8 دقائق قراءة

في معركة “رفع الدعم”: دمشق تكسر ظهر مواطنيها وتزيد من عجزهم

وفي الوقت الذي يصل دخل عائلة أبو محمد إلى 600 ألف ليرة (157 دولاراً) شهرياً، فإنها ستنفق منه 15% لشراء مادة الخبز فقط، بعد أن كان نسبة إنفاقها على الخبز من إجمالي الدخل الشهري 2.25%.


7 مارس 2022

باريس – نتيجة لـ”امتلاك رب الأسرة سجلاً تجارياً”، استبعدت حكومة دمشق عائلة أبو محمد من حزم الدعم الحكومية، عبر “البطاقة الذكية”، لتعمّق معاناته وتجبره على “مزيد من التقشف أكثر من الذي كنت أعيشه سابقاً”.

قرار الاستبعاد من الدعم، طال ابن محافظة ريف دمشق، البالغ من العمر 45 عاماً، وزوجته وبناته الأربعة، رغم توقف سجله التجاري، في العام 2010، الذي يعود لمؤسسة فردية في مجال تصدير الخضار والفواكه إلى العراق، افتتحها أبو محمد في العام 2007، توقفت عن العمل بعد ثلاث سنوات، لكنه لم يغلق السجل أصولاً في دوائر الدولة، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وعائلة أبو محمد، واحدة من نحو 600 ألف عائلة، استبعدتها دمشق من حزمة الدعم الحكومية، في مطلع شباط/ فبراير الماضي، بذريعة أن “الدولة لم تعد قادرة على الاستمرار بنمط الدعم ذاته الذي كان قائماً طوال العقود الماضية”، بحسب رئيس الوزراء في حكومة النظام، حسين عرنوس، قبل أن تعيد جزءاً من المستبعدين الذين تم استبعادهم “عن طريق الخطأ”.

وفي العام 2019، نفذت حكومة النظام سياسة الدعم عبر البطاقة الإلكترونية أو “الذكية”، كما يطلق عليها، ويتم عبرها توزيع مجموعة من السلع  والخدمات الأساسية، من قبيل السكر والرز ووقود التدفئة بكميات محددة وبأسعار مخفضة، ومع رفع الدعم يتوجب على العائلات الحصول على السلع والخدمات بالسعر الحر المطروح في الأسواق.

ورغم أن الدعم الحكومي لا يتناسب مع العجز الاقتصادي للمواطن السوري، ولا يغطي احتياجاته، خاصة أن الكميات غير كافية، ولا يتم توزيعها بشكل شهري منتظم، وإنما بحسب توفرها في فروع المؤسسة السورية للتجارة، وهي مؤسسة حكومية معتمدة لتوزيع المواد التموينية المدعومة في كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام.

لقطة شاشة لتطبيق “البطاقة الذكية” توضح أن دور إحدى العائلات في الحصول على الكمية المخصصة لها من السكر بعد 2798 شخصاً مستفيداً من المركز نفسه، والرز بعد 2769 شخصاً مستفيداً.

مستبعدون بالجملة

استبعدت عائلة الصحافية أمل الدمشقي، المقيمة في العاصمة السورية، من الدعم الحكومي “لامتلاك العائلة سجلاً تجارياً وسيارتين”، وفقاً للدمشقي، وفي الحقيقة أن العائلة تمتلك سيارة واحدة “موديل 2006، ومحركها أقل من 995 CC، أي أنها مطابقة لاستحقاق الدعم”.

لكن المشكلة أن السجل التجاري “يعود لمحلّ تجاري افتتحه زوجي في العام 2006 وأغلقه بعد ثلاث سنوات”، من دون إغلاق السجل التجاري أصولاً، أما السيارة الثانية “بيعت بموجب عقد بيع ووكالة رسمية، من دون نقل الملكية تفادياً من الإجراءات الحكومية المعقدة”، كما أضافت الدمشقي.

وعليه، أغلق زوج الدمشقي السجل التجاري “رسمياً”، ومن ثم اعترضت العائلة على قرار رفع الدعم عبر المنصة المخصصة لذلك، مقدمة “الإثباتات اللازمة”، لكن “رُفض الطلب أيضاً”.

