8 دقائق قراءة

في يوم اللاجئ العالمي: السوريون في دول الجوار أمام مستقبل قاتم

في يوم اللاجئ العالمي، يقضي اللاجئون السوريون حياتهم في دول الجوار وسط ظروف اقتصادية وقانونية واجتماعية صعبة، تزيد حدتها في بلدان مثل تركيا ولبنان بفعل موجات خطابات الكراهية


20 يونيو 2022

باريس- في يوم اللاجئ العالمي، الذي يصادف 20 حزيران/ يونيو من كل عام، يقضي اللاجئون السوريون حياتهم في دول الجوار وسط ظروف اقتصادية وقانونية واجتماعية صعبة، تزيد حدتها في بلدان مثل تركيا ولبنان بفعل موجات خطابات الكراهية.

منذ أشهر، يتعرض السوريون في تركيا لموجة غير مسبوقة من الخطابات المناهضة لوجودهم، ويجدون أنفسهم أمام تصريحات رسمية تركية تستهدف إعادة مليون لاجئ منهم ضمن ما يعرف بخطة “العودة الطوعية”، ناهيك عن حملات ترحيل مستمرة بذريعة مخالفة لاجئين لقوانين الحماية المؤقتة “الكملك” والعمل، لكنها طالت سوريين من حملة الوثائق الرسمية من قبيل تصاريح العمل أو إقامات الطلاب.

وفي لبنان أغلقت الأبواب أمام اللاجئين السوريين، إلا من الركوب في البحر الأبيض المتوسط أملاً بالوصول إلى أوروبا، وهو الطريق الأكثر خطراً في العالم، حيث لقي 23939 شخصاً مصرعهم منذ عام 2014، بحسب مشروع المهاجرين المفقودين.

وفيما تعد الأردن أفضل مكاناً للاجئين، مقارنة بدول الجوار، حيث تغيب خطابات الكراهية عن التصريحات الرسمية والخطابات الشعبية، إلا أن السوريين في تلك البلاد يتشاركون مع الأردنيين في مواجهة ظروف اقتصادية صعبة، إلى جانب مشكلات تنحصر في غير الأردنيين، من قبيل إغلاق معظم المهن أمام الوافدين لأنها مخصصة لأبناء البلد.

تركيا لم تعد خياراً

قبل أربع سنوات، كانت تركيا الخيار الأفضل والأسهل نسبياً مقارنة بدول الجوار، من حيث توفر منح التعليم بالنسبة لطلبة الدراسات العليا السوريين، بما فيهم رانيا العيسى (اسم مستعار)، طالبة دكتوراه في إحدى الجامعات الحكومية بالعاصمة أنقرة.

في عام 2018، وصلت العيسى إلى أنقرة قادمة من محافظة دمشق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، بعد حصولها على منحة لدراسة الدكتوراه مقدمة من الحكومة التركية، وخلال أشهر أتقنت اللغة التركية، وشكلت دائرة اجتماعية محيطة بها من الأتراك كنوع من الاندماج في المجتمع التركي.

وصفت العيسى، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها خشية الملاحقة الأمنية في تركيا، تجربتها الاجتماعية مع الأتراك بـ”الجيدة”، لكها بدأت تتغير نحو الأسوأ منذ عام 2020، كما قالت لـ”سوريا على طول”، وتلاشت الدائرة الاجتماعية في عام 2021 “بشكل مفاجئ وفجّ، حتى صارت في أضيق صورها”، وتغيرت الأحاديث المشتركة “بيني وبين الأصدقاء الأتراك من الحديث عن عادات وتقاليد المجتمعين إلى نقاشات سياسية بحتة”، لتكتشف لاحقاً أن “السوري غير مرغوب به حتى إذا وصل إلى تركيا للدراسة عبر تأشيرة الطالب”، معتبرة أن كل السوريين في نظر الأتراك لاجئين.

وبغض النظر عن صفتها القانونية “طالبة”، فإن العيسى لاجئة سورية لا يمكنها العودة إلى بلادها مثل مئات آلاف اللاجئين المقيمين في تركيا، نظراً لانخراطها في العمل الإعلامي المعارض للنظام السوري مصرّحة عن هويتها الحقيقية.

اليوم، يواجه السوريون في تركيا خطاباً عنصرياً متصاعداً، وصل حد تسجيل عدة جرائم قتل بـ”دوافع عنصرية”، إضافة إلى تغير حكومي واضح مع ملف اللاجئين السوريين، واستخدام ورقتهم من المعارضة التركية وحكومة أنقرة في السجال السياسي الذي يسبق الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في عام 2023.

