6 دقائق قراءة

“كورونا” وتشريعات جديدة تضع سوريين في السعودية بمواجهة العودة إلى بلادهم غير الآمنة

رغم أن الحكومة السعودية قدمت تسهيلات للزائرين السوريين، كالسماح لهم بالعمل، وتعليم أبنائهم في المدارس الحكومية، فقد تحولت لاحقاً إلى إجراءات أكثر تشدداً، بأن "منعت دخول الطلبة من أبناء الزائرين إلى المدارس الحكومية".


8 يونيو 2020

عمان- في بلاد كان العمل فيها حلماً للشباب السوري، كما غيرهم من جنسيات أخرى، لم يتوقع الشاب علي الشامي (اسم مستعار) أن تتدنى أحوال السوريين في السعودية حد “طلب بعضهم الحصول على مساعدات مالية عبر المجموعات الخاصة بالجالية هناك على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يعجز آخرون عن تسديد رسوم [الإقامة] السنوية المتراكمة عليهم”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

إذ بعد تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية عرفتها مؤخراً دول الخليج العربي عموماً، تم سن سلسلة من القوانين والإجراءات “الطاردة للعمالة الوافدة، من قبيل زيادة الضرائب والرسوم على المقيمين، وتوطين المهن [استبدال العمالة الوافدة بعمالة محلية]”، ليتبع ذلك حالياً تداعيات فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) التي جاءت بمثابة “ضربة زادت تدهور أوضاعنا”، كما أوضح الشامي، المقيم في العاصمة السعودية الرياض، والمتعطل عن عمله في قطاع الإنشاءات منذ آذار/مارس الماضي نتيجة الإجراءات الهادفة لاحتواء تفشي الفيروس.

وفيما استثنت الحكومة السعودية بعض الأعمال من تعليق العمل، فقد تم حصر تصاريح مزاولة هذه الأعمال، في الأغلب، على السعوديين فقط، كما هي الحال في قطاع خدمات التوصيل، وفقاً للشامي، ولتبقى فرص عمل السوريين وأمثالهم من الجنسيات الأخرى “مقتصرة على فترات السماح [رفع الحظر الجزئي] وعلى نطاق ضيق”.

وتبدو المشكلة أكبر في حالة السوريين العاملين في السعودية بشكل غير قانوني، عقب دخولهم البلاد بتأشيرات زيارة عائلية أو تأشيرات خاصة بالحجاج. فهؤلاء “أول المتضررين بالأزمات، على نحو ما حصل مع تفشي كورونا”، كما قال عامل سوري في سوق الخضار بمدينة جدة لـ”سوريا على طول”. 

وكان العامل قد وصل إلى السعودية العام 2012 بتأشيرة زيارة عائلية، قادماً من مدينة الحولة في ريف حمص الشمالي. لكنه لم يتمكن منذئذ من تصويب وضعه “وتحويل تأشيرة الزيارة إلى إقامة. كما أتنقل من عمل إلى آخر”.

وبشكل عام، كما أضاف ابن مدينة الحولة، فإن تعطل العاملين في بعض الأسر “للشهر الثالث على التوالي، اضطرت النساء فيها إلى بيع حليهن من الذهب لتأمين المصاريف اليومية، فيما بعض الأسر مهددة بالطرد من منازلها لعدم قدرتها على دفع الإيجارات المستحقة”.

“كورونا” وزيادة العجز

في تشرين الأول/أكتوبر 2016، ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) أن المملكة استقبلت “ما يربوا عن 2.5 مليون سوري”، تم التعامل معهم “كأشقاء لا كلاجئين من أجل الحفاظ على كرامتهم الإنسانية، ومنحهم حق التمتع بحقوق الرعاية الصحيّة المجانية، والانخراط في سوق العمل، والالتحاق بالتعليم”.

وعدا عن أن هذا الرقم لا يوضح ما إذا كان يشمل السوريين المقيمين (بموجب إقامة قانونية) أم يقتصر على “الزائرين” (الذي دخلوا السعودية بتأشيرات زيارة عائلية أو حج أو عمرة، وتعد إقامتهم بالتالي غير قانونية)، فإن العدد كان أيضاً موضع تشكيك من منظمات دولية، من قبيل منظمة العفو الدولية التي كشفت أن دول الخليج، وتحديداً قطر والإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت والبحرين، لم تقدم أي فرصة إعادة توطين للاجئين السوريين. كذلك، يتناقض الرقم السابق مع ما ذكره مركز الملك سلمان للإغاثة، في كانون الثاني/يناير 2019، حول استضافة السعودية “أكثر من مليون زائر”، منهم 262,573 سورياً فقط.  علماً أن الهيئة (السعودية) العامة للإحصاء، لا توفر على موقعها الإلكتروني أعداد غير السعوديين حسب الجنسية، كما يظهر في التعداد الأخير المنشور عن السكان والمساكن في 2010.

