9 دقائق قراءة

في ذكراها الثانية عشرة: مؤسسات “الثورة” الخدمية تحت سلطة “المنسق التركي”

في الذكرى الثانية عشرة للثورة السورية باتت مؤسسات الثورة الخدمية رهن سلطة "المنسق التركي"، الذي ترتبط فيه ارتباطاً تاماً، مقابل غياب  دور الحكومة السورية المؤقتة، الذي صار يقتصر على الاحتفالات الرسمية وافتتاح بعض المشاريع.


18 مارس 2023

 

باريس- بعد مرور اثني عشر عاماً على اندلاع الثورة السورية، ما تزال المعارضة “الرسمية” رهن التبعية، مسلوبة القرار، ليس على الصعيد السياسي والعسكري فحسب، وإنما على الصعيد الخدمي، لا سيما الحكومة السورية المؤقتة ممثلة بمؤسساتها الخدمية، في ريف حلب الشمالي، المدعومة من تركيا والتابعة لها في إدارة المنطقة.

كيف بدأت التبعية؟

مع تشكيل المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي، إبان سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة على المنطقة، وطرد تنظيم “داعش” في عملية “درع الفرات”، عام 2016، ومن ثم طرد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من عفرين في عملية “غصن الزيتون”، عام 2018، ارتبطت المجالس المحلية الناشئة بالولايات التركية، بحيث يتبع كل مجلس للولاية التركية المقابلة له على الطرف الآخر من الحدود.

بناء عليه، قسمت المنطقة إدارياً بين ثلاث ولايات تركية، وهي: غازي عنتاب، هاتاي، وكلس. وأوكلت للولاة الأتراك ونوابهم مهمة متابعة سير العمل في كل مدينة وبلدة من منطقتي “درع الفرات”، و”غصن الزيتون”، ويزور الوالي أو من ينوب عنه المنطقة بشكل دوري للوقوف على المشاريع التي يجري تنفيذها أو لافتتاح مشاريع منجزة، كما قال الباحث في مركز عمران للدراسات، مناف قومان، الذي يركز في عمله على التعافي المبكر في مناطق المعارضة شمال حلب.

وجرى تعيين “منسق عام” تركي لكل منطقة من المنطقتين (درع الفرات وغصن الزيتون)، يتبع لهما منسقين آخرين في المدن والبلدات والنواحي الرئيسية، مسؤولين عن القطاعات الرئيسية، ويقدمون تقارير ترفع بدورها للوالي المسؤول.

وصف قومان في حديثه لـ”سوريا على طول”، العلاقة بين المجالس المحلية والولاة الأتراك بأنها “ارتباط عضوي تام، وليس ارتباطاً شكلياً”، بمعنى أن “المجلس المحلي لا يستطيع أخذ بعض القرارات في الأمور الاستراتيجية من دون الرجوع إلى الوالي التركي”، من قبيل: مشاريع الإسكان للنازحين، تنفيذ مشاريع الكهرباء والطرقات والمشافي والتجارة الداخلية، عقد اتفاقات كبيرة مع منظمات، افتتاح مدينة صناعية أو سوق هال وغيرها، لأن ذلك “يحتاج إلى تنسيق أكبر مع الوالي”.

في المقابل، لم يتدخل الأتراك بطرق انتخاب المجالس المحلية أو اختيار أعضائها، وفقاً لقومان، مشيراً إلى أن أنقرة تركت حرية انتخاب المجالس المحلية للسوريين، لكن بعد الانتخابات “المجلس مجبر على التعامل مع الوالي التركي لتمرير الخدمات والمشاريع”.

اتفق مع هذا الطرح، باحث في العلوم السياسية من ريف حلب، يقيم في تركيا، مشيراً إلى أن عملية إلحاق مؤسسات المعارضة الخدمية التي جرت، منحت الولايات التركية “صلاحية متابعة كل الملفات، وأعطت للمؤسسات التركية في الولاية صلاحية إدارة الملفات على الجانب السوري حسب اختصاصها من صحة وتعليم وأمن وغيرها”، كما قال لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

لم يفرض الأتراك سيطرتهم على المجالس المحلية بالقوة، لكنهم “قيدوا عمل المنظمات والقنوات المالية، وأجبروا هذه المنظمات على التعامل مع منظمة آفاد التركية، ومن خلالها تحكموا بعمل المجالس”، بحسب الباحث، وبذلك صار كل مجلس محلي “يتبع للولاية التركية المقابلة بكل مؤسساتها”، حتى على صعيد “الأمن والشرطة والصحة والتعليم والكهرباء وغيره”.

