6 دقائق قراءة

“كورونا” في مناطق النظام السوري: انفجار في عدد الإصابات لا تكشفه الأرقام الرسمية

رغم كل المؤشرات والشهادات التي أدلت بها المصادر، وتؤكد تفشي "كوفيد-19" في مناطق سيطرة النظام، فإنه "لا يوجد حظر، ولا إجراءات تحدّ من انتشار الفيروس. حتى أقاربك وأصدقاؤك لا يعزلون أنفسهم عنك وإن كنت مصاباً"؟


17 أغسطس 2020

عمّان- مستفسراً من ابن عمه المقيم في السعودية، عبر تسجيل صوتي على تطبيق “واتساب”، ما إذا كانت الأعراض التي يعاني منها تعني إصابته بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، يقول خالد المحمد: “ماذا أفعل مع ضيق التنفس؟ يكاد يقتلني”. مضيفاً: “ما هي أعراض الكورونا غير ارتخاء العضلات، وآلام الرأس والعينين والمعدة، وحرقة البول وفقدان حاسة الشم؟”. مختتماً رسالته بتهكم: “والله لا أحد يعرف أعراض الكورونا عندنا”. 

وقد لجأ خالد، 40 عاماً، إلى ابن عمه الذي يعمل محاسباً بعد أن راجع طبيباً في مدينة دوما بمحافظة ريف دمشق، حيث يقيم، لكنه “لم يؤكد إصابتي بالفيروس. كما إنني لم أستفد من الأدوية التي وصفها لي”، كما يقول في حديثه إلى “سوريا على طول” التي تواصلت معه بعد حصولها على التسجيل الصوتي السابق. واستناداً إلى الأعراض التي شعر بها، وانتقلت فيما بعد إلى باقي أفراد عائلته، يؤكد خالد أنه مصاب بفيروس كورونا، كما “زوجتي وابنتي ووالديّ وإخوتي”. بل وذهب إلى أن “نصف البلد [مدينة دوما] إذا لم يكن ثلاثة أرباعها مصابون بالفيروس، الذي يأتي على شكل الكريب [الإنفلونزا الموسمية] ونتعافى منه بقدرة الله، لكن كبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة يتأثرون به بشكل مضاعف”.

ورغم كل المؤشرات والشهادات التي قدمتها مصادر طبية ومدنية لـ”سوريا على طول”، وتؤكد تفشي “كوفيد-19” في مناطق سيطرة النظام، لاسيما محافظتي دمشق وريف دمشق، فإنه “لا يوجد حظر، ولا إجراءات تحدّ من انتشار الفيروس. وحتى أقاربك وأصدقاؤك لا يعزلون أنفسهم عنك وإن كنت مصاباً”، بحسب خالد.

فوضى وتهاون 

في تموز/يوليو الماضي، تم إسعاف خال سمر عدنان، من مدينة دوما إلى مستشفى المجتهد في العاصمة دمشق. بعد ساعات، توفي الرجل في المشفى “نتيجة إصابته بفيروس كورونا، كما كشف الأطباء للعائلة”.

وإضافة إلى ألم الفقد الذي عاشته العائلة، تسبب وفاة خال سمر، كما تروي لـ”سوريا على طول”، في “حالة من الهلع والإرباك، خاصة وأننا لم نكن نعلم أنه مصاب بالفيروس، لذا لم نعرف ماذا نفعل، وكيف، وما هي الأشياء التي يجب تعقيمها لمنع نقل العدوى”. ولاحقاً “اكتشفنا عدة إصابات بالفيروس في عائلتنا”.

في حالة عائلة سمر، كما غيرها، يتم الاعتماد في تشخيص الإصابة على ملاحظة الأعراض الظاهرة والمعروفة، ومن ثم محاولة عزل من تظهر عليه هذه الأعراض في منزله. إذ “يعاني النظام من مشكلة اقتصادية، وهو غير مستعد لدفع تكاليف إجراء فحوصات عشوائية للمواطنين”، كما يقول طبيب سوري مقيم في تركيا لـ”سوريا على طول”، طلب عدم الكشف عن اسمه خوفاً على عائلته في دمشق. يضاف إلى ذلك أن “بعض المصابين يرفضون إجراء التحاليل المخبرية أو مراجعة المشافي الحكومية خشية الحجر”. ولتكون النتيجة أن “الإصابات منتشرة وبشدة”، وفقاً للطبيب ذاته.

ومع أن أفراداً من عائلة سمر كانوا ضحية عدم المعرفة بإصابة خالها المتوفى، إلا أن العائلة عموماً، كما غيرها من عائلات، لم تلتزم إجراءات الوقاية الصارمة، لأن “الناس مضطرة للعمل، والبعض مستعد أن يخرج ويعمل حتى وإن ترتب على ذلك نقل العدوى لأشخاص آخرين”، وفقاً لسمر.

