5 دقائق قراءة

قانون قيصر الأميركي يدفع الاقتصاد اللبناني الهش نحو مزيد من الضبابية

تاريخياً، مثل لبنان بوابة سوريا للتملص من العقوبات الغربية. إذ تخضع دمشق لعقوبات أميركية منذ العام 1979


25 يونيو 2020

بيروت- في خضم أزمة اقتصادية متفاقمة أصلاً، يحاول لبنان استجلاء تداعيات قانون قيصر الأميركي الذي دخل حيز النفاذ في 17حزيران/يونيو الحالي، ويفرض عقوبات على النظام  السوري كما المتعاونين معه، من شركات ومؤسسات وأفراد.

إذ على النقيض من عقوبات الاتحاد الأوروبي التي تستهدف شخصيات محددة لها ارتباط بالحكومة السورية، ينطوي قانون قيصر على عقوبات أوسع، ما خلق حالة من عدم اليقين والضبابية بشأن من ستطاله هذه العقوبات. لاسيما وأن الولايات المتحدة، كما يورد تقرير الموقع الاقتصادي المتخصص “سيريا ريبورت” (تقرير سوريا)، فرضت في العامين 2011 و2012 عقوبات ثانوية لم تكن تُنفذ دائماً، فيما العقوبات إلزامية هذه المرة. 

ورغم أن النظام السوري هو المستهدف النهائي بهذه العقوبات، فإن لبنان أيضاً يقع في دائرة استهداف “قيصر” بحكم تزايد دور حزب الله وتأثيره في الحكومة اللبنانية، كما التشابك بين النظامين المصرفيين في لبنان وسوريا، إضافة إلى عمليات التهريب على طول الحدود المشتركة بين البلدين.

بوابة للالتفاف على العقوبات

تاريخياً، مثل لبنان بوابة سوريا للتملص من العقوبات الغربية. إذ تخضع دمشق لعقوبات أميركية منذ العام 1979، حين أُدرِجت سوريا على القائمة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب. وما يزال لبنان اليوم “مهماً جداً لسوريا لإنجاز الكثير من الأمور التي لم يعد بإمكان [السوريين] القيام بها من داخل بلدهم، وإنما من خلال وسطاء لبنانيين”، كما قالت بينته شيلر، مديرة مكتب الشرق الأوسط لمؤسسة هاينريش بول الألمانية، في بيروت، لـ”سوريا على طول”. مضيفة أنه مع تفعيل قانون قيصر “ستصبح الإجراءات أكثر تعقيداً”.

لكن النظام السوري وحزب الله خصوصاً، لن يتوقفا عن محاولة استخدام لبنان أداة لتجاوز العقوبات على دمشق، بما فيها قانون قيصر”، برأي مكرم رباح، المحاضر في كلية التاريخ في الجامعة الأميركية ببيروت.

وفي الوقت الراهن، يحاول حزب الله التقليل من شأن العقوبات الجديدة، إذ “خضعنا لعقوبات مباشرة من الأميركيين وعقوبات غير مباشرة من خلال العقوبات التي تستهدف الإيرانيين، [لكننا] تأقلمنا وصمدنا”، كما قالت المتحدثة باسم مكتب حزب الله في بيروت، آية علي أحمد، لـ”سوريا على طول”. مضيفة: “لا شيء سيثنينا عن أن نبقى حلفاء للسوريين”. 

وفيما تهدف العقوبات الجديدة إلى وقف أي جهود لتطبيع العلاقات بين سوريا والدول الأخرى، استبعد رباح أيضاً أي تطور في العلاقات بين بيروت ودمشق في المستقبل القريب، كون “الحث على تطبيع العلاقات كان بناءً على فرضية أن هذا سيساعد في عودة اللاجئين، وهو أمر ليس على طاولة المفاوضات حالياً”.

مع ذلك، ما يزال حزب الله، الحليف الرئيس لحكومة الأسد، يدفع باتجاه إعادة العلاقات مع سوريا. إذ بحسب علي أحمد “على لبنان تطبيع علاقاته مع سوريا ليس لمنفعة السوريين، وإنما لمنفعة اللبنانيين؛ فنحن نعتمد على الحدود السورية لتصدير منتجاتنا الزراعية”.