أشكال التبعية وأبعادها؟

في أواخر شباط/ فبراير الماضي، شارك مجموعة من المحامين بوقفة احتجاجية أمام المحكمة في مدينة الراعي بريف حلب الشرقي، بسبب ما وصفوه بـ”تدخل المنسق القضائي التركي في شؤون القضاء”، وعمل نقابة المحامين السوريين الأحرار، وإطلاعه على وثائق النقابة الخاصة بعمل المحامين، بما فيها الوكالات القضائية.

وتعليقاً على ذلك، قال المحامي يوسف الحسين لـ”سوريا على طول”، أن “المنسق التركي هو المرجعية القضائية العليا في القضاء من الناحية الإدارية والقضائية في كثير من الأحيان”، خاصة لـ”جهة الغرامات، التي يجري تحديدها عن طريق المنسقين، وهي غرامات باهظة”.

وكثيراً ما يتدخل المنسق التركي “حتى في الأحكام القضائية وتنفيذها، وهو ما أساء للقضاء في مناطقنا المحررة”، وفقاً للحسين، إضافة إلى أن “تعدد المنسقين بتعدد المناطق يعتبر إساءة أكبر، لأن كل منسق يختلف في عمله عن منسق آخر”.  

وأضاف: “نطالب دائماً باستقلال القضاء وتشكيل مجلس قضاء أعلى، يكون هو المرجعية القضائية الوحيدة، لكن للأسف هذا لم يحدث بسبب سوء إدارة الأتراك للمنطقة”.

يتفاوت شكل تبعية المجالس المحلية وعلاقتها بالجانب التركي بين مجلس وآخر، لكنها تبلغ ذروتها في منطقة “غصن الزيتون” نظراً لحساسية المنطقة، كونها ذات غالبية سكانية كردية، بحسب أربعة مصادر تحدثت إليهم “سوريا على طول”.

لا يختلف القطاع التعليمي عن غيره في التبعية لتركيا، وربما تبعيته أكثر من غيره، كون “الجانب التركي يولي اهتماماً بالغاً لهذا الملف، وجرى إلحاق مديريات التربية السورية بمديريات التربية التركية بشكل كامل منذ سيطرة الجيش الوطني والقوات التركية على المنطقة، وعين منسقون أتراك لمتابعة هذا الملف”، كما قال سامي دريد، مدرس سابق في منطقة عفرين لـ”سوريا على طول”، وهو مهجّر من جنوب دمشق عام 2018.

في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، توقفت اعتصامات المعلمين، في شمال حلب، بعد تعليقها من قبل نقابة المعلمين التابعة للمعارضة، دون تحقيق أياً من مطالبها، التي كان في مقدمتها تحسين الرواتب وتطوير العملية التعليمية في المدارس، فيما تدخلت الشرطة المدنية في بعض المناطق، كما في مدينة الباب لإزالة خيمة الاعتصام بالقوة بعد 24 ساعة من نصبها، وتلقى بعض المعلمين تهديدات بالفصل من عملهم.

قبل سنتين تقدم دريد باستقالته من وظيفته كمعلم في إحدى مدارس عفرين، بعد صدام مع المنسق التركي، على خلفية طلب المنسق التركي من دريد حذف منشور له على موقع “فيسبوك” ينتقد فيه إدارة الملف التعليمي، مهدداً إياه بالفصل.

“حاولت الحكومة المؤقتة إدارة الملف التعليمي مراراً، لكن بحسب أحد زملائي وهو مسؤول في وزارة التعليم التابعة للحكومة المؤقتة لم يسمح الجانب التركي لهم في التدخل بهذا الملف” وفقاً لدريد، مشيراً إلى أنه “في بعض الأحيان لا يتم دعوة الوزارة إلى اجتماعات [تركية] تتعلق بمناقشة الملف التعليمي”.

وتدير تركيا العملية التعليمية في مناطق نفوذها بريف حلب الشمالي، بشكل شبه كامل، بما في ذلك تحديد مواعيد الامتحانات والمناهج وغيرها، بحسب دريد، لافتاً إلى أن أسئلة امتحانات الصف التاسع والبكالوريا (الثانوية العامة) “تأتي من تركيا، وبعد الامتحان توضع الأوراق في صندوق، يُختم ويرسل للتصحيح في تركيا، ومن ثم تصلنا النتائج فقط”، وهذا يحرم الطالب من الاعتراض على نتيجته لأن “الأوراق في تركيا”.