وخلافاً لعدم جدية دمشق في مواجهة الفيروس في الأسابيع الأولى من تسجيل إصابات في سوريا، كثفت وزارة الصحة مؤخراً رسائلها التوعوية بشأن كيفية الوقاية من “كوفيد-19” والتعامل مع المصابين. كما اتخذت تدابير من قبيل تعليق صلوات الجماعة والجمعة، لمدة خمسة عشر يوماً اعتباراً من 3 آب/أغسطس الحالي، في محافظتي دمشق وريفها اللتين سجلتا رسمياً 644  و237  إصابة على التوالي حتى 16 آب/أغسطس الحالي. لكن مثل هذه الإجراءات تبدو متأخرة، لأن نفي وجود إصابات في سوريا في مراحله الأولى ترك انطباعاً لدى الناس بأنه “لا يوجد شيء”، كما قال طبيب في دمشق في تسجيل صوتي، تم تداوله على “واتسآب” في حزيران/يونيو الماضي، واطلعت عليه “سوريا على طول”. 

التهاون ذاته يعتبر أيضاً السمة المميزة في التعامل مع الوباء جنوب سوريا. إذ فيما اعتبر طبيب  من محافظة أن “التزام الأهالي بإجراءات الوقاية جيد”، مقدراً ذلك في حديثه إلى “سوريا على طول” بنسبة 70%، تبدو شهادات مدنيين من درعا تحدثوا إلى “سوريا على طول” مناقضة لذلك. إذ “لا توجد كمامات ولا قفازات، ولا يلتزم الناس بالتباعد الاجتماعي”، بحسب عبد المجيد القاسم، من سكان مدينة إنخل في ريف درعا الشمالي. مضيفاً أنه تم اكتشاف “إصابة أحد جيراني القادم من لبنان بعد أن خالط قسماً كبيراً من الأقارب والجيران، ولم يتم إجراء فحوصات لأحد منهم”. 

ويصف القاسم، 26 عاماً، واقع مدينته في مواجهة الوباء بكونه “فوضى وعشوائية، ولا أحد يعلم ما يدور حوله”، إذ “نسمع عن وجود حالات في المدينة، لكن لا نعرف مدى صحتها”.

لكن، كما يوضح الطبيب يمان الحكيم، المقيم في ريف درعا الغربي، فإن “الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة السورية هي فقط للمصابين الذين أجروا تحاليل في مشافي الحكومة”، فيما لا يتم توثيق المشتبه بإصابتهم استناداً إلى الأعراض في إحصاءات الوزارة .

مؤشرات لأرقام كارثية

أعلنت حكومة دمشق – متأخرة عن دول الجوار – تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في 22 آذار/مارس الماضي. سبق ذلك تعتيم إعلامي وعدم شفافية من الجهات المختصة بالكشف عن الوباء في سوريا، ما خلق تشكيكاً مبرراً في الأرقام الرسمية، لاسيما وأن منظمة الصحة العالمية كانت قد حذرت غير مرة من “انفجار في حالات الإصابة” في البلاد، خصوصاً مع استمرار حركة المليشيات الإيرانية والقوات الروسية والتركية إلى سوريا.

كذلك، توقع الطبيب المقيم في دمشق، في تسجيل حزيران/يونيو الماضي، بـ”هجمة شرسة لفيروس كورونا في سوريا”، محذراً من إصابة أعداد هائلة وسط غياب استراتيجية حكومية لمنع تفشي الفيروس. وفعلاً، مع حلول حزيران/يونيو الماضي، كان المنحنى البياني لعدد الإصابات المفصح عنها رسمياً قد أخذ بالارتفاع. إذ فيما سجلت وزارة الصحة 145 إصابة بالفيروس المستجد منذ إعلان أول إصابة في آذار/مارس وحتى نهاية أيار/مايو الماضيين، بلغ عدد الإصابات منذ مطلع حزيران/يونيو الماضي وحتى 16 آب/أغسطس الحالي 1,532 حالة.

رغم ذلك، فإن هذه الأرقام المتصاعدة للإصابات، لا تكشف حقيقة انتشار الوباء في سوريا، برأي مصادر طبية ومدنية. إذ رغم صعوبة الحصول على “أرقام موثقة فيما يخص الوضع الوبائي في دمشق، وخاصة مع عجز مشافيها عن إجراء تحاليل مخبرية، فإن الأعراض السببية للمرضى الذين يراجعون العيادات مؤشر على تفشي الفيروس”، وفقاً للطبيب الدمشقي المقيم في تركيا.

