها”، وفقاً لمجذوب. 

اقرأ المزيد: في ظل غياب العقاب: حكايات تعذيب السوريين في المعتقلات اللبنانية ‎‎

وفيما تمثّل لائحة الاتهام الصادرة عن القاضية العسكرية شقرا، أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، خطوة نادرة تجاه المساءلة بجرائم التعذيب في لبنان، إلا أنّ وجود سلطة قضائية للمحاكم العسكرية في نطاق مزاعم التعذيب قد يتعارض مع قانون مناهضة التعذيب 2017، وكذلك المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية. لذلك “على السلطات اللبنانية إحالة هذه القضية من المحاكم العسكرية غير العادلة بطبيعتها إلى المحاكم الجنائية النظامية”، كما ذكرت مجذوب في البيان.

المحاكم العسكرية أقل شفافيةً من المحاكم الجنائية، وفقاً للمحامي صلبوح، مشيراً إلى أنه كمحامٍ مدّعي في القضاء العسكري غير مخوَّل بمتابعة مجريات التحقيق “بشفافية”، واستشهد على ذلك برفض طلبه في الحصول على نتائج الفحوصات المخبرية من الأدلة الجنائية.

وأضاف صلبوح: “محاكمة قضاء عسكري لشخص عسكري يفتقد للشفافية والعدالة”.

بالنسبة لحمدة، أرملة بشار، لا تخفف لائحة الاتهام أو حتى الإدانة من ألمها كثيراً، قائلة: “سمعت الأخبار عن الاتهامات أو الاعتقالات في وسائل الإعلام، لكن ضعي نفسك في مكاني، أحدهم يأخذ زوجك من دون ذنب، ويقتلونه وييتّمون أطفاله، ما هو شعورك؟”.

اقرأ المزيد: “لا أريد جثته”: عائلة لاجئ سوري قضى تحت التعذيب في لبنان تخوض معركة العدالة

ما تزال حمدة، 29 عاماً، تعيش مع أطفالها الثلاثة في منزلها المكوَّن من غرفةٍ واحدة، بشاتيلا، كانت تتشاركها مع زوجها قبل وفاته، كانا يعانيان معاً لتأمين نفقات العائلة، لكنها اليوم تعيش وحيدة مع أطفالها الثلاثة، البالغة أعمارهم: تسع سنوات، سبع سنوات، ورضيع في الشهر الرابع.

لذلك، حتى إن تقدمت معركتها القانونية خطوة إلى الأمام، فإنها تخوض يومياً كفاحاً، كما العديد من اللاجئين السوريين، للنجاة في لبنان وسط ظروف اقتصادية صعبة.

مؤخراً، قُطِعت عنها المساعدات النقدية المقدّمة من وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي أوقفت الدعم إلى جانب برنامج الأغذية العالمي، عن عدد غير محدّد من اللاجئين السوريين في لبنان، بسبب محدودية الموارد المالية.

“كانت المفوضية تعطيني مليون ليرة لبنانية [25 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق الموازية] شهرياً، ولكن في الشهر الماضي قطعوا عني المساعدة”، قالت حمدة. كانت تشتري بتلك النقود حفاضات وحليب أطفال “ومع عدم قدرتي على شراء حليب لطفلي الرضيع، صرت أعطيه ماء بالببرونة بدلاً من الحليب”.

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية سلام الأمين.

شارك هذا المقال