4 دقائق قراءة

في موسم التين: عودة نازحين لجني ثمار ما تبقى من أراضي ريف إدلب الجنوبي

"تخاطر الناس في موسم التين تحديداً باعتباره موسماً استراتيجياً، ويمكن أن يحقق أرباحاً لأصحاب الأراضي تكفيهم مصروف عام كامل"، خصوصاً أن سعر كيلو التين المجفف لهذا العام بلغ 3 دولارات مقابل 1.5 دولار العام الماضي.


8 سبتمبر 2020

عمان- مروراً بقريته في ريف إدلب الجنوبي، الخالية من سكانها، وصل أبو محمود إلى المنطقة قبل 15 يوماً قادماً من مخيمات أطمة الحدودية، متجاهلاً خطر استهدافه بنيران القوات الحكومية المتمركزة على بعد 3 كيلومترات من أرض استثمرها من صاحبها، كل ذلك “أملاً في تحقيق عائد مالي يتراوح بين 200 و250 دولار أميركي من جني ثمار التين في الأرض التي تبلغ مساحتها 3 دونمات” كما قال لـ”سوريا على طول”.

يعلم أبو محمود (40 عاماً) من قرية كفرعويد في ريف إدلب الجنوبي، بأنه قد يدفع حياته ثمناً بدلاً من جني الأرباح، كما حدث مع غيره، إذ قتل مدنيان في آب/أغسطس الماضي، خلال عملهما في جمع ثمار التين في قرية الفطيرة الزراعية التابعة لجبل الزاوية جنوب إدلب، كما أصيب ثلاثة مزارعين في بلدة البارة بريف إدلب الجنوبي أيضاً نتيجة استهدافهم بقذيفة مدفعية. ولكن “بعد أن عجزت طيلة 4 أعوام عن تأمين فرصة عمل آمنة، وتراكمت الديون عليّ أجبرت على المخاطرة بحياتي لأجني بضع ليرات أصرف بها على أولادي” كما قال.

هذه المخاطرة الكبيرة في الوصول إلى الأراضي الزراعية في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، كانت سبباً في إيجاد فرص استثمار في القطاع الزراعي لأبي محمود وعشرات مثله. “فأصحاب الأراضي الزراعية القريبة من خطوط التماس مع النظام أوكلت مهمة جني المحاصيل لأشخاص مقابل الاتفاق على تقاسم نسبة الأرباح” بحسب ما ذكر الناشط الإعلامي محمود الشمالي، وهو من أبناء ريف إدلب الجنوبي.

وأضاف الشمالي لـ”سوريا على طول” “تخاطر الناس في موسم التين تحديداً باعتباره موسماً استراتيجياً، ويمكن أن يحقق أرباحاً لأصحاب الأراضي تكفيهم مصروف عام كامل”، خصوصاً أن “سعر كيلو التين المجفف لهذا العام بلغ ضعف سعره في الموسم الماضي، إذ وصل سعر الكيلو 3 دولارات أميركية، فيما كان 1.5 دولار العام الماضي”.

منطقة موحشة

يومياً، بعد صلاة الفجر ينتشر عشرات الشبان في أراضي جبل الزاوية لالتقاط حبّات التين من الأراضي الزراعية هناك، قبل أن تبدأ حركة طيران الاستطلاع في سماء المنطقة. وعند سماع أصوات غريبة، أو شعوره بحركة غير اعتيادية يتوقف أبو محمود عن العمل ويختبئ تحت إحدى الأشجار دون أي حركة “خشية أن ترصدني طائرات الاستطلاع، لأن مجرد رصد أي حركة في المنطقة يعرضها للقصف” كما قال، مضيفاً “شعور الخوف هنا يلازمك طالما أنت في المنطقة”.

شابان يعملان في أحد الأراضي الزراعية القريبة من كفرعويد بريف إدلب الجنوبي، 1/ 9/ 2020 (محمود الشمالي)

وبالنسبة لأبي محمود، الذي نزح من كفرعويد في 10 كانون الثاني/يناير 2020، لا يمكن أن يقطع نحو 100 كيلو متر يومياً ليعود إلى مكان إقامته في مخيمات أطمة على الحدود، كما لا يمكنه “المخاطرة بأفراد عائلتي وأصطحبهم معي إلى القرية، فالقصف متكرر وشبه يومي”. هذا عدا عن أن “بيتي تعرض لتدمير جزئي، كما تعرض بعض أثاثه للسرقة”.

ولأن المنطقة خالية من سكانها، يقطع أبو محمود نحو 15 كيلومتراً إلى قرى جبل الزاوية الشمالية “لشراء احتياجاتي، فهناك بعض العائلات التي عادت إلى منازلها، ولكن ما تزال المنطقة موحشة لأن معظمها بلا سكان “.

وفي هذا السياق، قال محمد الحلاج، مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” أن “عمليات العودة إلى ريف إدلب الجنوبي ما تزال محدودة، وهي حالات فردية لأشخاص لم يتحملوا تكاليف النزوح” مؤكداً في الوقت ذاته أن “أعداداً كبيرة من المدنيين يفضلون العودة لكنهم لا يستطيعون ذلك لكثرة الخروقات واستمراريتها”. إذ بحسب بيان صادر عن “منسقو الاستجابة” في 1 أيلول/سبتمبر الحالي بلغ عدد الخروقات في شهر آب/أغسطس الماضي “286 خرقاً تشمل الاستهداف بالقذائف المدفعية والصاروخية والطائرات المسيرة والحربية”.

أراض خارج الموسم

“موطن التين الأصلي هو منطقة جبل الزاوية” كما قال أحد أبناء ريف إدلب الجنوبي لـ”سوريا على طول”، لذلك الكثير من أبناء المنطقة عادوا -ولو مؤقتاً- للاستفادة من الموسم. لكن “هناك مزارعون خسروا الأرض ومحصولها بعد سيطرة النظام عليها” بحسب قوله. 

وفيما تقدر مساحة الأراضي التي سيطرت عليها القوات الحكومية وروسيا منذ مطلع عام 2019 بنحو 60% من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية، فإن الأراضي الزراعية التي تمت خسارتها في العمليات العسكرية تقدر بنحو 2300 كيلومتر مربع، مقابل 1500 كيلومتر مربع ما تزال تحت سيطرة المعارضة. إلا أنه لا يمكن الاستفادة من كل المساحة الزراعية المتبقية “نتيجة الخروقات المستمرة”  بحسب الناشط الإعلامي محمود الشمالي.

وفيما قدرت مديرية زراعة إدلب، التابعة للنظام السوري، عدد أشجار التين في محافظة إدلب بنحو 873.368 شجرة، منها 838.900 مثمر بعلي، و 1972 مثمر مروي، والباقي غير مثمر. فإن المهندس الزراعي مصطفى المصطفى، والذي شغل سابقاً مدير زراعة إدلب الحرة التابعة للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) قال في حديثه إلى “سوريا على طول” بأن “المساحة المزروعة بأشجار التين حتى عام 2019 كانت تقدر بنحو 4500 هكتار، لكنها تقلصت في هذا العام إلى 1735 هكتار”.

وأوضح أن عدد أشجار التين المثمرة في مناطق سيطرة المعارضة بإدلب انخفض إلى “329.010 شجرة فقط، بعد سيطرة النظام على مناطق واسعة في ريف إدلب الجنوبي، التي تتمركز فيها زراعة التين”.

شارك هذا المقال