5 دقائق قراءة

كأس العالم في إدلب: مونديال يحاكي “قطر 2022” أبطاله أطفال المخيمات

افتتحت بطولة إدلب، التي تحاكي أكبر بطولة لكرة القدم، أمس السبت، على أرض الملعب البلدي في المدينة، بمشاركة 32 فريقاً، من 25 مخيماً، و7 مناطق صناعية، تحمل أسماء المنتخبات المشاركة في مونديال قطر، وشارك في الاحتفالية 320 طفلاً نازحاً


20 نوفمبر 2022

إدلب- بالتزامن مع انطلاق مونديال قطر 2022، اليوم، تنطلق فعاليات كأس العالم للمخيمات في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، اليوم، بتنظيم منظمة بنفسج، ومشاركة فئتي أطفال المخيمات، والأطفال العاملين في المناطق الصناعية في بطولة رياضية تلفت النظر إلى واقعهم المعيشي.

افتتحت بطولة إدلب، التي تحاكي أكبر بطولة لكرة القدم، أمس السبت، على أرض الملعب البلدي في المدينة، بمشاركة 32 فريقاً، من 25 مخيماً، و7 مناطق صناعية، تحمل أسماء المنتخبات المشاركة في مونديال قطر، وشارك في الاحتفالية 320 طفلاً نازحاً، بحسب الجهة المنظمة.

إبراهيم مسحر، 14 عاماً، النازح مع عائلته إلى مدينة سرمين شرق إدلب، أحد المشاركين في البطولة ضمن “منتخب البرازيل”، ويتطلع لأن يكون “أفضل لاعب في مونديال إدلب”، كما قال لـ”سوريا على طول”، معبراً عن عشقه لكرة القدم، باعتبارها “كل شيء في حياتي”.

“أشارك في البطولة لأقول للعالم أننا لن نتخلى عن هواياتنا وأحلامنا بسبب الحرب، ومن حقنا أن نحلم بكل شيء”، قال مسحر، لكن أحلامه تصطدم مع الواقع الذي يعيشه، إذ “لا يمكنني الالتحاق بأكاديميات رياضية تنمي المواهب، كما هو حال الأطفال في البلدان الأخرى، لأنني أعيش في إدلب ولا يمكنني الخروج منها”.

وتعد الظروف المعيشية والمادية الصعبة بالنسبة لعائلة مسحر وغيرها من عائلات ذوي الأطفال المشاركين في بطولة كأس العالم بإدلب عائقاً أمام تطوير مهارات أبنائهم الرياضية، وإلحاقهم في مراكز رياضية محلية، فجاءت بطولة إدلب لتحقق شيئاً من أحلام إبراهيم، الذي يعمل في مجال التمديدات الكهربائية في إحدى الورش بالمدينة الصناعية في مدينة إدلب.

دعم أطفال المخيمات

انضم إبراهيم مسحر إلى التدريبات الرياضية التي تجريها فرق “إدارة الحالة” في منظمة بنفسج، قبل ستة أشهر، تحضيراً لخوض منافسات كأس العالم، التي ستجري على أرض الملعب البلدي في بلدة حزانو بريف إدلب الشمالي، ومنذ انضمامه عاد إلى طفولته، لأنه ترك العمل من أجل التفرغ للبطولة.

تختصر قصة إبراهيم قصص عشرات اللاعبين المشاركين في البطولة، التي تهدف إلى تسليط الضوء على واقع أطفال المخيمات، ومناصرة حقهم في العودة إلى الحياة الطبيعية وطفولتهم، وفقاً للمهندس هشام ديراني، المدير التنفيذي لمنظمة بنفسج، مشدداً على “وجود أطفال يحبون الحياة وممارسة الرياضة، لو أتيحت الفرصة لهم”، ومؤكداً في الوقت ذاته على “وجود فرصة للحياة في إدلب، وهي ليست مناطق موت وألم فقط”.، بحسب تعبيره.

وفي سياق الحديث عن ظروف الفئات المستهدفة في بطولة إدلب، قال محمد حلاج، مدير فريق منسقو استجابة سوريا أن 988 مخيماً في شمال غرب سوريا لا تحوي نقاطاً تعليمية أو مدارس، وتشكل نسبة 67% من إجمالي المخيمات في المنطقة، ما يضطر الأطفال إلى “قطع مسافات طويلة، بظروف جوية مختلفة للحصول على حقهم بالتعليم”.

إضافة إلى ذلك “تشكل عمالة الأطفال الهاجس الأكبر، إذ تجاوزت نسبة أطفال المخيمات العاملين، ضمن الفئة العمرية من 14 إلى 17 سنة، 35%”، كما أوضح حلاج لـ”سوريا على طول”. هذه الفئة التي ينتمي ابراهيم مسحر إليها، وبناء على ذلك تمّ اختياره للمشاركة في منافسات كأس العالم بإدلب.

وبدوره، قال إبراهيم سرميني، منسق برنامج الحماية في منظمة بنفسج بإدلب لـ”سوريا على طول”، أن التركيز على فئتي الأطفال (النازحون والعمال في المناطق الصناعية)، وجمعهم في بطولة رياضية واحدة وتنمية مهاراتهم “لأنهم يتعرضون لأشد المخاطر المهددة للصحة والحياة، ولا تتوفر لهم فرص الحصول على حقهم في اللعب”.