مقابل ذلك، يتعامل عناصر الشرطة التركية مع بعض الحوادث إذا كان أحد أطرافها أتراك “شكلياً”، كما قالت دانة، 27 عاماً، المقيمة مع عائلتها في مدينة غازي عنتاب، جنوب تركيا، إذ قبل أسابيع تعرضت عائلة سورية تسكن بجوارها للسرقة، ورغم أن الشرطة التركية حررت ضبطاً في الحادثة إلا أنها “لم تتابع القصة”.

وترى دانة أن “السوري في تركيا يشعر بأنه إنسان من الدرجة الثانية”، لذلك “لو ضرب أحدهم سيارتي، وكنت أعلم أنني صاحبة حق، أو تعرضت للسرقة، لن أتقدم بشكوى، لأنني أعلم بأنني لن أحصل على شيء وليس بوسعي فعل شيء”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

وأصدرت الحكومة التركية خلال الأشهر الأخيرة عدة قرارات تعميمات من شأنها التضييق على اللاجئين السوريين، ما أدى إلى وجود حالة من الخوف والقلق على مستقبل وجودهم، ومن ذلك الإعلان، في أيار/ مايو الماضي، عن خطة لإعادة مليون لاجئ تحت اسم “العودة الطوعية”، من أصل 3.7 مليون لاجئ على أراضيها.

وفي حزيران/ يونيو الحالي، جددت الحكومة التركية منع اللاجئين السوريين من قضاء إجازة عيد الأضحى في بلادهم، وكانت أصدرت قراراً في نيسان /أبريل الماضي، تمنعهم من قضاء إجازة عقد الفطر، بعد أن سمحت بـ”إجازة العيد” طيلة سنوات.

وفي آذار/ مارس الماضي، طلبت إدارة الهجرة التركية من اللاجئين السوريين تحديث عناوين سكنهم، محذرة من إيقاف بطاقة الحماية المؤقتة “الكملك” الخاصة بهم، حال التأخر عن تحديث البيانات، إلا أنها أوقفت آلاف “الكمالك” للاجئين، بعضهم ضمن فترة السماح المحددة.

الجو العام في تركيا وما يعترض السوريين من قرارات بعثت الخوف عند دانة وعائلتها، وصارت تستعد وتبحث عن الخيارات المتاحة “لمواجهة السيناريو الأسوأ” الذي قد يواجه العائلة، التي وصلت إلى تركيا قبل خمس سنوات.

تحمل دانة ووالدتها وشقيقها الأصغر بطاقة “كملك”، بينما يحمل والدها إقامة سياحية محددة بفترة صلاحية معينة يجب تجديدها، وهو “حريص على تجديدها فور انتهائها”، كما قالت، لكن لأول مرة تخشى العائلة من رفض الحكومة التركية تجديد إقامة ربّ الأسرة، ما يعني “قد يضطر أبي إلى مغادرة تركيا والبحث عن مكان آخر، أو البقاء بشكل مخالف”، قد يجعله عرضة للترحيل، وفق دانة.

أمام هذا الواقع، وقبل شهرين من انتهاء إقامة والد دانة، تفكّر العائلة جدياً بتجديد جوازات السفر، عبر أحد أقاربها في دمشق، للتعامل مع أي طارئ، كما أوضحت دانة، وتقدر تكلفة استصدار أربعة جوازات بحوالي 1300 دولار أميركي.

أما على صعيد الحياة الاجتماعية، اضطرت عائلة دانة، إلى تغيير سلوكها الشرائي من أجل “تقليل التوتر مع الأتراك”، بحسب دانة، ففيما كانت العائلة “تشتري المواد الغذائية بكميات تسد حاجتها لأسبوع كامل”، صارت العائلة تتبع طريقة الأتراك “بشراء احتياجاتهم بالحبّة وليس بالكيلوغرام”.

يراهن بعض السوريين أن جزءأً من مشكلاتهم في تركيا ستنتهي مع انتهاء الانتخابات الرئاسية القادمة، لكن من وجهة نظر دانة “ربما تستمر أو تتصاعد الخطابات والتصرفات العنصرية، وتزيد أزمة اللاجئين الاقتصادية، خاصة مع التضييق على السوريين بالعمل وتجديد الإقامات”.

لبنان: فقرٌ وغياب العدالة

تجمع اللاجئين السوريين في لبنان مع أقرانهم في تركيا ظروف اقتصادية وسياسية مشتركة، ويتعرضون في كلا البلدين لحملات مناهضة تسهم في تأجيج خطابات الكراهية والعنصرية ضدهم.

