5 دقائق قراءة

قانون الأحوال المدنية السوري الجديد: تعديلات طفيفة ومتأثرون محتملون كثر

النظام يحاول في كل مرة يصدر فيها قرارات جديدة الحد من تحركات معارضيه داخلاً وخارجاً، وسدّ كل المنافذ في وجههم


4 مارس 2021

عمان- أقر مجلس الشعب التابع لنظام بشار الأسد، بداية الشهر الحالي، مشروع قانون الأحوال المدنية  الجديد، ليكون معدّلاً للقانون الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 26 للعام 2007 وتعديلاته. ويتكون مشروع القانون، بحسب وكالة “سانا” الرسمية، من “79 مادة تتناول في مجملها الأحكام المتعلقة بالتسجيل في السجل المدني والواقعات كالولادات والزواج والطلاق والوفيات”، كما “تصحيح قيود الأحوال المدنية والشخصية والأسرية والرسوم والغرامات والعقوبات”.

وبالمقارنة مع نصوص القانون السابق الصادر العام 2007، فإن مشروع القانون الجديد “لا يشمل تعديلات جوهرية في مضمونه”، بحسب المحامي حسام السرحان، المقيم في تركيا، بما في ذلك المادة 56 في القانون الجديد، إذ “لا تختلف عن القانون القديم سوى بالمهلة القانونية للحصول على البطاقة الشخصية، حيث تم تخفيضها إلى 30 يوماً بدلاً من سنة”، كما أضاف السرحان لـ”سوريا على طول”. إذ تنص المادة الجديدة على تحديد “مدة سريان البطاقة الشخصية بعشر سنوات من تاريخ صدورها وعلى صاحبها أن يتقدم بطلب تبديلها خلال مدة لا تقل عن 30 يوما ولا تزيد عن ستة أشهر قبل انتهاء مدتها ويجوز تمديد سريان البطاقة لظروف وأسباب قاهرة بموجب قرار من وزير الداخلية”.

“النظام يحاول في كل مرة يصدر فيها قرارات جديدة الحد من تحركات معارضيه داخلاً وخارجاً، وسدّ كل المنافذ في وجههم”

لكن صدور القانون الجديد قد يعني انتهاء صلاحية بطاقة الهوية الشخصية التي يحملها السوريون حالياً، واضطرارهم إلى تبديلها، مع كل ما يعنيه ذلك تداعيات ومحاذير أمنية وغير أمنية. وهو ما ردت عليه وزارة داخلية دمشق بأن البطاقة الشخصية التي يحملها المواطن حاليا “لازالت سارية المفعول، ولا يتوجب عليه تبديلها إلا عند الإعلان عن إصدار جديد للبطاقة الشخصية”، وأنه “لا يوجد إصدار جديد حاليا للبطاقة الشخصية”، مشيرة أيضاً إلى قرار وزير الداخلية  في 1 كانون الأول/ ديسمبر 2014، والذي قضى بـ”تمديد العمل بالبطاقة الشخصية الحديثة التي مضى على إصدارها عشر سنوات حتى بداية الإصدار الجديد البطاقة الشخصية”.

أسباب إقرار القانون الجديد 

بحسب وزير داخلية حكومة دمشق، اللواء محمد خالد الرحمون، فإن القانون الجديد يساعد في “إنهاء التزوير والتلاعب في البيانات المدنية”، لأنه يعتمد “قاعدة بيانات الكترونية مركزية تربط جميع المحافظات”، بحيث يصبح العمل “مؤتمتاً بالكامل، وعندها ينتفي موضوع تشابه الأسماء لأن لكل مواطن رقماً وطنياً واحداً لا يتكرر”. مضيفاً أن الأعمال الورقية ستنتهي “خلال شهرين على الأكثر” عند البدء بتنفيذ “الأمانة السورية الواحدة”.

لكن مشروع أتمتة البيانات المدنية، بحسب السرحان، جاء “متأخراً للغاية؛ ودول العالم الأكثر تخلفاً قامت بهذه الخطوة منذ سنوات”. معتبراً بالتالي أن “غاية النظام من إقرار هذا القانون مادية بحتة”. إذ “من المتوقع أن يتم تكليف السفارات والقنصليات السورية في الخارج بمنح البطاقات الشخصية الجديدة، مقابل مبالغ مالية”. 

يضاف إلى ذلك تزامن إقرار القانون الجديد مع قرب إجراء الأسد انتخابات رئاسية، وفي حال إصدار هوية شخصية جديدة قبل ذلك، فإن الأسد، كما أضاف السرحان لـ”سوريا على طول”، قد يصدر أيضاً تعديلاً على قانون الانتخاب في الأيام القادمة، مضمونه أن “من لا يملك بطاقة شخصية جديدة يحرم من حقه في الانتخاب”. 

وهو ما أيدته المحامية السورية المقيمة في لبنان نبيهة الريس، كون“النظام يحاول في كل مرة يصدر فيها قرارات جديدة الحد من تحركات معارضيه داخلاً وخارجاً، وسدّ كل المنافذ في وجههم”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

أهمية البطاقة الشخصية 

استناداً إلى المادة 55  من قانون الأحوال المدنية السوري، “تعتبر البطاقة الشخصية السارية المفعول، دليلاً قانونياً لإثبات شخصية صاحبها منذ حصوله عليها ويتعين عليه حملها باستمرار وإبرازها إلى السلطات العامة عند الطلب”.