وصادف انطلاق مونديال قطر مع اليوم العالمي للطفل، الذي يصادف 20 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، وهي فرصة “للفت النظر إلى الطفولة في إدلب، خصوصاً مع قدوم فصل الشتاء”، بحسب سرميني.

فتيات شاركن في افتتاحية كأس العالم للمخيمات بإدلب، وهنّ من ضمن 320 طفلاً مشاركاً في الفعاليات، 20/ 11/ 2022 (محمود حمزة)

فتيات شاركن في افتتاحية كأس العالم للمخيمات بإدلب، وهنّ من ضمن 320 طفلاً مشاركاً في الفعاليات، 20/ 11/ 2022 (محمود حمزة)

يتطلع أحمد شقيق إبراهيم الأكبر، والداعم له في مسيرته الكروية أن “يقدم إبراهيم ورفاقه شيئاً مميزة بطريقتهم الخاصة، وينجحون في إيصال رسالتهم للعالم، بأننا لا نختلف عن غيرنا من شعوب الأرض سوى أننا نعيش اليوم في سوريا، ضمن ظروف إنسانية صعبة”.

فسحة للحلم

في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، سيلعب إبراهيم مباراته الأولى في كأس إدلب، بقميص المنتخب البرازيلي ضد المنتخب الصربي. وكما تغمره فرحة اللاعبين الكبار المشاركين في مونديال قطر 2022، يتمنى أن يكون مستقبلاً “لاعباً في صفوف المنتخب السوري، وأشارك في بطولة كأس العالم في نسخها القادمة”.

لكن، بالنسبة لشقيقه “إخراج إبراهيم من أجواء العمل ليمارس هوايته بشكل منظم هي المكسب الأكبر”، معتبراً أنه “مهما كان الطفل موهوباً كروياً، لا بد من تدريبه وتنمية موهبته من خلال المتابعة على أيدي مختصين ورياضيين”.

منذ ستة أشهر، بدأت فترة إعداد اللاعبين في “مونديال إدلب”، خلال هذه المدة كرس المدربون جهودهم لتدريب الأطفال وتنمية مهاراتهم الرياضية، عبر تدريبات نظرية وعملية. سبق ذلك اختيار المشاركين بناء على مواهبهم وتقييمات المدربين التابعين لـ”بنفسج” الموجودين في المخيمات، كما قال لـ”سوريا على طول”، حبيب مرضعة، المشرف الفني على تدريب اللاعبين المشاركين.

ويتطلع القائمون على بطولة إدلب إلى إيجاد قنوات تواصل بين المشاركين فيها ولاعبين عالميين، من أجل نشر فكرة دعم الرياضة في شمال سوريا، لكن ذلك “يتطلب توفير زخم إعلامي وتواصل كبيرين”، بحسب ديراني، معتبراً أن “نجاح الفكرة سيترك أثراً إيجابياً كبيراً في نفوس الأطفال والشباب، ويضعهم على طريق تحقيق أحلامهم الرياضية”.

تحدي الواقع

عبّر حسين أبو أحمد (اسم مستعار) عن سعادته ببطولة إدلب، لأنها تخرج السوريين من ظروفهم المعيشية، وتخرجهم من دائرة التفكير في واقعهم المرير.

يرافق أبو أحمد، المقيم في مخيمات أطمة منذ نزوحه عن مدينته كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، عام 2020، ابنه أحمد، البالغ 13 عاماً، في جميع المباريات الرياضية التي يلعبها، وسيواصل ذلك في كأس العالم للمخيمات بإدلب، التي يشارك فيها ابنه، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ورغم أن واقع الرياضة في إدلب “لا يسهم في إبراز مهارات ابني واستثمارها، ولكن لم أيأس يوماً. ربما تسنح لأحمد الفرصة ويحقق حلمه في اللعب مع أحد الأندية خارج سوريا”، بحسب الأب.

وأضاف أبو أحمد، يمكن لبطولة كأس العالم “الرمزية” أن “تساعد الأطفال ومحبي الرياضة على تحدي واقعهم، والتعبير عن أحلامهم وتطلعاتهم”، وكونه محب لكرة القدم أيضاً، فإنه يتمنى أن “تُقام بطولات مشابهة للرجال، وليس للأطفال فقط، أملاً في إخراجنا من الواقع الذي نعيشه”.

كأس العالم للمخيمات ليس المناسبة الرياضية الأولى التي تحاول منظمة بنفسج تنظيمها مستغلة أحداثاً دولية، إذ سبق لها أن أقامت بطولة الألعاب الأولمبية بالتزامن مع الأولمبياد الأخيرة في بكين، ودورة ألعاب المتوسط بالتزامن مع دورة الجزائر، وبطولة دوري أبطال المخيمات بالتزامن مع دوري أبطال أوروبا الموسم الفائت، وفقاً لإبراهيم سرميني.

بعد أكثر من أحد عشر عاماً، تأخذ مثل هذه البطولات الأطفال بعيداً لتحقيق أحلامهم، أو ممارسة رياضات هي من أبسط حقوقهم، وعبرها يمكن لإبراهيم وأحمد وغيرهما من الأطفال أن يوجهوا رسالة مفادها: من حقنا لعب كرة القدم، لا أن نعيش فقط في بؤس المخيمات أو المناطق الصناعية.

شارك هذا المقال