أيضاً، منع المنسق التركي للملف التعليمي في عفرين إنشاء نقابة للمعلمين في المنطقة، معتبراً أن ذلك “عمل سياسي”، وققاً لدريد. كما أجبر المعلمون على “توقيع عقود عمل تطوع، تحوي بنوداً تمنعنا من المشاركة في أي مظاهرة أو أي وسيلة من وسائل الاعتراض والاحتجاج ضد أي جهة كانت النظام السوري أو غيره”، مشبهاً العقد بـ”التعهد”، لأنه “يضم طرفاً واحداً فقط وهو المعلم”.

وفي هذا السياق، قال الباحث قومان، أن “أنقرة تدخلت بشكل حاسم في قطاعات محددة، لا سيما الصحة والتعليم، حيث تدخلت وزارتي التعليم والصحة التركيتين في المدارس والمستشفيات، ووضعتا نظاماً يضبط المنظومة التعليمية ويربط المستشفيات مع بعضها”.

وأيضاً، تنسحب التبعية للجانب التركي على الشرطة العسكرية في ريف حلب الشمالي، حيث “يتواجد مستشارون من الإخوة الأتراك للمؤسسات الثورية، وهذا أمر غير مخفي، مهمته تبادل المعلومات الأمنية بيننا وبينهم، وتقديم الدعم اللوجستي للأعمال الأمنية”، كما قال ضابط مسؤول في الشرطة العسكرية لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام.

ويملك المستشارون الأتراك “صلاحيات إعفاء الفاسدين من مناصبهم”، وفقاً للضابط، مستدركاً: “الأمر متروك للحظ، إذا كان المستشار [التركي] جيداً يمكننا التفاهم معه، لكن إذا كان غير ذلك فنحن مجبرين على التعامل معه. هذا الواقع ولا بديل لدينا”.

حكومة شكلية!

في 18 آذار/ مارس 2013، أعلن الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، باعتباره أعلى سلطة معارضة رسمياً، تشكيل الحكومة السورية مؤقتة، لإدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في عموم البلاد. مع مرور الوقت انحسرت المساحات التابعة للمعارضة، لا سيما بعد تسويات عام 2018، التي انتهت بسيطرة النظام على جنوب سوريا، ومناطق المعارضة في جنوب العاصمة وريفها.

يقتصر نفوذ الحكومة السورية المؤقتة، حالياً، على المناطق المدعومة من أنقرة في ريف حلب الشمالي، فيما تخضع مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب وأجزاء من محافظتي حلب واللاذقية، إدارياً، لحكومة الإنقاذ، الجناح المدني للهيئة.

وسط هذا المشهد، تغيب الحكومة المؤقتة عن أدوارها في خدمة سكان المنطقة، فيما تظهر في”دور فخري” ببعض الاحتفالات الرسمية وافتتاح بعض المشاريع، عبر حضور رئيس الحكومة، عبد الرحمن مصطفى، وفقاً للباحث مناف قومان، ويتفق معه ثلاثة مصادر تحدثت لـ”سوريا على طول”، في أن دور حكومة المعارضة شكلي فقط.

وأضاف قومان: “تحاول الحكومة المؤقتة إدارة المنطقة حوكمياً، لكن في ظل حالة التشظي الإداري الذي تعاني منه المنطقة وعدم امتلاك الحكومة المؤقتة ملاءة مالية تمكنها من فرض قراراتها على المجالس والمنظمات وبقية الفواعل، فمن المرجح أن يبقى دورها ضعيفاً”.

ورغم اختيار إدارة المجالس، عبر الانتخاب، وتبعية الكيانات المحلية لوزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة إلا أن “تنسيقها مرتبط بالوالي التركي وليس الحكومة المؤقتة”، وهو ما تسبب في “تغييب الحكومة المؤقتة لدرجة اتخاذ المجالس بعض القرارات دون العودة للحكومة”، بحسب قومان، لافتاً إلى أن “المجالس المحلية أقوى من الحكومة المؤقتة التي تفتقد للسيطرة المالية والأمنية”.