وإضافة إلى حاجة المواطن السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إلى بطاقته الشخصية بشكل يومي في كافة تعاملاته الحكومية و المالية والملكية العقارية، كما عند مروره على أي حاجز يتبع للأمن أو الجيش السوري، فإن سكان مناطق الإدارة الذاتية، شمال شرق سوريا، لا يزالون أيضاً يستخدمون البطاقة الشخصية الصادرة عن نظام الأسد، ولها ذات الأهمية في الاستخدام. لكن يستثنى من ذلك “الوافدون” إلى تلك المناطق. 

إذ أصدرت الهيئة الرئاسية في المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، في 8 شباط/ فبراير الماضي، قراراً يقضي بتسهيل إجراءات منح السوريين الوافدين إلى مناطق سيطرتها بطاقة وافد، تمكن حاملها من الحصول على الخدمات الصحية والحكومية هناك.

أما في محافظة إدلب التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام، ورغم الإعلان عن قرب إصدار بطاقات شخصية لسكان المحافظة، فإن ذلك لم يحدث، ولا يزال هؤلاء يعتمدون البطاقة الشخصية الصادرة عن النظام السوري، إذ يطلب إبرازها في التعاملات المالية عند استلام أو إرسال أي مبالغ مالية، كما يجب إبرازها عند إجراء أي معاملة قانونية أو إجراء مراجعات حكومية. 

في المقابل، عمدت مديرية النفوس والأحوال المدنية في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” بريف حلب شمال غرب سوريا، وفي مدينة تل أبيض في شمال شرقها، والتي تتبع ثلاثتها لسيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا، إلى الاستغناء عن البطاقة الشخصية الصادرة عن دمشق منذ العام 2018، واستبدالها ببطاقات تعريفية لجميع السكان القاطنين فيها من مقيمين ونازحين ومهجرين، من عمر السنة فما فوق. وهي تعتبر وثيقة أساسية في كافة التعاملات الحكومية، الخدمية والمالية والعقارية، ومعترف بها من قبل الجانب التركي.

في حالة السوريين اللاجئين، فإنهم قد يحتاجون البطاقة الشخصية السورية في معاملاتهم داخل السفارات السورية فقط لاستخراج جواز السفر، وإجراء توكيلات قانونية أو إضافة مواليد جدداً إلى دفتر العائلة. أما في معاملاتهم الأخرى على أرض البلد المضيف، فقد أصدرت غالبية حكومات البلدان المضيفة بطاقات تعريفية للاجئين، ناهيك عن أن جواز السفر هو الوثيقة الرسمية المعتمدة للشخص خارج وطنه. مع ذلك، يمكن أن تطلب البطاقة الشخصية السورية عند القيام بإجراء فتح حساب مالي في بنوك البلد المضيف على سبيل المثال.

الغرامات والتداعيات

لم تتغير الرسوم المستوفاة والغرامات المفروضة على المخالفين في القانون الجديد عن القديم، إذ “يستوفى مبلغ رسم مقداره /1000/ ل.س ألف ليرة سورية عند منح البطاقة الشخصية”، بحسب المادة 58 في القانون الجديد. كما تستوفى غرامة مقدارها  /5000/ ل.س خمسة آلاف ليرة سورية، بحسب المادة 75 من القانون ذاته، ممن: لا يتقدم بطلب تبديل بطاقته الشخصية قبل ثلاثين يوماً من انتهاء مدة سريانها أو خلال ثلاثين يوماً من تلفها أو فقدانها أو إجراء أي تصحيح أو تعديل في بياناتها؛ ولي القاصر الذي لا يتقدم بطلب الحصول على بطاقة شخصية للحدث خلال المهلة المحددة؛ من لا يتقدم بطلب تبديل بطاقته الشخصية عند استبدال نموذجها خلال المهلة المحددة.

في المقابل، ثمة كثير من التساؤلات والمخاوف المثارة في حال بادر النظام إلى إصدار بطاقة شخصية جديدة.

فحتى الآن لا يعد تجديد البطاقة الشخصية من صلاحيات السفارات السورية في الخارج، بل يتوجب على المغترب الحضور شخصيا إلى دوائر الأحوال المدنية المختصة بمنح المغتربين البطاقة الشخصية. وعليه فإن لم يفتح باب السفارات لتجديد تلك البطاقات، سيحرم اللاجئون وأطفالهم ممن أتموا سن الرابعة عشرة من الحصول على البطاقة الشخصية. ناهيك عن إمكانية توقيف معاملاتهم عبر السفارات السورية نتيجة ذلك. 

كذلك، من المستبعد جدا حصول قاطني مناطق شمال غرب سوريا، من مقيمين ومهجرين، على البطاقة الجديدة، لاستحالة إمكانية ذهابهم إلى مناطق النظام. كما أنه بموجب المادة رقم 10 من مشروع القانون الجديد، فإنه “في حال فقدت أو تلفت السجلات المدنية الورقية أو الإلكترونية أو اعتبرت القيود المدونة فيها أو المدخلة إلى حواسبها ملغاة لأي سبب إجرائي أو فني تتم العودة إلى آخر نسخة احتياطية بموافقة الوزير ويعاد تسجيل مافقد من بيانات”. وهذا يعني كما لفتت المحامية الريس، “خروج سجلات دوائر الأحوال المدنية الخارجة عن سيطرة النظام من دائرة السجلات الرسمية، بعد فقدان النظام للسجلات المدنية الورقية، وبالتالي عدم الاعتراف بها كقاعدة بيانات للإحصاء العام”. 

يضاف إلى ما سبق حرمان الملاحقين أمنياً والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية حتى في مناطق النظام من الحصول على هوية جديدة، لأنه يتطلب حضور الشخص بنفسه لاستلامها.

شارك هذا المقال