في ظل الأزمة الاقتصادية، التي تضرب لبنان منذ عام 2019، يعيش 90% من اللاجئين السوريين، تحت خط الفقر المدقع، ويعاني 50% من السوريين من انعدام الأمن الغذائي، في بلد سجلت ثالث أعلى تضخم مالي في العالم، بنسبة 145%، بعد فنزويلا والسودان. ويقدر عدد السوريين في لبنان بنحو مليون ونصف المليون، منهم 893 ألفاً مسجلون لدى المفوضية.

وقال أبو عدي، ناشط إعلامي من مدينة القصير بريف حمص، ويقيم في مخيمات عرسال الجنوبية، أن غالبية السوريين، خصوصاً سكان المخيمات “يعيشون تحت الصفر”، متسائلاً: “إذا كان الوضع الاقتصادي للمواطن اللبناني سيء فكيف سيكون حال اللاجئين؟!”.

واشتكى أبو عدي من “ارتفاع أسعار المواد الأساسية”، مشيراً إلى أن “الخبز غير متوفر” في مخيمات عرسال لحظة حديثه مع “سوريا على طول”، وشهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً بنسبة 404% منذ عام 2019، بحسب أرقام صادرة عن مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، في أيلول/ سبتمبر 2021.

مقابل ارتفاع الأسعار، “لا تتجاوز قيمة مساعدات المفوضية المخصصة للاجئين السوريين 500 ألف ليرة [16 دولاراً أميركيا] للفرد الواحد شهرياً”، وفق أبو عدي، مشيراً إلى أنها “لا تكفي لعشرة أيام وسط هذا الغلاء”.

ويعاني السوريون من ندرة فرص العمل وتدني الأجور، فعلى سبيل المثال، “تُختزل فرص العمل في عرسال بمقالع الحجارة، وهو عمل شاق جداً، مقابل أجور زهيدة”، بحسب أبو عدي، موضحاً أن “هناك تمييز في الأجر بين العامل السوري واللبناني”.

وعلى الصعيد السياسي، فرضت الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، التي جرت في أيار/ مايو الماضي، نوعاً من التغيير السياسي، رافقه خطاب حقوقي أفضل بالنسبة للاجئين، ما أجبر بعض الساسة العنصريين الرافضين للجوء السوري بتقديم اعتذار للناخب اللبناني والتراجع عن تصريحاتهم، بحسب باحثة سورية تعمل في إحدى مراكز البحث في لبنان، لكن ذلك “لم ينه العنصرية بشكل كامل”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

ولاحظت الباحثة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها لدواع أمنية “وعياً أكبر بموضوع شعور اللبنانيين بدور السوريين في الأزمة الاقتصادية”، مشيرة إلى “وجود ميل أكبر للمطالبة بالتغيير وإلقاء المسؤولية على الدولة وليس على اللاجئين”.

إلى جانب ذلك، يعاني اللاجئون السوريون في لبنان من مشاكل في “الإقامة”، وعلى الرغم من وصول أبو عدي وعائلته إلى لبنان قبل عشر سنوات، إلا أنهم ما يزالون “في وضع غير قانوني بنظر الحكومة اللبنانية”، كما قال، ويترتب على ذلك مشكلات أخرى متعلقة بعدم القدرة على “التحرك، وتعليم الأطفال في المراحل الإعدادية والثانوية، أو حتى تقديم شكاوى قانونية”.

تأكيداً على ذلك، قالت الباحثة السورية، أنه “من الصعب أن يكون وضعك قانونياً في لبنان، بغض النظر إن كنت طالباً أو لاجئاً، وسواء كنت تعيش داخل المخيمات أو خارجها”. الأسوأ من ذلك “عدم وجود طريقة لتصويب وضع اللاجئ القانوني”.

كل ذلك من شأنه أن يترك اللاجئين “غير قادرين على الوصول إلى العدالة”، بحسب الباحثة، محذرة من عدم قدرة اللاجئة تقديم شكوى في مركز أمني، في حال تعرضت للتحرش أو الاغتصاب أو الابتزاز”، لأنها قد “تودع في السجن لمخالفتها قوانين الإقامة. هذا خطر كبير بالنسبة لنا”، كما قالت.

أيضاً من دون الإقامة “لا يمكن للاجئين التحرك عبر الحواجز العسكرية”، وإن كان ثمة لاجئين مقتدرين مادياً “لا يمكنهم شراء سيارة وتسجيلها باسمهم أو الحصول على رخصة قيادة”، ناهيك عن “عدم قدرتهم على التسجيل في الجامعة إذا كنت طالباً من دون إقامة”، وفق الباحثة.