“يدار شمال حلب وفقاً للعدد من الفواعل الرئيسيين، وهم: المجالس المحلية التابعة نظرياً للحكومة المؤقتة وعملياً لثلاثة ولاة أتراك بحسب المنطقة الجغرافية، والولاة الذين يعملون بشكل منفصل كل منهم عن الآخر بحسب رؤيته وتفرغه وما يراه مناسباً، وحكومة مؤقتة، وفصائل عسكرية تسيطر على الممرات الداخلية والخارجية، ومنظمات فاعلة لها مشاريع وموازنات وقنوات تواصل وهم الفاعل الحقيقي بحكم الأموال التي يدخلونها”، وفقاً لقومان.

وأضاف: “تجعل هذه التوليفة الحوكمية، المكونة من أربعة فواعل رئيسية، كل مجلس محلي يقرر على حدة، ويتخذ سياسات تتمايز عن مجالس أخرى، مثل: دعم الخبز، ففي منطقة مدعوم وفي أخرى أقل أو غير مدعوم”. 

أيضاً في ملف الكهرباء، تسببت هذه الحالة في “توقيع كل مجلس محلي اتفاق تزويد كهرباء بمعزل عن المجالس الأخرى، وباتفاق مختلف مع الشركة ذاتها”، على سبيل المثال: “وقّع المجلس المحلي في مدينة اعزاز اتفاقاً لتزويد المدينة بالكهرباء مع إحدى الشركات، بعد ذلك قام المجلس المحلي في بلدة مارع، التي تتبع بالأساس إدارياً لإعزاز، بتوقيع اتفاق مختلف ومغاير مع نفس الشركة”، بحسب قومان.

شهدت مناطق سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا، العام الماضي، احتجاجات شعبية على خلفية رفع أسعار الكهرباء من قبل الشركة المزودة، بما في ذلك مدينة عفرين، التي وصلت الاحتجاجات فيها حدّ إحراق مبنى المجلس المحلي وشركة الكهرباء، في حزيران/ يونيو.

وفي هذا السياق، كشف مصدر مسؤول في المجلس المحلي بمدينة عفرين، طلب من “سوريا على طول”، عدم كشف هويته لأسباب أمنية، أن “المناقصة لتزويد المدينة بالكهرباء جرت في هاتاي التركية”، وهناك طرح المشروع، ومن ثم “جاءت نسخة من العقد إلى المجلس المحلي للتوقيع عليها”، مؤكداً أن “المجلس لم يحدد الشروط”، وهو ما حصل أيضاً في خدمة الإنترنت، بحسب قوله.

قرار غير مركزي

نظرياً، تخضع مناطق سيطرة الجيش الوطني للنفوذ التركي، لكن إدارة هذه المناطق ليست مركزية في قراراتها، أي ليس بالضرورة أن يوافق المنسق التركي في منطقة سورية على إجراء معين تم تطبيقه في منطقة أخرى ضمن مناطق نفوذ أنقرة.

على سبيل المثال، “وافق المنسق التركي في عفرين على استخراج بطاقة خاصة بالفلسطينيين السوريين، بينما رفض منسق اعزاز استخراج البطاقة ذاتها”، كما قال صحفي سوري مقيم في عفرين، طالباً من “سوريا على طول” عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

“تؤثر العلاقة بين الولايات التركية نفسها على المجالس المحلية السورية فيما بينها، وبين المجالس والحكومة المؤقتة”، وفقاً للمصدر من المجلس المحلي في عفرين.

وأضاف: “لا يتخذ المنسقون الأتراك أي قرار مكتوب، ولا يوقعون على أي وثيقة، وإنما يقدم المنسق فكرة أو توجيهاً معيناً بشكل شفوي”، وهذا من شأنه أن “يخلق مساحة من حرية التصرف” للمجالس المحلية، بحيث تأخذ بعض المجالس هذه التوجيهات ولا تلتزم بها حرفياً، بينما بعض المجالس “تعبد هذه التعليمات”، بمعنى تنفذها حرفياً. 

وأحياناً، تلعب شخصية المنسق دوراً في ذلك، إذ إن “بعضهم يعطيك استقلالية، ويزورك في الشهر مرة واحدة، لكن بعضهم يتواجد بشكل يومي كأنه جسم من المؤسسة”، بحسب المصدر من “محلي” عفرين.