ورغم أن الحكومة السعودية قدمت تسهيلات للزائرين السوريين، كالسماح لهم بالعمل، وتعليم أبنائهم في المدارس الحكومية، فقد تحولت لاحقاً إلى إجراءات أكثر تشدداً، بأن “منعت دخول الطلبة من أبناء الزائرين إلى المدارس الحكومية” بحسب الشامي. 

كذلك، لا يتمتع “الزائر” السوري في السعودية بالحقوق التي يتمتع بها اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في بلدان عربية أخرى، من مساعدات مالية أو غذائية أو منح دراسية أو توطين في بلدان أخرى. وقد تركوا، بالتالي، في مواجهة الأزمات الاقتصادية، وآخرها تلك المرتبطة بفيروس كورونا، من دون أي دعم حكومي محلي أو دولي.

ويمتد هذا التأثير حتى إلى السوريين “المقيمين”، كون غالبيتهم يعملون “تحت ما يعرف بالتستر التجاري، أي لحسابهم تحت أسماء أشخاص أو شركات سعودية”، كما قال خبير اقتصادي سوري مقيم في السعودية لـ”سوريا على طول”، ما يعني أنه “بتعطلهم خلال أزمة كورونا سيُتركون بلا موارد مالية، عدا عن أنهم مطالبون بدفع الرسوم السنوية المترتبة عليهم، والتي تقدر بمعدل  35,000 ريال سعودي [9333 دولار أميركي]”.

وفيما تعد الرسوم المفروضة على “الزائرين” منخفضة نسبياً، إذ تبلغ 100 ريال سعودي (26.6 دولار) شهرياً على الفرد الواحد، مقارنة برسوم تجديد الإقامة المفروضة على المقيمين، والتي بلغت في العام الحالي 400 ريال سعودي شهرياً (107 دولار) عن كل فرد مرافق، فإن فيروس كورونا “شلّ حركة الزائرين كلياً، ومنعهم من مزاولة أعمالهم التي يحصلون فيها على أجور متدنية أصلاً مقارنة بأجور المقيمين”، بحسب الخبير الاقتصادي، محذراً من أن “ضبط الزائر مخالفاً في ساعات الحظر قد يعرضه للترحيل خارج السعودية”. 

لذلك، فإن “العمال السوريين المخالفين أو أصحاب الزيارات -وعددهم ليس قليلاً- أوضاعهم الاقتصادية صعبة في فترات الحظر”، كما أكد العامل في سوق الخضار بجدة، “على عكس الموظفين في الشركات الكبرى الذين يحصلون على رواتب خلال فترة الحظر؛ إذ ينقطع راتب المخالف أو الزائر بمجرد تعطله عن العمل”.

غياب التكافل الاجتماعي

ضمن الإجراءات الهادفة لتعويض المتضررين من وقف الأعمال نتيجة “كوفيد-19″، قررت الحكومة السعودية دفع ما نسبته 60% من راتب المتعطل عن العمل خلال الأزمة. لكن أسوة بأغلب الدول الأخرى، تقتصر الاستفادة من هكذا قرار على “السعوديين فقط، وضمن شروط معينة، دون باقي الجنسيات، حتى وإن كانوا متعطلين تعطلاً كاملاً”، كما بين عبد الرحمن العلي (اسم مستعار) الذي يعمل مديراً في مؤسسة بيع مواد ومستلزمات البناء بالرياض.

وفيما تكاد تتشابه الظروف الاقتصادية للسوريين المقيمين في السعودية مع مواطنيهم في الكويت التي أعلنت فرض حظر تجول شاملٍ من 10 إلى 30 أيار/مايو الماضي، فإن “دعم الحكومة الكويتية والجمعيات الخيرية للمتضررين من فيروس كورونا في الكويت، بشكل دوري ومنتظم ومن دون تمييز بين جالية وأخرى سواء عربية أو آسيوية، خفف من أضرار الحظر على العمال السوريين”، بحسب ما قال لـ”سوريا على طول”، طه الرحبي، الصحفي السوري المقيم في الكويت، وأحد المشاركين في حملة تطوعية لتوزيع المساعدات على الجالية السورية في “منطقتي المهبولة وجليب الشيوخ اللتين تم فرض الحجر الكلي عليهما منذ بدء تفشي الفيروس في الكويت”.

في المقابل، فإن مثل هذا “التكافل الاجتماعي على نطاق واسع وعلني ممنوع على الجاليات في السعودية، إلا إذا كان على نطاق فردي وشخصي”، بحسب الشامي. مضيفاً أن “التكافل الفردي في مثل هذه الظروف لا يغطي عجز آلاف المتضررين من السوريين، وأضعاف هذه الأرقام من الجنسيات الأخرى”.