لقطة شاشة أرسلتها الدمشقي توضح استبعادها من الدعم الحكومي، 17/ 2/ 2022 (سوريا على طول)

وفي حالة أخرى، استبعدت أم قاسم، 66 عاماً، من الدعم الحكومي، وهي سيدة من ريف دمشق، تعيش مع زوجة ابنها المتوفى في حادث سير مطلع العام 2020، وأحفادها الثلاثة، أكبرهم 11 عاماً، والسبب في رفع الدعم عنها “وجود أكثر من سيارة باسم ابني المتوفى، كون بطاقة الدعم ما تزال باسمه”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

وأكدت أم قاسم أن ما تملكه العائلة “سيارة واحدة من نوع هونداي، مطابقة لشروط الدعم، وهي باسم ابني المتوفى”، وتقوم العائلة بتأجيرها لأحد الأشخاص مقابل أجرة شهرية مقدارها 150 ألف ليرة سورية (39 دولاراً أميركياً، بحسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء، البالغ 3,820 ليرة للدولار الواحد).

بعد انقطاع الدعم، قدمت السيدة الستينية شكوى رسمية لمركز تكامل، وهي الشركة المشغلة للبطاقة الذكية، تؤكد أن “الإدعاء الموجه لنا بامتلاك أكثر من سيارة باطل”، ولكنهم طلبوا منها إرفاق كشف صادر عن إحدى المؤسسات الحكومية، يؤكد ملكية ابنها لسيارة واحدة فقط مع ذكر مواصفاتها، مع طلب الاعتراض، لتقوم “تكامل” بـ”دراسة الحالة، والرد إما بقبول الطعن أو رفضه”.

وقبل انقطاع الدعم الحكومي، كانت أم قاسم تحصل على 200 لتر شهرياً من البنزين المدعوم المخصص للسيارة، بسعر 1,100 ليرة (0.28 دولاراً)، وتبيع حصتها في السوق السوداء بسعر يتراوح بين 2,500 و2,800 ليرة (0.65 و0.73 دولاراً)، لتحقق أرباحاً شهرية مقدارها 280 إلى 340 ألف ليرة (73 إلى 89 دولاراً) شهرياً. هذا المبلغ إضافة إلى أجرة السيارة “كان يلبي أبسط احتياجات العائلة من مواد أساسية وطعام وشراب”.

عشوائية في التنفيذ؟

في الأول من شباط/ فبراير الماضي، قالت معاونة وزير الاتصالات والتقانة لشؤون التحول الرقمي، فاديا سليمان، أن عدد المستبعدين بلغ 596,628 بطاقة، بنسبة تصل إلى 15% من  إجمالي الأسر التي تحصل على الدعم، موضحة أن الدراسة أخذت بعين الاعتبار الملكيات العقارية المتعددة للأسرة في نفس المحافظة، ومراعاة مناطق الملكيات من حيث الأغلى سعراً.

لكن عملية اختيار العائلات المستثناة من الدعم شابها أخطاء أدت إلى استبعاد أشخاص لا يشملهم القرار بحسب المعايير التي حددتها حكومة النظام، وهو ما اعترف به وزير التجارة وحماية المستهلك، عمرو سالم، مشيراً إلى أن ما حصل نتيجة “أخطاء تقنية” وليس قراراً، وعليه حددت وزارة الاتصالات آلية لتلقي اعتراضات المواطنين، الذين خسروا الدعم عن طريق الخطأ.

إضافة إلى ذلك، يبدو أن دمشق لم تكن واضحة في آليات تنفيذ قرار رفع الدعم، ما دفعها بعد بدء العمل بموجبه إلى إصدار عدد من القرارات التوضيحية لمن يُستبعد من الدعم ومن لا يستبعد. وعلى سبيل المثال، أوضحت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن القرار لا يشمل كل من لديه سجلاً تجارياً.

وفي هذا السياق، نشرت رئاسة مجلس الوزراء، منشوراً توضيحياً على صفحتها الرسمية عبر الفيسبوك، قالت فيه أن رفع الدعم يطال أصحاب السجلات التجارية بدءاً من الفئة الممتازة وحتى الثالثة، بينما حاملو السجل التجاري من الفئة الرابعة لا يشملهم قرار الاستبعاد.