يعزز هذا الاستنتاج مقارنة مع ما أعلنته دمشق حتى 16 آب/أغسطس الحالي بتسجيل 237 إصابة في محافظة ريف دمشق، أفضت إلى ثلاث وفيات، بما وثقته “سوريا على طول” من إصابات بالأسماء في مدينة دوما وحدها، بالتواصل مع عائلات المصابين مباشرة، حيث بلغت 69 حالة، أفضت إلى 19 وفاة. فيما أكد ناشطون في المدينة لـ”سوريا على طول” تسجيلهم إصابة 319 شخصاً بفيروس كورونا، حتى نهاية تموز/يوليو الماضي.

وفيما تبدو محافظة درعا أفضل حالاً، متذيلة قائمة المحافظات السورية من حيث عدد الإصابات، إذ لم تتجاوز الإصابات الموثقة فيها بحسب دمشق، حتى 16 آب/أغسطس الحالي، 29 إصابة، فإن ثمة شكوكاً بالأرقام الرسمية هناك أيضاً. في هذا السياق، يقدر طبيب يعمل في إحدى المشافي التابعة للحكومة السورية لـ”سوريا على طول”، مستنداً إلى تقييمه الميداني، عدد مصابي كورونا في المحافظة “بحوالي 200 حالة”.

ومن المؤشرات الإضافية على تفشي فيروس كورونا في سوريا، إعلان وزارة الصحة الأردنية في تموز/يوليو الماضي تسجيل 44 إصابة بفيروس كورونا لمواطنين أردنيين قادمين من سوريا. ليعقب ذلك بفترة وجيزة إغلاق معبر جابر الحدودي مع سوريا لمدة أسبوع اعتباراً من 13 آب/أغسطس الحالي، كأحد التدابير لمنع وصول حالات مصابة بالوباء إلى الأردن.

وكانت دراسة صادرة، قبل أيام، عن برنامج بحوث النزاعات في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LES) توقعت وصول عدد الإصابات في سوريا، في حال لم يتم اتخاذ الإجراءات الاحترازية والتزام المواطنين بها، إلى نحو 350 ألف إصابة بنهاية تموز/يوليو الماضي، ومليوني إصابة بنهاية آب/أغسطس الحالي.

قطاع صحي متهالك

وفقاً لآخر الأرقام الرسمية الصادرة عن دمشق، تتوزع الإصابات بفيروس كورونا المستجد على 12 محافظة. في المقابل، تتوفر المختبرات المعتمدة من الوزارة لإجراء الفحص الخاصة بالوباء (بي. سي. آر) في أربع محافظات فقط، بواقع مختبرين في دمشق، ومختبر في كل من حمص واللاذقية وحلب.

وفي المحافظات التي لا تتوفر فيها مختبرات تابعة لوزارة الصحة، كما محافظة درعا، “يقوم فريق تابع لمديرية صحة درعا بأخذ مسحات من المشتبه بهم ويرسلها إلى دمشق للتأكد منها” كما قال الطبيب من درعا. ما قد يفسر تأخر دمشق في الإعلان عن وجود إصابات في بعض المحافظات أو ضعف أعدادها.

ورغم أن حكومة دمشق اعتمدت، في أواخر تموز/يوليو الماضي، أربع مراكز إضافية لإجراء فحص “بي. سي. آر”، فقد خصصتها لتسهيل أمور المسافرين إلى خارج سوريا عبر مطار بيروت، محددة سعر الفحص بـ100 دولار أميركي، أو ما يعادلها بالليرة السورية بحسب سعر الصرف المحدد من مصرف سوريا المركزي بـ1,250 ليرة للدولار. 

وقدّر برنامج بحوث النزاعات في مدرسة لندن أيضاً، الحد الأقصى لعدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد التي يمكن معالجتها في سوريا بشكل مناسب بحدود 6,500 حالة فقط، مع تباين بين المحافظات على هذا الصعيد. إذ فيما يمكن لدمشق التعامل مع 1,920 حالة، تكاد محافظة دير الزور في شرق سوريا تفتقد أي إمكانات في هذا الصدد. 

وقد بلغ إجمالي عدد مراكز العلاج (العزل) المعتمدة من وزارة صحة دمشق 21 مركزاً، فيما بلغ إجمالي مراكز الحجر المعتمدة 30 مركزاً، لكن مراكز الحجر “سمعتها سيئة، وتفتقر للنظافة العامة” كما قال الطبيب من دمشق، معتبراً ذلك عاملاً إضافياً من عوامل “عزوف المشتبه بإصابتهم أو المصابين عن مراجعة المراكز الحكومية المخصصة للتعامل مع الفيروس”.

وإضافة إلى “عدم وجود نظام صحي في البلد، فإن اكتظاظ وسائل النقل الداخلي، والازدحام الشديد على المخابز يجعل من تطبيق إجراءا ت السلامة أمراً يصعب تحقيقه”، كما يلفت الطبيب يمان الحكيم.

* تم حجب الأسماء الحقيقية للمصادر حفاظاً على سلامتهم.

شارك هذا المقال