القادم أصعب

شهرياً، كما كثير من السوريين في الخارج، كان محمد العمر (اسم مستعار) يرسل مبلغاً مالياً إلى عائلته في محافظة ريف دمشق، لمساعدتها في تأمين احتياجاتها الضرورية. لكنه توقف عن ذلك منذ تفشي “كورونا” وما فرضه ذلك من حزمة تدابير الاحترازية. إذ “بالكاد أنهي شهري من دون عجز مالي”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وقد تأثر العمر (45 عاماً)، الأب لأربعة أطفال، والذي يعمل في قطاع المقاولات والإنشاءات في السعودية منذ العام 2011، بالرسوم التصاعدية التي فرضتها الحكومة هناك العام 2017 على المرافقين. فقد بدأت آنذاك بمبلغ  100 ريال سعودي (26.6 دولار)عن كل مرافق، لتصل مع حلول 2020 إلى 400 ريال (107 دولار)، تضاف إليها رسوم مكتب العمل والتأمين الصحي، وبحيث يكون رسوم تجديد إقامات أفراد عائلته “نحو 24,000 ريال [6,400 دولار]، تضاف إليها رسوم التأمين الصحي ومكتب العمل وقيمتها تقريباً 12,000 ريال [3,200 دولار]”.

كذلك، فرضت السعودية مطلع العام 2018 ضريبة القيمة المضافة، بنسبة 5%، ورفعت رسوم الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه، إضافة إلى رفع أسعار المحروقات. وسيتعمق التأثير مع رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15% مطلع تموز/يوليو المقبل.

أيضاً، من المقرر بدء العمل برسوم جمركية جديدة، اعتباراً من 10 حزيران/يونيو الحالي، تشمل مئات الأصناف الأساسية، بما في ذلك لحوم الأغنام المعدة للذبح بنسبة 7%، والألبان بنسبة 10% بدلاً من 5%.

يضاف إلى ذلك تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي نتيجة “كورونا”، والخشية من دخوله مرحلة ركود أو حتى كساد لفترة غير معروفة، وبما يؤثر على الطلب العالمي على النفط الذي يعد مصدر الدخل الرئيس للسعودية ودول الخليج الأخرى عموماً، والذي شهد قبل فترة انهياراً غير مسبوق في أسعاره.

لذلك، أكثر من أي وقت مضى، يرى العمر وغيره من المواطنين السوريين المقيمين في السعودية الذين تحدثت إليهم “سوريا على طول” أن “دول الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً، لم تعد مجدية اقتصادياً”. ويتوقع العمر أن تكون الأشهر المقبلة “أشد صعوبة على العمالة الوافدة في السعودية، حتى وإن عادت الحياة إلى طبيعتها بعد رفع الحظر المفروض بسبب فيروس كورونا”.

وبحسب العمر، “يتراوح معدل رواتب المقيمين السوريين في السعودية بين 3,000 و4,000 ريال [800 و1,065 دولار]، تصرف كاملة على الرسوم والمصاريف الشهرية”، فيما “صارت من الماضي” حياة الرفاهية التي كان يتمتع بها المقيمون في دول الخليج، كما قال.

وفيما تعد “العودة إلى البلاد أفضل الخيارات بالنسبة للعمالة الأجنبية [العربية وغير العربية] في السعودية، فإن هذا الخيار غير متاح للسوريين في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي تعيشها سوريا”، وفقاً للعلي. مضيفاً أن “تركيا كانت خياراً مناسباً لمئات السوريين، لكنها الآن خيار المقتدرين مالياً فقط”. وبما أنها البلد الوحيد المتاح أمام السوريين، فقد جعلهم ذلك “عرضة لاستغلال مكاتب تعقيب المعاملات التي تتعامل مع السفارة التركية في السعودية، إذ يضطر السوري إلى دفع مبلغ قد يصل إلى 9,000 ريال [2,400 دولار] للحصول على تأشيرة لكل شخص”.

فوق كل ذلك، يظل قائماً خطر ترحيل السوريين المخالفين، سواء منذ تجاوزهم غرض التأشيرة الممنوحة لهم (لغير العمل) أو نتيجة فقدانهم عملهم بشكل دائم بحيث أصبحوا لا يستطيعون تجديد إقامتهم. وهو ما يواجهه الآن قرابة 9,000 سوري مخالف في الكويت، مع توقع الرحبي عدم ترحيل أي سوري من الكويت “مراعاة للأوضاع الإنسانية للسوريين”.

بالنتيجة، ومع صعوبة الحصول على فرصة لجوء أو إعادة توطين في دول أوروبية، لا سيما وأن “السوريين في دول الخليج غير مسجلين في سجلات المفوضية”، فإنه بمجرد التوصل إلى حل سياسي يضمن أمن السوريين في بلادهم ويمنع ملاحقتهم من الأجهزة الأمنية، “قد يعود أكثر من نصف المقيمين السوريين في السعودية إلى سوريا” بتقدير العلي.

شارك هذا المقال