ورداً على منشور توضيحي لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمر سالم، في صفحته الشخصية عبر الفيسبوك، أكد أحد المعلقين بأنه يملك سجلاً تجارياً من الدرجة الرابعة المستثناة من الاستبعاد، ومتوقف منذ 10 سنوات، ولا يوجد لديه أرصدة بنكية، ومع ذلك استبعد من الدعم، ليرد عليه آخر “أنا مثلك، السجل التجاري متوقف منذ 15 سنة، ورفعوا الدعم عني”.

أيضاً، رفعت حكومة دمشق الدعم عن أشخاص تحت بنود مختلفة، منها استبعاد أشخاص بدعوى أنهم خارج سوريا، رغم أنهم لم يغادروا البلاد، أو كونهم موظفين في مؤسسات حكومية، رغم تأكيد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بأن رفع الدعم لن يشمل الموظفين.

الخطأ الذي وقعت به حكومة دمشق في استبعاد عائلات رغم استحقاقها الدعم، تكرر في التعامل مع الشكاوى أيضاً، إذ فشل زوج الصحافية أمل الدمشقي في استعادة الدعم، رغم إيقاف السجل التجاري أصولاً وتقديم الإثباتات اللازمة.

في المقابل، نجح محمد القاسم، 28 عاماً، من محافظة درعا جنوب سوريا، في استعادة الدعم لعائلته، بعد تقديم اعتراض يثبت عدم امتلاكه سجلاً تجارياً، وهو سبب استبعاده من الدعم، كما جاء في نص الرسالة التي وصلته من حكومة النظام.

وفور استبعاد القاسم، الأب لثلاثة أطفال، تقدم إلى مركز “تكامل” في مدينة جاسم بمحافظة درعا، وقدم اعتراضاً، موضحاً بأنه لا يملك سجلاً تجارياً، وإنما “اسمي مدرج كعامل في مؤسسة، وقدمت نسخة عن السجل التجاري للمؤسسة تثبت ذلك”، كما قال لـ”سوريا على طول”، ليتم إعادة الدعم له “بعد أربعة أيام من الاعتراض”.

أما بالنسبة لأبو محمد، الذي تم استبعاده من الدعم لامتلاكه سجلاً تجارياً، فإن الطعن بالقرار يتطلب “إيقاف سجلي التجاري وتقديم ما يثبت ذلك”، كما أبلغه موظف استقبال الشكاوى في شركة “تكامل”، ولكن ذلك يتطلب منه دفع غرامات عن 12 عاماً، بحسب قوله، موضحاً أن “إيقاف السجل التجاري سوف يكلفني رسوماً تتراوح بين 750 ألف إلى مليون ليرة”، أي ما قيمته 196 إلى 251 دولار أميركي.

ماذا يعني فقدان الدعم؟

استبعاد المواطنين من الدعم الحكومي، يعني أنهم سيحصلون على السلع والخدمات الأساسية بأسعارها المطروحة في الأسواق أو بأسعارها العالمية، فيما يبلغ معدل الرواتب الحكومية في سوريا بحدود 90 ألف ليرة، أي ما يعادل 23.3 دولاراً فقط.

يعني ذلك، أن المواطن المستبعد سيشتري ربطة الخبز بـ1300 ليرة سورية (0.34$)، وهو السعر غير المدعوم، بدلاً من شرائها بالسعر المدعوم المحدد بـ200 ليرة (0.052 دولاراً) للربطة.

وجاء تأثير رفع الدعم مضاعفاً على عائلة الصحافية أمل الدمشقي، لحصولهما على بطاقتين ذكيتين، ورفع الدعم عن كليهما. وقد أجرت العائلة عملية حسابية سنوية لمعرفة “تأثير قطع الدعم عن العائلة”، كما قالت الدمشقي.

وكانت عائلة الدمشقي تدفع سنوياً لقاء الحصول على المواد المشمولة بالبطاقة الذكية، من قبيل المازوت، البنزين، الرز، السكر، والغاز، 1.65 مليون ليرة سورية (431 دولاراً)، لكنها ستضطر الآن إلى شراء الكميات نفسها بقيمة 5.9 مليون ليرة (1544 دولاراً).