أمام هذا الواقع، يتمنى أب عدي “العودة إلى مدينتي”، يمنعه ذلك أنه مطلوب للنظام، ولا يريد المخاطرة بحياته وحياة أطفاله، كما قال. لكن آخرين اختاروا العودة أو أجبروا عليها “وتم سوقهم للخدمة الإلزامية أو اضطروا للتطوع مع الميليشيات التابعة للنظام بعدما ضاق بهم الحال”، بحسب الباحثة.

الأردن: مستقبل مجهول

مقارنة بتركيا ولبنان، تعد الأردن أفضل نسبياً للاجئين السوريين، البالغ عددهم نحو 675 ألف نسمة بحسب آخر الأرقام الصادرة عن المفوضية، من جهة غياب العنصرية، لكن هذا لا ينفي معاناتهم في بلد تعاني اقتصادياً، وتمنع عن غير الأردنيين قائمة طويلة من المهن، معطية الأولوية لأبناء البلد.

وانفتحت الأردن في علاقاتها على النظام السوري في عام 2021، ليتم استئناف الرحلات الجوية إلى دمشق، وفتح معبر جابر الحدودي بشكل كلي، إضافة إلى تنسيق زيارات رسمية بين الجانبين، منها استقبال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة وفداً من الحكومة السورية ضم وزراء الاقتصاد والموارد المائية والزراعة والكهرباء، ما خلق حالة من التوتر عند بعض اللاجئين خشية الضغط على عودتهم إلى بلادهم، لكن السياسة الأردنية تجاه اللاجئين السوريين لم تتغير.

ففي العام الماضي، أنهى وسيم ناصر، 25 عاماً، دراسته الجامعة بتخصص “الهندسة المدنية” من إحدى الجامعات الأردنية، لكنه اضطر للعمل في أحد مطاعم مخيم الزعتري للاجئين السوريين شمال الأردن، براتب شهري مقداره 220 دينارً أردنياً (310 دولارات).

قال ناصر لـ”سوريا على طول” أنه يعرف “منذ اليوم الأول لي في الجامعة أني لن أجد فرصة عمل بمجال تخصصي في الأردن”، لأن هذا التخصص من “المهن المغلقة”، التي لا يسمح لغير الأردنيين مزاولتها.

يعيش الناصر مع والديه وإخوته الخمسة في مخيم الزعتري، بـ”الحد الأدنى” مقتصراً على “شراء الحاجات الضرورية جداً والتدبير قدر الإمكان”، كما قال.

وعلى عكس تركيا ولبنان، إذا كانت الظروف المعيشية في مخيمات الأردن صعبة، فإن العيش في المدن أصعب، لأنه يترتب على اللاجئين مصاريف إضافية، من قبيل إيجار المنزل ورسوم الخدمات، وهو ما أكدت عليه نور هاشم (اسم مستعار) لـ”سوريا على طول”.

تعمل هاشم، 26 عاماً، في صيدلية خاصة بمحافظة الكرك جنوب الأردن، من دون تصريح عمل، مقابل راتب شهري مقداره 180 ديناراً (253 دولاراً)، وهو راتب ضعيف، حيث يبلغ الحد الأدنى من الأجور في الأردن 260 ديناراً (366 دولاراً).

ومع ارتفاع أسعار المواد الأساسية التي شهدها العالم، بما في ذلك الأردن، بفعل الحرب الروسية- الأوكرانية “صار الوضع المعيشي لا يطاق”، بحسب هاشم، مشيرة إلى أن راتبها وراتب والدها “يبلغ 530 ديناراً، وهو مبلغ لا يغطي أجرة البيت وفواتيره ومصاريف الطعام والشراب”.

وفقدت العائلة، العام الماضي، المساعدات المخصصة لها من برنامج الأغذية العالمي، وقيمتها 90 ديناراً (126 دولاراً)، ورغم أن قيمتها “ليست كبيرة، لكنها كانت تسد شيئاً من احتياجات العائلة”، كما قالت هاشم.

عائلة هاشم واحدة من ضمن 21 ألف لاجئ سوري في الأردن، أوقف برنامج الأغذية العالمي، المساعدات عنهم في حزيران/يونيو 2021، بسبب نقص التمويل. 

“لا يوجد مستقبل لي ولإخوتي هنا”، قالت هاشم، لكن مع عدم وجود فرصة لجوء إلى دولة ثالثة، وخطورة عودتها إلى سوريا، إذ “لا يمكننا العودة بسبب الأوضاع الأمنية”، تجد هاشم نفسها مجبرة على التأقلم مع ظروفها.

شارك هذا المقال