حقيقة واضحة يتجاهلها الجميع

يدعم حزب الله، وقوى سياسية أخرى، الحكومة اللبنانية الحالية برئاسة حسن دياب. كما يدعم الحزب بشار الأسد عسكرياً في سوريا منذ العام 2012. وكما أشارت الباحثة اللبنانية حنين غدار في تحليل سياسي نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن العلاقات العميقة بين حزب الله والحكومة السورية “تمنح المسؤولين الأميركيين فرصة معاقبة الأفراد والقنوات والأدوات اللبنانية التي يستخدمها حزب الله ودمشق لإبقاء النظام [السوري] واقفاً على قدميه”.

وفيما أيد رباح ذلك، بقوله إنه “إذا استمرت الحكومة اللبنانية ومؤسساتها المختلفة بدعم الأسد كما كانوا يفعلون في الماضي، فسيخضعون  بلا شك لخطر الإدراج على قائمة العقوبات”، إلا أنه استدرك بأنه قد يُنظر أيضاً للحكومة اللبنانية على أنها “أكبر من أن تسقط، وأكبر من أن تُعاقب”.

في السياق ذاته، فإنه رغم عدم اعتقاد شيلر بوجود “رغبة سياسية كبيرة لدى الولايات المتحدة لملاحقة  لبنان وممارسة ضغط عليه”، فإنها لا تستبعد الفكرة تماماً، لاسيما وأن العقوبات قد تمت صياغتها ببنود عامة جداً. وفيما يخضع حزب الله -المصنف منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة- لعقوبات أميركية أصلاً، يميز الاتحاد الأوروبي بين الجناح السياسي والجناح العسكري للحزب، فارضاً عقوباته على الأخير فقط.      

وينطوي احتمال تعرض الحكومة اللبنانية لعقوبات بموجب قانون قيصر على تهديد للتوازن السياسي الهش في البلاد. وكما أشارت شيلر، فإن “الأطراف الفاعلة الأخرى في لبنان قد تصبح حادة في انتقادها لحالة الهشاشة هذه، كما لدور حزب الله في جلب مزيد المخاطر على البلد، لنشهد بالتالي انقسامات سياسية متفاقمة”.

ومع انهيار قيمة الليرة اللبنانية واختناق البلد بدين عام يعادل 170٪ من الناتج المحلي الإجمالي، طلبت حكومة دياب حزمة مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. لكن الصندوق “لن يعمل مع حكومة معرضة لمخاطر العقوبات”، برأي رباح.

في المقابل، لا ترى شيلر “مؤشرات” على أن قانون قيصر سيوقف المحادثات مع صندوق النقد الدولي، وهو المؤسسة التي يراها كثيرون الملاذ الأخير للاقتصاد اللبناني المُثقل بالديون. معتبرة أن “كل ما يحدث من خلال صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الدولية الكبرى قد يكون الأقل تأثراً”. 

وقد امتنع المكتب الإعلامي لحكومة الرئيس دياب عن التعليق لـ”سوريا على طول”. كما كان وزير الإعلام قد قال سابقاً إن “قانون قيصر” سيكون على جدول أعمال اجتماع اللجنة الوزارية يوم 16 حزيران/يونيو، لكن لم يصدر أي تصريح أو بيان حكومي بهذا الشأن.

المصارف والتجارة والتهريب

قد يتم استهداف مصارف لبنانية بعقوبات بموجب قانون قيصر، “خاصة إذا ما كانت مرتبطة بأي شكل من الأشكال بالدعم اللوجستي للعمليات العسكرية  لحزب الله في سوريا”، بحسب ما كتبت غدار. وهي رؤية اتفقت معها شيلر التي ترى احتمالية أن “تعتبر الولايات المتحدة المصارف اللبنانية على علاقة وثيقة بالبنوك السورية، بحيث تشمل العقوبات هذا القطاع”.