مآلات التبعية

فقدت المعارضة السورية دورها السيادي على شمال غرب سوريا، حتى على صعيد الخدمات، لكن رغم المساوئ التي تسببت بها هذه التبعية إلا أنها “أسهمت نسبياً في تحقيق ضبط مالي وأمني للمنطقة وتنفيذ مشاريع كبيرة”، من وجهة نظر مناف قومان، الباحث في مركز عمران، ناهيك عن “النقلة النوعية التي أحدثتها على صعيد خدمات المياه والكهرباء والنقل”.

لكن في المقابل، تفرض إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، على الراغبين في تقديم المساعدات لمخيمات ريف حلب الشمالي التنسيق معها “وتمنع عمل أي جهة من دون هذا التنسيق”، وفقاً للباحث في العلوم السياسية المقيم في تركيا، مستشهداً على ذلك بمحاولته الدخول إلى أحد مخيمات ريف حلب الشمالي، أثناء عمله مع منظمة طبية سورية “من أجل تقديم رعاية صحية لمرضى السل”، لكن مدير المخيم، وهو تركي الجنسية، “طلب معلومات عن الفريق، ومن ثم اتصل بمديرية الصحة في تركيا المسؤولة عن المنطقة، وأخبرنا أنه يتوجب على المنظمة مراجعة المديرية في تركيا قبل العمل في المخيم”.

“آفاد”، التي لا يمكن العمل في مناطق النفوذ التركي شمال سوريا من دون موافقتها، “كانت غائبة عن المشهد في أول 20 يوم من الزلزال”، الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، في السادس من شباط/ فبراير الماضي، كما قال صحفي سوري يقيم في أحد مخيمات شمال حلب لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن “هذا الغياب تسبب في ضعف التنسيق بين المنظمات المحلية العاملة على الأرض بالمنطقة، باعتبار آفاد هي من توجه الفرق للعمل”.

وكشف الصحفي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية عن “وجود إدارة من آفاد، تضم شخصين أو ثلاثة أتراك، لا يستطيع أي شخص السكن في المخيم أو الخروج منه دون موافقتهم”.

على صعيد آخر، تتبع مؤسسة إكثار البذار للحكومة السورية المؤقتة، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة ملف القمح والطحين في المنطقة، لكن “لسوء التنسيق أو عدمه، في بعض الأحيان، ينفد الطحين في المنطقة، لأن المجالس المحلية تستورد الطحين بمفردها أو تتعاون مع منظمة أو جهة للحصول عليه”، بحسب قومان، مشدداً على ضرورة “حصر هذه الخدمة بالمؤسسة المعنية”.

أدت العشوائية الإدارية والخدمية في مناطق سيطرة الحكومة السورية المؤقتة، بريف حلب الشمالي، إلى إيجاد مخرج للأشخاص المسيئين في المنطقة، وفقاً للمصدر من المجلس المحلي في عفرين، إذ “قد يخطئ الموظف في عمله، ويرمي ذلك على المنسق التركي، وبالتالي هو يسيء للجانب التركي ويضع المؤسسات في أخطاء، وهذا ينطبق أيضاً على الأشخاص الفاسدين”.

لذلك، ينبغي أن تكون هناك “قرارات مكتوبة وحوكمة رشيدة، ومن دون ذلك سنهدم المؤسسات بدلاً من بنائها، وسوف نجد أنفسنا أمام مصائب أكبر”، بحسب المصدر ذاته.

الأخطر من ذلك، “خلق حالة من التمايز في توزع المشاريع بين المجالس المحلية في المنطقة”، كما قال الباحث قومان، مستدلاً على ذلك بـ”نيل مدينة الباب الحصة الأكبر من المشاريع نظراً للكثافة السكانية فيها، ونشاط الوالي التركي المسؤول عن الباب، وطبيعة الأهالي والتجار في المدينة، فضلاً عن كونها منطقة صناعية قبل الثورة”. هذا التمايز “يلعب دوراً مستقبلياً بطريقة تشكل الحواضر داخل سوريا الجديدة، فمثلاً تحولت بعض البلدات والقرى الصغيرة إلى حواضر مدنية كبيرة ومراكز تجارية، على حساب مدن وبلدات أخرى”، نتيجة “التقصير الحوكمي وغياب وجود جهاز حوكمي يكتب الموازنات ويعد خطط وطنية ويدير صناعة القرار من الأسفل للأعلى”.

شارك هذا المقال