وأوضحت الدمشقي أنها كانت تحصل على السكر المدعوم مقابل 1,000 ليرة (0.28 دولاراً) للكيلوغرام، فيما يبلغ سعره في السوق نحو 3,000 ليرة (0.78 دولاراً)، وسعر لتر الزيت النباتي المدعوم 7,500 ليرة (1.96 دولاراً) مقابل 10 إلى 12 ألف ليرة (2.6  إلى 3.1 دولاراً) لغير المدعوم، كذلك الشاي، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام على “البطاقة الذكية” نحو 20 ألف ليرة (5.2 دولاراً) مقابل 30 ألف ليرة تقريباً (7.8 دولاراً) لغير المدعوم.

وبالنسبة للمحروقات، كانت تحصل الدمشقي على جرة غاز كل 70 إلى 90 يوماً، بسعر 10,500 ليرة (2.7 دولاراً)، بينما يصل سعرها في السوق السوداء إلى 31,000 ليرة (8.1 دولاراً). 

أما مخصصات التدفئة من المازوت، التي تقدر بنحو 50 لتر لكل بطاقة، يبلغ سعر اللتر الواحد المدعوم 500 ليرة (0.13 دولاراً)، بينما سعر اللتر في السوق السوداء نحو 3,000 ليرة (0.78 دولاراً)، وقد اشترت الدمشقي 20 لتر مازوت من السوق السوداء، الأسبوع الماضي، بقيمة 60 ألف ليرة (15.7 دولاراً)، مؤكدة أنها “نفدت خلال خمسة أيام فقط”. 

وتبلغ مخصصات الدمشقي من البنزين عبر البطاقة الذكية 25 لتراً كل 7 أيام، بسعر  1,100 ليرة (0.28 دولاراً) للتر الواحد، بينما يبلغ سعره في السوق السوداء 2,500 ليرة (0.65 دولاراً)، وهو ما اضطرها منذ رفع الدعم إلى إيقاف سيارتها.

وكانت الدمشقي تستخدم سيارتها الخاصة لتوصيل ابنتيها إلى المدرسة، موضحة أنها “تكلفني حوالي 100 ألف ليرة [26.1 دولاراً] شهرياً ثمن البنزين المدعوم”، لكنها ستضطر إلى “دفع 300 ألف ليرة [78.5 دولاراً] للحصول على نفس الكمية من غير دعم”. في المقابل لا يمكنها الاشتراك في باص لنقل الطلاب، لأن ذلك “سيكلفني 150 ألف ليرة [39.2 دولاراً] شهرياً عن كل بنت”.

تجاوز خط حافظ الأسد الأحمر

على خلفية الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطن السوري بفعل رفع الدعم، أعاد موالو النظام مؤخراً مقولة تنسب لحافظ الأسد، وهي: “رغيف الخبز أكثر من خط أحمر، وإذا خرج المواطن في مظاهرة ضد الحكومة، سأكون أنا أول من ينزل إلى الشارع”، في إشارة إلى أن الأسد الابن تجاوز خط أبيه.

تبلغ مخصصات عائلة أبو محمد من الخبز المدعوم ربطتين يومياً، بسعر 225 ليرة (0.059 دولاراً) للربطة الواحدة، أي أن العائلة كانت تنفق شهرياً 13,500 ليرة (3.53 دولاراً) لشراء الخبز المدعوم، لكن مع انقطاع الدعم تشتري العائلة ذات الكمية يومياً بسعر 3,000 ليرة (0.78 دولاراً)، ما يعني أن العائلة ستدفع شهرياً 90,000 (23.5 دولاراً) تقريباً للخبز فقط

وفي الوقت الذي يصل دخل عائلة أبو محمد إلى 600 ألف ليرة (157 دولاراً) شهرياً، فإنها ستنفق منه 15% لشراء مادة الخبز فقط، بعد أن كان نسبة إنفاقها على الخبز من إجمالي الدخل الشهري 2.25%.

ومع تراجع دخل عائلة أم قاسم، نتيجة رفع الدعم عنها، وفقدان ما كانت تجنيه من بيع مخصصاتها المدعومة من البنزين إلى 150 ألف ليرة (39 دولاراً)، وهو المبلغ الذي تحصل عليه من تأجير سيارتها، فإنه يتوجب عليها دفع 90 ألف ليرة (23.5 دولاراً) لقاء شراء ربطتي خبز يومياً، وهي ذات الكمية المخصصة عبر البطاقة الذكية، ما يعني أنها ستدفع 60% من دخلها الشهري لشراء الخبز فقط.

شارك هذا المقال