ويعاني المودِعون في لبنان أصلاً من القيود غير الرسمية المفروضة على رأس المال نتيجة ندرة الدولار في البلد. و”إذا ما تأثر القطاع المصرفي فعلياً [بقانون قيصر]، فسينعكس هذا بقوة على مناحي الحياة والأعمال كافة في لبنان”، وفق شيلر.

وفيما يتعلق بالتجارة بين سوريا ولبنان، فقد بلغت القيمة الإجمالية لواردات لبنان في العام 2019  92 مليون دولار، في مقابل 190 مليون دولار صادرات إلى سوريا، وفقاً لإدارة الجمارك اللبنانية. ورغم أن التجار ليسوا مستهدفين بحد ذاتهم بعقوبات “قيصر”، يعتمد العديد من الشركات اللبنانية على الطريق البري عبر سوريا لتصدير منتجاتهم إلى الأردن أو العراق. ومن ثم، دعت غدار إلى “ضرورة طمأنة أصحاب هذه المؤسسات بأنّ الغرض من قانون قيصر ليس استهدافهم أو إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد اللبناني الهش”.

في المقابل، يبقى التهريب قضية حساسة. وفيما كانت الحكومة اللبنانية أعلنت في أيار/مايو الماضي عن  حملة تستهدف الورادات والصادرات من سوريا وإليها بشكل غير قانوني، فإن قضية تهريب الوقود إلى سوريا باتت محط جدل، كون لبنان يتيح حاليا لمستوردي الوقود الحصول على الدولار بالسعر الرسمي، ما يعني أنه يدعم فعلياً 60٪ من تكاليف استيراد الوقود. لكن جزءاً منه يتم تهريبه إلى سوريا، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في لبنان.

وقد حثت غدار المسؤولين الأميركيين على الضغط على الحكومة اللبنانية لتشديد الرقابة على الحدود، كون “ذلك سيحدّ من حريّة حزب الله في استغلال المؤسّسات الوطنيّة دعماً لنظام الأسد”. لكن المتحدثة باسم مكتب حزب الله الإعلامي ببيروت نفت الاتهامات التي تشير إلى أن حزب الله يقف وراء طرق التهريب، مشددة على أن “الحكومة مسؤولة عن تأمين الحدود”.

ويعد القضاء على طرق التهريب الراسخة منذ زمن طويل، مهمة غير سهلة، لاسيما وأن المهربين يعملون بشكل خفي، بحيث يصعب تحديد هويتهم، ومن ثم التيقن مما إذا كانت بضائعهم ستنتهي في أيدي الحكومة السورية أم لا، وتبعاً لذلك هل تطالها عقوبات قيصر أم لا.

ويسعى قانون قيصر أيضاً إلى عرقلة جهود إعادة الإعمار بشكل يخدم الحكومة السورية. ورغم أن “ازدهار” أعمال إعادة الإعمار في سوريا لا يلوح في المستقبل القريب، يمكن للبنان أن يكون مساهماً رئيساً في هذا المجال، ليس فقط نتيجة أهمية قطاع الإنشاءات اللبناني، وإنما كذلك بحكم موقع لبنان الجغرافي. فميناء طرابلس، شمال البلاد، قد يؤدي دوراً حيوياً في نقل المواد إلى سوريا، كما أشارت شيلر.   

بصرف النظر عمن سيدرج على قائمة العقوبات الأميركية، فإن خطر المبالغة في الامتثال لقانون العقوبات الجديد يلوح في الأفق أيضاً. إذ “لا يتعلق الأمر فقط بالإرادة السياسية لاستخدام العقوبات، بل كذلك بالتردد والخوف الذي قد يتولد لدى أطراف ثالثة من المخاطرة بنزاع مع الولايات المتحدة فيما لو لم تمتثل” هذه الأطراف للمطالب الأميركية، كما حذرت شيلر. فالمصارف والشركات الأجنبية والمنظمات الدولية ربما تتردد في التعامل مع شريك لبناني، إذا ما خشيت أن تتأثر بالعقوبات.

تم نشر أصل هذا التقرير باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال